توعك الرسول ووصاياه(صلى الله عليه واله)
المؤلف:
الشيخ عباس القمي
المصدر:
منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل
الجزء والصفحة:
ج1,ص144-147.
10-12-2014
3948
اعلم انّه قد كثرت الروايات في كيفية وفاته (صلّى اللّه عليه و آله) ووصاياه و نكتفي هنا بما اختاره الشيخ المفيد و الشيخ الطبرسي (رضوان اللّه عليهما) فقد قالا: انّه (صلّى اللّه عليه و آله) تحقق من دنوّ أجله ما كان قدم الذكر به لأمّته فجعل (صلّى اللّه عليه وآله) يقوم مقاما بعد مقام في المسلمين يحذرهم الفتنة بعده و الخلاف عليه و يؤكد وصايتهم بالتمسك بسنته و الاجماع عليها و الوفاق و يحثّهم على الاقتداء بعترته و الطاعة لهم و النصرة والحراسة و الاعتصام بهم في الدين و يزجرهم عن الخلاف و الارتداد و كان فيما ذكره من ذلك ما جاءت به الرواة على اتفاق والاجتماع من قوله (صلّى اللّه عليه و آله): أيها الناس انّي فرطكم وانتم واردون علي الحوض، ألا و انّي سائلكم عن الثقلين فانظروا كيف تخلفوني فيهما، فانّ اللطيف الخبير نبأني انّهما لن يفترقا حتى يلقاني و سألت ربّي ذلك فأعطانيه ألا و انّي قد تركتهما فيكم، كتاب اللّه و عترتي أهل بيتي و لا تسبقوهم فتفرقوا و لا تقصروا عنهم فتهلكوا و لا تعلموهم فانهم اعلم منكم أيها الناس لا ألفينّكم بعدي ترجعون كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض فتلقوني في كتيبة كبحر السيل الجرار الا و انّ عليّ بن ابي طالب أخي و وصيي يقاتل بعدي على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله و كان (صلّى اللّه عليه و آله) يقوم مجلسا بعد مجلس بمثل هذا الكلام و نحوه.
ثم انّه عقد لأسامة بن زيد بن حارثة الإمرة و أمره و ندبه أن يخرج بجمهور الامة الى حيث أصيب أبوه من بلاد الروم و اجتمع رأيه (صلّى اللّه عليه و آله) على اخراج جماعة من مقدمي المهاجرين و الانصار في معسكره حتى لا يبقى في المدينة عند وفاته من يختلف في الرئاسة و يطمع في التقدم على الناس بالامارة و يستتب الامر لمن استخلفه من بعده و لا ينازعه في حقه منازع فعقد له الامرة على ما ذكرناه.
و جدّ (صلّى اللّه عليه و آله) في اخراجهم و أمر أسامة بالبروز عن المدينة بمعسكره الى الجرف و حثّ الناس على الخروج إليه و المسير معه و حذّرهم من التلوّم و الابطاء عنه فبينما هو في ذلك اذ عرضت له الشكاة التي توفي فيها، فلما أحس بالمرض الذي عراه أخذ بيد عليّ (عليه السّلام)و اتبعه جماعة من الناس و توجّه الى البقيع، فقال لمن اتبعه: انّي قد أمرت بالاستغفار لأهل البقيع فانطلقوا معه حتى وقف بين أظهرهم و قال: السلام عليكم يا أهل القبور ليهنئكم ما أصبحتم فيه، مما فيه الناس، أقبلت الفتن كقطع الليل المظلم يتبع أولها آخرها ثم استغفر لأهل البقيع طويلا و أقبل على أمير المؤمنين (عليه السّلام)فقال له: انّ جبرئيل (عليه السّلام)كان يعرض عليّ القرآن كل سنة مرّة و قد عرضه عليّ العام مرّتين و لا أراه الّا لحضور أجلي ثم قال: يا عليّ انّي خيّرت بين خزائن الدنيا و الخلود فيها أو الجنة فاخترت لقاء ربي و الجنة فاذا أنا متّ فاغسلني و استر عورتي فانّه لا يراها أحد الّا أكمه، ثم عاد الى منزله فمكث ثلاثة ايام موعوكا، ثم خرج الى المسجد معصوب الرأس معتمدا على أمير المؤمنين (عليه السّلام)بيمنى يديه و على الفضل بن العباس باليد الاخرى حتى صعد المنبر فجلس عليه، ثم قال : معاشر الناس قد حان منّي خفوق من بين أظهركم فمن كان له عندي عدة فليأتني أعطه إياها و من كان له عليّ دين فليخبرني به معاشر الناس ليس بين اللّه، و بين أحد شيء يعطيه به خيرا أو يصرف عنه به شرا الا العمل، أيها الناس لا يدعي مدع و لا يتمنى متمن و الذي بعثني بالحق نبيا لا ينجّي الا عمل مع رحمة و لو عصيت لهويت اللهم هل بلّغت؟ ثم نزل فصلّى بالناس صلاة خفيفة و دخل بيته و كان اذ ذاك في بيت أم سلمة (رضي اللّه عنها) فأقام به يوما أو يومين فجاءت عائشة إليها تسألها أن تنقله الى بيتها لتتولى تعليله و سالت أزواج النبي (صلّى اللّه عليه و آله) في ذلك فأذن لها فانتقل (صلّى اللّه عليه و آله) الى البيت الذي أسكنه عائشة و استمر المرض فيه أياما و ثقل فجاء بلال عند صلاة الصبح و رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) مغمور بالمرض، فنادى: الصلاة يرحمكم اللّه فأوذن رسول اللّه بندائه، فقال: يصلي بالناس بعضهم فانّي مشغول بنفسي، فقالت عائشة مروا ابا بكر! و قالت حفصة: مروا عمرا! فقال رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حين سمع كلامهما و رأى حرص كل واحدة منهما على التنويه بابيها و افتتانهما بذلك و رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) حيّ: اكففن فانكنّ كصويحبات يوسف.
ثم قام (صلّى اللّه عليه و آله) مبادرا خوفا من تقدم أحد الرجلين و قد كان أمرهما بالخروج مع أسامة و لم يك عنده انهما قد تخلّفا، فلمّا سمع من عائشة و حفصة ما سمع علم انهما متأخران عن أمره! فبدر لكفّ الفتنة و ازالة الشبهة فقام (صلّى اللّه عليه و آله) وانّه لا يستقل على الارض من الضعف، فأخذ بيده عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)و الفضل بن العباس فاعتمد عليهما و رجلاه تخطان الارض من الضعف فلمّا خرج الى المسجد وجد أبا بكر قد سبق الى المحراب فأومأ إليه بيده أن تأخر عنه فتأخر أبو بكر و قام رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) مقامه فكبّر و ابتدأ الصلاة التي كان قد ابتدأها أبو بكر و لم يبن على ما مضى من فعاله فلمّا سلّم انصرف الى منزله و استدعى ابا بكر و عمر و جماعة ممن حضر بالمسجد من المسلمين ثم قال: أ لم آمركم أن تنفدوا جيش أسامة؟ فقالوا: بلى يا رسول اللّه، قال: فلم تأخرتم عن أمري؟ قال أبو بكر: انّي كنت خرجت ثم رجعت لأجدد بك عهدا و قال عمر: يا رسول اللّه انّي لم أخرج لانني لم أحب أن أسأل عنك الركب، فقال النبي (صلّى اللّه عليه و آله): نفّذوا جيش أسامة، نفّذوا جيش أسامة، يكررها ثلاث مرّات ، ثم أغمي عليه من التعب الذي لحقه و الأسف الذي ملكه فمكث هنيئة مغمى عليه و بكى المسلمون و ارتفع النحيب من أزواجه و ولده و نساء المسلمين و جميع من حضر من المسلمين فأفاق رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله) فنظر إليهم ثم قال: ائتوني بدواة و كتف لأكتب إليكم كتابا لا تضلوا بعده أبدا ثم أغمي عليه.
فقام بعض من حضر يلتمس دواة و كتفا فقال له عمر: ارجع! فانّه يهجر!! فرجع و ندم من حضر على ما كان منهم من التضجيع في احضار الدواة و الكتف و تلاوموا بينهم و قالوا: انّا للّه و انّا إليه راجعون، لقد أشفقنا من خلاف رسول اللّه (صلّى اللّه عليه و آله).
فلمّا أفاق قال بعضهم: ألا نأتيك بدواة و كتف يا رسول اللّه؟ فقال: أبعد الذي قلتم، لا و لكنّي أوصيكم بأهل بيتي خيرا و أعرض بوجهه عن القوم فنهضوا و بقي عنده العباس و الفضل بن العباس و علي بن ابي طالب (عليه السّلام) وأهل بيته خاصة، فقال له العباس: يا رسول اللّه ان يكن هذا الامر فينا مستقرا من بعدك فبشرنا و ان كنت تعلم انا نغلب عليه فاقض بنا، فقال: انتم المستضعفون من بعدي و أصمت فنهض القوم و هم يبكون قد يئسوا من النبي (صلّى اللّه عليه و آله).
فلمّا خرجوا من عنده، قال (صلّى اللّه عليه و آله): ردّوا عليّ أخي و عمّي فانفذوا من دعاهما فحضرا فلمّا استقرّ بهما المجلس قال (صلّى اللّه عليه و آله): يا عمّ رسول اللّه تقبل وصيتي و تنجز عدتي و تقضي ديني؟ فقال العباس: يا رسول اللّه عمّك شيخ كبير ذو عيال كثير و أنت تباري الريح سخاء و كرما و عليك وعد لا ينهض به عمّك.
فأقبل على عليّ بن ابي طالب (عليه السّلام)فقال: يا أخي تقبل وصيتي و تنجز عدتي و تقضي عنّي ديني و تقوم بأمر أهلي من بعدي؟.
فقال: نعم يا رسول اللّه، فقال: ادن منّي، فدنا فضمّه إليه ثم نزع خاتمه من يده، فقال: له: خذ هذا فضعه في يدك و دعا بسيفه و درعه و جميع لامته فدفع ذلك إليه و التمس عصابة كان يشدها على بطنه اذا لبس سلاحه و خرج الى الحرب، فجيء بها إليه فدفعها الى أمير المؤمنين عليه السّلام، و قال له: امض على اسم اللّه تعالى الى منزلك.
الاكثر قراءة في شهادة النبي وآخر الأيام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة