تأملات قرآنية
مصطلحات قرآنية
هل تعلم
علوم القرآن
أسباب النزول
التفسير والمفسرون
التفسير
مفهوم التفسير
التفسير الموضوعي
التأويل
مناهج التفسير
منهج تفسير القرآن بالقرآن
منهج التفسير الفقهي
منهج التفسير الأثري أو الروائي
منهج التفسير الإجتهادي
منهج التفسير الأدبي
منهج التفسير اللغوي
منهج التفسير العرفاني
منهج التفسير بالرأي
منهج التفسير العلمي
مواضيع عامة في المناهج
التفاسير وتراجم مفسريها
التفاسير
تراجم المفسرين
القراء والقراءات
القرآء
رأي المفسرين في القراءات
تحليل النص القرآني
أحكام التلاوة
تاريخ القرآن
جمع وتدوين القرآن
التحريف ونفيه عن القرآن
نزول القرآن
الناسخ والمنسوخ
المحكم والمتشابه
المكي والمدني
الأمثال في القرآن
فضائل السور
مواضيع عامة في علوم القرآن
فضائل اهل البيت القرآنية
الشفاء في القرآن
رسم وحركات القرآن
القسم في القرآن
اشباه ونظائر
آداب قراءة القرآن
الإعجاز القرآني
الوحي القرآني
الصرفة وموضوعاتها
الإعجاز الغيبي
الإعجاز العلمي والطبيعي
الإعجاز البلاغي والبياني
الإعجاز العددي
مواضيع إعجازية عامة
قصص قرآنية
قصص الأنبياء
قصة النبي ابراهيم وقومه
قصة النبي إدريس وقومه
قصة النبي اسماعيل
قصة النبي ذو الكفل
قصة النبي لوط وقومه
قصة النبي موسى وهارون وقومهم
قصة النبي داوود وقومه
قصة النبي زكريا وابنه يحيى
قصة النبي شعيب وقومه
قصة النبي سليمان وقومه
قصة النبي صالح وقومه
قصة النبي نوح وقومه
قصة النبي هود وقومه
قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف
قصة النبي يونس وقومه
قصة النبي إلياس واليسع
قصة ذي القرنين وقصص أخرى
قصة نبي الله آدم
قصة نبي الله عيسى وقومه
قصة النبي أيوب وقومه
قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله
سيرة النبي والائمة
سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام
سيرة الامام علي ـ عليه السلام
سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله
مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة
حضارات
مقالات عامة من التاريخ الإسلامي
العصر الجاهلي قبل الإسلام
اليهود
مواضيع عامة في القصص القرآنية
العقائد في القرآن
أصول
التوحيد
النبوة
العدل
الامامة
المعاد
سؤال وجواب
شبهات وردود
فرق واديان ومذاهب
الشفاعة والتوسل
مقالات عقائدية عامة
قضايا أخلاقية في القرآن الكريم
قضايا إجتماعية في القرآن الكريم
مقالات قرآنية
التفسير الجامع
حرف الألف
سورة آل عمران
سورة الأنعام
سورة الأعراف
سورة الأنفال
سورة إبراهيم
سورة الإسراء
سورة الأنبياء
سورة الأحزاب
سورة الأحقاف
سورة الإنسان
سورة الانفطار
سورة الإنشقاق
سورة الأعلى
سورة الإخلاص
حرف الباء
سورة البقرة
سورة البروج
سورة البلد
سورة البينة
حرف التاء
سورة التوبة
سورة التغابن
سورة التحريم
سورة التكوير
سورة التين
سورة التكاثر
حرف الجيم
سورة الجاثية
سورة الجمعة
سورة الجن
حرف الحاء
سورة الحجر
سورة الحج
سورة الحديد
سورة الحشر
سورة الحاقة
الحجرات
حرف الدال
سورة الدخان
حرف الذال
سورة الذاريات
حرف الراء
سورة الرعد
سورة الروم
سورة الرحمن
حرف الزاي
سورة الزمر
سورة الزخرف
سورة الزلزلة
حرف السين
سورة السجدة
سورة سبأ
حرف الشين
سورة الشعراء
سورة الشورى
سورة الشمس
سورة الشرح
حرف الصاد
سورة الصافات
سورة ص
سورة الصف
حرف الضاد
سورة الضحى
حرف الطاء
سورة طه
سورة الطور
سورة الطلاق
سورة الطارق
حرف العين
سورة العنكبوت
سورة عبس
سورة العلق
سورة العاديات
سورة العصر
حرف الغين
سورة غافر
سورة الغاشية
حرف الفاء
سورة الفاتحة
سورة الفرقان
سورة فاطر
سورة فصلت
سورة الفتح
سورة الفجر
سورة الفيل
سورة الفلق
حرف القاف
سورة القصص
سورة ق
سورة القمر
سورة القلم
سورة القيامة
سورة القدر
سورة القارعة
سورة قريش
حرف الكاف
سورة الكهف
سورة الكوثر
سورة الكافرون
حرف اللام
سورة لقمان
سورة الليل
حرف الميم
سورة المائدة
سورة مريم
سورة المؤمنين
سورة محمد
سورة المجادلة
سورة الممتحنة
سورة المنافقين
سورة المُلك
سورة المعارج
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة المرسلات
سورة المطففين
سورة الماعون
سورة المسد
حرف النون
سورة النساء
سورة النحل
سورة النور
سورة النمل
سورة النجم
سورة نوح
سورة النبأ
سورة النازعات
سورة النصر
سورة الناس
حرف الهاء
سورة هود
سورة الهمزة
حرف الواو
سورة الواقعة
حرف الياء
سورة يونس
سورة يوسف
سورة يس
آيات الأحكام
العبادات
المعاملات
تفسير الاية (12-19) من سورة الملك
المؤلف: اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية
المصدر: تفاسير الشيعة
الجزء والصفحة: ......
31-10-2017
5364
قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (12) وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَو اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (13) أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُو اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (14) هُوالَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ (15) أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (16) أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ (17) وَلَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ (18) أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} [الملك: 13 - 19].
لما تقدم الوعيد عقبه سبحانه بالوعد فقال {إن الذين يخشون ربهم بالغيب} أي يخافون عذاب ربهم باتقاء معاصيه وفعل طاعاته على وجه الاستسرار بذلك لأن الخشية متى كانت بالغيب على ما ذكرنا كانت بعيدة من الرياء خالصة لوجه الله وخشية الله بالغيب تنفع بأن يستحق عليها الثواب وخشيته في الظاهر بترك المعاصي لا يستحق بها الثواب فإذا الخشية بالغيب أفضل لا محالة وقيل بالغيب معناه أنه يخشونه ولم يروه فيؤمنون به خوفا من عذابه وقيل يخافونه حيث لا يراهم مخلوق لأن أكثر ما ترتكب المعاصي إنما ترتكب في حال الخلوة فهم يتركون المعصية لئلا يجعلوا الله سبحانه أهون الناظرين إليهم ولأن من تركها في هذه الحال تركها في حال العلانية أيضا.
{لهم مغفرة} لذنوبهم {وأجر كبير} أي عظيم في الآخرة لا فناء له ثم قال سبحانه مهددا للعصاة {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} يعني أنه عالم بإخلاص المخلص ونفاق المنافق فإن شئتم فأظهروا القول وإن شئتم فأبطنوه فإنه عليم بضمائر القلوب ومن علم إضمار القلب علم أسرار القول قال ابن عباس كانوا ينالون من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلّم) فيخبره به جبرئيل فقال بعضهم لبعض أسروا قولكم لكيلا يسمع آل محمد فنزلت الآية {أ لا يعلم من خلق} قيل في معناه وجوه {أحدها} أ لا يعلم ما في الصدور من خلق الصدور {وثانيها} أ لا يعلم سر العبد من خلقه أي من خلق العبد فعلى الوجهين يكون {من خلق} بمعنى الخالق {وثالثها} أن يكون من خلق بمعنى المخلوق والمعنى أ لا يعلم الله مخلوقة {وهو اللطيف} أي العالم بما لطف ودق وقيل اللطيف بعباده من حيث يدبرهم بألطف التدبير واللطيف التدبير من يدبر تدبيرا نافذا لا يجفو عن شيء يدبره به وقيل اللطيف من كان فعله في اللطف بحيث لا يهتدي إليه غيره وهو فعيل بمعنى فاعل كالقدير والعليم وقيل هو بمعنى الملطف كالبديع بمعنى المبدع وقيل اللطيف الذي يكلف اليسير ويعطي الكثير.
{الخبير} العالم بالعباد وأعمالهم ثم عدد سبحانه أنواع نعمه ممتنا على عباده بذلك فقال {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} أي سهلة ساكنة مسخرة تعملون فيها ما تشتهون وقيل ذلولا لم يجعلها بحيث يمتنع المشي فيها بالحزونة والغلظ وقيل ذلولا موطأة للتصرف فيها والمسير عليها ويمكنكم زراعتها {فامشوا في مناكبها} أي في طرقها وفجاجها عن مجاهد وقيل في جبالها لأن منكب كل شيء أعلاه عن ابن عباس وقتادة ثم إن كان هذا أمر ترغيب فالمراد فامشوا في طاعة الله وإن كان للإباحة فقد أباح المشي فيها لطلب المنافع في التجارات {وكلوا من رزقه} أي كلوا مما أنبت الله في الأرض والجبال من الزروع والأشجار حلالا {وإليه النشور} أي وإلى حكمه المرجع في القيامة وقيل معناه وإليه الإحياء للمحاسبة فهو مالك النشور والقادر عليه عن الجبائي.
ثم هدد سبحانه الكفار زاجرا لهم عن ارتكاب معصيته والجحود لربوبيته فقال {أ أمنتم من في السماء} أي أمنتم عذاب من في السماء سلطانه وأمره ونهيه وتدبيره لا بد أن يكون هذا معناه لاستحالة أن يكون الله جل جلاله في مكان أوفي جهة وقيل يعني بقوله {من في السماء} الملك الموكل بعذاب العصاة {أن يخسف بكم الأرض} يعني أن يشق الأرض فيغيبكم فيها إذا عصيتموه {فإذا هي تمور} أي تضطرب وتتحرك والمعنى أن الله يحرك الأرض عند الخسف بهم حتى تضطرب فوقهم وهم يخسفون فيها حتى تلقيهم إلى أسفل والمور التردد في الذهاب والمجيء مثل الموج {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} أي ريحا ذات حجر كما أرسل على قوم لوط حجارة من السماء وقيل سحابا يحصب عليكم الحجارة {فستعلمون} حينئذ {كيف نذير} أي كيف إنذاري إذا عاينتم العذاب {ولقد كذب الذين من قبلهم} رسلي وجحدوا وحدانيتي {فكيف كان نكير} أي عقوبتي وتغييري ما بهم من النعم وقيل كيف رأيتم إنكاري عليهم بإهلاكهم واستئصالهم ثم نبه سبحانه على قدرته على الخسف وإرسال الحجارة فقال {أ ولم يروا إلى الطير فوقهم صافات} تصف أجنحتها في الهواء فوق رءوسهم {ويقبضن} أجنحتهن بعد البسط وهذا معنى الطيران وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط أي يضربن بأرجلهن ويبسطن أجنحتهن تارة ويقبضن أخرى فالجو للطائر كالماء للسابح وقيل معناه أن من الطير ما يضرب بجناحه فيصف ومنه ما يمسكه فيدف ومنه الصفيف والدفيف {ما يمسكهن إلا الرحمن} بتوطئة الهواء لهن ولولا ذلك لسقطن وفي ذلك أعظم دلالة وأوضح برهان وحجة بأن من سخر الهواء هذا التسخير على كل شيء قدير والصف وضع الأشياء المتوالية على خط مستقيم والقبض جمع الأشياء عن حال البسط والإمساك اللزوم المانع من السقوط عن علي بن عيسى {إنه بكل شيء بصير} أي بجميع الأشياء عليم .
___________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج10 ، ص75-77.
{إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِيرٌ} . بعد أن ذكر سبحانه ما أعد للمجرمين من العذاب ذكر ما أعد للمتقين من الثواب على مبدأ الجمع بين الترغيب والترهيب ، والمتقون هم الذين يتورعون عن محارم اللَّه في جميع الحالات ، لا فرق عندهم علم الناس بحالهم أم لم يعلموا لأنهم لا يفعلون إلا لوجهه الكريم ، وهو يعلم السر وأخفى {وأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ} .
ومن علم الضمائر فبالأولى أن يعلم السر من القول . وتقدمت هذه الآية في سورة هود ج 4 ص 205 ، أما التي قبلها فتقدمت في سورة الأنبياء ج 5 ص 282 .
{أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} . اللَّه عالم بكل شيء لأنه خالق كل شيء ، وصفة اللطف تشير إلى انه تعالى لا يعاجل المسئ بالعقوبة رفقا به ورحمة له ، عسى أن يؤوب إلى رشده ويقلع عن ذنبه .
{هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} .
اللَّه سبحانه رحيم بعباده ، عليم بما يحتاجون إليه في هذه الحياة ، ولذا خلق لهم الأرض ، وقدر فيها الأقوات والأرزاق ، وجعلها طوع إرادتهم تستجيب لحوائجهم ومصالحهم ، وبتعبير الشيخ عبد القادر المغربي : « الأرض لنا نعمت المطية المدربة والذلول المجربة » . . ولكنه تعالى أناط ذلك بالسعي والعمل ، فقد شاءت حكمته أن يربط المسببات بأسبابها ، والنتائج بمقدماتها ، ومن خرج على هذه السنة فقد تمرد على سنّة اللَّه وإرادته {وإِلَيْهِ النُّشُورُ} . هذا تهديد ووعيد لمن يطلب الرزق بغير الكد والسعي المشروع {فَامْشُوا فِي مَناكِبِها وكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ } . وقال عز
من قائل : { لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ } [البلد: 4] أي كادحا يجاهد ويكابد كما قال كثير من المفسرين .
{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً} . المراد بمن في السماء خالق السماء ، وانما خصها سبحانه بالذكر مع انه خالق كل شيء - لأن الناس يعبرون عن تدبيره تعالى بتدبير السماء . . بعد أن ذكّر سبحانه بنعمة الأرض وخيراتها حذّر من عاقبة البغي والفساد فيها ، فإن هذه النعمة تتحول إلى شر ووبال على المجرمين والمفسدين لأن الذي جعلها « ذلولا » للعباد قادر على ان يخسفها بهم بالزلازل والاهتزاز فتبتلعهم وما يملكون ، أو يرسل عليهم ريحا عاتية ترميهم بالحصباء فتفنيهم عن آخرهم . وتقدم مثله في الآية 68 من سورة الاسراء ج 5 ص 65 .
{فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} . لقد أنذركم اللَّه وحذركم سوء العاقبة ، فكذبتم بالإنذار وسخرتم من التحذير ، وعما قريب يحل بكم العذاب الذي كنتم به تكذبون ومنه تسخرون {ولَقَدْ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كانَ نَكِيرِ} أي نكيري ، ونكيره تعالى عذابه ، والمعنى لقد سمعتم أخبار الذين أخذهم اللَّه بذنوبهم ، وعلمتم كيف نزل بهم العذاب . . ألا تخشون ان يصيبكم ما أصابهم ؟ . وتقدم مثله في العديد من الآيات ، منها الآية 69 من سورة التوبة والآية 45 من سورة سبأ {أَولَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ ويَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ} . هذه الآية تدعو الجاحدين إلى التفكير في خلق اللَّه وقدرته تعالى ، ومن آثار هذه القدرة خلق الطير وتحليقه في السماء . . فمن الذي خلقه على هيئة أهلته للطيران ، وهدته إلى أن يبسط جناحيه في أكثر الأحيان ، ويضمهما حينا بعد حين تماما كما يفعل السابح ؟ هل هي الصدفة والطبيعة العمياء أو قانون بقاء الأصلح : {وما مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ } - 38 الأنعام تشعر كما تشعرون ، وتسير على نواميس طبيعية كما تسيرون ، فالطائر يطير بجناحيه والإنسان يمشي على رجليه ، ويسافر في السيارة أو الطائرة أو في سفينة ماء أو فضاء ، وكل هذه الأسباب وما إليها هي من صنع اللَّه تعالى أوجدها كوسيلة إلى المقاصد والغايات . وتقدم مثله في الآية 79 من سورة النحل ج 4 ص 536 .
___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7 ، ص378-379.
قوله تعالى: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} لما ذكر حال الكفار وما يجازون به على كفرهم قابلة بحال المؤمنين بالغيب لتمام التقسيم وذكر من وصفهم الخشية لأن المقام مقام الإنذار والوعيد.
وعد خشيتهم خشية بالغيب لكون ما آمنوا به محجوبا عنهم تحت حجب الغيب.
قوله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} رفع شبهة يمكن أن تختلج في قلوبهم مبنية على الاستبعاد وذلك أنه تعالى ساق الكلام في بيان ربوبيته لكل شيء المستتبعة للبعث والجزاء وذكر ملكه وقدرته المطلقين وخلقه وتدبيره ولم يذكر علمه المحيط بهم وبأحوالهم وأعمالهم وهو مما لا يتم البعث والجزاء بدونه.
وكان من الممكن أن يتوهموا أن الأعمال على كثرتها الخارجة عن الإحصاء لا يتأتى ضبطها وخاصة ما تكنه الصدور منها فإن الإنسان يقيس الأشياء بنفسه ويزنها بزنة نفسه وهو غير قادر على إحصاء جزئيات الأعمال التي هي حركات مختلفة متقضية وخاصة أعمال القلوب المستكنة في زواياها.
فدفعه بأن إظهار القول وإخفاءه سواء بالنسبة إليه تعالى فإنه عليم بذات الصدور، والسياق يشهد أن المراد استواء خفايا الأعمال وجلاياها بالنسبة إليه، وإنما ذكر أسرار القول وجهره من حيث ظهور معنى الخفاء والظهور فيه بالجهر والإسرار.
قوله تعالى: {أ لا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} استفهام إنكاري مأخوذ حجة على علمه تعالى بأعمال الخلق ظاهرها وباطنها وسرها وجهرها وذلك أن أعمال الخلق - ومن جملتها أعمال الإنسان الاختيارية - وإن نسبت إلى فواعلها لكن الله سبحانه هو الذي يريدها ويوجدها من طريق اختيار الإنسان واقتضاء سائر الأسباب فهو الخالق لأعيان الأشياء والمقدر لها آثارها كيفما كانت والرابط بينها وبين آثارها الموصل لها إلى آثارها، قال تعالى: { اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} [الزمر: 62] ، وقال: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} [الأعلى: 2، 3] ، فهو سبحانه محيط بعين من خلقه وأثره ومن أثره أعماله الظاهرة والباطنة وما أسره وما جهر به وكيف يحيط به ولا يعلمه.
وفي الآية إشارة إلى أن أحوال الأشياء وأعمالها غير خارجة عن خلقها لأنه تعالى استدل بعلمه بمن خلق على علمه بخصوصيات أحواله وأعماله ولولا كون الأحوال والأعمال غير خارجة عن وجود موضوعاتها لم يتم الاستدلال.
على أن الأحوال والأعمال من مقتضيات موضوعاتها والذي ينتسب إليه وجود الشيء ينتسب إليه آثار وجوده.
وقوله: {وهو اللطيف الخبير} أي النافذ في بواطن الأشياء المطلع على جزئيات وجودها وآثارها، والجملة حالية تعلل ما قبلها والاسمان الكريمان من الأسماء الحسنى ذيلت بهما الآية لتأكيد مضمونها.
وفي الآيات كرة بعد كرة بآيات التدبير الدالة على ربوبيته تعالى مقرونة بالإنذار والتخويف أعني قوله: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا} الآية، وقوله: {أ ولم يروا إلى الطير} الآية بعد قوله: {الذي خلق الموت والحياة} الآية، وقوله: {الذي خلق سبع سماوات} الآية، وقوله: {ولقد زينا} الآية.
قوله تعالى: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} الذلول من المراكب ما يسهل ركوبه من غير أن يضطرب ويجمح والمناكب جمع منكب وهو مجتمع ما بين العضد والكتف واستعير لسطح الأرض، قال الراغب: واستعارته للأرض كاستعارة الظهر لها في قوله: {ما ترك على ظهرها من دابة} وتسمية الأرض ذلولا وجعل ظهورها مناكب لها يستقر عليها ويمشي فيها باعتبار انقيادها لأنواع التصرفات الإنسانية من غير امتناع، وقد وجه كونها ذلولا ذا مناكب بوجوه مختلفة تؤول جميعها إلى ما ذكرنا.
والأمر في قوله: {وكلوا من رزقه} للإباحة والنشور والنشر إحياء الميت بعد موته وأصله من نشر الصحيفة والثوب إذا بسطهما بعد طيهما.
والمعنى: هو الذي جعل الأرض مطاوعة منقادة لكم يمكنكم أن تستقروا على ظهورها وتمشوا فيها تأكلون من رزقه الذي قدره لكم بأنواع الطلب والتصرف فيها.
وقوله: {وإليه النشور} أي ويرجع إليه نشر الأموات بإخراجهم من الأرض وإحيائهم للحساب والجزاء، واختصاص رجوع النشر به كناية عن اختصاص الحكم بالنشور به والإحياء يوم القيامة فهو ربكم المدبر لأمر حياتكم الدنيا بالإقرار على الأرض والهداية إلى مآرب الحياة، وله الحكم بالنشور للحساب والجزاء.
وفي عد الأرض ذلولا والبشر على مناكبها تلويح ظاهر إلى ما أدت إليه الأبحاث العلمية أخيرا من كون الأرض كرة سيارة.
قوله تعالى: {ء أمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} إنذار وتخويف بعد إقامة الحجة وتوبيخ على مساهلتهم في أمر الربوبية وإهمالهم أمر الشكر على نعم ربهم بالخضوع لربوبيته ورفض ما اختلقوه من الأنداد.
والمراد بمن في السماء الملائكة المقيمون فيها الموكلون على حوادث الكون وإرجاع ضمير الإفراد إلى {من} باعتبار لفظه وخسف الأرض بقوم كذا شقها وتغييبهم في بطنها والمور على ما في المجمع التردد في الذهاب والمجيء مثل الموج.
والمعنى: ء أمنتم في كفركم بربوبيته تعالى الملائكة المقيمين في السماء الموكلين بأمور العالم أن يشقوا الأرض ويغيبوكم فيها بأمر الله فإذا الأرض تضطرب ذهابا ومجيئا بزلزالها.
وقيل: المراد بمن في السماء هو الله سبحانه والمراد بكونه في السماء كون سلطانه وتدبيره وأمره فيها لاستحالة أن يكون تعالى في مكان أو جهة أو محاطا بعالم من العوالم، وهذا المعنى وإن كان لا بأس به لكنه خلاف الظاهر.
قوله تعالى: {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير} الحاصب الريح التي تأتي بالحصاة والحجارة، والمعنى: أ أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم ريحا ذات حصاة وحجارة كما أرسلها على قوم لوط قال تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلَّا آلَ لُوطٍ} [القمر: 34].
وقوله: {فستعلمون كيف نذير} النذير مصدر بمعنى الإنذار والجملة متفرعة على ما يفهم من سابق الكلام من كفرهم بربوبيته تعالى وأمنهم من عذابه والمعنى ظاهر.
وقيل: النذير صفة بمعنى المنذر والمراد به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو سخيف.
قوله تعالى: {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} المراد بالنكير العقوبة وتغيير النعمة أو الإنكار، والآية كالشاهد يستشهد به على صدق ما في قوله: {فستعلمون كيف نذير} من الوعيد والتهديد.
والمعنى: ولقد كذب الذين من قبلهم من الأمم الهالكة رسلي وجحدوا بربوبيتي فكيف كان عقوبتي وتغييري النعمة عليهم أو كيف كان إنكاري ذلك عليهم حيث أهلكتهم واستأصلتهم.
وفي الآية التفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: {من قبلهم} إشعارا بسقوطهم - لجهالتهم وإهمالهم في التدبر في آيات الربوبية وعدم مخافتهم من سخط ربهم - عن تشريف الخطاب فأعرض عن مخاطبتهم فيما يلقى إليهم من المعارف إلى خطاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).
قوله تعالى: {أ ولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير} المراد بكون الطير فوقهم طيرانه في الهواء، وصفيف الطير بسطه جناحه حال الطيران وقبضه قبض جناحه حاله، والجمع في {صافات ويقبضن} لكون المراد بالطير استغراق الجنس.
وقوله: {ما يمسكهن إلا الرحمن} كالجواب لسؤال مقدر كان سائلا يسأل فيقول: ما هو المراد بإلفات نظرهم إلى صفيف الطير وقبضه فوقهم؟ فأجيب بقوله: {ما يمسكهن إلا الرحمن}.
وقرار الطير حال الطيران في الهواء من غير سقوط وإن كان مستندا إلى أسباب طبيعية كقرار الإنسان على بسيط الأرض والسمك في الماء وسائر الأمور الطبيعية المستندة إلى علل طبيعية تنتهي إليه تعالى لكن لما كان بعض الحوادث غير ظاهر السبب للإنسان في بادي النظر سهل له إذا نظر إليه أن ينتقل إلى أن الله سبحانه هو السبب الأعلى الذي ينتهي إليه حدوثه ووجوده، ولذا نبههم الله سبحانه في كلامه بإرجاع نظرهم إليها ودلالتهم على وحدانيته في الربوبية.
وقد ورد في كلامه تعالى شيء كثير من هذا القبيل كإمساك السماوات بغير عمد وإمساك الأرض وحفظ السفن على الماء واختلاف الأثمار والألوان والألسنة وغيرها مما كان سببه الطبيعي القريب خفيا في الجملة يسهل للذهن الساذج الانتقال إلى استناده إليه تعالى ثم إذا تنبه لوجود أسبابه القريبة بنوع من المجاهدة الفكرية وجد الحاجة بعينها في أسبابه حتى تنتهي إليه تعالى وأن إلى ربك المنتهى.
قال في الكشاف،: فإن قلت: لم قيل: ويقبضن ولم يقل: وقابضات؟ قلت: لأن الأصل في الطيران هو صف الأجنحة لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء والأصل في السباحة هومد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرك فجيء بما هو طار غير أصل بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات ويكون منهن القبض تارة كما يكون من السابح.
انتهى.
وهو مبني على أن تكون الآية هي مجموع قوله: {صافات ويقبضن} وهو الطيران، ويمكن أن يستفاد أن الآية عدم سقوطهن وهن صافات، وآية أخرى أنهن ربما يقبضن ولا يسقطن حينما يقبضن.
ولا يخفى ما في ذكر طيران الطير في الهواء بعد ذكر جعل الأرض ذلولا والإنسان على مناكبها من اللطف.
_____________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج19 ، ص314-319.
خالق الوجود عليم بأسراره :
بعد ما بينا - في الأبحاث التي تناولتها الآيات السابقة - مصير الكفار يوم القيامة ، فإن القرآن الكريم يتناول في الآيات مورد البحث حالة المؤمنين وجزاءهم العظيم عند الله سبحانه . .
يقول في البداية : {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير} .
" الغيب " هنا إشارة لمعرفة الله تعالى غير المرئية ، أو الإشارة إلى المعاد غير المشاهد ، أو يقصد به الأمران معا .
كما يحتمل أن يكون إشارة إلى الخوف من الله تعالى بسبب ما عمل الإنسان من خطايا وذنوب في السر ، ذلك أن الإنسان إذا لم يقترف ذنوبا في السر ، فإنه لن يجرأ عليها في العلانية .
ويحتمل أن يكون هذا التعبير إشارة إلى خلوص النية في الابتعاد عن الذنوب والمعاصي ، والالتزام بالأوامر الإلهية ، إذ أن العمل السري يكون أبعد عن الرياء .
كما لا مانع من الجمع بين هذه الآراء .
التعبير ب ( مغفرة ) بصورة ( نكرة ) ، وكذلك ( أجر كبير ) إشارة إلى عظمته وأهميته ، إذ أن هذه المغفرة وهذا الأجر من العظمة أنه غير معروف ولا واضح للجميع .
ثم يضيف للتأكيد : {وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} .
نقل بعض المفسرين عن ( ابن عباس ) قوله في سبب نزول هذه الآية : ( إن جماعة من الكفار - أو المنافقين - كانوا يذكرون الرسول بالسوء بدون علمه ، وكان جبرئيل ( عليه السلام ) يخبر الرسول بذلك ، وكان بعضهم يقول للآخر ( أسروا قولكم ) فنزلت الآية أعلاه موضحة أن جهرهم أو إخفاءهم لأقوالهم هو مما يعلمه الله تعالى ) (2) .
وتأتي الآية اللاحقة دليلا وتأكيدا على ما ورد في الآية السابقة ، حيث يقول تعالى : {ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير} .
ذكرت إحتمالات متعددة في تفسير عبارة : ألا يعلم من خلق فقال البعض : إن القصد منها هو أن الذي خلق القلوب يعلم ما تكن فيها من أسرار .
أو أن الرب الذي خلق العباد هل يجهل أسرارهم .
أو أنه تعالى الذي خلق عالم الوجود جميعا عارف ومطلع بجميع أسراره ، وعندئذ هل تكون أسرار الإنسان - الذي هو جزء من هذا العالم العظيم – خافية على الله تعالى ؟
ولإدراك هذه الحقيقة لابد من الالتفات إلى أن مخلوقات الله تعالى دائما تحت رعايته ، وذلك يعني أن فيض وجوده يصل كل لحظة إلى مخلوقاته ، فإنه سبحانه لم يخلقهم ليتركهم بدون رعاية . وفي الأصل فإن جميع الممكنات مرتبطة دائما بوجوده تعالى ، وإذا ما فقدت تعلقها بذاته المقدسة لحظة واحدة فإنها
ستسلك طريق الفناء ، إن الانتباه وإدراك طبيعة هذه العلاقة القائمة والخلقة والأواصر الثابتة ، هي أفضل دليل على علم الله بأسرار جميع الموجودات في كل زمان ومكان .
" اللطيف " مأخوذ في الأصل من ( اللطف ) ويعني كل موضوع دقيق وظريف ، وكل حركة سريعة وجسم لطيف ، وبناء على هذا فإن وصف الله تعالى ب ( اللطيف ) إشارة إلى علمه عز وجل بالأسرار الدقيقة للخلق ، كما جاءت أحيانا بمعنى خلق الأجسام اللطيفة والصغيرة والمجهرية وما فوق المجهرية .
إن جميع ما ذكر سابقا إشارة إلى أن الله اللطيف عارف ومطلع على جميع النوايا القلبية الخفية ، وكذلك أحاديث السر ، والأعمال القبيحة التي تنجز في الخفاء والخلوة . . فهو تعالى يعلم بها جميعا .
قال بعض المفسرين في تفسير ( اللطيف ) : ( هو الذي يكلف باليسير ويعطي الكثير ) .
وفي الحقيقة فإن هذا نوع من الدقة في الرحمة .
وقال البعض أيضا : إن وصفه تعالى ب ( اللطيف ) بلحاظ نفوذه سبحانه في أعماق كل شيء ، ولا يوجد مكان خال منه تعالى في العالم أجمع ، فهو في كل مكان وكل شيء .
إن جميع هذه الأمور ترجع إلى حقيقة واحدة ، وهي التأكيد على عمق معرفة الله سبحانه وعلمه بالأسرار الظاهرة والباطنة لجميع ما في الوجود.
وقوله تعالى : {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور ( 15 ) أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور ( 16 ) أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ( 17 ) ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير}
لا أمان للعاصين من عقاب الله :
بعد الأبحاث التي استعرضناها في الآيات السابقة بالنسبة لأصحاب النار وأصحاب الجنة ، والكافرين والمؤمنين ، يشير تعالى في الآيات مورد البحث إلى بعض النعم الإلهية ، ثم إلى أنواع من عذابه ، وذلك للترغيب والتشويق بالجنة
لأهل الطاعة ، والإنذار بالنار لأهل المعصية ، يقول تعالى : {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور} .
" ذلول " بمعنى ( مطيع ) وهو أجمل تعبير يمكن أن يطلق على الأرض ، لأن هذا المركب السريع السير جدا ، مع حركته المتعددة ، يلاحظ هادئا إلى حد يبدو وكأنه ساكنا بصورة مطلقة .
يقول بعض العلماء : إن للأرض أربع عشرة حركة مختلفة ، ثلاث منها هي :
الأولى : حركتها حول نفسها .
والثانية : حول الشمس .
والثالثة : مع مجموعة المنظومة الشمسية في وسط المجرة .
هذه الحركات التي تكون سرعتها عظيمة ، هي من التناسب والانسجام إلى حد لم يكن ليصدق أحد أن للأرض حركة لولا إقامة البراهين القطعية على حركتها .
هذا من جهة ، ومن جهة أخرى . فإن قشرة الأرض ليست قوية وقاسية إلى حد لا يمكن معه العيش فوقها ، ولا ضعيفة لينة لا قرار لها ولا هدوء ، وبذلك فإنها مناسبة لحياة البشر تماما ، فلو كان معظم سطح الكرة الأرضية مغمورا بالوحل ،
والمستنقعات - مثلا - فعندئذ تتعذر الاستفادة منها ، وكذلك لو كانت الرمال الناعمة تغمرها فإن قدم الإنسان تغور فيها حتى الركب ، وكذا لو كانت مكوناتها من الصخور الحادة القاسية فعندئذ يتعذر المشي عليها ، ومن هنا يتضح معنى استقرار الأرض وهدوئها .
ومن جهة ثالثة فإن بعدها عن الشمس ليس هو بالقريب منها إلى حد يؤدي بحرارة الشمس إلى أن تحرق كل شيء على وجهها ، ولا هو ببعيد عنها بحيث يتجمد كل شيء على سطحها .
وكذلك بالنسبة لضغط الهواء على الكرة الأرضية ، فإنه متناسب بما يؤدي إلى هدوء الإنسان وراحته ، فهو ليس بالشديد بالصورة التي يسبب له الاختناق ، ولا بالمنخفض بالشكل الذي يتلاشى فيه معه .
والأمر نفسه يقال في الجاذبية الأرضية ، هي ليست شديدة إلى حد تتهشم فيها عظام الإنسان ، ولا بالضعيفة التي يكون فيها معلقا لا يستطيع الاستقرار في مكان .
والخلاصة : إن الأرض ( ذلول ) ومطيعة ومسخرة لخدمة الإنسان في جميع المجالات ، والظريف هنا بعد وصفه تعالى للأرض بأنها ( ذلول ) أمره لعباده بأن يسيروا في ( مناكبها ) .
و " مناكب " جمع ( منكب ) على وزن ( مغرب ) بمعنى الكتف ، وبذلك تسخر الأرض للإنسان ويضع قدميه عليها سائرا على كتفها وهي هادئة ومتوازية ومحتفظة بتعادلها .
كما تحمل في نفس الوقت إشارة إلى ضرورة السعي في الأرض في طلب الرزق والحصل عليه ، وإلا فسيكون الحرمان نصيب القاعدين والمتخلفين عن السعي .
إن التعبير ب ( الرزق ) - هنا - تعبير جامع وشامل ، حيث يعني كافة الموارد الأرضية ، وهو أعم من النعم الحيوانية والنباتية والمعدنية التي فيها .
ويجب الالتفات إلى أن هذا ليس هو الهدف الأساس لخلقكم ، إذ أن كل ذلك وسائل في طريق ( نشوركم ) وبعثكم وحياتكم الأبدية .
وبعد هذا الترغيب والتشويق يستعرض تعالى أسلوب التهديد والإنذار فيقول سبحانه : {أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور} .
نعم ، إن البارئ تعالى إذا أمر أو أراد فإن هذه الأرض الذلول الهادئة تكون في حالة هيجان وطغيان كدابة جموح ، تبدأ بالزلازل ، وتتشقق وتدفنكم وبيوتكم ومدنكم تحت ترابها وحجرها ، وتبقى راجفة مضطربة مزمجرة بعد أن تقضي
عليكم وعلى مساكنكم التي متعتم فيها برهة من الزمن .
جملة ( فإذا هي تمور ) يمكن أن تكون إشارة إلى قدرة الله سبحانه على أن يأمر الأرض أن تبتلعكم ، وتنقلكم باستمرار - وأنتم في داخلها - من مكان إلى آخر بحيث أن الهدوء لا يشملكم حتى وأنتم في قبوركم .
وهكذا تفقد الأرض استقرارها وهدوءها إلى الأبد ، وتسيطر الزلازل عليها ، وهذا الأمر سهل الإدراك والتصور للذين عاشوا في المناطق الزلزالية ، وشاهدوا كيف أن الزلازل تستمر عدة أيام أحيانا وتبقى الأرض غير مستقرة وتسلب من
سكان تلك المناطق لذة النوم والأكل والراحة ، غير أن تصور هذا الأمر بالنسبة إلى عامة الناس الذين ألفوا هدوء الأرض أمر صعب .
التعبير ب ( من في السماء ) إشارة إلى ذات الله المقدسة ، ولما كانت حاكميته على جميع السماوات ومن فيها من الأمور المسلمة ، فما بالك بحاكميته على الأرض ، إنها من الأمور التي لا شك فيها - أيضا - بل هي من باب الأولى .
قال البعض : إن العبارة السابقة إشارة إلى ملائكة الله سبحانه في السماء المكلفين بتنفيذ أوامره تعالى .
ثم يضيف سبحانه : {أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا} فلا يلزم حتما حدوث زلزلة لتدميركم ، بل يكفي أن نأمر عاصفة رملية لتدفنكم تحت رمالها . . وحينئذ ستعلمون حقيقة إنذاري وتهديدي : {فستعلمون كيف نذير} .
إن إدراك طبيعة هذا التساؤل سهل بالنسبة إلى الأشخاص الذين عاشوا في المناطق الرملية المتحركة والرياح ( الحاصبة ) ، ( وهي الرياح التي تحرك كميات الحصى المتراكمة وتنقلها من مكان إلى آخر ) فهؤلاء يدركون إمكانية دفن البيوت
أو القرى في لحظات تحت تلال من الحصى والرمال المتحركة ، وكذلك القوافل السائرة في وسط الصحراء .
وفي الحقيقة فإن الآيات أعلاه تؤكد أن عذاب العاصين والمجرمين لا ينحصر في يوم القيامة فقط ، حيث يستطيع البارئ عز وجل أن يقضي على حياتهم في هذه الدنيا بحركة بسيطة للأرض ، أو بحركة الرياح ، وإن أفضل دليل
على هذه الإمكانية الإلهية هو وقوع مثل هذه الأمور في الأمم السابقة .
لذا فإن الله تعالى يقول في آخر آية من هذه الآيات : {ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير} (3) .
نعم فلقد عاقبنا قسما من هؤلاء بالزلازل المدمرة ، وأقواما آخرين بالصواعق ، وبالطوفان ، وبالرياح . . وبقيت مدنهم المدمرة موضع درس واعتبار لمن كان له قلب واع .
وقوله تعالى : {أو لم يروا إلى الطير فوقهم صفت ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير }:
انظروا إلى الطير فوقكم :
في الآيات الأولى لهذه السورة كان البحث عن قدرة الله سبحانه ومالكيته ، وعن السماوات السبع والنجوم والكواكب . . ويستمر هذا اللون من الحديث في أول آية - مورد البحث - وذلك بذكر مفردة أخرى من كائنات هذا الوجود ، والتي
تبدو في ظاهرها صغيرة ويقول تعالى : {أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن} (4) .
هذه الأجسام بالرغم من قانون الجاذبية الأرضية تنطلق من الأرض وتحلق ساعات في السماء بكل راحة ، وأحيانا أياما وأسابيع وشهورا ، وتستمر بحركتها السريعة المرنة وبدون أي مشاكل .
فالبعض منها يفتح جناحيه عند الطيران ( صافات ) وكأن هنالك قوة خفية تحركه ، والاخرى ترفرف بأجنحتها عند الطيران بصورة مستمرة وقد تكون ( يقبضن ) إشارة إلى هذا المعنى .
وتطير مجاميع أخرى بتحريك أجنحتها تارة وفتحها أخرى . كما أن هنالك قسما آخر يحرك أجنحته لفترة عند الطيران ، وعندما يحقق سرعة معينة يجمعها بصورة كلية ك ( العصفور ) .
وخلاصة القول : فإن الطيران واحد ، إلا أن صوره مختلفة ولكل طريقته وبرنامجه الخاص به .
فمن يا ترى خلق أجسام هذه الطيور بهذه الصورة التي جعلها تستطيع السير في الهواء بكل سهولة وراحة ؟ . ومن ذا الذي وهبها هذه القدرة وعلمها الطيران ، خصوصا حالات الطيران الجماعي المعقد للطيور المهاجرة ، التي تستمر – أحيانا - شهورا عديدة ، وتقطع في رحلتها هذه آلاف الكيلومترات ، وتمر بأجواء بلدان كثيرة ، وتجتاز الجبال والوديان والغابات والبحار حتى تصل إلى مقصدها ؟ فمن يا ترى علم وأعطى هذه الطيور كل هذه القوة ، وهذا الوعي والمعرفة ؟.
لذا يقول في ختام الآية {ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير} .
إنه الله تعالى الذي وضع باختيارها الوسائل والقوى والإمكانات المختلفة للطيران ، نعم ، إن الله الرحمن الذي شملت رحمته الواسعة جميع الكائنات ، وأعطى للطيور ما هو موضع حاجتها في الطيران ، وحافظ عليها في السماء ، هو بذاته
المقدسة يحفظ الأرض والكائنات الأخرى . وعندما يشاء غير ذلك فلن يكون عندئذ للطيور قدرة الطيران ولا للأرض حالة الهدوء والاستقرار .
التعبير ب ( الصافات ويقبضن ) لعله إشارة إلى طيور مختلفة أو لحالات متنوعة من الطيران (5) .
ولقد بحثنا بشكل تفصيلي عجائب عالم الطيور وغرائب مسألة الطيران في تفسير الآية ( 79 ) من سورة النحل .
______________________
1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج14، ص318-326.
2 - الفخر الرازي ، ج 3 ، ص 66 ، وروح البيان ، ج 10 ، ص 86 ، تفسير الآيات مورد البحث .
3 - " نكير " بمعنى ( الإنكار ) وجاءت هنا كناية عن العقوبة ، لأن إنكار الله تعالى مقابل أفعال هؤلاء القوم جاءت عن طريق مجازاتهم ، ومما يجب الانتباه له أن هذه الكلمة كانت في الأصل ( نكيري ) ، كما أن ( نذير ) في الآية السابقة أصلها ( نذيري ) ، فحذفت ياء المتكلم وبقيت الكسرة تدل عليها .
4 - " الطير " : جمع ( طائر ) . ولذا ورد فعله ووصفه بصورة جمع ، وما قاله البعض : ان كلمة ((طير)) مفردة خلافا صرح به ارباب اللغة.
5- سبب ذكر ( الصافات ) بصورة صفة و ( يقبضن ) بصورة فعل مضارع ، لأن انفتاح أجنحة الطيور برنامج على نمط واحد ولا يحصل فيه تغيير ، في الوقت الذي نلاحظ فيه أن انفتاح وانقباض الأجنحة يكون عملا مكررا ( فتأمل ) .