البدو الذين كانوا يتنقلون غير مستقرين يكونون حيث يوجد الماء والكلأ حياتهم قاسية ، لا يخضعون لقانون أو لجيش كسكان المناطق الحضرية وانما كل قبيلة تدافع عن نفسها وأحياناً تشكل حلفاً مع القبائل الأخرى لكي تستطيع المحافظة على المناطق التي يقطنونها ولا سيما إذا كانت وفيرة المياه جيدة المراعي لمواشيها(1) فتقوم القبائل الصغيرة أو الضعيفة خاصة إلى التحالف مع القبائل القوية وبخاصة المجاورة لها ، وذلك لمساعدتها عند حدوث خطر من قبيلة أخرى ويكون الحلف عادةً مؤقتاً – على الأغلب – أو دائماً وان لهذه التحالفات الأثر الكبير للمحافظة على الأمن والسلم في الجزيرة وهي البداية الأولى لتكوين الدولة(2) .

وكان سكان البدو يعيشون في وحدات تقوم على أساس رابطة الدم وتسمى (القبيلة)(3) وتنتسب أفراد كل قبيلة إلى جد واحد ينحدرون منه وقد أوجد هذا الانتساب عندهم الشعور بالتماسك والعصبية القبلية فأصبح لكل قبيلة رئيس يسمى (الشيخ) يتمتع بصفات منها النسب ، والصدق ، والشجاعة ، والكرم فضلاً عن كبر السن ، وهذه الصفات أهلته ان يتزعم قبيلته وله سلطة واسعة عليهم ويكون قائدهم في الحروب وعلى أفراد القبيلة احترام رأي شيخهم(4) وله مجلس يحضره كل أفراد القبيلة البالغين ولم يكن للمجلس موعد ثابت ، وفي الأغلب كانوا يجتمعون في المساء أو عندما تدعو الحاجة لعقد هذا الاجتماع(5) .

ومن هنا نجد ان القبيلة هي الوحدة السياسية عند البدو وتكون القبيلة عبارة عن دولة صغيرة للفرد وتوجد فيها كل مقومات الدولة من أرض وحدود معينة كما لها دستورها (عرفها) وتقاليدها وسيادتها(6) وأشارت كتب الأنساب إلى تسميات أخرى لوحدات اجتماعية عرفها العرب كالبطون والأفخاذ والفصيلة والرهط الا أن هذه التسميات من قبيل المترادفات والتفريعات التي ليست لها دلالات واقعية على الحياة الاجتماعية عند العرب(7) إذ تعد الأسرة هي الوحدة الاجتماعية المكونة للقبيلة ومن خلال النظام (الملكي والقبلي) تكون نظام سياسي في الجزيرة العربية وقد انقسمت هذه النظم إلى دول الشمال مثل الأنباط والمناذرة وغيرها ودول الجنوب مثل معين وسبأ وحمير وغيرها(8) وظهر لنا موقع جزيرة العرب الجغرافي الامتيازات الكبيرة في التطور والتفاعل الحضاري ، ودور المناخ الذي وفر الظروف لإقامة المدن والدول وكذلك الجفاف الذي أعطى الحياة الطابع الصعب والتكيف مع هذه الحالة ، ومن هذا نجد ان العامل السياسي والاقتصادي في جنوب الجزيرة العربية وشمالها الأثر الواضح في اقامة دولة كندة وبسط نفوذها على المناطق المجاورة(9) .

______________________

(1) جواد علي ، تاريخ العرب قبل الاسلام ، 8/ص8 ، الملاح ، الوسيط ، ص31 ، الجبوري ، يحيى ، الجاهلية مقدمة في الحياة العربية ، ص57 .

(2) البكري ، معجم ما استعجم ، ج1/ص53 ، العلي ، المرجع السابق ، ج1/ص161 ، الملاح ، المرجع السابق ، ص389-390 ، عبود ، مارون ، آداب العرب ، ص15 ، الجبوري ، المرجع السابق ، ص58 ، وعن التحالفات وأنواعها أنظر : ابراهيم محمد علي : التحالفات السياسية بين القبائل العربية ، أطروحة دكتوراه ، الموصل ، 1990 ، ص243 .

(3) (القبيلة) : يقسم أفراد القبيلة إلى الصليبة والحلفاء والعبيد ، وكل هؤلاء لهم حقوق وعليهم واجبات اتجاه قبيلتهم ، العلي ، محاضرات في تاريخ العرب قبل الإسلام ، ج1 ، ص134-135 .

(4) ابن حبيب ، ابي جعفر محمد ، المحبر ، ص256 ، ابن خلدون ، تاريخ ابن خلدون ، ج1 ، ص107-108 ، العلي ، المرجع السابق ، ج1/ص127-128 .

(5) العلي ، المرجع نفسه ، ج1/ص155 ، الملاح ، الوسيط ، ص388-389 .

(6) العلي ، المرجع السابق ، ج1 ، ص152-153 ، الملاح ، المرجع السابق ، ص65 و ص373، الهاشمي ، أحمد ، جواهر الأدب ، ج2 ، ص7-8 .

(7) النويري ، نهاية الأرب في فنون الأدب ، ج2 ، ص284-285 ، وأنظر كذلك : الملاح ، المرجع السابق ، ص360 ، الأثري ، محمد بهجت ، الأساس في تاريخ الأدب العربي ، ص8

(8) الراوي ، محاضرات في تاريخ العرب ، ص15-16 .

(9) الملاح، الوسيط، ص9.

مواضيع ذات صلة

اغتيال الملك سيف بأحراش الدلتا.

سيف يتوغل في أصفهان.

الرحيل إلى مصر العدية.

موت قمرية.

سيف يفك حصار مدينة أفراح.

سيف بن ذي يزن تبع حمير المنتظر.

هيكل سيف بن ذي يزن.

مهد التباعنة.

سيف أرعد يصرخ: ولدي جثة بلا رأس.

حروب النيل.

الحرب الضروس في القرن الأفريقي.

ذو اليزن التبع المحتضر.