x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في المحتوى

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

التوحيد

اثبات الصانع

النظر و المعرفة

اثبات وجود الله تعالى و وحدانيته

صفات الله تعالى

الصفات الثبوتية

القدرة و الاختيار

العلم و الحكمة

الحياة و الادراك

الارادة

السمع و البصر

التكلم و الصدق

الأزلية و الأبدية

الصفات الجلالية ( السلبية )

الصفات - مواضيع عامة

معنى التوحيد و مراتبه

العدل

البداء

التكليف

الجبر و التفويض

الحسن و القبح

القضاء و القدر

اللطف الالهي

مواضيع عامة

النبوة

اثبات النبوة

الانبياء

العصمة

الغرض من بعثة الانبياء

المعجزة

صفات النبي

النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

الامامة

الامامة تعريفها ووجوبها وشرائطها

صفات الأئمة وفضائلهم

العصمة

امامة الامام علي عليه السلام

إمامة الأئمة الأثني عشر

الأمام المهدي عجل الله فرجه الشريف

الرجعة

المعاد

تعريف المعاد و الدليل عليه

المعاد الجسماني

الموت و القبر و البرزخ

القيامة

الثواب و العقاب

الجنة و النار

الشفاعة

التوبة

فرق و أديان

علم الملل و النحل ومصنفاته

علل تكون الفرق و المذاهب

الفرق بين الفرق

الشيعة الاثنا عشرية

أهل السنة و الجماعة

أهل الحديث و الحشوية

الخوارج

المعتزلة

الزيدية

الاشاعرة

الاسماعيلية

الاباضية

القدرية

المرجئة

الماتريدية

الظاهرية

الجبرية

المفوضة

المجسمة

الجهمية

الصوفية

الكرامية

الغلو

الدروز

القاديانيّة

الشيخية

النصيرية

الحنابلة

السلفية

الوهابية

شبهات و ردود

التوحيـــــــد

العـــــــدل

النبـــــــوة

الامامـــــــة

المعـــاد

القرآن الكريم

الامام علي بن ابي طالب (عليه السلام)

الزهراء (عليها السلام)

الامام الحسين (عليه السلام) و كربلاء

الامام المهدي (عليه السلام)

إمامة الائمـــــــة الاثني عشر

العصمـــــــة

الغلـــــــو

التقية

الشفاعة والدعاء والتوسل والاستغاثة

الاسلام والمسلمين

الشيعة والتشيع

اديان و مذاهب و فرق

الصحابة

ابو بكر و عمر و عثمان و مشروعية خلافتهم

نساء النبي (صلى الله عليه واله و سلم)

البكاء على الميت و احياء ذكرى الصاحين

التبرك و الزيارة و البناء على القبور

الفقه

سيرة و تاريخ

مواضيع عامة

مقالات عقائدية

مصطلحات عقائدية

أسئلة وأجوبة عقائدية

التوحيد

اثبات الصانع ونفي الشريك عنه

اسماء وصفات الباري تعالى

التجسيم والتشبيه

النظر والمعرفة

رؤية الله تعالى

مواضيع عامة

النبوة والأنبياء

الإمامة

العدل الإلهي

المعاد

القرآن الكريم

القرآن

آيات القرآن العقائدية

تحريف القرآن

النبي محمد صلى الله عليه وآله

فاطمة الزهراء عليها السلام

الاسلام والمسلمين

الصحابة

الأئمة الإثنا عشر

الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام

أدلة إمامة إمير المؤمنين

الإمام الحسن عليه السلام

الإمام الحسين عليه السلام

الإمام السجاد عليه السلام

الإمام الباقر عليه السلام

الإمام الصادق عليه السلام

الإمام الكاظم عليه السلام

الإمام الرضا عليه السلام

الإمام الجواد عليه السلام

الإمام الهادي عليه السلام

الإمام العسكري عليه السلام

الإمام المهدي عليه السلام

إمامة الأئمة الإثنا عشر

الشيعة والتشيع

العصمة

الموالات والتبري واللعن

أهل البيت عليهم السلام

علم المعصوم

أديان وفرق ومذاهب

الإسماعيلية

الأصولية والاخبارية والشيخية

الخوارج والأباضية

السبئية وعبد الله بن سبأ

الصوفية والتصوف

العلويين

الغلاة

النواصب

الفرقة الناجية

المعتزلة والاشاعرة

الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب

أهل السنة

أهل الكتاب

زيد بن علي والزيدية

مواضيع عامة

البكاء والعزاء وإحياء المناسبات

احاديث وروايات

حديث اثنا عشر خليفة

حديث الغدير

حديث الثقلين

حديث الدار

حديث السفينة

حديث المنزلة

حديث المؤاخاة

حديث رد الشمس

حديث مدينة العلم

حديث من مات ولم يعرف إمام زمانه

احاديث متنوعة

التوسل والاستغاثة بالاولياء

الجبر والاختيار والقضاء والقدر

الجنة والنار

الخلق والخليقة

الدعاء والذكر والاستخارة

الذنب والابتلاء والتوبة

الشفاعة

الفقه

القبور

المرأة

الملائكة

أولياء وخلفاء وشخصيات

أبو الفضل العباس عليه السلام

زينب الكبرى عليها السلام

مريم عليها السلام

ابو طالب

ابن عباس

المختار الثقفي

ابن تيمية

أبو هريرة

أبو بكر

عثمان بن عفان

عمر بن الخطاب

محمد بن الحنفية

خالد بن الوليد

معاوية بن ابي سفيان

يزيد بن معاوية

عمر بن عبد العزيز

شخصيات متفرقة

زوجات النبي صلى الله عليه وآله

زيارة المعصوم

سيرة وتاريخ

علم الحديث والرجال

كتب ومؤلفات

مفاهيم ومصطلحات

اسئلة عامة

أصول الدين وفروعه

الاسراء والمعراج

الرجعة

الحوزة العلمية

الولاية التكوينية والتشريعية

تزويج عمر من ام كلثوم

الشيطان

فتوحات وثورات وغزوات

عالم الذر

البدعة

التقية

البيعة

رزية يوم الخميس

نهج البلاغة

مواضيع مختلفة

الحوار العقائدي

* التوحيد

* العدل

* النبوة

* الإمامة

* المعاد

* الرجعة

* القرآن الكريم

* النبي محمد (صلى الله عليه وآله)

* أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله)

* فضائل النبي وآله

* الإمام علي (عليه السلام)

* فاطمة الزهراء (عليها السلام)

* الإمام الحسين (عليه السلام) وكربلاء

* الإمام المهدي (عجل الله فرجه)

* زوجات النبي (صلى الله عليه وآله)

* الخلفاء والملوك بعد الرسول ومشروعية سلطتهم

* العـصمة

* التقيــة

* الملائكة

* الأولياء والصالحين

* فرق وأديان

* الشيعة والتشيع

* التوسل وبناء القبور وزيارتها

* العلم والعلماء

* سيرة وتاريخ

* أحاديث وروايات

* طُرف الحوارات

* آداب وأخلاق

* الفقه والأصول والشرائع

* مواضيع عامة

العقائد الاسلامية : التوحيد : صفات الله تعالى : الصفات الثبوتية : الارادة :

الأقوال في الإرادة

المؤلف:  محمّد آصف المحسني

المصدر:  صراط الحق في المعارف الإسلامية والأُصول الاعتقادية

الجزء والصفحة:  ج1- ص199-210

25-10-2014

1281

 في بيان الأقوال في الإرادة : فعن الحكماء كما في جملة من كتبهم : أنّها العلم بالنظام الأصلح .

وعن متكلّمي الإمامية (1) ، أو جمهورهم ، (2) أو مشهورهم ، (3) وجماعة من رؤساء المعتزلة (4) : أنّها العلم بما في الفعل من المصلحة ، ويسمّونه بالداعي.

وعن الأشاعرة وجمهور معتزلة البصرة : أنّها صفة ثالثة مغايرة للعلم والقدرة ، وهي توجب أحد المقدورين لذاتها .

وعن الكعبي : أنّها في فعله علمه بما في الفعل من المصلحة .

وعن البلخي : أنّها فيه إيجاده ، وأمّا في أفعال غيره فقالا : إنّها أمره بها .

وعن ضرار : كونه تعالى مريداً ، نفس ذاته .

عن الكرامية : أنّها حادثة قائمة به تعالى .

وعن الجبائية : أنّها حادثة لا في محلّ .

وعن الحسين النجّار معنى مريديته كونه غير مغلوب ولا مكره .

فهذه أقوال تسعة ، لكن الثاني يرجع إلى الأَوّل ؛ إذ لا فرق بينهما من جهة أنّ التأثير من العلم بالأصلح ، وإنّا يفترقان في أنّ الأصلح المذكور هل هو علّة غائية لفعله تعالى كما يقوله المتكلّمون ، أو لا بل العلة الغائيّة هو نفس ذاته المقدّسة دون سواها ؟ فإنّ العالي لا يُقصد لأجل السافل كما يتوهّمه الفلاسفة . وبكلمة واضحة : الاختلاف بينهما في العلّة الغائية دون العلّة الفاعلية ، التي هي المبحوث عنها في  المقام ، فما به التخصيص وعنه التأثير ، هو علمه تعالى بالأصلح على كلا القولين ، فافهم جيّداً .

وأمّا القول الثالث فهو مبني على أصل فاسد وهو زيادة صفاته تعالى وقِدمها ، فإذا هدّمناه ـ كما يأتي في المقصد الرابع إن شاء الله ـ ينهدم القول المذكور ، نعم يحتمل أن تكون الإرادة بلا رجوعها إلى العلم وغيره ، من الصفات الذاتية على نحو العينية ... وأمّا ما نُقل عن ضرار فهو مجمل إلاّ أن يرجع إلى القول الأَوّل ، ومن رواية سليمان المروزي المنقولة في توحيد الصدوق ، يظهر أنّ له قولاً آخر نُسب إليه .

وأمّا القول الرابع فهو أيضاً راجع إلى الثاني ، وتفسيره إرادة الله المتعلّقة بأفعالنا بالأمر ؛ إمّا من جهة إبطال شبهة الجبر ، وإمّا للإشارة إلى تقسيم الإرادة إلى التكوينية والتشريعية ، وبه يظهر حال تفصيل القول الخامس أيضاً ، فإنّه قول بحدوث إرادته تعالى ، وإنّه نفس الإيجاد ، وحيث إنّ إيجاده أفعال غيره غير معقول ، وإلاّ كانت الأفعال أفعاله لا أفعال غيره ، فسّرها بالأمر بها .

وأمّا القول السابع فأُورد عليه أنّه مستلزم لكونه تعالى محلاًّ للحوادث .

وأمّا الثامن فردّ باستحالة صفةٍ لا في محلّ فينتقص به حدّ الجوهر والعرض .

هذا وأوردوا على القولين معاً لزوم التسلسل في الإرادات ، فإنّ الإرادة حادثة ، وكلّ حادث لابدّ له من إرادة ، وهذا ظاهر .

وأمّا القول الأخير فهو تعريف للإرادة بلوازمها لا بنفسها .

فالمتحصّل أنّ ما يصحّ تفسير إرادته تعالى به أُمور ثلاثة :

 

1 ـ إنّها صفة في قبال سائر الصفات من دون رجوعها إلى العلم .

2 ـ إنّها علمه بالأصلح ، فتكون هي واجبة عين ذاته تعالى .

3 ـ إنّها الإيجاد والإحداث فتكون حادثةً .

أمّا الوجه الأَوّل فقد اختاره بعض الأجلاّء من أهل المعقول والمنقول قال : ( ومن البيّن أنّ مفهوم الإرادة كما هو مختار الأكابر من المحقّقين ، هو الابتهاج والرضا وما يقاربهما مفهوماً ، ويعبّر عنه بالشوق الأكيد فينا ، والسرّ في التعبير عنها بالشوق فينا، وبصرف الابتهاج والرضا فيه تعالى ؛ إنّا لمكان إمكاننا ناقصون غير تامين في الفاعلية ، وفاعليتنا لكل شيء بالقوة ؛ فلذا نحتاج في الخروج من القوة إلى الفعل إلى أمور زائدة على ذواتنا من تصوّر الفعل ، والتصديق بفائدته ، والشوق الأكيد ، المميلة جميعاً للقوّة الفاعلة المحرّكة للعضلات ، بخلاف الواجب تعالى ، فإنّه لتقدّسه عن شوائب الإمكان ، وجهات القوّة والنقصان ، فاعل وجاعل بنفس ذاته العليمة المريدة ، وحيث إنّه صرف الوجود ، وصرف الوجود صرف الخير ، فهو مبتهج بذاته أتمّ ابتهاج ، وذاته مرضي لذاته أتمّ الرضا .

وينبعث من هذا الابتهاج الذاتي ـ وهي الإرادة الذاتية ـ ابتهاج في مرحلة الفعل ، فإنّ مَن أحبّ شيئاً أحبّ آثاره ، وهذه المحبّة الفعلي الفعلية ، هي الإرادة في مرحلة الفعل ، وهي التي وردت الأخبار عن الأئمة الطاهرين ( سلام الله عليهم ) بحدوثها ....

والوجه في تعبير الحكماء عن الإرادة الذاتية بالعلم بنظام الخير وبالصلاح : أنّهم بصدد ما به يكون الفعل اختيارياً ، وهو ليس العلم بلا رضا ، وإلاّ كانت الرطوبة الحاصلة بمجرّد تصوّر الحموضة اختياريةً ... وكذلك ليس الرضا بلا علم ، وإلاّ كانت جميع الآثار والمعاليل الموافقة لطبايع مؤثّراتها وعللها اختياريةً ، بل الاختياري هو الفعل الصادر عن شعور ورضا .

فمجرّد الملاءمة والرضا المستفادَينِ من نظام الخير والصلاح التام لا يوجب الاختيارية ، بل يجب إضافة العلم إليهما ، فما يكون به الفعل اختيارياً منه تعالى، هو العلم بنظام الخير ، لا أنّ الإرادة فيه تعالى بمعنى العلم بنظام الخير.

وهذا الذي ذكرنا مع موافقته للبرهان مرموز في كلمات الأعيان ، بل مصرّح به في كلمات جملة من الأركان ... ) .

وقال أيضاً : ( إنّ حقيقة إرادته تعالى في مرتبة ذاته ابتهاج ذاته بذاته ... فهو صرف الخير ، والخير هو الملائم اللذيذ الموجب للابتهاج والرضا ، فهو صرف الرضا والابتهاج ، كما كان صرف العلم والقدرة ... إلخ ) (5) .

أقول : ومن جملة الأركان الفيلسوف الشهير صاحب الأسفار ، والسبزواري في شرح منظومته وحاشية الأسفار ، ففي الأسفار : الإرادة والمحبّة معنى واحد كالعلم ، وهي في الواجب عين ذاته ، وهي بعينها عين الداعي . وقال في فصل آخر : بل هو مبتهج بذاته وعاشق لذاته ، ويلزم من هذا الابتهاج ويترشّح منه حصول سائر الخيرات والابتهاجات ... إلخ ، لكنّه صرّح غير مرّة أيضاً ، بأنّ إرادته هو العلم بالنظام الأتم ، ونسبه إلى مذهب الحكماء كما يظهر لمَن لاحظ مبحث القدرة والإرادة من إلهيات أسفاره . لكنّ الحقّ أنّ الإرادة ليست نفس الشوق والابتهاج كما عرفت ، بل ولا ملزومة له كما في الأفعال العادية من تحريك الأعضاء ، وكثير من الأفعال العبثية والجزافية ، وكما في تناول الأدوية وغيرها ، كما صرّح به في الأسفار أيضاً .

وأمّا ما تصوّره في حقّ الواجب المجرّد القديم من الابتهاج ، ففيه : أنّ الابتهاج والرضا وما يقاربهما مفهوماً غير معقولة في حقّه ؛ لبراءته عن الجسم والجسمانيات ، ولا يفي دليل لإثبات الابتهاج في حقّه ، ولا مجال لقياس الواجب على الممكن بوجه . أمّا إن أُريد بالابتهاج معنى آخر غير ما نجده في أنفسنا ، فلابدّ من بيانه وذكر برهانه، وأنّى لهم بذلك ، هذا مع أنّ الفعل الاختياري لا يتحقّق بمجرّد العلم والرضا ، فإنّ مَن تصوّر الحموضة تصوّراً قهرياً ، وحصلت الرطوبة في فمه ، لا يقال : إنّه حصّل الرطوبة باختياره وإن كان راضياً ومائلاً بحصولها ، فالإنصاف أنّ ما ذكره هذا المدقّق الجليل لا يتمّ قطعاً .

وأمّا القول الثاني فقد عرفت قائله ، وما قيل أو يمكن أن يقال في إثباته وجوه :

1ـ ما ذكره المحقّق الطوسي في التجريد ، من أنّ الإرادة ليست زائدةً على الداعي؛ وإلاّ لزم التسلسل على تقدير حدوثها ، أو تعدّد القدماء بناءً على تقدير قِدمها .

أقول : إلزام التسلسل على حدوث الإرادة معروف ومشهور وقد ذكره الكثيرون ، وربّما أُجيب عنه بأجوبة غير دافعة عنه ، لكن هذا الإلزام عندي هيّن جداً ؛ إذ المراد بالإرادة الحادثة هو الإيجاد والإحداث لا غير ، ومن الضروري أنّ الإيجاد فينا وفيه تعالى لا يحتاج إلى إيجاد آخر ، نعم هو يحتاج إلى مرجّح وهو علمه بالأصلح .

2 ـ الإرادة الواجبة له ممكنة ، فهي ثابتة له بالقاعدة الملازمة .

وفيه : أنّها إمّا الابتهاج فقد عرفت عدم تعقّله في حقّه تعالى ، وإمّا العلم بالصلاح والخير ... فأنّه غير مؤثّر ، فلا يصلح تفسير الإرادة به فإنّها مؤثّرة، وإمّا ما ندركه نحن من أنفسنا فهو ممتنع في حقّ الواجب المجرّد ، ولا معنى معقول لها غير هذه الثلاثة ، فإذن ، الصغرى باطلة في هذا القياس .

3ـ إنّ الإرادة إن كانت من الصفات الذاتية فتمّ الدست ، وإلاّ فإن كانت قديمةً لزم تعدّد القدماء ، الذي يقول به الأشعريون وهو فاسد يقيناً ، وإن كانت حادثةً فإمّا في غير محل ، وإمّا في محل هو غيره تعالى ، فهو باطل كما لا يخفى .

وإن كان حالّةً فيه تعالى لزم كونه محلاً للحوادث ، وهو ممتنع ... فبطلان هذه الشقوق يعيّن المطلوب .

أقول : إرادته الحادثة قائمة به تعالى قياماً صدورياً لا قياماً حلولياً ...

وبالجملة : المِلّيون بأسرهم يقولون بفاعليته تعالى ، وأنّه فعّال وكلّ فعل قائم بفاعله ، وليس هذا من الحلول ، وكونه تعالى محلاًّ للحادثات بشيء ، والإرادة ليست إلاّ نفس الإيجاد ، وهذا واضح .

 

كيف يؤثّر العلم ؟

الذي يدور عليه هذا القول ويقوم به هو كون علمه تعالى فعلياً ، فإذا ثبت ذلك فقد تمّ المطلوب ، ولابدّ من تسليم أنّ إرادته هي علمه بنظام الخير والأصلح، وإلاّ فالمصير إلى القول الثالث متعيّن .

فنقول : الذي نتعقّله من مفهوم العلم ، هو ما به انكشاف الأشياء وجلاؤها عن العقل ، وأمّا كونه ذا تأثير فليس ببيّن ، فلابدّ من تبيينه بالبرهان ، وإنّي كلّما تصفّحت مظانّه لم أجد منهم دليلاً على ذلك أصلاً ، لا في مباحث الأعراض ، ولا في مبحث أقسام الفاعل ، ولا في الإلهيات ، سوى أمثلة ذكروها مثل علم المهندس ، فإنه يتصوّر البِناء أَوّلاً ثمّ يوجده على وِفق علمه ، فهذا العلم فعلي ؛ إذ المعلوم تابع له دون العكس كما في الانفعالي .

قال في الأسفار : ولا استبعاد في كون العلم نفسه سبباً لصدور الأشياء ووجودها، كالماشي على جدار دقيق العرض إذا تصوّر السقوط يسقط بتصوّره ، وعدّ من هذا القبيل تأثير بعض النفوس بالهمّة والوهم ، وكذا إصابة العين التي عُلم تأثيرها بإخبار الوحي والسنة ، من قوله تعالى : {وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ} [القلم: 51]، ومن قوله ( صلى الله عليه وآله ): ( العين تُدخل الرجل القبر والجمل القِدر ) ، وإذا جاز أن يكون العلم الضعيف البشري مؤثّراً في وجود المعلوم ، فأَولى أن يجوز ذلك في العلم الأزلي لمُنشِئ العالَم من العدم الصرف . انتهى.

والإنصاف أنّ ذلك منهم عجيب ! يفرّعون جملةً من البحوث المهمّة في الإلهيات ، على أصل من الأُصول المهمّة العقلية الاعتقادية ، ولا يقدرون على إثباته ، فيكتفون بذكر مثال واستشهاد وقياس ضعيف ، ثمّ يدّعون أنّ الفلسفة تحصيل الحقائق ، ويطعنون على غيرهم بالتقليد والمسامحة في ناموس البرهان والاستدلال ! أَليس علم المهندس أيضاً انفعالياً أُخذ من مشاهداته الخارجية غالباً ؟ نعم هو بالنسبة إلى هذا العمل سابق، لكنّه لا تأثير له تماماً ، وإنّما هو من مقدّمات إرادة ذلك العمل ، وإلاّ فالبِناء لا يوجد ولو تصوّره البنّاء ألف مرّةً .

وبالجملة : إن أرادوا أنّ العلم في طريق العمل ، فهذا ممّا لا شكّ فيه لعاقل ؛ إذ كل عمل اختياري لابدّ له من تصوّر وتصديق ولو ارتكازاً ، ونحن نقر إقراراً ضرورياً أنّ علمه تعالى بالصلاح هو المرجّح لأفعاله ، وبه يترجّح وجوداتها على أعدامها ، وبعض أطوارها على الأُخر ؛ وإن أُريد أنّه المؤثّر التامّ ـ كما قالوا ذلك في علم الله سبحانه ، وسمّوه الفاعل بالعناية ... فأنّه محض الدعوى ، والمثال الذي ذكروه لا يفي به ، بل الوجدان على خلافه .

وأمّا المثال الثاني ففيه : أنّ تصور السقوط ممّن قام على جدار عالٍ ، علم واحد موجود في الخائف المدهوش الذي يسقط به ، وفيمَن اعتاد القيام عليه بكثرة التكرار لا يسقط به كالبنّاء فوق الأبنية والجدران العالية ، ولو كان علة لم يختلف كما اعترف به بعض أفاضلهم أيضاً ، بل الصحيح أنّه لا علم في المثال المفروض ؛ إذ الصاعد على الجدار يُحتمل سقوطه ، ونفس هذا الاحتمال يولّد الخوف في قلبه ، وهذا الخوف هو الذي يسبّب سقوطه ، فهو لا يستند إلى العلم، فتأمل .

وأمّا تأثير النفس وإصابة العين فهما وإن كانا ثابتين في الجملة ، لكن المقام منهما أجنبي بلا خفاء فيه .

فإذن ، قد تحصّل أن ما تسالموا عليه من تقسيم العلم إلى الفعلي والانفعالي ، وجعل الأَوّل علّة المعلوم لا تابعاً له ، أمر خيالي فاسد جداً لا واقع له أبداً .

ومنه يظهر أنّ القول الثاني في تفسير إرادته كالقول الأَوّل منهدم الأساس ، وما فرّع عليه ساقط أيضاً ، فإذن ، لابدّ من الرجوع إلى القول الثالث ، وهو أنّ علمه تعالى غير علّة للممكنات ، بل العلّة هو الإيجاد المسمّى بالإرادة ، وأمّا القصد فلا يعقل في حقه كما يتصوّر في حقنا ؛ ولذا قلنا : إنّ إثبات الإرادة لله القديم نقلي لا عقلي .

وممّا يدلّ على أنّ إرادته تعالى ليست راجعةً إلى علمه ، وأنّ علمه ليس بفعلي ـ زائداً على ما ذكرنا ـ وجهان :

الأَوّل : إنّه يعلم نفسه ويعلم الضروريات ، كلزوم الإمكان للممكن ، والزوجية للأربعة ونحوهما ، ويعلم امتناع الممتنعات ، مع أنّ علمه بهذه الأُمور لا يكون بفعلي ومؤثّر قطعاً ، ولا يمكن أن يتفوّه به عاقل جزماً ، فمطلق علمه ليس بفعلي، فلئن كان ، فهو علمه بالممكن الأصلح ، فإذن ، نسأل من أين جاءت هذه السببية والتأثير ؟ أَليس علمه تعالى شيئاً واحداً لا اختلاف في حقيقته ؛ لأنّها عين الذات المقدّسة ، فإذا لم يكن التأثير مستنداً إلى العلم نفسه ، وإلاّ لم يتعلّق بالضروريات الآبية عن التأثير المذكور مع أنّ علمه متعلّق بها اتّفاقاً ، فلابدّ من استناده إمّا إلى نفس الأصلح ، وهذا هو معنى كون الشيء مؤثّراً ومتأثراً ، ومعنى إثبات عجز الإله ، ومعنى الترجّح بلا مرجّح ، ومعنى إنكار فاعلية الحقّ بتاتاً ؛ وإمّا إلى تعلّق العلم بالأصلح ، وهذا أيضاً باطل ؛ إذ التعلّق المذكور اعتباري محض وهو لا يصير منشأ للتأثير ، كيف ولو كان كذلك لكان تعلّق علمنا بالأصلح أيضاً مؤثّراً ؟ وهو كما ترى .

الثاني : إنّ الله تعالى يعلم كلّ شيء كما مرّ ، فيعلم الشرّ والظلم والكفر والقبايح بما هي شرّ وظلم وكفر وقبايح ، بلا فرق بين علمه بها ، وعلمه بالعدل والإيمان والخير والمحاسن أصلاً ، بل يعلم الجميع مع أنّه تعالى لعدله وحكمته لا يريد الطائفة الأُولى أبداً ، فيُعلم أنّ إرادته غير علمه ، فتأمل .

وأمّا ما أجاب عنه في الأسفار وأطال ، فيظهر ضعفه من نفس هذا التقريب ، فلا نطوّل بذكره ونقده ، فقد ثبت حينئذٍ ثبوتاً قطعياً ، أنّ إرادته هو إحداثه وإيجاده لا غير، فإنّ بطلان القولين الأَوّلين يعيّن الالتزام بهذا القول ، إذ لا شقّ رابع .

وهذا القول هو الذي اختاره ثقة الإسلام الكليني ، (6) والشيخ الأجلّ الصدوق ، (7) والشيخ الأعظم المفيد ، (8) حيث قال : إنّ إرادة الله تعالى لأفعاله هي نفس أفعاله ، وإرادته لأفعال خلقه أمره بالأفعال ، وبهذا جاءت الآثار عن أئمة الهدى من آل محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وهو مذهب سائر الإمامية إلاّ مَن شذّ منها عن قرب ، وفارق ما كان عليه الأسلاف (9) ، وإليه يذهب جمهور البغداديين من المعتزلة ، وأبو القاسم البلخي خاصّةً ، وجماعة من المرجئة ، ويخالف فيه من المعتزلة البصريون ، ويوافقهم على الخلاف فيه المشبّهة وأصحاب الصفات انتهى .

قوله : نفس أفعاله ، أي نفس إيجاداته فلا تغفل .

فظهر أنّ هذا القول هو مختار الإمامية في الأعصار الأُولى ، غير أنّ المتأخّرين منهم أو جماعة من المتأخّرين عدلوا عنه إلى القول بأنّها العلم بالمصلحة ، ولعمري إنّ هذا القول لا يجامع القول باختياره تعالى أصلاً ...

وأظن أنّ القائلين به من متكلّمي الإمامية جماعة غير كثيرة ، على خلاف ما مرّ من المجلسي رحمه الله من نسبته إلى مشهورهم أو جميعهم ، ويدلّ على ما ذكرناه أو يؤيّده ، أنّ السيّد المرتضى الرازي رحمه الله ذكر ، في باب الحادي والعشرين من كتابه تبصرة العوام في عداد معتقدات الإمامية : أنّ الله مريد بالإرادات الحادثة ، فنسب حدوثها إلى الإمامية قاطبةً ، واختاره من متأخّري المتأخّرين جمع كثير ، كصاحب مجمع البحرين ، وصاحب الفصول ، وصاحب تفسير لوامع التنزيل وسواطع التأويل ، (10) وصاحب كفاية الموحّدين قدّس سرهم ، وسيدنا الأُستاذ المحقّق الخوئي ـ دام ظله العالي ـ وغيرهم ، بل المظنون أنّه مختار معظم الأخباريين من أصحابنا ، حتى أنّ المحدّث الجزائري جعل حدوث الإرادة ـ في محكي شرح التهذيب (11) ـ موارد التعارض بين العقل القطعي الدالّ على قِدمها ، والشرع الدالّ على حدوثها ، وما توهّمه هذا المحدّث الجليل ضعيف جداً .

وبالجملة : إنّ هذا القول كما يقتضيه العقل يدلّ عليه ظاهر الكتاب وصريح السُنة أيضاً، أمّا القرآن المجيد ، فإليك بعض آياته الكريمة :

1 ـ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82].

2ـ {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [النحل: 40]. فكلمة ( إذا ) تدلّ على حدوث الإرادة ، فإنّ الصفات الذاتية يستحيل تحقّقها في وقت دون وقت .

3 ـ {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ} [عبس: 22].

4 ـ {إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً } [الأحزاب: 17].

5. {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185]. وجه الدلالة واضح ...

وأمّا السنّة فإليك ما بلغه جهدي من الروايات :

1ـ صحيحة صفوان قال : قلت لأبي الحسن ( عليه السلام ) : أخبرني عن الإرادة من الله ومن الخلق ؟ قال : فقال : ( الإرادة من الخلق الضمير ، وما يبدو لهم بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله تعالى فإرادته إحداثه لا غير ذلك ؛ لأنّه لا يروي ولا يهم ولا يتفكّر ، وهذه الصفات منفية عنه ، وهي صفات الخلق ، فإرادة الله الفعل لا غير ذلك ، يقول له : كن فيكون ، بلا لفظ ، ولا نطق بلسان ، ولا همّة ، ولا تفكّر ، ولا كيف لذلك كما أنّه لا كيف له ) (12) .

2 ـ صحيحة ابن أُذينة عن الصادق ( عليه السلام ) قال : ( خلق الله المشيئة بنفسها ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة ) (13) ومعنى هذه الرواية على مسلكنا : أنّه تعالى أوجد الأشياء ، وأعطى لها الوجود بإيجاده ، وأمّا هذا الإيجاد فهو صادر عنه تعالى بنفسه لا بإيجاد ثانٍ كما هو واضح ، وكأنّ الرواية ناظرة إلى إبطال التسلسل المتوهّم ...

3 ـ صحيحة محمد بن مسلم عنه ( عليه السلام ) قال : ( المشيئة مُحدَثة ) (14) .

4 ـ صحيحة عاصم بن حميد عن أبي عبد الله الصادق ( عليه السلام ) قال : قلت : لم يزل الله مريداً ؟ قال : ( إنّ المريد لا يكون إلاّ المراد معه ، لم يزل الله عالماً قادراً ثمّ أراد ) (15) .

5 ـ رواية بكير بن أعين قال : قلت : لأبي عبد الله ( عليه السلام ) : علم الله ومشيئته مختلفان أو متّفقان ؟ فقال : ( العلم ليس هو المشيئة ، أَلا ترى أنّك تقول : سأفعل كذا إن شاء الله ، ولا تقول : سأفعل كذا إن علم الله ، فقولك : إن شاء الله ، دليل على أنّه لم يشأ ، فإذا شاء كان الذي شاء كما شاء ، وعلم الله سابق المشيئة ) (16) . وفي التوحيد : ( وعلم الله سابق للمشيّة ) (17) .

أقول : وهذه الرواية الشريفة ناصّة على بطلان القول الثاني ، فيتعيّن القول الثالث كما يدلّ عليه قوله : ( وعلم الله سابق للمشيئة ) .

6 ـ صحيحة سليمان بن جعفر الجعفري قال : قال الرضا ( عليه السلام ) : ( المشيئة والإرادة من صفات الأفعال ، فمَن زعم أنّ الله لم يزل مريداً شائياً فليس بموحّد) (18).

أقول : لأنّه يستلزم إيجابه وقِدم العالَم .

7 ـ رواية أبي سعيد القماط قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( خلق الله المشيئة قبل الأشياء ثمّ خلق الأشياء بالمشيئة ) (19) .

ولعلّ المراد بالقبلية : القبلية الرتبية ؛ ولذا يقال : أوجد فوجد ولا يُعكس ، وعلى أيّ ، فالرواية تدلّ على حدوث الإرادة وهو المطلوب ، ويُحتمل أن تكون المشيئة بمعناها الآتي.

8 ـ حديث الإهليلجة المعروف حيث قال الرضا ( عليه السلام ) في جواب الطبيب : ( إنّ الإرادة من العباد : الضمير وما يبدو بعد ذلك من الفعل ، وأمّا من الله عزّ وجلّ فالإرادة للفعل إحداثه ، إنّما يقول : كن فيكون بلا تعب وكيف ) (20) .

9 ـ رواية عبد الرحيم القصير عن الصادق ( عليه السلام ) (21) ففيها : ( كان ـ عزّ وجلّ ـ ولا متكلّم ولا مريد ، ولا متحرّك ولا فاعل ، جلّ وعزّ ربّنا ، فجميع هذه الصفات محدثة عند حدوث الفعل منه ) (22) .

10 ـ رواية الهاشمي الطويلة المشتملة على مباحثة الرضا ( عليه السلام ) مع أهل الم، ففيها قال عمران : فأيّ شيء غيره ؟ قال الرضا عليه السلام : ( مشيئته واسمه وصفته وما أشبه ذلك ، وكل ذلك محدث مخلوق مدبّر ) ، وقال ( عليه السلام ) فيها أيضاً : ( واعلم : الإبداع والمشيئة والإرادة معناها واحد وأسماؤها ثلاثة ) (23) .

11 ـ رواية النوفلي الهاشمي (24) المتقدّم عنه ( عليه السلام ) في مناظرته مع سليمان المروزي ، وللإمام ( عليه السلام ) كلام طويل في هذه الرواية ، في إبطال قِدم الإرادة ، وكونها من صفات الذات ، وكونها نفس العلم ، وكونها نفس الأشياء ، كما قال به جمع من أصحاب الفلسفة ، وقسّموا الإرادة إلى الذاتية والفعلية ، ولعمري إنّ الرواية بطولها وتشديدها حجّة ساطعة على مرادنا ، وكأنّ الإمام عليه السلام كان ناظراً إلى أقوال الفلاسفة فردّ عليهم ، فلاحظها والله الهادي .

12 ـ صحيحة يونس عن الرضا ( عليه السلام ) ففيها (25) : قلت : فما معنى شاء ؟ قال : ( ابتداء الفعل . قلت : فما معنى أراد ؟ قال : الثبوت عليه ) وفي رواية الهاشمي عن الكاظم ( عليه السلام ) ، أيضاً تفسير معنى شاء بابتداء الفعل (26) .

13ـ رواية ابن إسحاق عن أبي الحسن ( عليه السلام ) قال فيها : ( أتدري ما المشيئة ؟ فقال : لا ، فقال : همّه بالشيء ، أَوَ تدري ما أراد ؟ قال : لا ، قال : إتمامه على المشيئة ) (27) .

أقول : لعلّ المراد بالهمّ هو ابتداء الفعل كما يفهم من قوله : إتمامه ، ومن تصريح الرواية المتقدّمة بذلك ، وإلاّ فالهمّ عليه محال ، وقد صرّح به في الروايات المتقدّمة أيضاً...

هذا ما وقفنا عليه من الروايات الدالة على حدوث الإرادة ، ولم أجد روايةً ـ ولو ضعيفة السند والدلالة ـ على أنّها قديمة ، أو عين ذاته تعالى ، أو هي راجعة إلى العلم ، مع أنّ الصفات الذاتية مصرّح بها في روايات كثيرة ، عن أهل العصمة والنبوّة سلام الله عليهم أجمعين .

وأمّا ما ذكره بعض الأماجد (28) من آل كاشف الغطاء ـ من أنّ الإرادة في لسان أهل البيت تُطلق على معنيين : الخلق الإيجاد ، ثمّ العلم حسبما استقصينا من أحاديثهم ، واستشهد للثاني برواية نقلها عن الكافي ـ فهو ممنوع ، والموجود في الكافي مغاير لِما نقله في كتابه ، على أنّ استعمال الإرادة في العلم أحياناً ، لا يُسمن ولا يغني من شيء أصلاً كما لا يخفى ، ولا سيما بعد ما صرّح في الرواية الخامسة بتغايرهما .

 

إزاحة وإنارة :

قد تحصّل أنّ الروايات صريحة كما هي الأكثر ، أو ظاهرة غاية الظهور في حدوث الإرادة ، وجملة منها صحيحة الإسناد ، فلا يعتريها شكّ وارتياب ، غير أنّ جماعةً من الباحثين كالمحقّق الداماد على ما في الأسفار ، والمحدّث المجلسي في البحار ومرآة العقول ، وصاحب الأسفار في شرحه على الكافي ، والفيض الكاشاني في الوافي ، والفيّاض اللاهيجي في الشوارق وگوهر مراد ، والشيخ المحقّق محمد حسين في نهاية الدراية وتحفة الحكيم ، وغيرهم في غيرها أغمضوا أعينهم عن صراحة هذه الروايات ، فوجّهوها بتوجيهات باردة ، وحملوها على محامل بعيدة فاسدة ، بل بعضها مخالف لصراحة بعض الروايات المذكورة.

وإنّي لا أرى فائدةً في إيرادها وإبطاله ، فالمنصف إذا راجعها ولاحظها بالقياس إلى الروايات يجدها موهومةً موهونة ، والعجب أنّ الأئمة ( عليهم السلام ) بيّنوا صفات الذات وعينيتها معها ، ولكن لمّا وصل بيانهم إلى الإرادة لم يبيّنوها ؛ لعدم استعداد الأذهان كما يقول بعض هؤلاء ، أو أنّهم ( عليهم السلام ) بيّنوا الإرادة الفعلية ، وأهملوا ذكر الإرادة الذاتية ، مع أنّه لا أثر إلاّ في أوهام هذا القوم . وإن تعجب فعجب من المجلسي قدّس سره ، فإنّه مع جموده الجميل على ظواهر الروايات ، كيف ترك النصوص ، وأصرّ على تأويلها والعصمة لأهلها ؟!

 

تتمة :

ثمّ إنّك ـ بعد ما دريت معنى الإرادة تقدر على تطبيق جملة كثيرة من الآيات الكتابية عليه (29) .

نعم ربّما يعسر تفسير بعض الآيات المشتملة على هذه المادة ـ الإرادة والمشيئة ـ بهذا المعنى كقوله تعالى : {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ} [المائدة: 1]، وقوله : {وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253] ، وقوله : {إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 107] وغيرها ، فإنّ تنزيلها على الإحداث ، والإيجاد ، والفيض ، وإعمال القدرة ، وإنفاذ القوّة ، إلى غير ذلك من الألفاظ المترادفة بعيد جداً ، فلك أن تحملها على القصد للمشاكلة لإرادتنا ، كما في قوله تعالى ( يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ) فنسب الإرادة إلى الجدار مع أنّه لا قصد له أصلاً ، وإن أبيتَ عن ذلك فلابدّ لك أن تحملها على المعنى الثاني للإرادة ، فإنّ لها معنيين ...

______________________

(1) مرآة العقول / 76.

(2) حاشية الآشتياني على رسائل الشيخ / 35.

(3) بحار الأنوار 4 / 136.

(4) شرح المواقف 3 / 67.

(5) نهاية الدراية شرح كفاية الأُصول 1 / 164.

(6) أُصول الكافي 1 / 109.

(7) توحيد الصدوق / 11.

(8) أوائل المقالات / 19.

(9) فما في الكتاب المنسوب إليه المسمّى بـ ( نكت الاعتقاد ) من تفسيرها بعلمه الموجب لوجود الفعل غير صحيح عنه ، فتأمّل .

(10) لوامع التنزيل وسواطع التأويل 7 / 8.

(11) الحاكي هو المحقّق الآشتياني في حاشية الرسائل / 35.

(12) أُصول الكافي 1 / 109.

(13) أُصول الكافي 1 / 110.

(14) أُصول الكافي 1 / 110.

(15) أُصول الكافي 1 / 109.

(16) أُصول الكافي 1 / 109.

(17) التوحيد / 144.

(18) البحار 4 / 145.

(19) البحار 4 / 145.

(20) البحار 3 / 196.

(21) البحار 5 / 31.

(22) التوحيد، الباب 64.

(23) التوحيد، الباب 64.

(24) التوحيد، الباب 65.

(25) مرآة العقول 1 / 104، والبحار 5 / 122.

(26) الكافي 1 / 150.

(27) البحار 5 / 122.

(28) الدين والإسلام 1 / 188.

(29) الآيات المتضمّنة للفظة الإرادة والمشيئة تزيد على المِئة والستّين ، على ما استخرجناها من القرآن الحكيم .