x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

المسائل الفقهية

التقليد

الطهارة

احكام الاموات

الاحتضار

التحنيط

التشييع

التكفين

الجريدتان

الدفن

الصلاة على الميت

الغسل

مسائل تتعلق باحكام الاموات

أحكام الخلوة

أقسام المياه وأحكامها

الاستحاضة

الاغسال

الانية واحكامها

التيمم (مسائل فقهية)

احكام التيمم

شروط التيمم ومسوغاته

كيفية التيمم

مايتيمم به

الجنابة

سبب الجنابة

مايحرم ويكره للجُنب

مسائل متفرقة في غسل الجنابة

مستحبات غسل الجنابة

واجبات غسل الجنابة

الحيض

الطهارة من الخبث

احكام النجاسة

الاعيان النجسة

النجاسات التي يعفى عنها في الصلاة

كيفية سراية النجاسة الى الملاقي

المطهرات

النفاس

الوضوء

الخلل

سنن الوضوء

شرائط الوضوء

كيفية الوضوء واحكامه

مسائل متفرقة تتعلق بالوضوء

مستمر الحدث

نواقض الوضوء والاحداث الموجبة للوضوء

وضوء الجبيرة واحكامها

مسائل في احكام الطهارة

الصلاة

مقدمات الصلاة(مسائل فقهية)

الستر والساتر (مسائل فقهية)

القبلة (مسائل فقهية)

اوقات الصلاة (مسائل فقهية)

مكان المصلي (مسائل فقهية)

افعال الصلاة (مسائل فقهية)

الاذان والاقامة (مسائل فقهية)

الترتيب (مسائل فقهية)

التسبيحات الاربعة (مسائل فقهية)

التسليم (مسائل فقهية)

التشهد(مسائل فقهية)

التعقيب (مسائل فقهية)

الركوع (مسائل فقهية)

السجود(مسائل فقهية)

القراءة (مسائل فقهية)

القنوت (مسائل فقهية)

القيام (مسائل فقهية)

الموالاة(مسائل فقهية)

النية (مسائل فقهية)

تكبيرة الاحرام (مسائل فقهية)

منافيات وتروك الصلاة (مسائل فقهية)

الخلل في الصلاة (مسائل فقهية)

الصلوات الواجبة والمستحبة (مسائل فقهية)

الصلاة لقضاء الحاجة (مسائل فقهية)

صلاة الاستسقاء(مسائل فقهية)

صلاة الايات (مسائل فقهية)

صلاة الجمعة (مسائل فقهية)

صلاة الخوف والمطاردة(مسائل فقهية)

صلاة العيدين (مسائل فقهية)

صلاة الغفيلة (مسائل فقهية)

صلاة اول يوم من كل شهر (مسائل فقهية)

صلاة ليلة الدفن (مسائل فقهية)

صلوات اخرى(مسائل فقهية)

نافلة شهر رمضان (مسائل فقهية)

المساجد واحكامها(مسائل فقهية)

اداب الصلاة ومسنوناتها وفضيلتها (مسائل فقهية)

اعداد الفرائض ونوافلها (مسائل فقهية)

صلاة الجماعة (مسائل فقهية)

صلاة القضاء(مسائل فقهية)

صلاة المسافر(مسائل فقهية)

صلاة الاستئجار (مسائل فقهية)

مسائل متفرقة في الصلاة(مسائل فقهية)

الصوم

احكام متفرقة في الصوم

المفطرات

النية في الصوم

ترخيص الافطار

ثبوت شهر رمضان

شروط الصوم

قضاء شهر رمضان

كفارة الصوم

الاعتكاف

الاعتكاف وشرائطه

تروك الاعتكاف

مسائل في الاعتكاف

الحج والعمرة

شرائط الحج

انواع الحج واحكامه

الوقوف بعرفة والمزدلفة

النيابة والاستئجار

المواقيت

العمرة واحكامها

الطواف والسعي والتقصير

الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة

الاحرام والمحرم والحرم

اعمال منى ومناسكها

احكام عامة

الصد والحصر*

الجهاد

احكام الاسارى

الارض المفتوحة عنوة وصلحا والتي اسلم اهلها عليها

الامان

الجهاد في الاشهر الحرم

الطوائف الذين يجب قتالهم

الغنائم

المرابطة

المهادنة

اهل الذمة

وجوب الجهاد و شرائطه

مسائل في احكام الجهاد

الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرائط وجوبهما

اهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

احكام عامة حول الامر بالمعروف والنهي عن المنكر

الخمس

مايجب فيه الخمس

مسائل في احكام الخمس

مستحق الخمس ومصرفه

الزكاة

اصناف المستحقين

اوصاف المستحقين

زكاة الفطرة

مسائل في زكاة الفطرة

مصرف زكاة الفطرة

وقت اخراج زكاة الفطرة

شرائط وجوب الزكاة

ماتكون فيه الزكاة

الانعام الثلاثة

الغلات الاربع

النقدين

مال التجارة

مسائل في احكام الزكاة

احكام عامة

علم اصول الفقه

تاريخ علم اصول الفقه

تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية

المباحث اللفظية

المباحث العقلية

الاصول العملية

الاحتياط

الاستصحاب

البراءة

التخيير

مباحث الحجة

تعارض الادلة

المصطلحات الاصولية

حرف الالف

حرف التاء

حرف الحاء

حرف الخاء

حرف الدال

حرف الذال

حرف الراء

حرف الزاي

حرف السين

حرف الشين

حرف الصاد

حرف الضاد

حرف الطاء

حرف الظاء

حرف العين

حرف الغين

حرف الفاء

حرف القاف

حرف الكاف

حرف اللام

حرف الميم

حرف النون

حرف الهاء

حرف الواو

حرف الياء

القواعد الفقهية

مقالات حول القواعد الفقهية

اخذ الاجرة على الواجبات

اقرار العقلاء

الإتلاف - من اتلف مال الغير فهو له ضامن

الإحسان

الاشتراك - الاشتراك في التكاليف

الاعانة على الاثم و العدوان

الاعراض - الاعراض عن الملك

الامكان - ان كل ما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض

الائتمان - عدم ضمان الامين - ليس على الامين الا اليمين

البناء على الاكثر

البينة واليمين - البينة على المدعي واليمين على من انكر

التقية

التلف في زمن الخيار - التلف في زمن الخيار في ممن لا خيار له

الجب - الاسلام يجب عما قبله

الحيازة - من حاز ملك

الزعيم غارم

السبق - من سبق الى ما لم يسبقه اليه احد فهو احق به - الحق لمن سبق

السلطنة - التسلط - الناس مسلطون على اموالهم

الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد ام لا؟ - الشرط الفاسد ليس بمفسد

الصحة - اصالة الصحة

الطهارة - كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر

العقود تابعة للقصود

الغرور - المغرور يرجع الى من غره

الفراغ و التجاوز

القرعة

المؤمنون عند شروطهم

الميسور لايسقط بالمعسور - الميسور

الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها

الولد للفراش

أمارية اليد - اليد

انحلال العقد الواحد المتعلق بالمركب الى عقود متعددة - انحلال العقودالى عقود متعددة

بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه

تلف المبيع قبل قبضه - اذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه

حجية البينة

حجية الضن في الصلاة

حجية سوق المسلمين - السوق - أمارية السوق على كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة

حجية قول ذي اليد

حرمة ابطال الاعمال العبادية الا ما خرج بالدليل

عدم شرطية البلوغ في الاحكام الوضعية

على اليد ما اخذت حتى تؤدي - ضمان اليد

قاعدة الالزام - الزام المخالفين بما الزموا به انفسهم

قاعدة التسامح في ادلة السنن

قاعدة اللزوم - اصالة اللزوم في العقود - الاصل في المعاملات اللزوم

لا تعاد

لا حرج - نفي العسر و الحرج

لا ربا في ما يكال او يوزن

لا شك في النافلة

لا شك لكثير الشك

لا شك للإمام و المأموم مع حفظ الآخر

لا ضرر ولا ضرار

ما يضمن و ما لا يضمن - كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده

مشروعية عبادات الصبي وعدمها

من ملك شيئا ملك الاقرار به

نجاسة الكافر وعدمها - كل كافر نجس

نفي السبيل للكافر على المسلمين

يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب

قواعد فقهية متفرقة

المصطلحات الفقهية

حرف الألف

حرف الباء

حرف التاء

حرف الثاء

حرف الجيم

حرف الحاء

حرفق الخاء

حرف الدال

حرف الذال

حرف الراء

حرف الزاي

حرف السين

حرف الشين

حرف الصاد

حرف الضاد

حرف الطاء

حرف الظاء

حرف العين

حرف الغين

حرف الفاء

حرف القاف

حرف الكاف

حرف اللام

حرف الميم

حرف النون

حرف الهاء

حرف الواو

حرف الياء

الفقه المقارن

كتاب الطهارة

احكام الاموات

الاحتضار

الجريدتان

الدفن

الصلاة على الاموات

الغسل

الكفن

التشييع

احكام التخلي

استقبال القبلة و استدبارها

مستحبات و ومكروهات التخلي

الاستنجاء

الاعيان النجسة

البول والغائط

الخمر

الدم

الكافر

الكلب والخنزير

المني

الميتة

احكام المياه

الوضوء

احكام الوضوء

النية

سنن الوضوء

غسل الوجه

غسل اليدين

مسح الرأس

مسح القدمين

نواقض الوضوء

المطهرات

الشمس

الماء

الجبيرة

التيمم

احكام عامة في الطهارة

احكام النجاسة

الحيض و الاستحاظة و النفاس

احكام الحيض

احكام النفاس

احكام الاستحاضة

الاغسال المستحبة

غسل الجنابة واحكامها

كتاب الصلاة

احكام السهو والخلل في الصلاة

احكام الصلاة

احكام المساجد

افعال الصلاة

الاذان والاقامة

التسليم

التشهد

الركوع

السجود

القراءة

القنوت

القيام

النية

تكبيرة الاحرام

سجدة السهو

الستر والساتر

الصلوات الواجبة والمندوبة

صلاة الاحتياط

صلاة الاستسقاء

صلاة الايات

صلاة الجماعة

صلاة الجمعة

صلاة الخوف

صلاة العيدين

صلاة القضاء

صلاة الليل

صلاة المسافر

صلاة النافلة

صلاة النذر

القبلة

اوقات الفرائض

مستحبات الصلاة

مكان المصلي

منافيات الصلاة

كتاب الزكاة

احكام الزكاة

ماتجب فيه الزكاة

زكاة النقدين

زكاة مال التجارة

زكاة الغلات الاربعة

زكاة الانعام الثلاثة

شروط الزكاة

زكاة الفطرة

احكام زكاة الفطرة

مصرف زكاة الفطرة

وقت وجوب زكاة الفطرة

اصناف واوصاف المستحقين وأحكامهم

كتاب الصوم

احكام الصوم

احكام الكفارة

اقسام الصوم

الصوم المندوب

شرائط صحة الصوم

قضاء الصوم

كيفية ثبوت الهلال

نية الصوم

مستحبات ومكروهات الصوم

كتاب الحج والعمرة

احرام الصبي والعبد

احكام الحج

دخول مكة واعمالها

احكام الطواف والسعي والتقصير

التلبية

المواقيت

الصد والحصر

اعمال منى ومناسكها

احكام الرمي

احكام الهدي والاضحية

الحلق والتقصير

مسائل متفرقة

النيابة والاستئجار

الوقوف بعرفة والمزدلفة

انواع الحج واحكامه

احكام الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة

احكام تخص الاحرام والمحرم والحرم

العمرة واحكامها

شرائط وجوب الحج

كتاب الاعتكاف

كتاب الخمس

الفقه الاسلامي واصوله : علم اصول الفقه : تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية :

النسخ والبداء

المؤلف:  ناصر مكارم الشيرازي

المصدر:  أنوَار الاُصُول

الجزء والصفحة:  ج 2 ص 164.

4-9-2016

567

الوجه في التعرّض لهذه المسألة في ما نحن فيه أمران:

أحدهما: ربط مسائل العام والخاصّ بالنسخ ...

ثانيهما: كونها من المبادئ الأحكاميّة التي تبحث عنها في علم الاُصول كالبحث عن تضادّ الأمر والنهي، هذا بالنسبة إلى النسخ، وأمّا البداء فلأنّ له صلة قريبة وعلاقة شديدة بالنسخ كما سيتّضح لك إن شاء الله.

وكيف كان: لابدّ أوّلا: أن نبحث في المعنى اللغوي للنسخ، قال الراغب في مفرداته: «النسخ إزالة الشيء بشيء يتعقّبه كنسخ الشمس الظلّ والظلّ الشمس والشيب الشباب، فتارةً يفهم منه الإزالة وتارةً يفهم منه الإثبات وتارةً الأمران» (أي الإزالة والإثبات كلاهما) ثمّ قال بعد فصل: «ونسخ الكتاب نقل صورته المجرّدة إلى كتاب آخر وذلك لا يقتضي إزالة الصورة الاُولى بل يقتضي إثبات مثلها في مادّة اُخرى كالمناسخة في الميراث» فيستفاد من هذه العبارة إنّه أشرب في ماهيّة النسخ أمران: الإزالة والإثبات، ولذلك قد يستعمل النسخ في خصوص معنى الإزالة وقد يستعمل في خصوص معنى الإثبات، ومن هنا أخذ معنى التناسخ في القول بتناسخ الأرواح لأنّ القائل به يقول: أنّ الروح يزول عن بدن ويثبت في بدن آخر. هذا في معنى النسخ لغةً.

وأمّا في الاصطلاح فذكر له معان مختلفة، فقال المحقّق الخراساني (رحمه الله): «إنّ النسخ دفع الحكم الثابت إثباتاً إلاّ أنّه في الحقيقة دفع الحكم ثبوتاً».

وقال المحقّق النائيني (رحمه الله): «النسخ انتهاء أمد الحكم المجعول لانتهاء الحكمة الداعية إلى جعله» وقال في المحاضرات: «النسخ رفع أمر ثابت في الشريعة المقدّسة بارتفاع أمده وزمانه».

أقول : لو حاولنا النقاش في هذه التعاريف فيمكن المناقشة في كلّ منها، فمثلا بالنسبة إلى التعريف الأخير (وهو للمحاضرات) يمكن أن يقال: إنّ الصحيح هو التعبير برفع الحكم لا رفع الأمر، وأيضاً لا وجه لتخصيصه النسخ بالشريعة المقدّسة بل إنّه ثابت بين العرف والعقلاء أيضاً في أحكامهم، كما أنّ هذا الإشكال يرد على تعريف المحقّق الخراساني (رحمه الله)أيضاً لأنّ تعبيره بالدفع يتصوّر في دائرة الشرع، وأمّا في دائرة الموالي العرفيّة وعبيدهم فإنّ النسخ هو الرفع لا الدفع كما لا يخفى، وهكذا بالنسبة إلى كلام المحقّق النائيني(رحمه الله) حيث إنّه أيضاً خصّص النسخ في تعريفه بدائرة الشرع، والأحسن أن يقال: النسخ، رفع حكم تكليفي أو وضعي مع بقاء موضوعه (ثبوتاً أو إثباتاً).

ثمّ إنّه هل يجوز النسخ في حكم الله تعالى أو لا؟ المشهور أو المجمع عليه بين المسلمين جوازه ونسب إلى اليهود والنصارى أنّه مستحيل، واستدلّ لذلك بأنّه إمّا إن كان الحكم المنسوخ ذا مصلحة فلا بدّ من دوامه وبقائه ولا وجه لنسخه وإزالته، وأمّا إن لم يكن ذا مصلحة فاللازم عدم جعله ابتداءً إلاّ إذا كان الجاعل جاهلا بحقائق الاُمور، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، كما أنّ النسخ في الأحكام العرفيّة أيضاً يرجع إلى أحد الأمرين : إمّا إلى جهل الجاهل من أوّل الأمر بعدم وجود المصلحة في الحكم، وإمّا إلى جهله بعدم دوام المصلحة وعدم كونه عالماً بالمستقبل، وبما أن الله تعالى لا يتصوّر فيه الجهل بالمستقبل حدوثاً وبقاءً يستحيل النسخ بالنسبة إليه كما لا يخفى.

والجواب عن هذا معروف، وهو أنّه لا إشكال في أن يكون لشيء مصلحة في زمان دون زمان آخر كالدواء الذي نافع للمريض يوماً وضارّ يوماً آخر، كما أنّ الرجوع إلى التاريخ وشأن نزول الآيات في قصّة القبلة يرشدنا إلى هذه النكتة، وحينئذ يكون النسخ بمعنى انتهاء أمد الحكم وزوال المصلحة، ومن هنا ذهب المشهور إلى أنّ النسخ دفع الحكم لا رفعه، كما أنّ المعروف كون النسخ تخصيصاً للعموم الأزماني لأحكام الشرع ظاهراً، ولكنّ الإنصاف أنّ بقاء الأحكام مستفاد من طبيعتها وأنّ النسخ في الحقيقة رفع لا دفع.

توضيح ذلك: أنّ الأحكام الإنشائيّة على أقسام فتارةً يكون من الأحكام التكليفيّة كالوجوب والحرمة، واُخرى من قبيل الأحكام الوضعيّة كالملكيّة والزوجيّة، وثالثة من قبيل المناصب المجعولة كمنصب القضاوة والوزارة، وكلّ واحد من هذه الثلاثة قد يكون موقتاً كالواجبات الموقّتة مثل الصّوم والحجّ في القسم الأوّل، وكالإجارة في القسم الثاني وكبعض مناصب الحكومة في عصرنا هذا في القسم الثالث، وقد يكون مطلقاً كوجوب تطهير المسجد من النجاسة وأداء الدَين في القسم الأوّل وكالملكيّة الحاصلة من البيع في القسم الثاني حيث إن البيع ينعقد مطلقاً وإن كان البائع أو المشتري عازماً على الفسخ، ولذا لا يصحّ أن يقول: «ملكتك إلى شهر» ولا أن يقول: «ملكتك إلى الأبد» بل الملكيّة إذا حصلت بقيت بذاتها، وكالقضاوة والوزارة في القسم الثالث لأنّه ما لم يعزل القاضي أو الوزير عن منصب القضاوة والوزارة يكون باقياً على منصبه بمقتضى طبيعة ذاتهما.

إذا عرفت هذا فنقول: لا إشكال في أنّ الحكم الذي اُنشأ على نحو الإطلاق وكان من القسم الثاني والثالث يدوم ويستمرّ بمقتضى طبعه وذاته ولذلك يعبّر فيهما بالفسخ والعزل، فإنّ الفسخ أو العزل هو رفع ما يكون ثابتاً باقياً حتّى في مقام الثبوت، ثمّ نقول: كذلك في القسم الأوّل، أي الأحكام التكليفيّة التي تصدر وتنشأ من جانب الشارع مطلقاً ويكون مقتضى طبعها وذاتها الدوام والاستمرار بلا فرق بينها وبين الأحكام الوضعيّة والمناصب المجعولة، وبلا فرق بين مقام الثبوت ومقام الإثبات فيكون وزان النسخ فيها وزان الفسخ والعزل فيهما، أي أنّ النسخ أيضاً رفع الحكم الثابت لا الدفع، فكما أنّ الأحكام الوضعيّة المطلقة والمناصب المجعولة المطلقة كان مقتضى طبعها وذاتها الدوام والبقاء فتكون باقية ما لم يفسخ وما لم يعزل كذلك الأحكام التكليفيّة المطلقة يكون مقتضى طبعها الدوام والبقاء وتكون باقيّة ما لم ينسخ، فوزانها وزانهما كما أنّ وزان النسخ وزان الفسخ والعزل، ولذلك نقول: كذلك في الشرائع السابقة فإنّ مقتضى طبعها أيضاً الدوام ما لم تأت شريعة اُخرى، فمثلا شريعة عيسى (عليه السلام) لم تكن مقيّدة بمقدار خمسمائة سنة بل إنّها بأحكامها كانت مطلقة في مقام الثبوت والإنشاء، مقتضية للبقاء والاستمرار، وهكذا مسألة القبلة في شريعتنا كانت بذاتها مقتضية للدوام والاستمرار ما لم تنسخ من ناحية الشارع.

إن قلت: فما الفرق بين الشارع وغيره في النسخ؟

قلنا: لا فرق بينهما بالنسبة إلى ماهيّة النسخ وحقيقته، فإنّه رفع الحكم ثبوتاً وإثباتاً في كلا الموردين، إنّما الفرق من جهتين:

الاُولى: جهل العقلاء بعدم المصلحة حدوثاً ومن أوّل الأمر فيما إذا كانت المصلحة مفقودة منذ البداية، فقد يستكشف لهم بعد جعل الحكم فقدان المصلحة من بدو الأمر.

الثانية: جهلهم بانتهاء مصلحة الحكم وعدم دوامها فيما إذا انتهت المصلحة بعد فترة، فيستكشف لهم عدم دوامها، ولا إشكال في أنّه لا يتصوّر شيء من الأمرين بالنسبة إلى الشارع العليم الحكيم كما لا يخفى، لكن هذا لا ينافي أن يكون جعل الشارع وإنشائه بحسب الظاهر والواقع مطلقاً كما مرّ بيانه.

وممّا يؤيّد ما ذكرنا أنّه لو كان النسخ تخصيصاً أزمانياً ودفعاً في مقام الثبوت فكان الزمان مأخوذاً في الحكم يستلزم تخصيص الأكثر المستهجن لأنّ في نسخ حكم واحد يستثنى أكثر الزمان، هذا أوّلا.

وثانياً: لا خلاف ولا إشكال في تقديم التخصيص على النسخ عند دوران الأمر بينهما، وهذا ممّا يشهد بأنّ النسخ عندهم هو نزع الحكم من الأصل والأساس، ولذلك يحتاج إلى مؤونة زائدة على التخصيص الذي يكون أساس الحكم فيه باقياً على حاله، وإلاّ لو لم يكن النسخ هكذا بل كان في الواقع من مصاديق التخصيص فلا وجه لتقيم التخصيص عليه.

ثالثاً: أنّ عدم جواز النسخ بخبر الواحد وجواز التخصيص به أيضاً شاهد لما ذكرنا حيث إنّه أيضاً يدلّ على زيادة المؤونة في النسخ وأنّه رفع الحكم من الأساس.

بقي هنا شيء: وهو كيف يتصور النسخ في القرآن الكريم؟

لا إشكال في جواز النسخ في القرآن سواء كان الناسخ والمنسوخ كلاهما في القرآن كما في آية النجوى، أو كان خصوص الناسخ فيه كما في حكم القبلة.

لا يقال: أنّه في القسم الأوّل مشمول لقوله تعالى: {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا } [النساء: 82] لأنّ جوابه واضح، وهو وجود القرينة في هذه الموارد إمّا على أنّ الآية المنسوخة ستنسخ أو على ناسخيّة الآية الناسخة فتكون إحدى الآيتين ناظرة إلى الاُخرى، ولا إشكال حينئذ في عدم صدق الاختلاف، فالأوّل مثل قوله تعالى: {وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا } [النساء: 15] قرينة على إمكان النسخ فيها، كما ورد من طرق الفريقين أنّ المراد من السبيل هو حدّ زناء المحصنة، فنسخ حكم الإمساك في البيوت للزانيات، وتبدّل إلى الحدّ المذكور في الرّوايات وهو الرجم، نعم ليس الناسخ لهذه الآية من القرآن، فهو خارج عن محلّ الكلام لأنّ محلّ البحث ما إذا كان كلا الدليلين من القرآن بينما الناسخ هنا روايات وردت من طريق الفريقين.

وأمّا قوله تعالى في سورة النور: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} فهو وارد في غير المحصنات كما ثبت في محلّه، نعم يمكن الاستشهاد بهذه الآية لإثبات أصل وجود القرينة في الآية المنسوخة.

إن قلت: كيف يكون الرجم بالنسبة إلى المحصنات الزانيات سبيلا مع كونه أسوأ حالا من الإمساك؟

قلنا: أنّه كذلك إذا كان الحكم في الدليل الناسخ شاملا أيضاً لمن إرتكب الزنا قبل صدور الناسخ مع أنّ الثابت في الشرع أنّ حكم الرجم مخصوص لمن يزني بعد صدور هذا الحكم، وأمّا المرتكب للزنا قبله فهو معفوّ بلا إشكال. وحينئذ السبيل في الآية هو العفو بالنسبة إلى من زنى سابقاً، كما أنّه كذلك في القوانين العقلائيّة العرفيّة، فإنّها لا تشمل ما سبق، وحينئذ يمكن أن يقال: إنّ الاعتبار العقلائي هذه بنفسها قرينة لبّية على انصراف القانون الجديد في الشرع إلى زمان الحال والاستقبال.

نعم، إذا قلنا: أنّ الآية ناظرة إلى غير المحصنات مع القول بأنّ آية الجلد شاملة لمن سبق منه الزنا أيضاً فالمراد من السبيل حينئذ هو تبدّل السجن إلى الجلد.

هذا كلّه فيما إذا كانت القرينة موجودة في الدليل المنسوخ، أمّا الثاني وهو ما إذا كانت القرينة موجودة في الدليل الناسخ فهو نظير قوله تعالى في آية النجوى: {أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } [المجادلة: 13] فإنّ التعبير بـ «أأشفقتم» و «فإذا لم تفعلوا وتاب الله عليكم» قرينة على نسخ حكم الصدقة الوارد في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً... } [المجادلة: 12] كما لا يخفى.

فتلخّص ممّا ذكرنا أنّه لا إشكال في جواز النسخ في القرآن سواء كان الوارد في القرآن خصوص الدليل الناسخ أو خصوص الدليل المنسوخ أو كليهما، نعم يشترط في الأخير وجود القرينة على النسخ أمّا في الدليل الناسخ أو في الدليل المنسوخ حتّى لا يكون من قبيل الاختلاف. هذا تمام الكلام في النسخ.

مسألة البداء:

ذكرنا مسألة البداء بعد مسألة النسخ لما بينهما من الإرتباط، ولذلك تذكران معاً في كلمات القوم غالباً، والمحقّق العلاّمة المجلسي (رحمه الله) عنون لهما باباً واحداً في المجلّد الرابع من بحار الأنوار بقوله «فصل في البداء والنسخ» وجمع فيه زهاء سبعين رواية في البداء والنسخ.

ووجه الإرتباط بين المسألتين أنّ النسبة بينهما العموم مطلقاً لأنّ البداء يعمّ التكوينيات والتشريعيات معاً لكن النسخ يختصّ بالتشريعيات، نعم خصّص بعض العلماء أحدها بالتكوينيات والآخر بالتشريعيات، وقال في مقام تشبيه أحدهما بالآخر: «البداء في التكوينيات كالنسخ في التشريعيات» وجاء في كلام المحقق الداماد «أنّ البداء النسخ في التكوينيات والنسخ بداء في التشريعيات».

توضيح المسألة: قال الراغب في مفرداته: البداء ظهور الشيء ظهوراً بيّناً (ولذلك تسمّى البادية بادية لأنّ كلّ شيء ظاهر هناك، أو لأنّه يظهر فيها حوادث مختلفة لا تظهر في المدن) وقال بعض: المراد من البداء في اللغة ظهور الشيء بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل، نحو قوله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ} [يوسف: 35] أو قوله: {وَبَدَا لَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا عَمِلُوا} [الجاثية: 33] هذا بالنسبة إلى معناه اللغوي، وأمّا بالنسبة إلى الباري تعالى فقد وردت روايات كثيرة تدلّ على أنّ البداء في أمر الله من الاُمور المسلّمة التي يترادف الاعتقاد به الاعتقاد بالتوحيد، ونحن نشير هنا إلى عدد منها:

1 ـ ما رواه زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) قال: «ما عبدالله عز وجلّ شيء مثل البداء»(1).

2 ـ ما رواه هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما عظّم الله عز وجلّ بمثل البداء»(2).

3 ـ ما رواه مرازم بن حكم قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: «ما تنبّأ نبي قطّ حتّى يقرّ لله تعالى بخمس: بالبداء والمشيئة والسجود والعبوديّة والطاعة»(3).

4 ـ ما رواه زرارة ومحمّد بن مسم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ما بعث الله نبيّاً قطّ حتّى يأخذ عليه ثلاثاً: الإقرار لله بالعبوديّة وخلع الأنداد وأنّ الله يمحو ما يشاء ويثبت ما يشاء»(4)إلى غير ذلك.

وبالجملة لا إشكال في أصل ثبوت البداء، إنّما الكلام في تفسيره، وقد يفترى على الشيعة الإماميّة بأنّهم يعتقدون بأنّ البداء في الله هو أن يظهر له ما كان مجهولا له، أي أنّ البداء ظهور الشيء بعد الخفاء وحصول العلم به بعد الجهل، أو أنّه بمعنى الندامة، مع أنّ هذا إفك عظيم وتهمة واضحة وشطط من الكلام لا يقول به من فهم من الإسلام شيئاً، ولذا أنكر علماؤنا ذلك من الصدر الأوّل إلى اليوم خصوصاً الأكابر منهم كالشيخ الصدوق والشيخ المفيد (رحمهما الله)، ورواياتنا أيضاً تدلّ على امتناع هذا المعنى على الله، مثل ما رواه أبو بصير وسماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام)قال: «من زعم أنّ الله عزّ وجلّ يبدو له في شيء لم يعلمه أمس فابرؤوا منه»(5).

فما هو التفسير الصحيح للبداء؟

إنّ معنى البداء الذي نحن نعتقده مبنيّ على آيتين من سورة الرعد، وهما قوله تعالى: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} [الرعد: 38، 39] ، وهو يشبه النسخ بناءً على مذهب المشهور من أنّ حقيقته هو الدفع لا الرفع، أي أنّ النسخ بمعنى انتهاء أمد الحكم وأنّ الله يظهر فيه ما كان مجهولا للناس وهو يتصوّر بعد حضور وقت العمل بالحكم المنسوخ إلاّ في الأوامر الإمتحانيّة فيتصوّر فيها قبل حضور وقت العمل أيضاً كما مرّ.

فالبداء أيضاً كذلك، فيتصوّر في الأوامر الإمتحانية قبل العمل كما إذا فرضنا مثلا أنّ أمر إبراهيم بذبح إبنه صدر على نهج القضيّة الخيريّة، فكأنّه حينئذ صدر بعنوان الإخبار عن أمر تكويني سوف يتحقّق في المستقبل ثمّ بدا له بقوله تعالى: {قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا} ، وفي غير الإمتحان مثل ما وقع في قضية يونس (عليه السلام) من وعده تعالى بالعذاب على قومه ثمّ كشفه عنهم بعد أن آمنوا، فهو في كلا القسمين ليس بمعنى ظهور ما خفى عليه بل بمعنى إبداء شرط أو مانع أخفاه في بدو الأمر، فهو تعالى يخبر عن وقوع أمر معلّق على شرط أو عدم مانع من دون التصريح بالمعلّق عليه حين الإخبار، فلا يحصل المعلّق لعدم حصول المعلّق عليه وذلك لحكمة تقتضي ذلك، ثمّ يبدي ما لم يذكره أوّلا، فالبداء بتعبير عقلي يرجع إلى العلل المركّبة التي تتصوّر فيها علّة تامّة وعلّة ناقصة، فيرجع إمّا إلى عدم حصول المقتضي أو وجود المانع، وفي لسان الشرع يرجع إلى مسألة المحو أو الإثبات، فقد ثبت أنّ لله تعالى كتابين: أحدهما: اُمّ الكتاب الذي ثبت فيه جميع الاُمور من دون محو وإثبات، والآخر: كتاب المحو والإثبات.

وبالجملة، البداء ليس بمعنى ظهور ما خفى عليه تعالى كما يدلّ عليه قوله: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ } [المائدة: 64] حيث جاء في التفسير أنّ اليهود قالوا قد فزع الله من الأمر لا يحدث الله غير ما قدّره في التقدير الأوّل (وأنّه قد جفّ القلم بما هو كائن) فردّ الله عليهم بقوله: بل يداه مبسوطتان، ومن الآيات الدالّة على أصل وجود البداء وصحّته قوله تعالى: {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11].

وهذا المعنى تدلّ عليه أيضاً روايات الأئمّة المعصومين (عليهم السلام) وهي كما قلنا كثيرة كما مرّت جملة منها في صدر البحث، ولا بأس بالإشارة إلى بعضها الآخر التي تشير أيضاً إلى بعض مصاديق البداء الواقعة في الاُمم الماضية.

1 ـ ما رواه حسن بن محمّد النوفلي قال: قال الرضا لسليمان المروزيّ: ما أنكرت من البداء يا سليمان والله عز وجلّ يقول: {أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئًا} [مريم: 67] ويقول عزّ وجلّ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] ويقول: {بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام: 101]ويقول عزّ وجلّ: { يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ} [فاطر: 1] ويقول: {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ} [السجدة: 7] ويقول عزّ وجلّ: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التوبة: 106] ويقول {وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ} [فاطر: 11] قال سليمان: هل رويت فيه عن آبائك شيئاً؟ قال: نعم رويت عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: إنّ لله عزّ وجلّ علمين: علماً مخزوناً مكنوناً لا يعلمه إلاّ هو من ذلك يكون البداء، وعلماً علّمه ملائكته ورسله، فالعلماء من أهل بيت نبيّك يعلمونه، قال سليمان: أحبّ أن تنزعه لي من كتاب الله عزّ وجلّ، قال: قول الله عزّ وجلّ لنبيّه: { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنْتَ بِمَلُومٍ} [الذاريات: 54] أراد هلاكهم ثمّ بدا فقال {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات: 55] قال سليمان: زدني جعلت فداك، قال الرضا (عليه السلام): لقد أخبرني أبي عن آبائه أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: إنّ الله عزّ وجلّ أوحى إلى نبي من أنبيائه أن أخبر فلان الملك أنّي متوفّيه إلى كذا وكذا فأتاه ذلك النبي ... إلى آخر الحديث»(6).

2 ـ ما رواه أبو بصير (وهو المعروف بقصّة العروس) قال: سمعت أبا عبد الله الصادق جعفر بن محمّد (عليهما السلام) يقول: إنّ عيسى روح الله مرّ بقوم مجلبين فقال: ما لهؤلاء؟ قيل: يا روح الله، إنّ فلانة بنت فلان تهدى إلى فلان بن فلان في ليلتها هذه. قال: يجلبون اليوم ويبكون غداً. فقال قائل منهم: ولِمَ يارسول الله؟ قال : لأنّ صاحبتهم ميّتة في ليلتها هذه، فقال القائلون بمقالته: صدق الله وصدق رسوله، وقال أهل النفاق ما أقرب غداً. فلمّا أصبحوا جاؤوا فوجدوها على حالها لم يحدث بها شيء فقالوا: يا روح الله إنّ التي أخبرتنا أمس أنّها ميتة لم تمت. فقال: عيسى على نبيّنا وآله وعليه السلام: يفعل الله ما يشاء فاذهبوا بنا إليها، فذهبوا يتسابقون حتّى قرعوا الباب، فخرج زوجها فقال له عيسى (عليه السلام): استأذن لي على صاحبتك قال: فدخل عليها فأخبرها أنّ روح الله وكلمته بالباب مع عدّة قال: فتخدّرت فدخل عليها فقال لها: ما صنعت ليلتك هذه؟ قالت لم أصنع شيئاً إلاّ وقد كنت أصنعه فيما مضى أنّه كان يعترينا سائل في كلّ ليلة جمعة فننيله ما يقوته إلى مثلها وأنّه جاءني في ليلتي هذه وأنا مشغولة بأمري وأهلي في مشاغل فهتف فلم يجبه أحد ثمّ هتف فلم يجب حتّى هتف مراراً فلمّا سمعت مقالته قمت متنكّرة حتّى نلته كما كنّا ننيله فقال لها: تنحّي عن مجلسك فإذا تحت ثيابها افعى مثل جذعة عاضّ على ذنبه فقال (عليه السلام): بما صنعت صرف عنك هذا»(7).

تنبيهان:

الأوّل: إنّ فلسفة البداء وحكمته عدم القعود عن السعي والجهاد وأن لا نيأس من رحمة الله وإرائته للطريق وهدايته السبل، ومن جانب آخر أن لا نأمّن أنفسنا من سخطه وعذابه، ولا نقول: قد جفّ القلم وأنّه لا يحدث الله غير ما قدّره في التقدير الأوّل بل نقول أنّه يمحو ما يشاء ويثبت، فلا يخفى أنّ هذه العقيدة وهذه الحالة تورثنا وتكّمل لنا حالة الخوف والرجاء بحيث لو صدر عنّا ذنب رجونا العفو والمغفرة، كما أنّه لو صدرت عنّا خيرات بالغة وحسنات كثيرة خفنا من سوء العاقبة، وبالجملة أنّ حكمة البداء وفلسفته هي إيقاع العبد بين حالة الخوف والرجاء، ونتيجته دوام السعي والحركة والعمل مع احتمال الخطأ والمخالفة والوقوع في المهلكة.

الثاني: أنّ إنكار البداء يستلزم إنكار عدّة من المسائل المسلّمة والاعتقادات الضروريّة في الإسلام أو ما أشبه ذلك كمسألة التوبة، ومسألة الحبط في الأعمال وأنّ الحسنات يذهبن السيّئات، ومسألة الشفاعة، وتأثير الدعاء، وتأثير صلة الرحم وقطعها في إزدياد العمر ونقصانه، ودفع البلاء بالصدقة (وقد ورد في الحديث أنّ الصدقة ترفع البلاء المبرم وهو البلاء الذي كتب بالقلم في اُمّ الكتاب).

________________

1. بحار الأنوار: ج4، باب البداء والنسخ، ح19.

2. المصدر السابق: ح20.

3. المصدر السابق: ح23.

4. المصدر السابق: ح24.

5. المصدر السابق: ح30.

6. بحار الأنوار: ج 4، باب البداء والنسخ، ح 2.

7. بحار الانوار: ج 4، باب البداء و النسخ، ح 1.