اثر التلاقي الفريقين (البصري والكوفي) ببغداد في تنويع النزعات الى ثلاث
المؤلف:
محمد الطنطاوي
المصدر:
نشأة النحو وتاريخ أشهر النحاة
الجزء والصفحة:
ص100- 101
3-03-2015
2344
لقد تبينت مما سلف أن الطور الثالث "طور النضوج والكمال" قد تم على يد الفريقين، بعد أن توطدت أقدامهما في بغداد بعد منتصف القرن الثالث الهجري ومر عليهما حين من الزمن وهما يتطاحنان في مناصرة مذهبيهما على مرأى من العلماء الذين تنوعت اختياراتهم حينذاك، فمن مؤيد البصري ومن مؤثر الكوفي، ومن مازج بين المذهبين، وإن قل هؤلاء إذ كانت حدة الخلاف بين الفريقين مع كثرة عديهم وعظيم شأنهم في حياة المجتهدين من دواعي تغلب الانحياز إلى أحد الطرفين على اختيار مذهب خليط، حتى إذا قضى المجتهدون نحبهم في أواخر القرن الثالث الهجري، وأسدل الستار عليهم، وانكسرت حدة النعرة الحزبية عرض العلماء المذهبين على بساط البحث والنقد، فاستعرضوا دعائم القواعد، التي تركزت عليها من الرواية والشواهد والأقيسة ليتعرفوا مقدار هذه القواعد من الصحة والضعف حتى يبتنى حكمهم في الاختيار على أساس غير منهار، وهم ما يزال فيهم فئة تلقت عن البصري، وأخرى عن الكوفي، بينما أخذت عن الفريقين فئة ثالثة.
على أنهم بعد هذا في أنفسهم بين محافظ على ترسم خطى سلفه فغلبت عليه النزعة الطائفية، وبين منصف تحلل من قيود الحزبية ونظر إلى العلم نظرة خالصة لا يشوبها عاطفة، فآثر ما رجح عنده وتمذهب به، فلم يكن غريبا على من لقنه عن بصري أن يجنح بعد إلى إيثار المذهب الكوفي أو المكون منهما والعكس بالعكس، كما لم يكن بدعا على من تتلمذ لهما أن يؤازر أحدهما.
ص100
نجم عن ذلك كله أنهم اختلفوا طرائق قددا، فكان منهم من غلبت عليه النزعة البصرية، ومنهم من غلبت عليه الكوفية، ومنهم من جمع بين النزعتين.
وقد قسم ابن النديم في الفهرست "المقالة الثانية" إلى فنون ثلاثة: الفن الأول في البصريين، والثاني في الكوفيين، والثالث في الخالطين بين المذهبين، واستعرض في الأولين علماءهما سلفهم وخلفهم المشايعين لهم إلى عصره.
ويقتضينا ترتيبنا في كتابنا أن نذكر كلا من المشايعين المتأخرين للفريقين المعاصرين للجامعين بين النزعتين في هذا العهد، فإن المجتهدين السابقين من المصرين مضى الحديث عنهما حين كان كل في مصره إبان تكوين النحو ونموه ونضوجه، فالحديث الآن عن النحاة الذين رفرفت عليهم بغداد بظلها الظليل.
وطبعي أن البلاد الإسلامية التي كانت مستشرفة لهذا العلم قد تأثرت بهذه النزعات لأن بغداد كعبة الجميع، وقد نزح إليها من مصر في ذلك العهد عدد كبير سنذكر المشهورين منهم بعد الطوائف الثلاث العراقية، فإليهم يرجع الفضل في دخول النحو وكتبه ودراسته البلاد المصرية.
ونحن الآن بصدد الطوائف العراقية الثلاثة، غير أنا نكتفي بترجمة المشهورين فقط، مع إحالة الراغب في الاطلاع على الكل على كتاب الفهرست لأنه مؤرخ هذا العهد على ما نبهنا سابقا.
ص101
الاكثر قراءة في نشأة النحو في بغداد وطابعه
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة