الاستشارات السياسية للإمام (عليه السلام)
المؤلف:
جعفر السبحاني
المصدر:
سيرة الأئمة "ع"
الجزء والصفحة:
ص70-72.
23-01-2015
4313
كان الإمام مستشاراً هاماً في معالجة كثير من المشاكل السياسية والعلمية والاجتماعية في زمن الخليفة الثاني وسنشير إلى مثال واحد من مجموع المرات العديدة التي استعان الخليفة الثاني فيها بفكر الإمام في القضايا السياسية.
وقعت في السنة الرابعة عشرة من الهجرة حرب طاحنة بين جيش الإسلام و بين جيش الفرس في القادسية وانتهت بانتصار المسلمين وقتل رستم فرّخ زاد القائد العام للقوات الفارسية مع مجموعة من المقاتلين وانضم بهذا الانتصار جميع أرجاء العراق تحت لواء الإسلام واستولى المسلمون على المدائن التي كانت مركزاً للملوك الساسانيين وتراجع قادة الجيش الفارسي إلى داخل أراضيه.
وخشي المستشارون والعسكريون الفرس من أن يزحف الجيش الإسلامي إلى داخل أراضيهم ويستولي على جميع أرجاء البلاد بالتدريج، ولأجل مواجهة هذا النوع من الهجوم الخطير أعدَّ يزدجرد ملك فارس جيشاً قوامه مائة وخمسون ألف مقاتل بقيادة فيروزان حتى يصد أي هجوم مفاجئ، وإذا ساعدت الظروف يبدأ هو بالهجوم.
وكتب سعد بن أبي وقاص القائد العام للقوات الإسلامية [وعلى رواية عمار بن ياسر الذي استولى على الكوفة] رسالة إلى عمر يطلعه فيها على تحشدات العدو وأضاف انّ جيش الكوفة مستعد لخوض المعركة وقبل أن يبدأنا العدو بالحرب نداهمه لإرعابه.
دخل الخليفة المسجد واستدعى كبار الصحابة.
وأطلعهم على ما ينويه من ترك المدينة والانطلاق نحو مكان بين البصرة والكوفة ليقود الجيش من هناك، فقام طلحة في هذه الأثناء وشجّع الخليفة على ذلك وقال كلاماً تفوح منه رائحة التملّق جيداً، ثمّ قام عثمان بعد ذلك ولم يكتف بحثّ الخليفة على الانطلاق فقط، بل أضاف ان أكتب إلى جيش الشام واليمن بأن ينطلقوا جميعاً ويلحقوا بك حتى يمكنك مواجهة العدو بهذا الجيش الكبير.
حينئذ قام أمير المؤمنين (عليه السلام) و قال: «إنّ هذا الأمر لم يكن نصره ولا خذلانه بكثرة ولا قلّة وهو دين اللّه الذي أظهره وجنده الذي أعدّه وأمدّه حتى ما يبلغ وطلع حيثما طلع ونحن على موعود من اللّه واللّه منجز وعده وناصر جنده، ومكان القيّم بالأمر مكان النظام من الخرز يجمعه ويضمه، فإذا انقطع النظام تفرق الخرز وذهب ثمّ لم يجتمع بحذافيره أبدا والعرب اليوم و إن كانوا قليلاً فهم كثيرون بالإسلام عزيزون بالاجتماع، فكن قطباً واستدر الرحى بالعرب وأصلهم دونك نار الحرب، فانّك إن شخصت من هذه الأرض انتقضت عليك العرب من أطرافها وأقطارها حتى يكون ما تدع وراءك من العورات أهم إليك ممّا بين يديك.
إنّ الأعاجم إن ينظروا إليك غداً يقولون: هذا أصل العرب، فإذا قطعتموه استرحتم، فيكون ذلك أشد لكلبهم عليك وطمعهم فيك.
فأمّا ما ذكرت من مسير القوم إلى قتال المسلمين، فإنّ اللّه سبحانه هو أكره لمسيرهم منك، وهو أقدر على تغيير ما يكره، وأمّا ما ذكرت من عددهم، فإنّا لم نكن نقاتل فيما مضى بالكثرة، وإنّما كنا نقاتل بالنصر والمعونة».
استجاب عمر لكلام الإمام بعد سماعه ولم يذهب.
ونظراً لهذه المعالجة والحلول قال عمر: أعوذ باللّه من مشكلة ليس لها أبو الحسن.
الاكثر قراءة في مناقب أمير المؤمنين (عليه السّلام)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة