1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المرجع الالكتروني للمعلوماتية

تأملات قرآنية

مصطلحات قرآنية

هل تعلم

علوم القرآن

أسباب النزول

التفسير والمفسرون

التفسير

مفهوم التفسير

التفسير الموضوعي

التأويل

مناهج التفسير

منهج تفسير القرآن بالقرآن

منهج التفسير الفقهي

منهج التفسير الأثري أو الروائي

منهج التفسير الإجتهادي

منهج التفسير الأدبي

منهج التفسير اللغوي

منهج التفسير العرفاني

منهج التفسير بالرأي

منهج التفسير العلمي

مواضيع عامة في المناهج

التفاسير وتراجم مفسريها

التفاسير

تراجم المفسرين

القراء والقراءات

القرآء

رأي المفسرين في القراءات

تحليل النص القرآني

أحكام التلاوة

تاريخ القرآن

جمع وتدوين القرآن

التحريف ونفيه عن القرآن

نزول القرآن

الناسخ والمنسوخ

المحكم والمتشابه

المكي والمدني

الأمثال في القرآن

فضائل السور

مواضيع عامة في علوم القرآن

فضائل اهل البيت القرآنية

الشفاء في القرآن

رسم وحركات القرآن

القسم في القرآن

اشباه ونظائر

آداب قراءة القرآن

الإعجاز القرآني

الوحي القرآني

الصرفة وموضوعاتها

الإعجاز الغيبي

الإعجاز العلمي والطبيعي

الإعجاز البلاغي والبياني

الإعجاز العددي

مواضيع إعجازية عامة

قصص قرآنية

قصص الأنبياء

قصة النبي ابراهيم وقومه

قصة النبي إدريس وقومه

قصة النبي اسماعيل

قصة النبي ذو الكفل

قصة النبي لوط وقومه

قصة النبي موسى وهارون وقومهم

قصة النبي داوود وقومه

قصة النبي زكريا وابنه يحيى

قصة النبي شعيب وقومه

قصة النبي سليمان وقومه

قصة النبي صالح وقومه

قصة النبي نوح وقومه

قصة النبي هود وقومه

قصة النبي إسحاق ويعقوب ويوسف

قصة النبي يونس وقومه

قصة النبي إلياس واليسع

قصة ذي القرنين وقصص أخرى

قصة نبي الله آدم

قصة نبي الله عيسى وقومه

قصة النبي أيوب وقومه

قصة النبي محمد صلى الله عليه وآله

سيرة النبي والائمة

سيرة الإمام المهدي ـ عليه السلام

سيرة الامام علي ـ عليه السلام

سيرة النبي محمد صلى الله عليه وآله

مواضيع عامة في سيرة النبي والأئمة

حضارات

مقالات عامة من التاريخ الإسلامي

العصر الجاهلي قبل الإسلام

اليهود

مواضيع عامة في القصص القرآنية

العقائد في القرآن

أصول

التوحيد

النبوة

العدل

الامامة

المعاد

سؤال وجواب

شبهات وردود

فرق واديان ومذاهب

الشفاعة والتوسل

مقالات عقائدية عامة

قضايا أخلاقية في القرآن الكريم

قضايا إجتماعية في القرآن الكريم

مقالات قرآنية

التفسير الجامع

حرف الألف

سورة آل عمران

سورة الأنعام

سورة الأعراف

سورة الأنفال

سورة إبراهيم

سورة الإسراء

سورة الأنبياء

سورة الأحزاب

سورة الأحقاف

سورة الإنسان

سورة الانفطار

سورة الإنشقاق

سورة الأعلى

سورة الإخلاص

حرف الباء

سورة البقرة

سورة البروج

سورة البلد

سورة البينة

حرف التاء

سورة التوبة

سورة التغابن

سورة التحريم

سورة التكوير

سورة التين

سورة التكاثر

حرف الجيم

سورة الجاثية

سورة الجمعة

سورة الجن

حرف الحاء

سورة الحجر

سورة الحج

سورة الحديد

سورة الحشر

سورة الحاقة

الحجرات

حرف الدال

سورة الدخان

حرف الذال

سورة الذاريات

حرف الراء

سورة الرعد

سورة الروم

سورة الرحمن

حرف الزاي

سورة الزمر

سورة الزخرف

سورة الزلزلة

حرف السين

سورة السجدة

سورة سبأ

حرف الشين

سورة الشعراء

سورة الشورى

سورة الشمس

سورة الشرح

حرف الصاد

سورة الصافات

سورة ص

سورة الصف

حرف الضاد

سورة الضحى

حرف الطاء

سورة طه

سورة الطور

سورة الطلاق

سورة الطارق

حرف العين

سورة العنكبوت

سورة عبس

سورة العلق

سورة العاديات

سورة العصر

حرف الغين

سورة غافر

سورة الغاشية

حرف الفاء

سورة الفاتحة

سورة الفرقان

سورة فاطر

سورة فصلت

سورة الفتح

سورة الفجر

سورة الفيل

سورة الفلق

حرف القاف

سورة القصص

سورة ق

سورة القمر

سورة القلم

سورة القيامة

سورة القدر

سورة القارعة

سورة قريش

حرف الكاف

سورة الكهف

سورة الكوثر

سورة الكافرون

حرف اللام

سورة لقمان

سورة الليل

حرف الميم

سورة المائدة

سورة مريم

سورة المؤمنين

سورة محمد

سورة المجادلة

سورة الممتحنة

سورة المنافقين

سورة المُلك

سورة المعارج

سورة المزمل

سورة المدثر

سورة المرسلات

سورة المطففين

سورة الماعون

سورة المسد

حرف النون

سورة النساء

سورة النحل

سورة النور

سورة النمل

سورة النجم

سورة نوح

سورة النبأ

سورة النازعات

سورة النصر

سورة الناس

حرف الهاء

سورة هود

سورة الهمزة

حرف الواو

سورة الواقعة

حرف الياء

سورة يونس

سورة يوسف

سورة يس

آيات الأحكام

العبادات

المعاملات

القرآن الكريم وعلومه : التفسير الجامع : حرف الميم : سورة محمد :

تفسير الاية (7-14) من سورة محمد

المؤلف:  اعداد : المرجع الإلكتروني للمعلوماتية

المصدر:  تفاسير الشيعة

الجزء والصفحة:  ......

11-10-2017

2776

قال تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (9) أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا (10) ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ (11) إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ } [محمد: 7 - 14].

 

تفسير مجمع البيان
- ذكر الطبرسي في تفسير هذه  الآيات (1) :

خاطب سبحانه المؤمنين فقال {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله} أي إن تنصروا دين الله ونبي الله بالقتال والجهاد {ينصركم} على عدوكم {ويثبت أقدامكم} أي يشجعكم ويقوّ قلوبكم لتثبتوا وقيل ينصركم في الآخرة ويثبت أقدامكم عند الحساب وعلى الصراط وقيل ينصركم في الدنيا والآخرة ويثبت أقدامكم في الدارين وهو الوجه قال قتادة حق على الله أن ينصر من نصره لقوله {إن تنصروا الله ينصركم} وأن يزيد من شكره لقوله {لئن شكرتم لأزيدنكم} وأن يذكر من ذكره لقوله {فاذكروني أذكركم} وأن يوفي بعهد من أقام على عهده لقوله {وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم}.

 {والذين كفروا فتعسا لهم} أي مكروها لهم وسوءا عن المبرد أي أتعسهم الله فتعسوا تعسا قال ابن عباس يريد في الدنيا العسرة وفي الآخرة التردي في النار {وأضل أعمالهم} مر معناه {ذلك} التعس والإضلال {بأنهم كرهوا ما أنزل الله} على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلّم) من القرآن والأحكام وأمرهم بالانقياد فخالفوا ذلك وقال أبو جعفر (عليه السلام) {كرهوا ما أنزل الله} في حق علي (عليه السلام) {فأحبط أعمالهم} لأنها لم تقع على الوجه المأمور به.

 ثم نبههم سبحانه على الاستدلال على صحة ما دعاهم إليه من التوحيد وإخلاص العبادة لله فقال {أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم} حين أرسل الله إليهم الرسل فدعوهم إلى توحيده وإخلاص العبادة له فلم يقبلوا منهم وعصوهم أي فهلا ساروا ورأوا عواقب أولئك {دمر الله عليهم} أي أهلكهم ثم قال {وللكافرين} بك يا محمد {أمثالها} من العذاب إن لم يؤمنوا ويقبلوا ما تدعوهم إليه والمعنى أنهم يستحقون أمثالها وإنما يؤخر الله سبحانه عذابهم إلى الآخرة تفضلا منه .

ثم قال سبحانه {ذلك} أي الذي فعلناه في الفريقين {بأن الله مولى الذين آمنوا} يتولى نصرهم وحفظهم ويدفع عنهم {وأن الكافرين لا مولى لهم} ينصرهم ولا أحد يدفع عنهم لا عاجلا ولا آجلا ثم ذكر سبحانه حال الفريقين فقال {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار} أي من تحت أشجارها وأبنيتها {والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} أي سيرتهم سيرة الأنعام آثروا لذات الدنيا وشهواتها وأعرضوا عن العبر يأكلون للشبع ويتمتعون لقضاء الوطر {والنار مثوى لهم} أي موضع مقامهم يقيمون فيها ثم خوفهم وهددهم سبحانه فقال {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك} يا محمد يعني مكة {التي أخرجتك} أي أخرجك أهلها والمعنى كم من رجال هم أشد من أهل مكة ولهذا قال {أهلكناهم} فكنى عن الرجال عن ابن عباس {فلا ناصر لهم} يدفع عنهم إهلاكنا إياهم والمعنى فمن الذي يؤمن هؤلاء أن أفعل بهم مثل ذلك ثم قال سبحانه على وجه التهجين والتوبيخ للكفار والمنافقين {أ فمن كان على بينة من ربه} أي على يقين من دينه وعلى حجة واضحة من اعتقاده في التوحيد والشرائع {كمن زين له سوء عمله} زين له الشيطان المعاصي وأغواه {واتبعوا أهواءهم} أي شهواتهم وما تدعوهم إليه طباعهم وهو وصف لمن زين له سوء عمله وهم المشركون وقيل هم المنافقون عن ابن زيد وهو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام).

____________________
1- مجمع البيان ، الطبرسي ، ج9،ص164-167.

تفسير الكاشف
- ذكر محمد جواد مغنية في تفسير هذه  الآيات (1) :

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهً يَنْصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ}. وتثبيت الأقدام كناية عن الصلابة والثبات . والآية واضحة الدلالة على ان اللَّه سبحانه مع أهل الحق والعدل ينصرهم ويأخذ بأيديهم ، وفي معناها كثير من الآيات ، كالآية 128 من سورة النحل {إِنَّ اللَّهً مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} والآية 38 من سورة الحج {إِنَّ اللَّهً يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} والآية 40 منها {ولَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهً لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} والآية 57 من سورة المائدة {فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغالِبُونَ}.

والنصر من اللَّه سبحانه على أنواع ، منها النصر على الأعداء بالقتال وقوة السلاح ، كانتصار الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) على عتاة الكفر والظلم من قريش وغيرهم ، ومنها النصر بعذاب من السماء كالخسف والطوفان والريح العاتية ، ومنها النصر

بقوة الحجة والبرهان عند نقاش الخصم وجداله ، ومنها النصر بعلو الشأن وخلود الذكر في الدنيا ، ومنها النصر في الآخرة يوم تسودّ وجوه وتبيضّ وجوه {وتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفادِ} - 49 إبراهيم .

وإذا تبين معنا ان النصر من اللَّه على أنواع ، وان قوله تعالى : {إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهً يَنْصُرْكُمْ} مطلق غير مقيد بنوع من أنواع النصر ، ولا مقرون بصفة من صفاته ، إذا تبين هذا علمنا ان المراد من النصر في الآية أي نصر كان . . وليس من شك انه كائن لا محالة ، ولوفي اليوم الآخر الذي لا ريب فيه ، وعليه فلا وجه للاعتراض أو السؤال : كيف وعد اللَّه سبحانه المحقين بنصره مع ان تاريخ البشرية متخم بأخطر المظالم والاعتداءات على الطيبين والمخلصين ؟ . وسبق الكلام عن هذا الموضوع مفصلا عند تفسير الآية 38 من سورة الحج ج 5 ص 331 فقرة (لا يخلو المؤمن من ناصر).

الدولة الاسلامية :

ونشير بهذه المناسبة إلى ان بعض الفئات تدعو الآن إلى قيام دولة اسلامية ، وأي مسلم يخلص للَّه فيما يدين يأبى أن يكون للإسلام سلطان ينفذ أحكام القرآن ، وللمسلمين ما يوحد كلمتهم ويجمع قوتهم ، وينقذها من التفتيت والتشتيت ؟ .

ولكن نسأل : هل توجد هذه الدولة بمجرد رفع الشعارات وإذاعة البيانات ، أو بتكثير العمائم على رؤوس الجهلاء والدخلاء ؟ وهل من الممكن أن تنبثق عن 700 مليون مسلم منتشرين في شرق الأرض وغربها ، ولهم قوميات متعددة ، ومذاهب سياسية مختلفة ، وفرق متباينة ، وبعضهم يخضع لدول اشتراكية ، وبعضهم لدول رأسمالية ، وآخرون لهم كيان مستقل أو شبه مستقل . وإذا تكونت هذه الدولة من المسلمين العرب أو غير العرب فهل تستطيع أن تواجه مسؤولياتها ، وتنجح في حل مشاكل المسلمين في الأقطار الأخرى ؟ ثم هل تكون هذه الدولة سنية أو شيعية أومنهما ؟ ونترك الجواب عن هذه التساؤلات للمخلصين من ذوي الاختصاص.

لقد عانى المسلمون الكثير من الهزائم والاذلال ، وكفى بهزيمة 5 حزيران وهنا وإذلالا ، والسبب الأول والأخير هو التمزق والتفرق ، والعلاج معروف عند الجميع وهو الوقوف صفا واحدا ضد العدو المشترك الذي حددته حرب حزيران ، وأبرزته واضحا للعيان ، فمن أخلص للَّه وأراد النصح للإسلام والمسلمين حقا وصدقا فعليه أن يحصر جهوده كلها في العمل من أجل تعاون المسلمين على الخلاص والتحرر من القوى الفاسدة الداخلية والخارجية ، ومتى تمت التصفية وتحققت الحرية الكاملة فكّر المخلصون في دولة إسلامية أو غيرها مما فيه للَّه رضا ، وللمسلمين صلاح .

وخير ما نؤيد به إشارتنا هذه قول الإمام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في نهج البلاغة :

(ان المبتدعات المشتبهات هن المهلكات . . وان في سلطان اللَّه عصمة لأمركم ، فأعطوه طاعتكم . . . أو لينقلن اللَّه عنكم سلطان الإسلام) . وإذا انتقل سلطان الإسلام عن السلف لتفرق أهوائهم وشتات كلمتهم فهل يعود إلينا ونحن أكثر تفرقا وشتاتا ؟ .

وتسأل : أصحيح ما يقال : ان المصدر لفكرة الدولة الاسلامية هو الصهيونية لتبرر بها دولتها الدينية العنصرية ، وتقول لمن عاب عليها ذلك : ان المسلمين يطالبون أيضا بدولة دينية ؟ .

الجواب : ان دين اليهود عدو الحياة والإنسانية ، لأن اللَّه في عقيدتهم إله قبلي لا يعنيه من العالم أحد سوى إسرائيل وحدها ، وان جميع الناس خلقهم اللَّه عبيدا لهم كما جاء في كتاب (الكنز المرصود) للدكتور يوسف حنا نصر اللَّه ، وكتاب {البقاء اليهودي} للصهيونية روز مارين .

أما الإسلام فهو دين الحياة والرحمة والإنسانية جمعاء ، ولا شيء أدل على ذلك من الآيات والأحاديث التي أعلنت بأن الإسلام يهدي للتي هي أقوم ، وانه يرتكز على العقل والفطرة ، وان دعوة اللَّه والرسول انما تجب تلبيتها لأنها تدعو إلى حياة أفضل ، ومعنى هذا ان الإسلام علماني عقلاني أي يهتم بالإنسان بما هو إنسان أيا كان ولو يهوديا ، شريطة أن لا يعتدي على أخيه الإنسان . . . وأين هذا من دين اليهود الذين أسموا أنفسهم شعب اللَّه الخاص ؟ .

{والَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ}  لا يرون غير الخزي والهلاك {وأَضَلَّ أَعْمالَهُمْ }

فلا تعود عليهم بخير {ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ } . كرهوا الرسول ( صلى الله عليه واله ) والقرآن الذي نزل عليه لا لشيء إلا لأنه أرادهم للحق وهم له كارهون ، فكانوا من الأخسرين أعمالا . والإضلال والإحباط بمعنى واحد ، وهو الضياع وعدم الجدوى من العمل ، وكرر سبحانه ليشير إلى أن ضياع العمل لا ينفك عن الكفر بالقرآن وكراهيته .

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } . كيف كذّب المشركون برسالة محمد ( صلى الله عليه واله ) وهم ينظرون في الأرض آثار الماضين ، ويسمعون بأن اللَّه أنتقم منهم لما كذبوا الرسل ؟ وتقدم مثله بالحرف الواحد في العديد من الآيات { دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ } أهلكهم بأولادهم وأزواجهم وأموالهم { ولِلْكافِرِينَ أَمْثالُها } . ان حكم اللَّه في الطغاة واحد ، فإذا دمر على الأوائل لطغيانهم فهو يدمر أيضا على الأواخر لنفس السبب .

{ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهً مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ } . ذلك إشارة إلى التدمير والتحطيم ، والمعنى ان اللَّه أهلك الكافرين حيث لا ناصر لهم من دون اللَّه ولا شفيع ، أما المؤمنون فاللَّه يتولى أمورهم ويدافع عنهم وينعم عليهم {إِنَّ اللَّهً يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهارُ } . المعنى واضح ، وتقدم في كثير من الآيات {والَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ويَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الأَنْعامُ والنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ } . انهم تماما كالبهائم يأكلون ولا يفكرون في شيء ، فكان مصيرهم جهنم يصلونها وبئس القرار ، قال الإمام علي ( عليه السلام ) : (فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها ، أو المرسلة شغلها تقممها - أي التقاط القمامة - تكرش من أعلافها وتلهو عما يراد بها).

{وكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْناهُمْ فَلا ناصِرَ لَهُمْ } . هذا تهديد للذين تآمروا على اغتيال الرسول الأعظم ( صلى الله عليه واله ) واضطروه إلى الهجرة من بلده مكة إلى المدينة . انظر تفسير الآية 30 من سورة الأنفال ج 3 ص 472 . وفي تفسير الطبري عن ابن عباس ان النبي ( صلى الله عليه واله )  لما خرج من مكة قال : أنت أحب بلاد اللَّه إلى اللَّه ، وأنت أحب بلاد اللَّه إلي ، فلو أن المشركين لم يخرجوني لم أخرج منك ، فأعتى أعداء اللَّه من عتا على اللَّه في حرمه أو قتل غير قاتله . فأنزل اللَّه سبحانه الآية . { أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ واتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ} . ليس سواء عند اللَّه من أخذ الحق من معدنه ، وكان على بصيرة من أمره ، ومن قاس الحق والعدل بأهوائه وأغراضه ، ومع هذا يرى انه من أحسن الناس عملا.

___________________
1- الكاشف ، محمد جواد مغنية ، ج7، ص63-67.

تفسير الميزان
- ذكر الطباطبائي في تفسير هذه الآيات (1) :

الآيات جارية على السياق السابق.

قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} تحضيض لهم على الجهاد ووعد لهم بالنصر إن نصروا الله تعالى فالمراد بنصرهم لله أن يجاهدوا في سبيل الله على أن يقاتلوا لوجه الله تأييدا لدينه وإعلاء لكلمة الحق لا ليستعلوا في الأرض أو ليصيبوا غنيمة أو ليظهروا نجده وشجاعة.

والمراد بنصر الله لهم توفيقه الأسباب المقتضية لظهورهم وغلبتهم على عدوهم كإلقاء الرعب في قلوب الكفار وإدارة الدوائر للمؤمنين عليهم وربط جاش المؤمنين وتشجيعهم، وعلى هذا فعطف تثبيت الأقدام على النصر من عطف الخاص على العام وتخصيص تثبيت الأقدام، وهو كناية عن التشجيع وتقوية القلوب، لكونه من أظهر أفراد النصر.

قوله تعالى: {والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم} ذكر ما يفعل بالكفار عقيب ذكر ما يفعل بالمؤمنين الناصرين لله لقياس حالهم من حالهم.

والتعس هو سقوط الإنسان على وجهه وبقاؤه عليه ويقابله الانتعاش وهو القيام عن السقوط على الوجه فقوله: {تعسا لهم} أي تعسوا تعسا وهوما يتلوه دعاء عليهم نظير قوله: {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة : 30] ، {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ } [عبس: 17] ، ويمكن أن يكون إخبارا عن تعسهم وبطلان أثر مساعيهم على نحو الكناية فإن الإنسان أعجز ما يكون إذا كان ساقطا على وجهه.

قوله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم} المراد بما أنزل الله هو القرآن والشرائع والأحكام التي أنزلها الله تعالى على نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمر بإطاعتها والانقياد لها فكرهوها واستكبروا عن اتباعها.

والآية تعليل مضمون الآية السابقة والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: {أ فلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها} التدمير الإهلاك، يقال : دمره الله أي أهلكه، ويقال: دمر الله عليه أي أهلك ما يخصه من نفس وأهل ودار وعقار فدمر عليه أبلغ من دمره كما قيل، وضمير {أمثالها} للعاقبة أو للعقوبة المدلول عليها بسابق الكلام.

والمراد بالكافرين الكافرون بالنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والمعنى: وللكافرين بك يا محمد أمثال تلك العاقبة أو العقوبة وإنما أوعدوا بأمثال العاقبة أو العقوبة ولا يحل بهم إلا مثل واحد لأنهم في معرض عقوبات كثيرة دنيوية وأخروية وإن كان لا يحل بهم إلا بعضها، ويمكن أن يراد بالكافرين مطلق الكافرين، والجملة من باب ضرب القاعدة.

قوله تعالى : {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم} الإشارة بذلك إلى ما تقدم من نصر المؤمنين ومقت الكافرين وسوء عاقبتهم، ولا يصغى إلى ما قيل: إنه إشارة إلى ثبوت عاقبة أو عقوبة الأمم السالفة لهؤلاء، وكذا ما قيل: إنه إشارة إلى نصر المؤمنين، وذلك لأن الآية متعرضة لحال الطائفتين : المؤمنين والكفار جميعا.

والمولى كأنه مصدر ميمي أريد به المعنى الوصفي فهو بمعنى الولي ولذلك يطلق على سيد العبد ومالكه لأن له ولاية التصرف في أمور عبده، ويطلق على الناصر لأنه يلي التصرف في أمر منصورة بالتقوية والتأييد والله سبحانه مولى لأنه المالك الذي يلي أمور خلقه في صراط التكوين ويدبرها كيف يشاء، قال تعالى : {لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ} [السجدة: 4] ، وقال : {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ } [يونس : 30] ، وهو تعالى مولى لأنه يلي تدبير أمور عباده في صراط السعادة فيهديهم إلى سعادتهم والجنة ويوفقهم للصالحات وينصرهم على أعدائهم، والمولوية بهذا المعنى الثانية تختص بالمؤمنين، لأنهم هم الداخلون في حظيرة العبودية المتبعون لما يريده منهم ربهم دون الكفار.

وللمؤمنين مولى وولي هو الله سبحانه كما قال: {ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا}، وقال: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا } [البقرة: 257] ، وأما الكفار فقد اتخذوا الأصنام أو أرباب الأصنام أولياء فهم أولياؤهم على ما زعموا كما قال بالبناء على مزعمتهم بنوع من التهكم: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ} [البقرة: 257] ، ونفي ولايتهم بالبناء على حقيقة الأمر فقال: {وأن الكافرين لا مولى لهم} ثم نفى ولايتهم مطلقا تكوينا وتشريعا مطلقا فقال: { أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ} [الشورى: 9] ، وقال: { إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ} [النجم: 23].

فمعنى الآية : أن نصره تعالى للمؤمنين وتثبيته أقدامهم وخذلانه الكفار وإضلاله أعمالهم وعقوبته لهم إنما ذلك بسبب أنه تعالى مولى المؤمنين ووليهم، وأن الكفار لا مولى لهم فينصرهم ويهدي أعمالهم وينجيهم من عقوبته.

وقد تبين بما تقدم ضعف ما قيل: إن المولى في الآية بمعنى الناصر دون المالك وإلا كان منافيا لقوله تعالى: {وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ} [يونس : 30] ، ووجه الضعف ظاهر.

قوله تعالى : {إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم} مقايسة بين الفريقين وبيان أثر ولاية الله للمؤمنين وعدم ولايته للكفار من حيث العاقبة والآخرة وهي أن المؤمنين يدخلون الجنة والكفار يقيمون في النار.

وقد أشير في الكلام إلى منشأ ما ذكر من الأثر حيث وصف كلا من الفريقين بما يناسب مآل حاله فأشار إلى صفة المؤمنين بقوله: {الذين آمنوا وعملوا الصالحات} وإلى صفة الكفار بقوله: {يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام} فأفاد الوصفان بما بينهما من المقابلة أن المؤمنين راشدون في حياتهم الدنيا مصيبون للحق حيث آمنوا بالله وعملوا الأعمال الصالحة فسلكوا سبيل الرشد وقاموا بوظيفة الإنسانية، وأما الكفار فلا عناية لهم بإصابة الحق ولا تعلق لقلوبهم بوظائف الإنسانية، وإنما همهم بطنهم وفرجهم يتمتعون في حياتهم الدنيا القصيرة ويأكلون كما تأكل الأنعام لا منية لهم إلا ذلك ولا غاية لهم وراءه.

فهؤلاء أي المؤمنون تحت ولاية الله حيث يسلكون مسلكا يريده منهم ربهم ويهديهم إليه ولذلك يدخلهم في الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار، وأولئك أي الكفار ما لهم من ولي وإنما وكلوا إلى أنفسهم ولذلك كان مثواهم ومقامهم النار.

وإنما نسب دخول المؤمنين الجنات إلى الله نفسه دون إقامة الكفار في النار قضاء لحق الولاية المذكورة فله تعالى عناية خاصة بأوليائه، وأما المنسلخون من ولايته فلا يبالي في أي واد هلكوا.

قوله تعالى: {وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم} المراد بالقرية أهل القرية بدليل قوله بعد: {أهلكناهم} إلخ، والقرية التي أخرجته (صلى الله عليه وآله وسلم) هي مكة.

وفي الآية تقوية لقلب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وتهديد لأهل مكة وتحقير لأمرهم إن الله أهلك قرى كثيرة كل منها أشد قوة من قريتهم ولا ناصر لهم ينصرهم.

قوله تعالى : {أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم} السياق الجاري على قياس حال المؤمنين بحال الكفار يدل على أن المراد بمن كان على بينة من ربه هم المؤمنون فالمراد بكونهم على بينة من ربهم كونهم على دلالة بينة من ربهم توجب اليقين على ما اعتقدوا عليه وهي الحجة البرهانية فهم إنما يتبعون الحجة القاطعة على ما هو الحري بالإنسان الذي من شأنه أن يستعمل العقل ويتبع الحق.

وأما الذين كفروا فقد شغفهم أعمالهم السيئة التي زينها لهم الشيطان وتعلقت بها أهواؤهم وعملوا السيئات، فكم بين الفريقين من فرق.

_________________
1- الميزان ، الطباطبائي ، ج18، ص187-190.

 

تفسير الامثل
- ذكر الشيخ ناصر مكارم الشيرازي في تفسير هذه  الآيات (1) :

إن تنصروا الله ينصركم :

تستمر هذه الآيات في ترغيب المؤمنين في جهاد أعداء الحق، وهي ترغّبهم في الجهاد بتعبير رائع بليغ، فتقول: {يا أيّها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبّت أقدامكم}.

إنّ التأكيد على مسألة «الإيمان» إشارة إلى أنّ إحدى علامات الإيمان الحقيقي هو جهاد أعداء الحق.

وعبارة (تنصروا الله) تعني ـ بوضوح ـ نصرة دينه، ونصرة نبيّه، وشريعته وتعليماته، ولذلك وردت نصرة الله إلى جانب نصرة رسوله في بعض آيات القرآن الكريم، كما نقرأ في الآية (8) من سورة الحشر: {وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8].

ومع أنّ قدرة الله سبحانه غير محدودة، ولا قيمة لقدرة المخلوقات حيال قدرته، غير أنّه يعبّر بنصرة الله ليوضح أهمية الجهاد والدفاع عن دين الله، ولا يوجد تعبير أعظم من هذا لتبيان أهمية هذا الموضوع.

ولنرَ ما هو هذا الوعد الذي وعد الله به المجاهدين إذا ما دافعوا عن دينه؟

يقول أوّلاً (ينصركم) أمّا كيف يتمّ ذلك؟ فإنّ الطرق كثيرة، فهو سبحانه يلقي في قلوبكم نور الإيمان، وفي نفوسكم وأرواحكم التقوى، وفي أرادتكم القوّة والتصميم أكثر، وفي أفكاركم الهدوء والإطمئنان.

ومن جانب آخر يرسل الملائكة لمدكم ونصرتكم، ويغيّر مسار الحوادث لصالحكم، ويجعل أفئدة الناس تهوي إليكم، ويجعل كلماتكم نافذة في القلوب، ويصيّر نشاطاتكم وجهودكم مثمرة. نعم، إنّ نصرة الله تحيط بالجسم والروح، من الداخل والخارج.

إلاّ أنّه سبحانه يؤكّد على مسألة تثبيت الأقدام من بين كلّ أشكال النصرة، وذلك لأنّ الثبات أمام العدو أهم رمز للانتصار، وإنّما يكسب الحرب الذين يصمدون ويستقيمون أكثر، ولذلك نقرأ في قصة محاربة طالوت ـ القائد العظيم لبني إسرائيل ـ لجالوت ـ المتسلّط الجائر القوي ـ أنّ المؤمنين القليلين الذين كانوا معه عندما واجهوا جيش العدو الجرار، قالوا: {ربّنا أفرغ علينا صبراً وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}.

ونقرأ في الآية التي بعدها: {فهزموهم بإذن الله}.

أجل، إنّ نتيجة ثبات القدم هي النصر المؤزّر على العدو.

ولمّا كانت حشود العدو العظيمة، وأنواع معداتهم وتجهيزاتهم قد تشغل فكر المجاهدين في سبيل الله أحياناً، فإنّ الآية التالية تضيف: {والذين كفروا فتعساً لهم وأضلّ أعمالهم}(2).

«تعس» ـ على وزن نحس ـ بمعنى الانزلاق والهوي، وما فسّره البعض بأنّه الهلاك والانحطاط ، فهو لازمه في الواقع لا معناه.

وعلى كلّ حال، فإنّ المقارنة بين هذين الفريقين عميقة المعنى جدّاً، فالقرآن يقول في شأن المؤمنين {يثبّت أقدامهم} وفي شأن الكافرين (أضلّ أعمالهم)وبصيغة اللعنة، ليكون التعبير أبلغ وأكثر جاذبية وتأثيراً.

نعم، إنّ الكافرين إذا انزلقوا وزلّت أقدامهم، فليس هناك من يأخذ بأيديهم لينقذهم من الهلكة، بل إنّهم سينحدرون إلى الهاوية سريعاً وبسهولة، أمّا المؤمنون، فإنّ ملائكة الرحمة تهب لنجدتهم ونصرتهم، ويحفظونهم من المنزلقات والمنحدرات، كما نقرأ ذلك في موضع آخر، حيث تقول الآية (30) من سورة فصلت: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ} [فصلت : 30].

إنّ أعمال المؤمنين مباركة، أمّا أعمال الكافرين فإنّها بائرة ولذلك فهي تزول وتفنى سريعاً.

وتبيّن الآية التالية علّة سقوط هؤلاء، وجعل أعمالهم هباءً منثوراً، فتقول: {ذلك بأنّهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم}.

لقد أنزل الله سبحانه دين التوحيد قبل كلّ شيء، إلاّ أن هؤلاء نبذوه وراء ظهورهم وأقبلوا نحو الشرك.

لقد أمر الله سبحانه بالحق والعدالة، والعفّة والتقوى، غير أنّهم أعرضوا عنها جميعاً، واتجهوا صوب الظلم والفسّاد، بل إنّهم تشمئز قلوبهم إذا ذكر اسم الله تعالى وحده: { وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ} [الزمر: 45].

وإذا كان هؤلاء يتنفّرون من هذه الأُمور، فمن الطبيعي أن لا يخطوا خطوة في هذا المسير، ولقد كانت كلّ مساعيهم وجهودهم في مسير الباطل وخدمته، فمن الطبيعي أيضاً أن تحبط كلّ هذه الأعمال.

وجاء في حديث عن الإمام الباقر (عليه السلام) : «كرهوا ما أنزل الله في حق علي»(3).

ومعلوم أنّ لتعبير (ما أنزل الله) معنى واسعاً، ومسألة ولاية أمير المؤمنين علي(عليه السلام) أحد مصاديقه الواضحة، لا أنّ معناه منحصر فيها.

ولمّا كان القرآن الكريم في كثير من الموارد يعرض للظالمين العاصين نماذج محسوسة، فقد دعاهم هنا أيضاً إلى التدبّر في أحوال الماضين، فقال:{أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمّر الله عليهم}؟

ومن أجل أن لا يظنّ هؤلاء أنّ ذلك المصير المشؤوم كان مختصّاً بالأقوام الطاغين الماضين، فقد أضافت الآية: {وللكافرين أمثالها}(4).

فلا يظنّوا أنّهم في منأى من العقاب المشابه لذلك العقاب إن هم عملوا أعمالاً تشابه أعمال الماضين، فليسيروا في الأرض ولينظروا آثار الذين من قبلهم، ثمّ لينظروا مستقبلهم من خلال سنن التأريخ.

والجدير بالانتباه أنّ (دمّر) من مادة (تدمير)، وهي من الأصل بمعنى الإهلاك والإفناء، أمّا إذا أتت مع (على) فإنّها تعني إهلاك كلّ شيء حتى الأولاد والأهل والعشيرة والأموال الخاصّة بالإنسان(5). وعلى هذا فإنّ هذا التعبير بيان لمصيبة أليمة، خاصة بملاحظة لفظ (على) الذي يستعمل عادةً في مورد التسلط، وبذلك يصبح معنى الجملة، إنّ الله عزَّ وجلَّ قد صبَّ عذابه على رؤوس هؤلاء الأقوام وأموالهم وكلّ ما يتعلّق بهم فأفناها جميعاً.

وقد بحثنا موضوع «السير في الأرض» ـ والذي يؤكّد عليه القرآن المجيد مراراً كبرنامج توعية مؤثر ـ بصورة مفصّلة في ذيل الآية (137) من سورة آل عمران، والآية (45) من سورة الروم.

وتناولت آخر آية ـ من الآيات مورد البحث ـ سبب حماية الله المطلقة للمؤمنين ودفاعه عنهم، وإهلاكه الكافرين الطغاة، فتقول: {ذلك بأنّ الله مولى الذين آمنوا وأنّ الكافرين لا مولى لهم}(6).

«المولى» بمعنى الولي والناصر، وبذلك فإنّ الله سبحانه قد تولّى أمر المؤمنين ونصرتهم، أمّا الكافرون فقد أخرجهم من ظل ولايته، ومن الواضح أنّه تعالى يعين أُولئك المستظلين بظل ولايته، ويدفع عنهم النوائب، ويزيل عن طريقهم العراقيل، ويثبّت أقدامهم، وأخيراً فإنّهم ينالون مرادهم بنصرة الله ومعونته. أمّا أُولئك الخارجون عن ولايته فإنّ أعمالهم ستحبط، وتكون عاقبتهم الهلاك.

وهنا يأتي سؤال، وهو: إنّ الآية مورد البحث قد ذكرت أنّ الله سبحانه مولى المؤمنين فقط، في حين أنّه سبحانه وصف في بعض آيات القرآن الأُخرى بأنّه مولى الجميع حتى الكافرين، كما في الآية (30) من سورة سورة يونس حيث تقول: {وردّوا إلى الله مولاهم الحق وضلّ عنهم ما كانوا يفترون}.

وتتّضح الإجابة على هذا السؤال بملاحظة نكتة واحدة، وهي : إنّ ولاية الله العامّة ـ وهي كونها خالقاً مدبّراً ـ تعم الجميع، أمّا الولاية الخاصّة، وعنايته الخاصة المقترنة بأنواع الحماية والنصرة، فإنّها لا تشمل إلاّ المؤمنين(7).

وقال البعض : إنّ هذه الآية أرجى آية في القرآن، لأنّها أدخلت كلّ المؤمنين، العالم منهم والجاهل، الزاهد والراغب، الصغير والكبير، المرأة والرجل، الشاب والكهل، أدخلتهم تحت حماية الله ورعايته الخاصة، ولم تستثنِ حتى المؤمنين العاصين، فهو سبحانه يظهر رعايته في المواقف الحسّاسة واللحظات الحرجة، والحوادث والمصائب والنكبات، وكلّ فرد منّا قد أحسَّ بهذه الرعاية طيلة مدة حياته، وفي التأريخ شواهد كثيرة على ذلك(8).

وقد ورد في حديث أنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) كان بعد غزوة تحت شجرة وحيداً فحمل عليه مشرك بسيف فقال له: من يخلّصك منّي؟ فقال النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «الله» فسقط المشرك ـ فأخذت الكافر رعدة، وهوى على الأرض ـ السيف، فأخذه النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم)وقال له : «فمن يخلّصك منّي»؟ قال : لا أحد، ثمّ أسلم(9).

نعم، الله مولى الذين آمنوا، وإنّ الكافرين لا مولى لهم.

وقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ (12) وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِنْ قَرْيَتِكَ الَّتِي أَخْرَجَتْكَ أَهْلَكْنَاهُمْ فَلَا نَاصِرَ لَهُمْ (13) أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 12 - 14]:

عاقبة المؤمنين والكافرين :

لمّا كانت الآيات السابقة تتحدّث عن الصراع الدائم بين الحق والباطل، والإيمان والكفر، فإنّ الآيات مورد البحث تبيّن عاقبة المؤمنين والكفّار من خلال مقارنة واضحة، وهي بذلك تريد أن توضح أنّ هذين الفريقين لا يختلفان في الحياة الدنيا وحسب، بل إنّ الإختلاف بينهما سيكون أوسع في الآخرة، فتقول: {إنّ الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنّات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنّار مثوى لهم}(10).

صحيح أنّ كلا الفريقين يعيشون في الدنيا، ويتنعّمون بمواهبها ولذّاتها، إلاّ أنّ الفرق يكمن في أنّ هدف المؤمنين هو القيام بالأعمال الصالحة، والأعمال المفيدة البنّاءة لجلب رضى الله تعالى. أمّا الكافرون فإنّ هدفهم ينصب على الأكل والشرب والنوم والتمتّع بلذّات الحياة.

المؤمنون يتحرّكون حركة واعية هادفة، والكافرون يحيون بلا هدف، ويموتون بلا هدف، كالأنعام تماماً.

المؤمنون يضعون شروطاً كثيرة للتمتع بنعم الحياة، فهم يدقّقون في مشروعية طرق الحصول عليها، كما يدقّقون كيف ينفقونها، أمّا الكافرون فإنّهم كالدّواب لا يهمها أن يكون علفها من أرض صاحبها أو يكون مغصوباً، وسواء كان من حق يتيم أو عجوز بائسة أم لا؟

عندما يتنعّم المؤمنون بنعمة، فإنّهم يفكّرون في واهبها، ويتدبّرون في آياته، ويشكرونه عليها، أمّا الكافر الغافل فلا يفكّر في أي شيء لغفلته، وهو يضيف إلى حمله حملاً جديداً من الظلم والذنوب باستمرار، ويدني نفسه من الهلاك بعد أن تثقله الأوزار، حاله في ذلك حال الأغنام السمينة، فهي كلّما تأكل أكثر، وتسمن أكثر، تكون أقرب إلى الذبح.

وقال البعض : إنّ الفرق بين المؤمنين والكافرين، أنّ المؤمن لا يخلو أكله من ثلاث: الورع عند الطلب، واستعمال الأدب، والأكل للسبب. والكافر يطلب للنهمة، ويأكل للشهوة، وعيشه في غفلة.

وممّا يستحق الإنتباه أنّ القرآن الكريم يقول في شأن المؤمنين: {إنّ الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنّات} ويقول في الكافرين {والنّار مثوى لهم} فإنّ التعبير الأوّل يدلّ على احترام المؤمنين وتقديرهم، وإنّ الله سبحانه يدخلهم الجنّة، أمّا التعبير الثّاني، فإنّه يوحي باحتقار الكفّار الذين خرجوا من ولايته، وعدم الإهتمام بهم.

واستفاد بعض المفسّرين من جملة : (والنّار مثوى لهم) ـ أي محلهم النّار ـ أنّهم الآن في النّار، لأنّ الجملة ليست بصيغة الفعل المضارع والمستقبل، وإنّما هي تخبر عن الحال.

والحقيقة كذلك، لأنّ أعمال هؤلاء وأفكارهم نار بحدِّ ذاتها، وهم مبتلون بها، وقد أحاطت بهم جهنّم من كلّ مكان، وإن كان هؤلاء الذين هم كالأنعام في غفلة، كما نقرأ ذلك في الآية (49) من سورة التوبة: {وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: 49].

وفي بعض آيات القرآن الأُخرى شبّه أصحاب النّار بالأنعام، بل هم أضلّ منها: {أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف : 179] ، وقد أوردنا في ذيل هذه الآية شرحاً مفصّلاً.

ومن أجل إكمال هذا الهدف تقارن الآية التالية بين مشركي مكّة وعبدة الأوثان الماضين، وبعبارة أوضح، فإنّها تهدّدهم تهديداً شديداً، وتؤكّد ضمنياً على بعض جرائمهم الشنيعة التي تدلّ على جواز قتالهم فتقول: {وكأيّن من قرية هي أشدّ قوة من قريّتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم}.

فلا يظنّ هؤلاء أنّ الدنيا مستوسقة لهم إلى درجة أنّهم اجترؤوا على إخراج أشرف رسل الله من أقدس المدن، فإنّ الأمر لا يدوم كذلك، فهم بالقياس إلى قوم عاد وثمود والفراعنة وجيش أبرهة موجودات ضعيفة عاجزة، والله قادر على تدميرهم بكلّ سهولة، والقضاء عليهم يسير على الله سبحانه.

وجاء في رواية عن ابن عباس: إنّ النّبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا خرج من مكّة إلى غار ثور، توجّه إلى مكّة وقال: «أنت أحبّ البلاد إلى الله، وأنت أحبّ البلاد إليَّ، ولولا المشركون أهلك أخرجوني لما خرجت منك»، فنزلت الآية أعلاه تبشّر النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بنصر الله، وتهدّد الأعداء بالعذاب والعقاب(11).

وطبقاً لسبب النّزول هذا تكون الآية مكيّة، لكن يبدو أنّ سبب النّزول هذا يتعلّق بالآية (85) من سورة القصص، وقد ذكره كثير من المفسّرين هناك، فهو ينسجم مع تلك الآية أكثر، إذ تقول: {إنّ الذي فرض عليك القرآن لرادّك إلى معاد}(12).

والملفت للنظر أنّ الآية نسبت الإخراج إلى نفس مكّة، في حين أنّ المراد أهلها، وهذه كناية لطيفة عن تسلّط فئة معيّنة، على مقدرات المدينة، وقد ورد نظير ذلك في مواضع أُخرى من القرآن المجيد.

ثمّ إنّ التعبير بالقرية ـ وكما قلنا ذلك مراراً ـ يطلق على كلّ مدينة وأرض عامرة مسكونة، ولا يخص المعنى المتعارف للقرية.

وتطرح آخر الآيات ـ مورد البحث ـ مقارنة أُخرى بين المؤمنين والكفار.. بين فئتين تختلفان في كلّ شيء، فإحداهما مؤمنة تعمل الصالحات، وتحيا الاُخرى حياة حيوانية بكلّ معنى الكلمة.. بين فريقين، أحدهما مستظل بظل ولاية الله سبحانه، والآخر لا مولى له ولا ناصر، فتقول: {أفمن كان على بيّنة من ربّه كمن زيّن له سوء عمله واتبعوا أهواءهم}؟

إنّ الفريق الأوّل قد اختاروا طريقهم عن معرفة صحيحة، ورؤية واقعية، وعن يقين ودليل وبرهان قطعي، وهم يرون طريقهم وهدفهم بوضوح، ويسيرون نحوه بسرعة.

أمّا الفريق الثّاني فقد ابتلوا بسوء التشخيص، وعدم إدراك الواقع، وظلمة المسير والهدف، فهم في ظلمات الأوهام حائرون. والعامل الأساس في هذه الحيرة والضلالة هو اتباع الهوى والشهوات، لأنّ الهوى والشهوات تلقي الحجب على عقل الإنسان وفكره، فتصوّر له القبيح حسناً، كما نرى أناساً يفخرون بأعمالهم التي يندى لها الجبين، وهي وصمة عار في جباههم، كما جاء ذلك في الآية (103) من سورة الكهف: { قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا } [الكهف : 103 - 105].

«البينة» تعني الدليل الواضح الجلي، وهي هنا إشارة إلى القرآن، ومعاجز الرّسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم)، والدلائل العقلية الأُخرى.

ومن الواضح أنّ الإستفهام في جملة: (أفمن كان...) استفهام إنكاري، أي إنّ هذين الفريقين لا يتساويان أبداً.

ولكن من الذي يزيّن أعمال السوء في أنظار عبدة الهوى ومتبعيه؟ أهو الله سبحانه، أم هم أنفسهم، أم الشياطين؟

ينبغي أن يقال : إنّها تصح جميعاً، لأنّ التزيين نسب إلى الثلاثة في آيات القرآن، فتقول الآية (4) من سورة النمل: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمَالَهُمْ} [النمل : 4].

وجاء في آيات عديدة أخرى، ومن جملتها الآية (38) من سورة العنكبوت، التي تقول: {وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ} [العنكبوت : 38].

وظاهر الآية مورد البحث، وبملاحظة الجملة: {واتبعوا أهواءهم} أنّ هذا التزيين ناشئ عن اتباع الهوى، وقضية كون الهوى والشهوات تسلب الإنسان القدرة على الحس والتشخيص والإدراك الصحيح للحقائق، قضية يمكن إدراكها بوضوح.

إنّ نسبة التزيين إلى الشيطان ـ طبعاً ـ صحيحة أيضاً، لأنّه هو الذي ينصب المكائد ويوسوس للإنسان أن يلجها، ويزيّن له اتباع الهوى.

وأمّا نسبته إلى الله سبحانه فلأنّه مسبب الأسباب، وإليه يرجع كلّ سبب، فهو الذي أعطى النّار الأحراق، ومنح الهوى قدرة تغطية الحقائق وإلقاء الحجب عليها لئلا يدركها من يتبعه، وقد أظهر هذا التأثير وأعلنه من قبل، ولذلك فإنّ أصل المسؤولية يرجع إلى نفس الإنسان.

ويعتقد البعض أنّ جملة: {من كان على بيّنة من ربّه} إشارة إلى النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والجملة التالية ناظرة إلى كفار مكّة، غير أنّ الظاهر هو أنّ للآية معنى واسعاً، وهذا من مصاديقه.

______________________

1- الامثل ، ناصر مكارم الشيرازي ، ج12616-624.

2 ـ «تعساً» مفعول مطلق لفعل مقدّر، والتقدير: تعسهم تعساً، وجملة (أضلّ أعمالهم) عطف على هذا الفعل المقدّر،

وكلاهما بصيغة اللعنة، مثل (قاتلهم الله)، ومن الواضح أنّ اللعنة من قبل الله تعني وقوعها.

3 ـ مجمع البيان، ذيل الآيات مورد البحث.

4 ـ ضمير «أمثالها» يعود إلى العاقبة التي تستفاد من الجملة السابقة.

5 ـ تفسير روح المعاني، وروح البيان، والفخر الرازي.

6 ـ المشار إليه بـ(ذلك) هي عاقبة المؤمنين الحسنة، وعاقبة الكافرين المشؤومة، واللتان أشير إليهما في الآيات السابقة.

7 ـ فسّر البعض ـ كالآلوسي في روح المعاني ـ «المولى» في الآية مورد البحث بالناصر، وفي آية سورة يونس وأمثالها. بالمالك.

8- ورد في ذيل الاية 53 من سورة الزمر {يا عبادي الذين اسرفوا...} عن امير المؤمنين (عليه السلام) (( ما في القران آية اوسع من ياعبادي الذين اسرفوا..))..ولا تنافي بينهما.

9 ـ روح البيان، المجلد 8، صفحة 503.

10 ـ كما تأكل.. في محل نصب مفعول مطلق مقدّر، والتقدير: يأكلون أكلاً كما تأكل الأنعام.

11 ـ تفسير القرطبي، المجلد 9، صفحة 6055.

12 ـ لمزيد من التفصيل حول هذا المطلب يراجع تفسير الآية (85) من سورة القصص.

 

EN

تصفح الموقع بالشكل العمودي