المسائل الفقهية
التقليد
الطهارة
احكام الاموات
الاحتضار
التحنيط
التشييع
التكفين
الجريدتان
الدفن
الصلاة على الميت
الغسل
مسائل تتعلق باحكام الاموات
أحكام الخلوة
أقسام المياه وأحكامها
الاستحاضة
الاغسال
الانية واحكامها
التيمم (مسائل فقهية)
احكام التيمم
شروط التيمم ومسوغاته
كيفية التيمم
مايتيمم به
الجنابة
سبب الجنابة
مايحرم ويكره للجُنب
مسائل متفرقة في غسل الجنابة
مستحبات غسل الجنابة
واجبات غسل الجنابة
الحيض
الطهارة من الخبث
احكام النجاسة
الاعيان النجسة
النجاسات التي يعفى عنها في الصلاة
كيفية سراية النجاسة الى الملاقي
المطهرات
النفاس
الوضوء
الخلل
سنن الوضوء
شرائط الوضوء
كيفية الوضوء واحكامه
مسائل متفرقة تتعلق بالوضوء
مستمر الحدث
نواقض الوضوء والاحداث الموجبة للوضوء
وضوء الجبيرة واحكامها
مسائل في احكام الطهارة
الصلاة
مقدمات الصلاة(مسائل فقهية)
الستر والساتر (مسائل فقهية)
القبلة (مسائل فقهية)
اوقات الصلاة (مسائل فقهية)
مكان المصلي (مسائل فقهية)
افعال الصلاة (مسائل فقهية)
الاذان والاقامة (مسائل فقهية)
الترتيب (مسائل فقهية)
التسبيحات الاربعة (مسائل فقهية)
التسليم (مسائل فقهية)
التشهد(مسائل فقهية)
التعقيب (مسائل فقهية)
الركوع (مسائل فقهية)
السجود(مسائل فقهية)
القراءة (مسائل فقهية)
القنوت (مسائل فقهية)
القيام (مسائل فقهية)
الموالاة(مسائل فقهية)
النية (مسائل فقهية)
تكبيرة الاحرام (مسائل فقهية)
منافيات وتروك الصلاة (مسائل فقهية)
الخلل في الصلاة (مسائل فقهية)
الصلوات الواجبة والمستحبة (مسائل فقهية)
الصلاة لقضاء الحاجة (مسائل فقهية)
صلاة الاستسقاء(مسائل فقهية)
صلاة الايات (مسائل فقهية)
صلاة الجمعة (مسائل فقهية)
صلاة الخوف والمطاردة(مسائل فقهية)
صلاة العيدين (مسائل فقهية)
صلاة الغفيلة (مسائل فقهية)
صلاة اول يوم من كل شهر (مسائل فقهية)
صلاة ليلة الدفن (مسائل فقهية)
صلوات اخرى(مسائل فقهية)
نافلة شهر رمضان (مسائل فقهية)
المساجد واحكامها(مسائل فقهية)
اداب الصلاة ومسنوناتها وفضيلتها (مسائل فقهية)
اعداد الفرائض ونوافلها (مسائل فقهية)
صلاة الجماعة (مسائل فقهية)
صلاة القضاء(مسائل فقهية)
صلاة المسافر(مسائل فقهية)
صلاة الاستئجار (مسائل فقهية)
مسائل متفرقة في الصلاة(مسائل فقهية)
الصوم
احكام متفرقة في الصوم
المفطرات
النية في الصوم
ترخيص الافطار
ثبوت شهر رمضان
شروط الصوم
قضاء شهر رمضان
كفارة الصوم
الاعتكاف
الاعتكاف وشرائطه
تروك الاعتكاف
مسائل في الاعتكاف
الحج والعمرة
شرائط الحج
انواع الحج واحكامه
الوقوف بعرفة والمزدلفة
النيابة والاستئجار
المواقيت
العمرة واحكامها
الطواف والسعي والتقصير
الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة
الاحرام والمحرم والحرم
اعمال منى ومناسكها
احكام عامة
الصد والحصر*
الجهاد
احكام الاسارى
الارض المفتوحة عنوة وصلحا والتي اسلم اهلها عليها
الامان
الجهاد في الاشهر الحرم
الطوائف الذين يجب قتالهم
الغنائم
المرابطة
المهادنة
اهل الذمة
وجوب الجهاد و شرائطه
مسائل في احكام الجهاد
الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
مراتب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
حكم الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وشرائط وجوبهما
اهمية الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
احكام عامة حول الامر بالمعروف والنهي عن المنكر
الخمس
مايجب فيه الخمس
مسائل في احكام الخمس
مستحق الخمس ومصرفه
الزكاة
اصناف المستحقين
اوصاف المستحقين
زكاة الفطرة
مسائل في زكاة الفطرة
مصرف زكاة الفطرة
وقت اخراج زكاة الفطرة
شرائط وجوب الزكاة
ماتكون فيه الزكاة
الانعام الثلاثة
الغلات الاربع
النقدين
مال التجارة
مسائل في احكام الزكاة
احكام عامة
علم اصول الفقه
تاريخ علم اصول الفقه
تعاريف ومفاهيم ومسائل اصولية
المباحث اللفظية
المباحث العقلية
الاصول العملية
الاحتياط
الاستصحاب
البراءة
التخيير
مباحث الحجة
تعارض الادلة
المصطلحات الاصولية
حرف الالف
حرف التاء
حرف الحاء
حرف الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
القواعد الفقهية
مقالات حول القواعد الفقهية
اخذ الاجرة على الواجبات
اقرار العقلاء
الإتلاف - من اتلف مال الغير فهو له ضامن
الإحسان
الاشتراك - الاشتراك في التكاليف
الاعانة على الاثم و العدوان
الاعراض - الاعراض عن الملك
الامكان - ان كل ما يمكن ان يكون حيضا فهو حيض
الائتمان - عدم ضمان الامين - ليس على الامين الا اليمين
البناء على الاكثر
البينة واليمين - البينة على المدعي واليمين على من انكر
التقية
التلف في زمن الخيار - التلف في زمن الخيار في ممن لا خيار له
الجب - الاسلام يجب عما قبله
الحيازة - من حاز ملك
الزعيم غارم
السبق - من سبق الى ما لم يسبقه اليه احد فهو احق به - الحق لمن سبق
السلطنة - التسلط - الناس مسلطون على اموالهم
الشرط الفاسد هل هو مفسد للعقد ام لا؟ - الشرط الفاسد ليس بمفسد
الصحة - اصالة الصحة
الطهارة - كل شيء طاهر حتى تعلم انه قذر
العقود تابعة للقصود
الغرور - المغرور يرجع الى من غره
الفراغ و التجاوز
القرعة
المؤمنون عند شروطهم
الميسور لايسقط بالمعسور - الميسور
الوقوف على حسب ما يوقفها اهلها
الولد للفراش
أمارية اليد - اليد
انحلال العقد الواحد المتعلق بالمركب الى عقود متعددة - انحلال العقودالى عقود متعددة
بطلان كل عقد بتعذر الوفاء بمضمونه
تلف المبيع قبل قبضه - اذا تلف المبيع قبل قبضه فهو من مال بائعه
حجية البينة
حجية الضن في الصلاة
حجية سوق المسلمين - السوق - أمارية السوق على كون اللحوم الموجودة فيه مذكاة
حجية قول ذي اليد
حرمة ابطال الاعمال العبادية الا ما خرج بالدليل
عدم شرطية البلوغ في الاحكام الوضعية
على اليد ما اخذت حتى تؤدي - ضمان اليد
قاعدة الالزام - الزام المخالفين بما الزموا به انفسهم
قاعدة التسامح في ادلة السنن
قاعدة اللزوم - اصالة اللزوم في العقود - الاصل في المعاملات اللزوم
لا تعاد
لا حرج - نفي العسر و الحرج
لا ربا في ما يكال او يوزن
لا شك في النافلة
لا شك لكثير الشك
لا شك للإمام و المأموم مع حفظ الآخر
لا ضرر ولا ضرار
ما يضمن و ما لا يضمن - كل عقد يضمن بصحيحه يضمن بفاسده وكل عقد لا يضمن بصحيحه لا يضمن بفاسده
مشروعية عبادات الصبي وعدمها
من ملك شيئا ملك الاقرار به
نجاسة الكافر وعدمها - كل كافر نجس
نفي السبيل للكافر على المسلمين
يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب
قواعد فقهية متفرقة
المصطلحات الفقهية
حرف الألف
حرف الباء
حرف التاء
حرف الثاء
حرف الجيم
حرف الحاء
حرفق الخاء
حرف الدال
حرف الذال
حرف الراء
حرف الزاي
حرف السين
حرف الشين
حرف الصاد
حرف الضاد
حرف الطاء
حرف الظاء
حرف العين
حرف الغين
حرف الفاء
حرف القاف
حرف الكاف
حرف اللام
حرف الميم
حرف النون
حرف الهاء
حرف الواو
حرف الياء
الفقه المقارن
كتاب الطهارة
احكام الاموات
الاحتضار
الجريدتان
الدفن
الصلاة على الاموات
الغسل
الكفن
التشييع
احكام التخلي
استقبال القبلة و استدبارها
مستحبات و ومكروهات التخلي
الاستنجاء
الاعيان النجسة
البول والغائط
الخمر
الدم
الكافر
الكلب والخنزير
المني
الميتة
احكام المياه
الوضوء
احكام الوضوء
النية
سنن الوضوء
غسل الوجه
غسل اليدين
مسح الرأس
مسح القدمين
نواقض الوضوء
المطهرات
الشمس
الماء
الجبيرة
التيمم
احكام عامة في الطهارة
احكام النجاسة
الحيض و الاستحاظة و النفاس
احكام الحيض
احكام النفاس
احكام الاستحاضة
الاغسال المستحبة
غسل الجنابة واحكامها
كتاب الصلاة
احكام السهو والخلل في الصلاة
احكام الصلاة
احكام المساجد
افعال الصلاة
الاذان والاقامة
التسليم
التشهد
الركوع
السجود
القراءة
القنوت
القيام
النية
تكبيرة الاحرام
سجدة السهو
الستر والساتر
الصلوات الواجبة والمندوبة
صلاة الاحتياط
صلاة الاستسقاء
صلاة الايات
صلاة الجماعة
صلاة الجمعة
صلاة الخوف
صلاة العيدين
صلاة القضاء
صلاة الليل
صلاة المسافر
صلاة النافلة
صلاة النذر
القبلة
اوقات الفرائض
مستحبات الصلاة
مكان المصلي
منافيات الصلاة
كتاب الزكاة
احكام الزكاة
ماتجب فيه الزكاة
زكاة النقدين
زكاة مال التجارة
زكاة الغلات الاربعة
زكاة الانعام الثلاثة
شروط الزكاة
زكاة الفطرة
احكام زكاة الفطرة
مصرف زكاة الفطرة
وقت وجوب زكاة الفطرة
اصناف واوصاف المستحقين وأحكامهم
كتاب الصوم
احكام الصوم
احكام الكفارة
اقسام الصوم
الصوم المندوب
شرائط صحة الصوم
قضاء الصوم
كيفية ثبوت الهلال
نية الصوم
مستحبات ومكروهات الصوم
كتاب الحج والعمرة
احرام الصبي والعبد
احكام الحج
دخول مكة واعمالها
احكام الطواف والسعي والتقصير
التلبية
المواقيت
الصد والحصر
اعمال منى ومناسكها
احكام الرمي
احكام الهدي والاضحية
الحلق والتقصير
مسائل متفرقة
النيابة والاستئجار
الوقوف بعرفة والمزدلفة
انواع الحج واحكامه
احكام الصيد وقطع الشجر وما يتعلق بالجزاء والكفارة
احكام تخص الاحرام والمحرم والحرم
العمرة واحكامها
شرائط وجوب الحج
كتاب الاعتكاف
كتاب الخمس
الشك في المكلف به
المؤلف: تقريرا لبحث السيد الخميني - بقلم الشيخ السبحاني
المصدر: تهذيب الأصول
الجزء والصفحة: ج2. ص.307
10-8-2016
607
الميزان فيه فهو انه إذا علم المكلف بجنس التكليف أو نوعه وتردد متعلقه بين شيئين أو ازيد وامكن له الاحتياط، يصير الشك حينئذ شكا في المكلف به، فخرج مالا علم فيه رأسا كالشبهة البدوية، وما علم جنسه ولكن لم يمكن الاحتياط فيه، كما إذا علم بكون احد الشيئين اما واجب أو حرام فالعلم بالإلزام والتردد في المتعلق وان كان حاصلا الا ان الاحتياط على وجه الموافقة القطعية غير ممكن، سواء اتى بهما أو تركهما، أو اتى بواحد، وترك آخر، واما الشك في المحصل، فهو وان كان يلزم فيه الاحتياط، الا انه لا ضير في خروجه، لعدم الملازمة بين لزوم الاحتياط وكون الشك فيه شكا في المكلف به، بل هو باب برأسه يدخل فيه الشك في المحصل والشك في الاتيان بالمأمور مع بقاء الوقت إلى غير ذلك، وما يقال في الميزان في المقام: ان كان الشك في الثبوت فهو الشك في التكليف وهو مرجع البرائة، وان كان الشك في السقوط فهو الشك في المكلف به ومحل الاحتياط، غير صحيح، لان كون الشك في السقوط وان كان محلا للاشتغال الا انه اعم من الشك في المكلف به كما لا يخفى إذا عرفت هذا فنقول: اختلفت الآراء في كون العلم بالحكم اجمالا هل هو علة تامة لوجوب الموافقة وحرمة المخالفة، أو مقتض بالنسبة اليهما، أو علة تامة بالنسبة إلى احدهما دون الاخر، يظهر الثمرة في امكان الترخيص بالنسبة إلى بعض الاطراف أو كلها، وبما ان محل النزاع غير منقح في كلام الآجلة، حتى ان الشيخ الاعظم لا يخلو كلامه عن اختلاط ، فنقول:
ان تنقيح البحث يحتاج إلى البحث في مقامين :
(الاول) إذا علم علما وجدانيا لا يحتمل الخلاف بالتكليف الفعلي الذى لا يرضى المولى بتركه، فلا شك انه يجب تحصيل الموافقة القطعية، وتحرم المخالفة قطعيها أو محتملها، ولا مجال للبحث عن جواز الترخيص في بعضها أو جميعها كانت الشبهة محصورة أو غير محصورة لا لأجل كون القطع منجزا، أو كون تحصيل الموافقة واجبا، أو تحصيل المخالفة حراما، بل لأجل لزوم اجتماع النقيضين قطعا أو احتمالا، ضرورة ان القطع بالإرادة الالزامية لا يجتمع مع احتمال الترخيص فضلا عن القطع به، فان الترخيص في بعض الاطراف ولو كانت الشبهة غير محصورة مع احتمال انطباق الواقع على المورد المرخص فيه وان كان ضعيفا، لا يجتمع مع الارادة الالزامية الحتمية، ولا اظن ان العلمين (الخوانساري والقمي)، جوزا الترخيص في هذه الصورة .
واما الشيخ الاعظم (قدس سره) فيظهر من بعض كلماته كون النزاع عاما يشمل المقام الاول حيث جعل المانع عن جريان الاصول لزوم الاذن في المعصية ووجود المانع عن جريانه في عالم الثبوت وان كان يظهر من بعض كلماته كون النزاع في غير هذا المقام، وهذا هو الذى يصلح ان يبحث عنه في باب القطع
( المقام الثاني ): إذا علمنا حرمة شيء أو وجوبه لا بعلم وجداني بل بشمول اطلاق الدليل أو عمومه على المورد كما إذا قال لا تشرب الخمر وشمل بالإطلاق على الخمر المردد بين الانائين، فهل يمكن الترخيص بأدلة الاصول بتقييد اطلاق الدليل اولا، وهذا هو الذى ينبغى ان يبحث عنه في المقام، ومثله إذا علم اجمالا بقيام حجة على هذا الموضوع أو ذاك، كما إذا علم بقيام امارة معتبرة اما بوجوب صلاة الظهر أو الجمعة إلى غير ذلك مما يعد من اقسام المتباينين ويظهر من بعض كلمات الشيخ الاعظم انه محط البحث حيث استدل على حرمة المخالفة القطعية بوجود المقتضى للحرمة وعدم المانع عنها اما ثبوت المقتضى فلعموم دليل تحريم ذلك العنوان المشتبه فان قول الشارع اجتنب عن الخمر يشمل الخمر الموجود المعلوم بين الانائين إلى آخر ما افاده ومن ذلك ما افاده في ذيل المطلب الثاني حيث قال:
الكلام يقع في مقام ما ذكرنا في اول الباب أي الشبهة التحريمية في الشك في المكلف به لانه اما يشتبه الواجب بغير الحرام من جهة عدم النص المعتبر أو اجماله أو تعارض النصين أو من جهة اشتباه الموضوع اما الاولى فالكلام فيه اما في جواز المخالفة القطعية في غير ما علم بإجماع أو ضرورة حرمتها إلى آخر ما افاده فهذه الكلمات واضرابه يعين محط البحث وان البحث في غير ما علم وجدانا وجود تكليف قطعي لا يرضى المولى بتركه.
ثم ان للمقام الثاني صورتين:
الاولى: إذا علم المكلف علما جازما بان التكليف الواقعي على فرض تحققه فعلى لا يرضى المولى بتركه، وهذه الصورة ايضا خارجة عن محط البحث لانه مع العلم بفعلية التكليف على فرض تصادف الامارة للواقع، وتصادف المحتمل للأمارة لا يمكن الترخيص الفعلي بجميع الاطراف أو بعضهما، لان العلم بالترخيص مع العلم بفعلية التكليف على فرض المصادفة غير ممكن الاجتماع فمع العلم الثاني لا يمكن الاخذ بالأدلة المرخصة .
الثانية: تلك الصورة ولكن يحتمل ذلك ويحتمل مزاحمته لما هو اقوى ملاكا كما سنشير إليه فيرفع اليد عنه في مقام التزاحم فانحصر محط البحث بالصورة الثانية من المقام الثاني وهى صورة عدم العلم الوجداني بالتكليف الفعلي لا فعلا ولا تقديرا وعلى فرض تصادف الامارة يحتمل فعلية الواقع ويحتمل عدمها ويصير مآل البحث إلى انه بعدما قامت الحجة الفعلية على التكليف من اطلاق أو عموم: هل هيهنا حجة اخرى اقوى اعني ادلة الاصول حتى ترفع اليد عن الحجة الاولى ويكون من قبيل دفع الحجة بالحجة اولا .
تنبيه : اعلم انه لو قلنا بجواز الترخيص في اطراف العلم الاجمالي، لا يوجب ذلك تقييدا في الادلة الواقعية بوجه، بل يكون حالها حال قيام الامارات على خلافها، وحال جريان الاصول في الشبهات البدئية، إذا كانت مخالفة للواقع، فكما ان الواقع لم يتقيد بمؤديات الامارات، ولا بحال العلم فكذلك في المقام، والفرق ان هيهنا ترخيص في مخالفة الامارة ويحتمل انطباق الامارة على الواقع، وهناك ترخيص في العمل بها مع امكان تخلفها عنه، وفى الشبهات البدئية ترخيص مع احتمال تحقق الواقع، و(بالجملة) ان البحث في المقام كالبحث في الامارات والاصول في الشبهات البدئية إذا خالفت الواقع، فكما ان في الامر بالعمل بالأمارات أو امضاء الطرق العقلائية، احتمال تفويت الواقع، والمصالح والاغراض بما ان تلك الطرق والاصول ربما تؤدى المكلف إلى خلاف المطلوب، فهكذا الامر في العمل بالأصول وفى جعل الترخيص فيما إذا قامت الحجة على وجوب الشيء أو حرمته وتردد بين امرين وكما ان المجوز لهذا التفويت والاغراض ليس الا التحفظ على الغرض الاهم من حفظ نظام العباد، وصيانتهم عن الاعراض عن الدين ورغبتهم عن الشريعة كما مر توضيحه في بابه فهكذا لو فرض في جعل الترخيص مصلحة اولى واهم من التحفظ على الواقع، لا يكون ضير في المقام في جعله وتشريعه، فالمولى الحكيم لوقوفه على الاعراض الهامة وغيرها يقدم بعضها على بعض ويعرض عن بعض ويرفع اليد عنه للتحفظ بما هو اولى واقدم.
وان شئت قلت: ان التخصيص والتقييد في الادلة الواقعية لقصور الاقتضاء وفي المقام (أي امضاء الطرق العقلائية، والترخيص في اطراف العلم الاجمالي) لا يكون الاقتضاء قاصرا ولهذا يجب العلم بالتكاليف في الشبهات الحكمية ويجب تتبع الاحكام ونشرها، ولكن الجهات الاخر لما كانت اهم من مراعات الواقع، صارت تلك الاهمية سببا للترخيص في الشبهات البدئية ولتنفيذ الامارات وايجاب العمل على طبقها، وفى المقام ايضا على فرض امكانه فلا تكون الواقعيات مخصصة ولا مقيدة بشيء من تلك الموارد بل متروكة مع كمال مطلوبيتها لأجل اغراض اهم.
إذا عرفت ما ذكر فاعلم: ان البحث يقع في جهتين:
(الاولى) في امكان الترخيص ثبوتا، و(ثانيتهما) في وقوعه فنقول: اما الجهة الاولى فلا اشكال ان العقل (مع قطع النظر عن الادلة المرخصة على فرض وجودها) يحكم بوجوب موافقة الامارات وعدم جواز مخالفتها سواء علم قيامها على امر تفصيلا أو اجمالا، ويحكم مع العلم الاجمالي بقيام امارة اما على وجوب الدعاء عند رؤية الهلال أو على وجوبه عند غروب الشمس، على لزوم المطابقة القطعية وحرمة مخالفتها القطعية لكن لا بملاك المعصية والاطاعة لعدم احراز موضوعها لعدم العلم بتصادف الامارة للواقع بل بملاك قطع العذر واستحقاق العقوبة على فرض مطابقتها للواقع أو بملاك المعصية التقديرية أي على فرض المصادفة فلو ارتكب احد اطراف المعلوم بالإجمال فيحتمل قيام الامارة عليه وعدمه وعلى فرضه يحتمل تصادف الامارة للواقع وعدمه لكن على فرض تصادف الاحتمالين للواقع لا عذر له في ترك المأمور به الواقعي فيستحق العقوبة عليه.
و(الحاصل) ان العلم بالحجة الاجمالية كالعلم بالحجة التفصيلية في نظر العقل لان العمل بها واتباعها مؤمن عن العقاب صادف أو خالف، والاعراض عنها يحتمل معه العقاب، فيجب دفعه، والعلم بالحجة وان لم يكن ملازما مع العلم بالحكم لكنه يجب العمل به عقلا لحصول الامن معه، فان المكلف يعد إذا صادفت الامارة للواقع، غير معذور إذا لم يعمل به هذا حكم إذا قصر نظره إلى ادلة الامارات ومع ذلك كله لا مانع هنا للشارع عن جعل الترخيص، وليس حكم العقل بلزوم اتباع الحجة الاجمالية مانعا عن جعل الترخيص كما ليس ههنا مانع من ناحية الخطابات الاولية ولا من غيرها، توضيحه: ان ما هو القبيح على المولى انما هو الاذن في معصيته ومخالفته فلو وقف المكلف بعلم وجداني على كونه مطلوبا فالترخيص في تركه يعد لدى العقل قبيحا بالنسبة إلى المولى الذى لا يتلاعب بأحكامه واغراضه، فالعلم بالمطلوب والالزام به ثم الترخيص فيه مع بقائه على المطلوبية التامة التي لا يرضى بتركه نقض في الغرض لا يليق بساحة الحكيم - بل يمكن ان يقال: ان امتناعه ليس لأجل كونها مرا قبيحا بل هو امر ممتنع بالذات لامتناع اجتماع ارادتين متعلقتين على فعله وتركه، فالترخيص في المعصية مع كونه قبيحا محال ذاتا. ولكن كون الترخيص، اذنا في المعصية فرع العلم بكونه محبوبا ومطلوبا تاما، والمفروض ان الموجود في المقام ليس الا العلم بالحجة ولا نعلم كونها مطابقة للواقع اولا، فالترخيص في مخالفتها (لحفظ غرض اهم على فرض المطابقة للواقع) ليس ترخيصا في المعصية، لعدم العلم بالحكم بل هو ترخيص في مخالفة الامارة، واجازة في مخالفة الحجة، فما يدعى من الامتناع والاستقباح غير آت في المقام، واما توهم المانع من ناحية الخطابات الاولية واستلزام ذلك الترخيص، تقييدا أو تخصيصا في ادلة الواقعية فقد مر توضيحه ودفعه. والحاصل: انى لا اظن بقاء المجال للتشكيك في امكان الترخيص حتى بالنسبة إلى جميع الاطراف بعد تصور محط البحث لعدم لزوم شيء مما ذكر كلزوم الاذن في المعصية ضرورة ان الاذن في مخالفة الامارة لا يلازم الاذن في المعصية بل قد يلزم منه الاذن في مخالفة الواقع ولا اشكال فيه، لجواز رفع اليد عن الواقع لأجل تزاحم جهات اهم منه، وان شئت فاعطف نظرك إلى اشباهه ونظائره، فان الشك بعد تجاوز المحل أو خروج الوقت، لا يترتب عليه الاثر مع امكان كون المضي موجبا لتفويت الواقع ومثله الاذن بالعمل بالاستصحاب أو ايجاب العمل به، فان الترخيص والاذن والامر في هاتيك الموارد يكشف عن عدم فعلية الاحكام الواقعية بمعنى رفع اليد عنها للمزاحم الاقوى من غير تقييد لها أو تخصيص، فلو فرغنا من دلالة الادلة المرخصة اثباتا ولم يكن محذور في مقام الاستفادة عن الاخذ بمفادها، فلا نتصور مانعا في المقام، فما ربما يترائى في كلمات الاعاظم من تصور المحاذير الثبوتية من ان الترخيص في جميع الاطراف مستلزم للاذن في المعصية وهو قبيح عقلا، أو ان حكم العقل بالنسبة الي المخالفة القطعية على نحو العلية التامة، وبالنسبة إلى الموافقة القطعية كذلك أو بنحو الاقتضاء، كل ذلك ناش من خلط محل البحث بما هو خارج عنه فإذا تبين امكان الترخيص فلو دلت الادلة على الترخيص فلا مانع من القول بمقالة المحققين (الخوانساري والقمي)
(قدس سرهما) الجهة الثانية: في وقوع الترخيص: وتنقيح البحث يتوقف علي سرد الروايات فنقول: ان الروايات الواردة في المقام على طائفتين:
الاولى: ما يظهر منها التعرض لخصوص اطراف العلم الاجمالي أو الاعم منه ومن غيره واليك بيانه :
1 - صحيحة عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله قال كل شيء فيه حرام وحلال فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه.
2 - ما رواه عبدالله بن سنان عن عبدالله بن سليمان قال سألت: ابا جعفر عن الجبن فقال لقد سألتني عن طعام يعجبني ثم اعطى الغلام درهما فقال: يا غلام ابتع لنا جبنا ثم دعى بالغذاء فتغذينا معه فأتى بالجبن فاكل فاكلنا فلما فرغنا من الغذاء قلت ما تقول في الجبن قال أو لم ترنى آكله قلت بلى ولكني احب ان اسمعه منك فقال سأخبرك عن الجبن وغيره كلما كان فيه حلال وحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه فتدعه (والكبرى الواقعة فيه قريب مما وقع في الصحيحة السابقة.
3 - رواية معاوية بن عمار عن رجل من اصحابنا قال: كنت عند ابى جعفر (عليه السلام ) فسئله رجل عن الجبن فقال ابو جعفر (عليه السلام )انه لطعام يعجبني وسأخبرك عن الجبن وغيره: كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام بعينه ثم ان الشيخ الاعظم نقل هذه الرواية بزيادة منه فلم نجد له إلى الان مدركا، ويحتمل اتحاد الثانية والثالثة من الروايتين لقرب الفاظهما وعدم اختلافهما الا في تنكير الحلال والحرام وتعريفهما ويحتمل اتحاد الاولى مع الثانية ايضا لكون الراوي في الثانية انما هو عبدالله بن سنان عن عبدالله بن سليمان فمن الممكن انه نقله تارة مع الواسطة واخرى مع حذفها وليس ببعيد مع ملاحظة الروايات الا انا نتكلم فيها على كل تقدير فنقول:
ان في تلك الروايات احتمالات :
الاول: اختصاصها بالشبهة البدئية بان يقال: ان كل طبيعة فيه الحرام والحلال وينقسم اليهما تقسيما فعليا واشتبه فرد منها من انه من أي القسمين فهو لك حلال.
ولكنك خبير بانه اردى الاحتمالات لان التعبير عن الشبهة البدئية بهذه العبارة بعيد غايته مع امكان ان يقول كل ما شككت فهو لك حلال أو الناس في سعة مالا يعلمون.
الثاني: اختصاصها بالعلم الاجمالي فقط فان الظاهر ان قوله كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال، ان ما فيه الحلال والحرام حلال بحسب الشبهة الموضوعية كما هو مورد الثانية والثالثة، ولا يبعد ان يكون مورد الصحيحة هو الموضوعية، ايضا فيصدق قوله فيه الحلال والحرام على المال المختلف فإذا كان عنده خمسون دينارا بعضها معلوم الحرمة وبعضها معلوم الحلية يقال انه شيء فيه حلال وحرام، والظاهر من قوله فهو لك حلال، وان ما فيه الحلال والحرام لك حلال فحينئذ فالغاية هي العلم التفصيلي وهذا اقرب الاحتمالات.
الثالث: كونها اعم من العلم الاجمالي والشبهة البدئية بان يقال: ان كل طبيعة فيه حلال معين وحرام معين، وفرد مشتبه، فالمشتبه لك حلال حتى تعرف الحرام، وان شئت قلت: إذا علم تفصيلا حرمة بعض افراد الطبيعة، وعلم حلية بعض آخر وشك في ثالث فيقال: ان المهية الكذائية التى فيها حلال وحرام فهى حلال مع الشبهة حتى تعرف الحرام، ولكن ادخال هذا الفرد يحتاج إلى تكلف خارج عن محور المخاطبة وعلى أي فرض فلا محيص في الاحتمالين الاخيرين الا بجعل الغاية علما تفصيليا، لا لكون مادة المعرفة ظاهرة في مقام التشخيص في المميزات الشخصية التى لا تنطبق الا على العلم التفصيلي، ولا لان قوله:
تعرف.، ظاهر في ذلك، وان كان كل ذلك وجيها بل لانه على فرض كونه متعرضا لخصوص العلم الاجمالي لا معنى لجعل الغاية اعم من العلم التفصيلي وعلى فرض كونه اعم، لا معنى لجعل الغاية اعم ايضا لان لازمه ان المشتبه البدوي حلال حتى يعلم اجمالا أو تفصيلا انه حرام والمعلوم الاجمالي حلال حتى يعلم تفصيلا انه حرام مع انه باطل بالضرورة لان لازم جعل الغاية اعم تارة والعلم التفصيلي اخرى التناقض أي حلية المعلوم بالإجمال وحرمته وان كان المراد المشتبه البدئي حلال حتى يعلم اجمالا وجود الحرام فيه فحينئذ يرتفع حكمه ثم يندرج في صغرى المشتبه بالعلم الاجمالي فهو حلال إلى ان تعرف الحرام تفصيلا، فهو وان كان مفيدا للمقصود لكنه اشبه شيء بالا حجية واللغز اضف إلى ذلك ان الظاهر ان قوله (بعينه) قيد للمعرفة وهو يؤيد كون العرفان لابد وان يكون بالعلم التفصيلي، ويؤيده ايضا الفرق المعروف بين العرفان والعلم فان الاول لا يستعمل الا في الجزئي المشخص، فعليه فالغاية للصدر الشامل للعلم الاجمالي ليس الا العلم تفصيلا بكون الحرام هذا الشيء المعين.
هذا حال الروايات والانصاف قوة الاحتمال الثاني كما هو غير بعيد عن روايات الجبن فان الظاهر ان الاشتباه في الجبن لأجل جعل الميتة في بعضها كما هو الظاهر في بعضها مثل ما رواه ابو الجارود قال سئلت:
ابا جعفر عن الجبن فقلت اخبرني ما رأى انه يجعل فيه الميتة فقال امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم جميع ما في الارض إذا علمت انه ميتة فلا تأكله وان لم تعلم فاشتر وبع .
(وما) رواه منصور بن حازم عن بكر بن حبيب قال سئل ابو عبد الله (عليه السلام )عن الجبن وانه توضع فيه الانفحة من الميتة قال لا تصلح ثم ارسل بدرهم فقال اشتر من رجل مسلم ولا تسئل عن شيء.
وملخص الكلام في هذه الروايات: ان اشتراك عبدالله بن سليمان بين ضعيف وموثق يسقط الرواية عن الحجية، اضف إلى ذلك ان المراد من الحرام فيها الانفحة كما هو المنصوص في بعض روايات الباب مع ان ضرورة فقه الامامية قاضية على حليتها وطهارتها، وبذلك يظهر الجواب عن رواية ابن عمار مضافا إلى ارسالها، فلم يبق في الباب الا صحيحة عبدالله بن سنان، فبما ان ما رواه من الكبرى موافقة مع رواية عبدالله بن سليمان التي رواه نفس عبدالله بن سنان عنه ايضا، فلا بعد لو قلنا باتحادهما حقيقة وان ما استقل به عبدالله بن سنان قطعة منها نقلها بحذف خصوصياتها، و(عليه) فيشتركان فيما ذكرناه من الوهن.
نعم يمكن دفع الوهن بان التقية، ليست في الكبرى، بل في تطبيقها على تلك الصغرى لا بمعنى ان حلية الانفحة لأجل التقية، بل بمعنى ان الكبرى لما كان امرا مسلما عند الامام، كطهارة الانفحة وحليتها على خلاف العامة القائلين بنجاستها، فببن الامام (عليه السلام )الحكم الواقعي في ظرف خاص (صورة الشبهة) بتطبيق كبرى على مورد ليس من صغرياته الزاما للخصم، وتقية منه، ونجد له في الفقه اشباها كما في صحيحة البزنطى حيث تمسك الامام على بطلان الحلف على العتق والطلاق إذا كان مكرها، بحديث الرفع، مع ان الحلف عليهما باطل من رأس سواء كان عن اكراه أو لا فتدبر، ويأتي بعض الكلام حول هذه الروايات عند البحث عن الموافقة القطعية لكنه ايضا محل اشكال لاحتمال تمسكه بالأصل لتسلمه عندهم لا عند الطائفة الثانية من الروايات: ما لا اختصاص له بأطراف العلم الاجمالي واليك بيانها:
1 - موثقة مسعدة بن صدقة: قال سمعته يقول: كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فتدعه من قبل نفسك، وذلك مثل الثوب يكون عليك ولعله سرقة أو العبد يكون عبدك ولعله حر قد باع نفسه أو قهر فبيع أو خدع فبيع أو امرئة تحتك وهي اختك أو رضيعتك إلى آخرها
2 - كل شيء مطلق حتى يرد فيه نهى.
3 - رفع عن امتى تسعة، مالا يعلمون واستكرهوا عليه ...الخ ، إلى غير ذلك من احاديث البراءة ومع ذلك كله لا يصح الاعتماد عليها في ارتكاب اطراف العلم اما الموثقة فان الظاهر من الصدر وان كان عموميته للبدئية والعلم الاجمالي ولأجل ذلك لا مناص من تخصيص الصدر بالعلم التفصيلي دفعا للإشكال المتقدم مضافا إلى ما عرفت من ان العلم بكون هذا أو هذا حراما ليس من معرفة الحرام بعينه، الا ان الاشكال تطبيق الكبرى المذكورة على ما ذكر في ذيل الحديث، فان الحل فيها مستند على امارات وقواعد متقدمة على اصالة الحل، لان اليد في الثوب امارة الملكية كما كان ان اصالة الصحة في العقد هي المحكم في المرئة واستصحاب عدم كونها رضيعة عند الشك في كونها رضيعة الي غير ذلك من قواعد مما يوهن انطباق الكبرى على الصغريات المذكورة، ولأجل ذلك لابد من صرفها عن مورد القاعدة بان يقال انها بصدد بيان الحل ولو بأمارة شرعية مع الجهل الوجداني بالواقع وكيف كان فالاستناد بها في المقام مشكل. واما احاديث البرائة، فالظاهر عدم شمولها لأطراف العلم لان المراد من العلم فيها هو الحجة اعم من العقلية والشرعية لا العلم الوجداني وقد شاع اطلاق العلم واليقين على الحجة في الاخبار كثيرا كما سيوافيك بيانه في اخبار الاستصحاب، والمفروض انه قامت الحجة في اطراف العلم على لزوم الاجتناب، على ان المنصرف أو الظاهر من قوله: مالا يعلمون كونه غير معلوم من رأس بمعنى المجهول المطلق لا ما علم وشك في انطباق المعلوم على هذا وهذا. اضف إلى ذلك ان هنا اشكالا آخر يعم جميع الروايات عمومها وخصوصها وهو ان الترخيص في اطراف العلم الاجمالي الذى ثبت الحكم فيه بالحجة، يعد عند ارتكاز العقلاء ترخيصا في المعصية وتفويتا للغرض وهذا الارتكاز وان كان على خلاف الواقع ما عرفت من انه ترخيص في مخالفة الامارة لا ترخيص في المعصية لكنه تدقيق عقلي منا، والعرف لا يقف عليه بفهمه الساذج، وهذا الارتكاز يوجب انصراف الاجبار عامة عن العلم الاجمالي المنجز، فان ردع هذا الارتكاز يحتاج إلى نصوص وتنبيه حتى يرتدع عنه، والمراد منها حينئذ اما الشبهات الغير المحصورة كما هو مورد بعض الروايات المقدمة أو غيرها مما لا يكون اذنا في ارتكاب الحرام، ويؤيد ذلك حكم الاعاظم من المتأخرين بان الترخيص في اطراف العلم اذن في ارتكاب المعصية، فان حكمهم هذا ناش من الارتكاز الصحيح، وبالجملة فالعرف لا يرتدع عن فطرته بهذه الروايات حتى يرد عليه بيان اوضح واصرح.
اضف إلى ذلك ما افاده صاحب الجواهر في باب الرباء: من ان ظاهر هذه الروايات حل الجميع ولكن لم يعمل بها الا نادر من الطائفة مضافا إلى ان روايات الحل مختصة بالشبهة الموضوعية والبحث في الاعم منها.
ثم ان الظاهر من الشيخ الاعظم (قدس سره) ان المانع عن الشمول هو لزوم تعارض الصدر والذيل في ادلة الاصول وكلامه هذا حاك على ان المانع اثباتي لا ثبوتي وقد تقدم ان كلماته مختلفة، قال في مبحث تعارض الاستصحابين: إذا لم يكن لاحد الاستصحابين مرجح فالحق التساقط دون التخيير لان العلم الاجمالي هنا بانتقاض احد الضدين يوجب خروجهما عن مدلول لا تنقض، لان قوله: لا تنقض اليقين بالشك ولكن تنقضه بيقين مثله، يدل على حرمة النقض بالشك ووجوب النقض باليقين، فإذا فرض اليقين بارتفاع الحالة السابقة في احد المستصحبين فلا يجوز ابقاء كل منهما تحت عموم حرمة النقض بالشك لانه مستلزم لطرح الحكم بنقض اليقين بمثله، ولا احدهما المعين لكونه ترجيحا بلا مرجح، ولا احدهما المخير لانه ليس من افراد العام انتهى كلامه والاشكال عليه بان الذيل غير وارد الا في بعض الروايات غير صحيح ضرورة تقديم المشتمل على خصوصية على العاري منها على ما هو مقرر في محله، (نعم) يمكن ان يورد عليه، ان المراد من اليقين وان كان الحجة على ما سيوافيك في محله من ان المراد من قوله (عليه السلام )لا تنقض اليقين بالشك أي لا تنقض الحجة باللاحجة، لكن المراد من الذيل هو العلم التفصيلي، لا الاعم منه ومن الاجمالي، لان الظاهر ان متعلق اليقين الواقع في الذيل عين ما تعلق به اليقين الاول، ولكن اليقين الاول قد تعلق بطهارة كل واحد بالخصوص كما ان الشك قد تعلق بطهارتهما كذلك، فلابد ان يحصل يقين آخر ضد اليقين الاول، ويتعلق بنجاسة واحد منهما معينا، واما اليقين في العلم الاجمالي فلم يتعلق بنجاسة اناء معين، بل بأمر مردد وجودا بين الانائين و(عليه) فالذيل غير شامل لليقين الاجمالي لعدم اتحاد متعلقي اليقينين، ويبقى المورد تحت حكم الصدر فقط ، فتدبر.
نعم يأتي في المقام ما ذكرناه من المبعدات في جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي، من كونه ترخيصا في المعصية في نظر العرف فلاحظ.
ثم ان بعض اعاظم العصر (رحمه الله) فصل في دوران الامر بين المحذورين بين اصالة الاباحة وبين الاصول التنزيلية وغيرها وجعل محذور كل واحد منها امرا غير الاخر، وقد نقلنا شطرا منه في دوران الامر بين المحذورين، وذكرنا هناك بعض المناقشات في كلامه، ومع ذلك فلا باس بنقل شطر آخر من كلامه حسب ما يرتبط بالمقام فأفاد (قدس سره): اما اصالة الاباحة في غير هذا المورد (مورد الدوران) أو مطلق الاصول في هذا المورد وفى غيره فالوجه في عدم جريانها ليس هو عدم انحفاظ الرتبة وانتفاء موضوع الحكم الظاهري بل امر آخر يختلف فيه الاصول التنزيلية مع غيره، اما غيره فالوجه هو لزوم المخالفة القطعية للتكليف المعلوم في البين، واما التنزيلية فالسر فيه هو قصور المجعول فيها عن شموله لأطراف العلم الاجمالي لان المجعول فيها هو الاخذ بأحد طرفي الشك على انه هو الواقع، وهذا المعنى من الحكم الظاهري لا يمكن جعله بالنسبة إلى جميع الافراد للعلم بانتقاض الحالة السابقة في بعض الاطراف، فالأحراز التعبدي لا يجتمع مع الاحراز الوجداني بالخلاف، ولا يمكن الحكم ببقاء الطهارة الواقعية في كل من الانائين مع العلم بنجاسة احدهما انتهى وانت إذا احطت خبرا بما ذكرناه تقف على ضعف ما افاده حول الاصول غير التنزيلية من استلزامه المخالفة القطعية للتكليف لما عرفت من ان محل البحث هو العلم بالحجة، لا العلم بالتكليف القطعي واما ما جعله وجها للمنع في الاصول التنزيلية فيرد عليه اما اولا، فلمنع كون الاستصحاب من الاصول التنزيلية، وذلك لان المجعول في الاصول التنزيلية على ما اعترف به انما هو البناء العملي والاخذ بأحد طرفي الشك على انه هو الواقع والقاء الطرف الاخر وجعل الشك كالعدم في عالم التشريع كقاعدة التجاوز حيث ان مفاد اخبارها ان الشك ليس بشيء وانما الشك إذا كان في شيء لم يجزه وفى رواية بلى قد ركعت فأمثال هذه التعابير يستفاد منها كون القاعدة من الاصول المحرزة التنزيلية بخلاف اخبار الاستصحاب فان الظاهر منها لحاظ الشك و اعتباره كما تنادى به التعابير التي فيها كقوله لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت وليس ينبغى لك ان تنقض اليقين بالشك ابدا ضرورة ان الظاهر منه ان الشك ملحوظ فيه لكنه ليس له معه نقض اليقين به ولابد عنه الشك ترتيب آثار اليقين الطريقي ومعه لا يكون من الاصول المحرزة واما ثانيا فلمنع عدم جريانه لو فرض كونه اصلا محرزا كما سيأتي بيانه.
تقريب لكون الاستصحاب اصلا محرزا ثم ان هنا وجها لكون الاستصحاب اصلا محرزا ذكرناه في الدورة السابقة ومحصله ان الكبرى المجعولة فيه تدل على حرمة نقض اليقين أي السابق بالشك عملا، ووجوب ترتيب آثار اليقين الطريقي في ظرف الشك، ولما كان اليقين الطريقي كاشفا عن الواقع كان العامل بيقينه يعمل به على انه هو الواقع لكونه منكشفا لديه فالعالم بوجوب صلاة الجمعة يأتي بها في زمن اليقين بما انه الواقع فإذا قيل له لا تنقض اليقين بالشك عملا، يكون معناه عامل معاملة اليقين ورتب آثاره في ظرف الشك، ومعنى ترتيب آثاره، ان يأتي بالمشكوك فيه في زمان الشك مبنيا على انه هو الواقع وان شئت قلت ان هذا الاصل انما اعتبر لأجل التحفظ على الواقع في ظرف الشك. وفيه ان المتيقن انما يعمل على طبق يقينه من غير توجه على انه هو الواقع توجها اسميا، يأتي بالواقع بالحمل الشايع، بلا توجه بانه معنون بهذا العنوان، (نعم) لو سئل عنه بماذا تفعل، وان ما تعمل هل هو الواقع أو لا، لأجابك بانه الواقع متبدلا توجهه الحرفي إلى الاسمى، و(عليه) فمعنى لا تنقض اليقين بالشك عملا، هو ترتيب آثار القطع الطريقي أي الترتيب آثار المتيقن، لا ترتيب آثاره على انه الواقع، واما حديث جعل الاستصحاب لأجل التحفظ على الواقع فان كان المراد منه ان جعله بلحاظ حفظ الواقع كالاحتياط في الشبهات البدئية فهو صحيح لكن لا يوجب ذلك ان يكون التعبد بالمتيقن على انه الواقع كالاحتياط فانه ايضا بلحاظ الواقع لا على ان المشتبه هو الواقع وان كان المراد منه هو التعبد على انه الواقع فهو مما لا شاهد له في الادلة، لان المراد من حرمة النقض بالشك، اما اطالة عمر اليقين (على وجه ضعيف)، أو حرمة النقض عملا أي ترتيب آثار اليقين أو المتيقن (على المختار) واما كونه بصدد بيان وجوب البناء على انه الواقع فلا ثم لو سلم كونه اصلا محرزا فما جعله مانعا من جريان الاستصحاب في الاطراف من ان معنى الاستصحاب هو الاخذ بأحد طرفي الشك وهو لا يجتمع مع العلم بانتقاض الحالة السابقة في بعضها، ليس بصحيح، لان الجمع بين الحكم الظاهري والواقع قد فرغنا عنه، كما فرغ هو (قدس سره) فهذا الاشكال ليس شيئا غير الاشكال المتوهم فيه (فعليه) فلو علمنا بوقوع نجاسة في واحد من الانائين، فالتعبد بكون كل واحد ظاهرا واقعا لا ينافى العلم الاجمالي بكون واحد منهما نجسا يقينا، لان المنافات ان رجع إلى جهة الاعتقاد وان الاعتقادين لا يجتمعان، ففيه: ان الحديث في باب الاستصحاب، حديث تعبد لا اعتقاد واقعى وهو يجتمع مع العلم بالخلاف اجمالا إذا كان للتعبد في المقام اثر عملي (لو سلم عن بقية الاشكالات من كونه ترخيصا في المعصية أو موجبا للمخالفة القطعية فان المانع عنده، (قدس سره) هو قصور المجعول لا ما ذكر) وان رجع إلى ان هذا التعبد لا يصدر من الحكيم مع العلم الوجداني ففيه ان الممتنع هو التعبد بشيء في عرض التعبد على خلافه، واما التعبد في ظرف الشك على خلاف العلم الاجمالي الوجداني فلا، وان شئت قلت: ان كل طرف من الاطراف يكون مشكوكا فيه، فيتم اركان الاستصحاب ومخالفة احد الاصلين للواقع لا يوجب عدم جريانه لولا المخالفة العملية كاستصحاب طهارة الماء ونجاسة اليد إذا غسل بالماء المشكوك الكرية، فان للشارع التعبد بوجود ما ليس بموجود، والتعبد بتفكيك المتلازمين وتلازم المنفكين، و(بالجملة) لا مانع من اجتماع الاحراز التعبدي مع الاحراز الوجداني بالضد.
ثم انه (قدس سره) لما تنبه على هذا الاشكال وان لازم كلامه (عدم جريان الاصول المحرزة في اطراف العلم الاجمالي مطلقا وان لم يلزم مخالفة عملية) هو عدم جواز التفكيك بين المتلازمين الشرعيين، كطهارة البدن وبقاء الحدث عند الوضوء بمائع مردد بين البول والماء لان استصحاب بقاء الحدث وطهارة البدن ينافي العلم الوجداني بعدم بقاء الواقع في احدهما، ومن المعلوم اتفاقهم على الجريان، اجاب عن الاشكال في آخر مبحث الاستصحاب فقال ما هذا محصله: انه فرق بين كون مفاد الاصلين متفقين على مخالفة ما يعلم تفصيلا كاستصحاب نجاسة الانائين أو طهارتهما مع العلم بانتقاض الحالة السابقة فان الاستصحابين يتوافقان في نفي ما يعلم تفصيلا، وبين مالا يلزم من التعبد بمؤدى الاصلين العلم التفصيلي بكذب ما يؤديان إليه بل يعلم اجمالا بعدم مطابقة احد الاصلين للواقع من دون ان يتوافقا في مخالفة المعلوم تفصيلا وما منعنا عن جريانه في اطراف العلم الاجمالي هو الاول دون الثاني لانه لا يمكن التعبد بالجمع بين الاستصحابين الذين يتوافقان في المؤدى مع مخالفة مؤداهما للمعلوم بالإجمال، واما لزوم التفكيك بين المتلازمين الواقعيين فلا مانع منه لان التلازم بحسب الواقع لا يلازم التلازم بحسب الظاهر انتهى .
وفيه اولا ان ما ذكره ليس فارقا بين البابين، لان جريان الاصل في هذا الاناء ليس مصادما للعلم الوجداني، وكذا جريانه في تلك الاناء ليس مصادما له ايضا.
(نعم) جريانهما في كلتيهما مخالف للعلم الاجمالي فيعلم مخالفة احدهما للواقع كما ان استصحاب طهارة البدن من الماء غير مناف للعلم واستصحاب الحدث كذلك لكن جريانهما مناف للعلم الاجمالي فيعلم بكذب احدهما، فما هو ملاك الجريان واللا جريان في البابين واحد، ومجرد توافق الاستصحابين لا يوجب الفرق مع ان توافقهما، ايضا ممنوع، فان مفاد احدهما نجاسة احد الانائين، ومفاد الاخر نجاسة الاناء الاخر، وانما توافقهما نوعي ومورد الموافقة ليس مجرى الاصل، وما هو مجراه وهو النجاسة الشخصية لا يكون موافق المضمون مع صاحبه بحيث ينافى العلم التفصيلي.
وثانيا: ان لازم ما جعله مناط الجريان وعدمه، هو جريان الاصل فيما لا يكون الاصلان متوافقي المضمون كما إذا علم بوجوب صلاة الجمعة وحرمة شرب التتن سابقا وعلم بانتقاض احدهما، وجريانه فيهما بناءا على ما ذكره من الملاك لا غبار فيه، إذ لا يلزم منه سوى ما يلزم في استصحاب الحدث وطهارة البدن إذا توضأ بمائع مردد بين الماء والبول مع انه من البعيد ان يلتزم بجريان الاصل في هذا المثال هذا كله في المخالفة القطعية واظن ان هذا المقدار كاف في تحقيق الحال وجوب الموافقة القطعية وعدمه والكلام فيها كالكلام في عديله يقع في الثبوت والاثبات :
اما الاول فقد تقدم ان العلم الجازم بوجود تكليف في البين خارج عن محط البحث وان خلط بعض محققي العصر بينه وبين العلم بالحجة و حينئذ فلو وقف على قيام الحجة بالتكليف فلا اشكال في حكم العقل بلزوم الموافقة القطعية بعد قيامها، لوجوب تحصيل المؤمن عن العقاب وهو لا يحصل الا بالموافقة القطعية، واما حكم العقل الدقيق فهو في البابين واحد يعنى لا يرى الترخيص في واحد من الاطراف أو جميعها، اذنا في المعصية، لان المفروض هو العلم بالحجة لا بالتكليف الواقعي، واما في حكم العقلاء فيمكن ابداء الفرق بين البابين، فان العقلاء لا يرون الاذن في بعض الاطراف اذنا في مخالفة الواقع وارتكاب الحرام بل اذنا في المشتبه بما هو مشتبه، وهو غير مستنكر عند العقلاء حتى يوجب انصراف الادلة أو صرفها، فلو فرض دليل على بعض الاطراف فلا موجب لرفع اليد عنه في المقام بخلاف الاذن في الاطراف عامة فانه عندهم مستنكر قبيح يرونه اذنا في المعصية كما تقدم وبذلك تعرف ان القول بكون العلم الاجمالي علة تامة أو مقتضيا بالنسبة إلى حرمة المخالفة أو وجوب الموافقة انما يصح في هذا القسم (العلم بالحجة) وعليه فلا مانع من ان يقال ان العلم الاجمالي علة تامة لحرمة المخالفة القطعية في نظر العقلاء بحيث يرى العقلاء الاذن في الاطراف ترخيصا في المعصية، لكنه مقتضى لوجوب الموافقة أي يحكم بلزومها مع عدم ورود رخصة من المولى ولا يستنكر ورودها كملا يستنكر ورودها في بعض موارد الاشتغال مع العلم التفصيلي، كالشك بعد الفراغ ومضى الوقت.
واما الكلام في الاثبات، اما ادلة البرائة كحديث الرفع والسعة فالظاهر عدم شمولها للمقام لما وافاك من ان المراد من العلم في المقام ليس العلم الوجداني بل المراد هو الحجة والمفروض ان الحجة قائمة على الحرمة، وقد تقدم انه لا يقال للرجل الذى قامت الحجة عنده، على التكليف انه ممن لا يعلم، وان شئت قلت ان هنا حجة اخرى وراء الامارة وهو حكم العقل بوجوب الاجتناب ومن هنا يعلم حال الاستصحاب.
فان المراد من اليقين الواقع في كبريات الاستصحاب هو الحجة، فمعنى قوله (عليه السلام) : لا تنقض اليقين بالشك... الخ ، لا تنقض الحجة باللا حجة، بل انقضه بحجة اخرى والمفروض حصول الغاية وهى حكم العقل بوجوب الاجتناب فلا مجرى له لتحقق الغاية ولو قيل ان الحجة في اطراف العلم قامت على الواقع في البين لا على الاطراف قلنا ان الامارة قامت على الواقع في البين وهى حجة على كل من الاطراف لو صادفت الواقع ومعه يكون كل من الاطراف من الشبهة المصداقية لأدلة الاصول بل يمكن دعوى انصراف ادلتها لاسيما ادلة الاستصحاب إلى الشك الساذج لا المقرون بالعلم الاجمالي واما موثقة مسعدة فقد تقدم انها مشتمله على امثلة ليست من صغرياتها فعلى ذلك لا يبقى للكبرى المذكورة فيها ظهور في كونها ضابطا فقهيا مطردا في الابواب، واما روايات الحل فقد عرفت ان غير صحيحة عبدالله بن سنان مخدوش من حيث السند، بل لا يبعد ورودها في الشبهة الغير المحصورة كما يشهد به بعضها واما الصحيحة فظاهرها حل ما اختلط الحلال بالحرام جميعا، ولو رفع اليد عنه لكون مفاده غير معمول به فلا يبقى لها مفاد بالنسبة إلى الترخيص في بعض الاطراف، واما تقريب دلالتها على الترخيص في بعض الاطراف ببيان ان لها عموم افرادي واطلاق أحوالي بالنسبة إلى حال ترك الاخر وفعله فيقتصر في التقييد على القدر المتيقن فيصير النتيجة هي الترخيص في احدهما، فغير صحيح جدا، لان هذا التقريب انما يجرى (كما سيوافيك بيانه) في قوله (عليه السلام )كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام بعينه لا في المقام لان مصاديق العموم الإفرادي في الصحيحة انما هو كل مختلط أي كل فرد فرد من افراد الاجتماع الذى فيه الحلال والحرام، واما اطراف المعلوم بالإجمال، فليس في كل واحد منها الحلال والحرام، فموضوع الحكم فيها هو كل مختلط، فجعل الحل لها واطلاقها الا حوالي يقتضى الحلية في كل مختلط، ارتكب المختلط الاخر اولا، ومقتضى التقييد هو الاجازة في المخالفة القطعية في بعض المصاديق حال ترك البعض وهو خلاف المقصود، واما بالنسبة إلى اجزاء كل مختلط فلا حكم مستقلا حتى يؤخذ بأطلاقه بل حكم واحد مجعول لكل مجتمع فيه الحلال والحرام والاجزاء محكوم بهذا الحكم الوحداني، فلا معنى للإطلاق المتقدم فيها. ثم انه على القول بعدم انصراف ادلة الاصول عن العلم الاجمالي وقع الكلام في كيفية استفادة الترخيص عن ادلة العامة في بعض الاطراف، وقد قيل في بيانها وجوه ربما اعتمد عليها المشايخ العظام واليك بيانها واجوبتها تقريبات من المشايخ العظام الاول - ما نقله شيخنا العلامة (اعلى الله مقامه) ان مقتضى عموم الادلة، الترخيص في كل من الاطراف غاية ما هنا وجوب التخصيص بحكم العقل بمقدار يلزم منه الاذن في المعصية وحيث لا ترجيح لإخراج واحد معين من عموم الادلة نحكم بخروج البعض لا بعينه وبقاء الباقي كذلك حفظا لأصالة العموم فيما لم يدل دليل على التخصيص واورد عليه شيخنا العلامة اعلى الله مقامه: ان البعض الغير المعين لا يكون موضوعا للعام من اول الامر حتى يحفظ العموم بالنسبة إليه لان موضوعه هو المعينات فالحكم بالترخيص في المبهم يحتاج إلى دليل آخر. الثاني: ما نقله ايضا واوضحه هو (قدس سره) وبما انه مذكور بطوله في كتابه الشريف فليرجع إليه من شاء، وان اوضحناه في الدورة السابقة.
الثالث: ما افاده بعض محشي الفرائد واوضحه عدة من المشايخ منهم شيخنا العلامة وبعض اعاظم العصر (قدس الله ارواحهم) وملخصه ان نسبة ادلة الاصول إلى كل واحد من الاطراف وان كانت على حد سواء لكن لا يقتضى ذلك سقوطها عن جميع الاطراف توضيحه: ان الادلة المرخصة كما يكون لها عموم افرادي بالنسبة إلى كل مشتبه كذلك يكون لهما اطلاق أحوالي بالنسبة إلى حالات المشتبه فكل مشتبه مأذون فيه اتى المكلف بالآخر أو تركه، وانما يقع التزاحم بين اطلاقهما لا اصلهما فان الترخيص في كل واحد منهما في حال ترك الاخر ممالا مانع منه، فالمخالفة العملية انما نشأت من اطلاق الحجية فلابد من رفع اليد عن اطلاقهما لا اصلهما، فتصير النتيجة الاذن في كل واحد مشروطا بترك الاخر، وهذا مساوق للترخيص التخييري، وهذا نظير باب التزاحم وحجية الامارات على السببية و(فيه) ما قد عرفت ان ما يصح الاعتماد به من الادلة انما هو صحيحة عبدالله بن سنان، واما الباقي فقد عرفت فيه الضعف في السند أو في الدلالة، واما الصحيحة فقد تقدم ان الموضوع فيها غير الموضوع في قوله (عليه السلام )كل شيء حلال حتى تعلم انه حرام بعينه فان الموضوع في الثاني انما هو كل فرد فرد أو كل جزء جزء فيقال في الحرام المختلط بالحلال بحلية كل جزء فلو صح ما ذكر من التقريب لصح تقييده بما ذكر من ترك الاخر، واما الصحيحة فما هو الموضوع ليس الا كون الشيء فيه الحلال والحرام بالفعل وهو ليس الا مجموع المختلط، والضمير في قوله (منه) راجع إلى الشيء المقيد بان فيه الحلال والحرام و(بالجملة) فالموضوع في غير الصحيحة هو كل جزء جزء مستقلا، واما فيها فليس كل جزء محكوما بالحلية بالاستقلال بل الموضوع هو نفس المجموع بما هو هو، فلو صح الاطلاق فيها فلابد ان يكون مصبه ما هو الموضوع بان يقال ان هذا المختلط محكوم بالحلية سواء كان المختلط الاخر محكوما بها أو لا فلو قيد بحكم العقل يصير نتيجة التقييد هو حلية هذا المختلط عند ترك المختلط الاخر وهو خلاف المطلوب، ولا يصح ان يقال: ان هذا الجزء محكوم بالحلية سواء كان الجزء الاخر محكوما أو لا حتى يصير نتيجة التقييد بحكم العقل ما ادعى من جواز ارتكاب هذا الجزء عند ترك الاخر، لان الجزء ليس محكوما بحكم حتى يقع مصب الاطلاق والتقييد ولو صح جريان الصحيحة في الانائين المشتبهين، فالمحكوم بالحلية انما هو الكل، لا كل واحد منهما، حتى يؤخذ بأطلاقه الاحوالي ويقيد بمقدار ما دل عليه حكم العقل مضافا إلى ان في اطلاق الادلة بنحو ما ذكر كلاما واشكالا واشكالا ثم ان بعض اعاظم العصر قد اجاب عنه بكلام طويل ونحن نذكر خلاصة مرماه فنقول قال (قدس سره) ان الموارد التي نقول فيها بالتخيير مع عدم قيام دليل عليه بالخصوص لا تخلو عن احد امرين اما لاقتضاء الدليل الدال على الحكم، التخيير في العمل، واما اقتضاء المنكشف والمدلول ذلك وان كان الدليل يقتضى التعيينية فمن الاول ما إذا ورد عام كقوله: اكرم العلماء وعلم بخروج زيد وعمرو عن العام وشك في ان خروجهما هل هو على وجه طلاق، أو ان خروج كل واحد مشروط بحال الاكرام الآخر بحيث يلزم من خروج احدهما دخول الاخر فيدور الامر بين كون المخصص أفراديا وأحواليا، أو أحواليا فقط فلابد من القول بالتخيير، وانما نشأ ذلك من اجتماع دليل العام واجمال المخصص ووجوب الاقتصار على القدر المتيقن في التخصيص وليس التخيير لأجل اقتضاء المجعول بل المجعول في كل من العام والخاص هو الحكم التعييني، والتخيير نشأ من ناحية الدليل لا المدلول، ومن الثاني ما إذا تزاحم الواجبان في مقام الامتثال لعدم القدرة على الجمع بينهما فان التخيير في باب التزاحم انما هو لأجل ان المجعول في باب التكاليف معنى يقتضى التخيير لاعتبار القدرة في امتثالها، والمفروض حصول القدرة على امتثال كل من المتزاحمين عند ترك الاخر وحيث لا ترجيح في البين وكل تكليف يستدعى نفى الموانع عن متعلقه، وحفظ القدرة عليه، فالعقل يستقل حينئذ بصرف القدرة في احدهما تخييرا، اما لأجل تقييد التكليف في كل منهما بحال عدم امتثال الاخر، واما لأجل سقوط التكليفين واستكشاف العقل حكما تخييريا لوجود الملاك التام (واما الاصول) فلا شاهد على التخيير فيها إذا تعارضت، لا من ناحية الدليل فان دليل اعتبار كل اصل انما يقتضى جريانه عينا سواء عارضه اصل آخر أو لا، ولا من ناحية المدلول فلان المجعول فيها ليس الا الحكم بتطبيق العمل على مؤدى الاصل مع انحفاظ رتبة الحكم الظاهري باجتماع القيود الثلاثة، وهى الجهل بالواقع، وامكان الحكم على المؤدى بانه الواقع، وعدم لزوم المخالفة العملية، وحيث انه يلزم من جريان الاصول في اطراف العلم الاجمالي مخالفة عملية فلا يمكن جعلها جميعا، وكون المجعول احدها تخييرا وان كان ممكنا الا انه لا دليل عليه انتهى كلامه وفيه مواقع للنظر نذكر مهماتها الاول ما افاده من ان التخيير في الصورة الاولى من ناحية الكاشف لا المنكشف، قائلا بان المجعول في كل من العام والخاص هو الحكم التعييني ليس في محله، إذ لو كان المجعول في المخصص امرا تعيينيا، لم يبق مجال للشك، بان المفروض ان زيدا وعمروا قد خرجا عن تحت العام بنحو التعيين فلا وجه للشك ولا مناص الا ان يقال ان الباعث للشك هو احتمال كون المجعول في المخصص امرا ينطبق على التخيير، بان يتردد المجعول بين خروج كل فرد مستقلا، أو خروج كل واحد مشروطا بعدم خروج الاخر (على مبناه في الواجب التخييري وبما ان العام حجة في افراد العام واحواله، فلازم ذلك، الاكتفاء بما هو القدر المتيقن اعني خروج كل عند عدم خروج الاخر، والحاصل ان الموجب للتخيير انما هو دوران الامر في المخصص بين التعيين والتخيير أي خروج الفردين مطلقا أو خروج كل منهما مشروطا بدخول الاخر، والثاني هو القدر المتيقن من التصرف في العام نعم لو علمنا بخروج زيد وتردد بين كونه زيد بن عمرو أو زيد بن بكر، نحكم بالتخيير لا من جهة الكاشف ولا المنكشف بل من جهة حكم العقل به الثاني ان جعل التخيير بين المتزاحمين في الصورة الثانية من ناحية المجعول غير صحيح بل التخيير من ناحية الكاشف والدليل، ضرورة ان المجعول في المتزاحمين هو التعيين لتعلق الارادة بكل واحد كذلك غير ان عجز العبد عن القيام بكلتا الوظيفتين اوجب حكم العقل بالتخيير لملاحظة ان العام له اطلاق أحوالي، وكون المكلف عاجزا عن القيام بكلا المتزاحمين يوجب الاقتصار على القدر المتيقن في التصرف فيه، فالتخيير نشأ من اطلاق الدليل وعدم الدليل على التصرف فيه، الا بمقدار يحكم العقل بامتناع العمل بالعام وهو الاخذ بالإطلاق الاحوالي في كلا الفردين فلابد من التصرف فيه من تلك الجهة وما افاده: من ان الاحكام متقيدة بالقدرة، فان اريد منه تقييدها بالقدرة شرعا حتى يصير عامة الواجبات تكليفا مشروطا فهو كما ترى، وان اريد ان التنجز انما هو في ظرف القدرة كما ان تبعاته من الثواب والعقاب في هذا الظرف فهو متين، غير ان ذلك لا يوجب ان يكون المجعول في رتبة الجعل امرا تخييريا ضرورة ان المقنن، لا نظر له إلى مقام الامتثال، بل هو امر خارج عن حيطة الشارع المقنن، بل هو من الامور التي زمامها بيد العقل، ولو فرض ورود خطاب من الشارع في مقام الامتثال فهو خطاب لا بما هو مشرع، بل يتكلم من جانب العقلاء مع قطع النظر عن كونه مشرعا ومقننا وبالجملة:
لا فرق بين الصورة الاولى والثانية الا من ناحية المخصص فان المخصص في الاولى دليل لفظي مجمل دائر بين الاقل والاكثر، وفى الثانية عقلي يحكم بخروج القدر المتيقن من العام (نعم) لو بنينا على ان التكليفين يسقطان معا ويستكشف العقل لأجل الملاك التام حكما تخييريا يمكن ان يقال: ان التخيير بينهما انما يكون لأجل المدلول لا الدليل على اشكال فيه لكنه على خلاف مسلكه.
الثالث: ان لنا ان نقول ان التخيير بين الاصلين المتعارضين من مقتضيات الدليل والكاشف، ومن مقتضيات المنكشف والمدلول (اما الاول): فبان يقال ان قوله (عليه السلام )كل شيء فيه حلال وحرام... الخ ، يدل على حلية كل مشتبه، وله عموم افرادي واطلاق أحوالي ولكن الاذن في حلية كل واحد يوجب الاذن في المعصية والترخيص في مخالفة المولى، وبما ان الموجب لذلك هو اطلاق دليل الاصلين لا عمومه فيقتصر في مقام العلاج إلى تقييده وهو حلية ذاك عند عدم حلية الاخر حتى لا يلزم خروج كل فرد على نحو الاطلاق، فيكون مرجع الشك إلى الجهل بمقدار الخارج، فالعموم حجة حتى يجيئ الامر البين على خلافه و(الحاصل) كما ان الموجب للتخيير في الصورة الاولى هو اجتماع دليل العام واجمال دليل الخاص بضميمة وجوب الاقتصار على القدر المتيقن في التخصيص، كذلك اجتماع دليل الاصول مع لزوم التخصيص (حذرا من المخالفة العملية) ودورانه بين خروج الفردين مطلقا وفى جميع الاحوال أو خروج كل منهما في حال عدم ارتكاب الاخر، موجب للتخيير في المقام، بل ما نحن فيه اولى منه لان المخصص هنا عقلي والعقل يحكم بان ما يوجب الامتناع هو اطلاق الدليل لا عمومه الا فرادى فليس المخصص (حكم العقل) مجملا دائرا بين الاقل والاكثر كما في المثال، فيحكم العقل حكما باتا بان ملاك التصرف في ادلة الحلية ليس الا تقييد الاطلاق لا تخصيص الافراد.
واما الثاني فلان الحلية المستفادة من ادلة الاصول مقيدة بكون المكلف قادرا حسب التشريع أي عدم استلزامه المخالفة العملية والترخيص في المعصية وان شئت قلت: مقيدة عقلا بعدم استلزامها الاذن في المعصية القطعية فحينئذ يجرى فيه ما ذكره (قدس سره) طابق النعل بالنعل من ان كل واحد من المتعارضين يقتضى صرف قدرة المكلف في متعلقه، ونفى الموانع عن وجوده، فلما لم يكن للعبد الا صرف قدرته في واحد منهما فيقع التعارض بينهما فحينئذ فاما ان نقول بسقوط التكليفين واستكشاف العقل تكليفا تخييريا أو نقول بتقييد اطلاق كل منهما بحال امتثال الاخر، فيكون حال الاصول المتعارضة حال المتزاحمين حرفا بحرف.
هذا حال ما افاده الاعلام وقد طوينا الكلام عن بعض الوجوه روما للاختصار وقد عرفت التحقيق في جريان الاصول في اطراف العلم كلا أو بعضا فراجع ثم انه يظهر من الشيخ الأنصاري وتبعه بعض آخر بان الترخيص في بعض الاطراف يرجع في الحقيقة إلى جعل الطرف الاخر بدلا عن الواقع وهذا بمكان من الغرابة لعدم ملاك البدلية في الطرف بوجه فلو كان الطرف مباحا فليس في تركه ملاك البدلية حتى يكون بدلا عنه واسوء منه لو كان الطرف مستحبا في الشبهة التحريمية أو مكروها في الشبهة الوجوبية وليس لترخيص الشارع سببية لحصول الملاك لاسيما بالنسبة إلى الطرف الاخر والتحقيق ان الترخيص على فرضه انما هو لمصلحة التسهيل أو مفسدة التضييق من غير تغيير في الواقعيات بوجه فهو راجع إلى الغمض عن التكليف الواقعي على بعض الفروض لأغراض اهم من حفظ الواقع في هذا الحال.
في تنجيز العلم الاجمالي في التدريجيات ثم ان التحقيق في منجزية العلم الاجمالي وساير ما يقع الكلام فيه عدم الفرق بين كون الاطراف حاصلا فعلا وبين التدريجيات في عمود الزمان كان التكليف مطلقا أو معلقا أو مشروطا اما في الاولين فواضح لعدم الفرق لدى العقل بين حرمة مخالفة المولى قطعا أو احتمالا في ارتكاب الاطراف المحققة فعلا أو في ارتكابها مع تحققها تدريجا فلو علم بحرمة شيء عليه اما في الحال أو في زمان مستقبل يحكم العقل بوجوب تركها في كلا الحالين فالتكليف الواقعي منجز عليه بل وكذا الامر في الواجب المشروط فانه مع العلم بتحقق شرطه في محله كالواجب المطلق من هذه الحيثية فتدبر.
وينبغي التنبيه على امور :
الاول: فيما إذا اضطر إلى احد الاطراف.
اعلم: انه يشترط في تنجيز العلم الاجمالي كونه متعلقا بتكليف فعلى صالح للاحتجاج في أي طرف اتفق وجود المعلوم بالإجمال ولأجل ذلك لو دار امر المعلوم بالإجمال بين كونه فعليا إذا كان في طرف وانشائيا في طرف آخر أو غير صالح للاحتجاج به، لما يوجب تنجيزا اصلا: ولهذا يقع البحث في تنجزه إذا كان المكلف مضطرا إلى بعض الاطراف ولابد من بيان اقسامه ثم توضيح احكامها فنقول: قد يكون الاضطرار قبل تعلق التكليف بأحدها وقبل تعلق العلم به، واخرى يكون بعد تعلقه وقبل العلم به، وثالثة بعد تعلق التكليف والعلم به، ورابعة يكون مقارنا لهما أو لاحدهما، وخامسة بعد العلم بالخطاب وقبل تنجز التكليف، كما في العلم بواجب مشروط قبل حصول شرطه ثم حصل الاضطرار إلى بعض الاطراف، ثم تحقق الشرط، وعلى التقادير الخمسة قد يكون الاضطرار إلى احدها المعين واخرى إلى غيره، وعلى جميع التقادير قد يكون الاضطرار عقليا، ونتكلم فيه مع قطع النظر عن حديث الرفع وقد يكون عاديا مشمولا للحديث ونتكلم مع النظر إليه والمفروض في جميع التقادير ما إذا كان الاضطرار بمقدار المعلوم أو الزائد منه والا فلا تأثير له في سقوط العلم عن التأثير، فلنذكر من تلك الاقسام ما هو الاهم حكما والزم بيانا وتوضيحا فنقول: منها انه لو كان الاضطرار إلى بعض الاطراف معينا قبل تعلق التكليف أو بعده وقبل العلم به فلا اشكال في عدم وجوب الاجتناب عن الاخر سواء كان الاضطرار عقليا أو عاديا، اما على مسلك المشهور من ان الاعذار العقلية أو الشرعية يوجب سقوط الاحكام عن الفعلية فواضح، لان العلم بتكليف دائر امره بين كونه انشائيا لو صادف مورد الاضطرار، وفعليا لو كان في الطرف الاخر، لا يوجب علما بالتكليف الفعلي على أي تقدير فلا معنى للتنجيز واما على المختار في باب الاعذار من بقاء الاحكام على فعلياتها (كان المكلف عاجزا أو قادرا مختارا كان أو مضطرا) من دون ان يكون الاضطرار موجبا لتحديد التكليف وتقييد فعليته غاية الامر يكون المكلف معذورا في ترك الواجب أو ارتكاب الحرام (ولأجل ذلك قلنا بلزوم الاحتياط عند الشك في القدرة إلى ان يقف على عذر مسلم) - فيمكن القول بلزوم الاجتناب عن الطرف الاخر لحصول العلم بالتكليف الفعلي بعد الاضطرار، والمفروض عدم ارتفاعه بحدوث الاضطرار، فلو كان الخمر في ذاك الطرف غير المضطر إليه، لزم الاجتناب عنه قطعا، فارتكاب عامة الاطراف مخالفة عملية بلا عذر للتكليف على فرض وجوده في ذاك الطرف، فيجب الاجتناب عنه مقدمة وان شئت نزلت المقام بما لو علم العبد بالتكليف الفعلي وشك في قدرته، وقد تقدم انه ليس معذورا في ذلك بل لابد من العلم بالعذر وليس له الاكتفاء بالشك مع العلم بالتكليف الفعلي، ومثله المقام فان العلم الاجمالي قد تعلق بالتكليف الفعلي، والمكلف شاك في كونه مضطرا إلى الاتيان بمتعلق التكليف فيكون من قبيل الشك في القدرة فيجب له الاحتياط من غير فرق في ذلك بين العلم التفصيلي والاجمالي.
ولكن الانصاف وضوح الفرق بين المقامين، فان التكليف هناك قطعي، والشك في وجود العذر، واما المقام فالتكليف وان كان محققا الا ان العذر مقطوع الوجود.
(توضيحه): ان المكلف بعدما وقف على التكليف الفعلي أي غير المقيد بالقدرة يجب له الاحتياط وترك المساهلة حتى يجيب امر المولى بامتثال قطعي، أو عذر كذلك، فلو اجاب امر المولى بالشك في القدرة فقد اجابه بما يشك كونه عذرا عند العقل والعقلاء و(هذا) بخلاف المقام فان العذر وهو الاضطرار حاصل في المقام قطعا و(ما اسمعناك) من الاضطرار عذر في الطرف المضطر إليه، دون الطرف الاخر وان مرجع ذلك إلى الشك في العذرية لان التكليف لو كان في الطرف المضطر إليه فهو عذر قطعا ولو كان في الطرف الاخر فهو غير معذور قطعا، فالشك في ان الحرام في أي الطرفين يلازم الشك في وجود العذر في ذلك الطرف (مدفوع) بما عرفت في صدر المسألة من ان الميزان في تنجيز العلم الاجمالي ان يتعلق العلم بشيء لو تعلق به العلم التفصيلي لتنجز عليه التكليف، فلو تعلق العلم الاجمالي على امر مردد بين الإنشائي والفعلي، فلا يكون منجزا واما المقام فمتعلق العلم وان كان حكما فعليا، الا ان مجرد كونه فعليا لا يثمر، بل لابد ان يتعلق بحكم فعلى صالح للاحتجاج مطلقا عند العقلاء وهذا القيد مفقود في المقام حيث انه لم يتعلق بما هو صالح له مطلقا بحيث لو ارتفع الاجمال لتنجز التكليف بل هو صالح للاحتجاج على وجه، وغير صالح على وجه آخر ومرجعه إلى عدم العلم بالصالح مطلقا ومعه لا يوجب تنجيزا اصلا وان شئت قلت: فرق واضح بين الشك في القدرة أو الاضطرار مع العلم بالتكليف وبين العلم بالعجز أو الاضطرار مع الشك في انطباقه على مورد التكليف أو غيره فان العلم بالعجز والاضطرار يكون عذرا وجدانيا فلم يتعلق علم العبد بتكليف فعلى لا يكون معذورا فيه، ولكن الشك في العجز لا يكون عذرا عند العقلاء مع فعلية التكليف وهذا هو الفارق بين البابين. منها: إذا اضطر إلى المعين مقارنا لحصول التكليف أو العلم به فلا تأثير ايضا، لان العلم الاجمالي المقارن للعذر لا يمكن ان يصير حجة وان شئت قلت بعد عدم العلم بتكليف فعلى على مبنى القوم وعدم العلم بتكليف فعلى صالح للاحتجاج على ما حققنا لا وجه للتنجيز.
منها انه لو حصل الاضطرار بعد العلم بالتكليف، كما إذا اضطر إلى احد الانائين معينا بعد العلم بنجاسة احدهما فلا اشكال في لزوم الاجتناب، ولا يقاس بالصورة الاولى، حيث ان التكليف الفعلي الصالح للاحتجاج لم يكن موجودا فيها من اول ثم شك في حصوله واما المقام فقد تعلق العلم بتكليف صالح للاحتجاج قبل حدوث الاضطرار، والاجتناب عن غير مورد الاضطرار انما هو من آثار ذلك العلم، و(بالجملة) هذا العلم كان علة تامة لوجوب الموافقة القطعية بالاجتناب من الطرفين فإذا حدث الاضطرار وارتفع حكم العقل في واحد من الطرفين لاجله بقى حكمه بوجوب الموافقة الاحتمالية فالحكم بلزوم الاجتناب عن الباقي انما هو من آثار ذلك العلم المتقدم فالاضطرار إلى واحد من الطرفين كإراقته أو مخالفته في ذاك الطرف بشربه وارتكابه، كما لا يوجب هذان جواز ارتكاب الطرف الاخر فهكذا الاضطرار في هذه الصورة، وان شئت قلت: ان الاضطرار لا يكون عذرا الا بمقداره والاشتغال اليقيني يقتضى البرائة اليقينية، ومع عدم امكانها يحكم العقل بلزوم الموافقة الاحتمالية، واما ما افاده المحقق الخراساني من ان الاضطرار من قيود التكليف وحدوده فيرتفع عند الوصول إلى حده فيوافيك بيانه ونقده فانتظر ومما ذكرنا يظهر حال الواجب المشروط لو تعلق العلم به قبل تحقق شرطه واضطر إليه قبل حصوله، فانه ان قلنا بان الواجب المشروط قبل تحقق شرطه لم يكن حكما فعليا، يكون حاله حال الاضطرار قبل العلم بالتكليف، وان قلنا بانه تكليف فعلى وان الشرط قيد للمادة أو ظرف لتعلق التكليف يكون حاله حال الاضطرار بعد العلم منها: إذا اضطر إلى غير المعين فالتحقيق وجوب الاجتناب مطلقا عن الطرف الاخر لعدم الاضطرار إلى مخالفة التكليف الواقعي، بل ما تعلق به الاضطرار غير ما تعلق به التكليف، بخلاف ما إذا اضطر إلى مخالفة واحد من الاطراف معينا (توضيحه) ان متعلق التكليف عند الاضطرار إلى الواحد المعين يحتمل ان يكون عين ما تعلق به التكليف ومع هذا الاحتمال لا يبقى علم بالتكليف المنجز الصالح للاحتجاج بل الامر يدور بين التكليف الصالح له، وغير الصالح له، ومرجع ذلك إلى الشك في التكليف واما المقام فالمفروض ان الاضطرار لم يتعلق بواحد معين حتى يكون مضطرا في ارتكابه ولا يمكن له العدول إلى غيره، وان فرضنا انكشاف الواقع، بل متعلق الاضطرار انما هو احدى الانائين بحيث لو كشف الواقع عليه يجب العدول إلى غير المحرم، لكون الاخر غير المحرم يندفع به الاضطرار بلا محذور و(عليه) فمتعلق الاضطرار في نفس الامر غير ما تعلق به التكليف، وهذا بخلاف الاضطرار إلى المعين. وبالجملة: ما هو متعلق التكليف غير ما اضطر إليه وان كان ربما ينطبق عليه الا انه من آثار الجهل لا الاضطرار بحيث لو ارتفع الجهل لما وقع في ارتكابه اصلا وهذا بخلاف الاضطرار إلى المعين إذ لو تبين كونه خمرا لما كان له مناص عن ارتكابه، (وعليه) فلابد من التفكيك أي تفكيك ما هو من لوازم الجهل، وما هو من لوازم الاضطرار فشرب الخمر عند الاضطرار إلى الواحد المعين لو صادف المحرم من آثار الاضطرار إليه، كما ان شربها عند الاضطرار إلى غير المعين من آثار الجهل، لإمكان دفعه بالأناء الاخر و(بما ذكرنا) يندفع ما ربما يقال من انه لو اختار ما هو الخمر واقعا مع الجهل كشف ذلك كون متعلق الاضطرار في نفس الامر هو متعلق الحرمة، (وجه الاندفاع) ان ما ذكر راجع إلى مقام الامتثال واختيار ما هو الخمر واقعا لا يوجب تعلق الاضطرار به واقعا وقد عرفت ان متعلقه انما هو واقع احدهما لا بعينه.
وبتقريب آخر (وقد مر توضيحه عند الاضطرار إلى الواحد المعين بعد تنجز التكليف) ان العلم علة تامة لوجوب الموافقة القطعية ومع عدم امكانها يحكم بوجوب الموافقة الاحتمالية ولذا لا يجوز شرب الاناء الاخرى عند اراقة احدهما أو شربها عمدا، حفظا لأثار العلم فلا يرفع اليد الا بمقدار الاضطرار، والشك في فعلية التكليف بعد اختيار واحد من الاطراف لإمكان كون المأتى به مورد الاضطرار، كالشك الحاصل بعد فقد احدهما أو ارتكابه بلا اضطرار، فالعلم الاجمالي بعد الاضطرار صالح للاحتجاج بالنسبة إلى الموافقة الاحتمالية كان الاضطرار سابقا أو مسبوقا. مختار المحقق الخراساني في الكتاب وهامشه ان المحقق الخراساني رحمه الله اختار سقوط العلم عن التأثير مطلقا معللا بان جواز ارتكاب احد الاطراف أو تركه تعيينا أو تخييرا ينافى العلم بحرمة المعلوم أو بوجوبه بينهما فعلا ونفى (قدس سره) الفرق بين سبق الاضطرار على العلم ولحوقه معللا بان التكليف المعلوم بينهما يكون محدودا بعدم عروض الاضطرار إلى متعلقه من اول الامر، وبهذا فرق بين فقد بعض الاطراف بعد تعلق العلم والاضطرار إليه بعده حيث اوجب الاحتياط في الاول دون الثاني، ثم انه رجع عما ذكره في هامش الكتاب وفصل بين الاضطرار إلى احدهما لا بعينه والاضطرار إلى المعين واوجب الاحتياط في الثاني دون الاول معللا بان العلم الاجمالي بالتكليف الفعلي المحدود في هذا الطرف أو المطلق في الطرف الاخر يكون منجزا، واما إذا عرض الاضطرار إلى احدهما لا بعينه فانه يمنع عن فعلية التكليف مطلقا انتهى ملخصا وفيه مواقع للنظر: (منها): منع كون الاضطرار العقلي من حدود التكاليف وقيوده، فان الاضطرار العقلي بمعنى عجز المكلف عن القيام بوظائفه يوجب معذورية المكلف بترك المأمور به فلا يكون للمولى حجة عليه بل له الحجة عليه، وهذا امر آخر غير محدودية التكليف وتقيده وان اراد الاضطرار العرفي الذى إليه مآل حديث الرفع فهو وان كان من حدوده الشرعية الا انك قد عرفت ان ما هو متعلق التكليف عند الاضطرار، إلى غير المعين غير ما هو متعلق الاضطرار ولا مصادمة بين حديث الرفع وادلة التكاليف لعدم عروض الاضطرار إلى متعلق التكليف.
منها: ان التفريق بين فقد المكلف به، عروض الاضطرار فيما نحن فيه لا يرجع إلى محصل، فان الكبريات الكلية انما تحتج بها عند وجود موضوعاتها ولا يصح ان يحتج بالكبرى على الصغرى، و(عليه) فلو فقد بعض الاطراف قبل حدوث العلم الاجمالي.
ثم علم اجمالا بان الخمر اما هو المفقود واما هو الموجود، فلا يؤثر العلم اصلا، نظير الاضطرار إلى المعين قبل حدوث العلم ولو فقد بعض الاطراف بعد حدوث العلم، يكون العلم حجة على الطرف الموجود، لأجل احتمال انطباق التكليف المنجز سابقا عليه، وهذا التفصيل يجئ بعينه عند الاضطرار إلى المعين.
ومنها: ان ما اختاره من عدم وجوب الاجتناب عن الطرف الاخر عند الاضطرار إلى غير المعين قائلا بمنافاته مع التكليف في البين، غير صحيح إذ لا مزاحمة بينهما كما عرفت، وكون مختار المكلف منطبقا على المحرم الواقعي احيانا، لا يوجب كون التكاليف الواقعية متقيدا باختيار المكلف وعدمه و(عليه) فلا مانع من ان يرخص في احدهما لا بعينه، ويحرم الخمر الواقعي لتبائن المتعلقين في مقام الانشاء ورتبة التكاليف، الا ترى انه لو وقف المكلف في مقام دفع الاضطرار على الخمر الواقعي لوجب عليه دفع الاضطرار بغير مورد التكليف وهذا اوضح دليل على عدم المزاحمة في رتبة التكليف وكان الاليق عدوله إلى ما ذكرنا في هامش الكفاية كمالا يخفى.
التنبيه الثاني : قد استقر آراء جل المتأخرين من اهل التحقيق على عدم لزوم الاجتناب عن الاطراف إذا خرج بعضها عن محل الابتلاء في الجملة، و(توضيحه) ان الامر والنهي لداعى البحث والزجر، ولاجل ذلك يتوقف صحة البحث والزجر على تحقق امور:
الاول كون المكلف قادرا على الامتثال فان خطاب غير القادر امر قبيح بل لا ينقدح الارادة الجدية في لوح النفس وهو من الوضوح بمكان.
الثاني: ان يكون مورد التكليف مورد الابتلاء نوعا، بحيث لا يعد من المحالات النوعية، حتى لا يكون البعث إليه، والزجر عنه لغوا كجعل الحرمة للخمر الموجود في احدى الكرات السماوية، التي كان يعد من المحالات العادية، ابتلاء المكلف بها والحاصل ان التكاليف انما تتوجه إلى المكلفين لأجل ايجاد الداعي إلى الفعل أو الترك فما لا يمكن عادة تركها لا مجال لتعلق التكليف به فالنهى المطلق عن شرب الخمر الموجود في اقاصي بلاد المغرب أو ترك وطي جارية سلطان الصين يكون مستهجنا فإذا كان هذا حال خطاب التفصيلي فالحال في الاجمالي منه واضح جدا .
الثالث: ان لا يكون الدواعي عنه مصروفة نوعا، كالنهي عن عض رأس الشجرة وفوق المنارة كما مثل بهما سيد المحققين السيد محمد الفشاركي على ما حكاه عنه شيخنا العلامة اعلى الله مقامه، فانك لا تجد احدا احس امرا، وعرف يمينه عن يساره يفعل هذا حسب العادة النوعية، ولا يبعد شمول عنوان المبحث لهذا الشرط ايضا فان مرادهم من الخروج عن محل الابتلاء بمورد التكليف اعم مما لا يكون غير مقدورة عادة أو يرغب عنه الناس ويكون الدواعي مصروفة عنها، والميزان في كل الموارد هو استهجان الخطاب عند العقلاء وان شئت قلت: ان الغرض من الامر والنهي ليس الا حصول ما اشتمل على المصلحة أو عدم حصول ما اشتمل على المفسدة، ومع عدم التمكن العادي على الترك أو الفعل أو صرف الدواعي عن الارتكاب لا تكاد تفوت المصلحة أو تحصل المفسدة فلا موجب للتكليف بل لا يصح لاستهجانه.
واما ما افاده بعض اعاظم العصر (قدس سره) من التفصيل بين عدم القدرة العادية وعدم الارادة عادة بتقريب ان القدرة من شرائط حسن الخطاب ولابد من اخذها قيدا في التكليف واما ارادة الفعل فليس لها دخل في حسن الخطاب، ولا يعقل اخذها قيدا فيه وجودا وعدما، لانه من الانقسامات اللاحقة للتكليف، فلا يخلو من اشكال فان التفريق بين عدم القدرة العقلية أو العادية ووجود الداعي الطبيعي إلى العمل أو الانزجار الفطري عنه، بعدم صحة الخطاب في الاولين، والصحة في الاخرين في غاية الغرابة، فان خطاب من يريد الفعل طبعا أو يترك الشيء مستهجن، لعدم الملاك لإظهار الارادة، كخطاب من لا يقدر، فكمالا يصح النهى عن فعل غير مقدور عادة كذلك يقبح النهى عن شيء لا ينقدح في الاذهان احتمال ارتكابه، كالنهي عن كشف العورة بين الناس موجها ذلك الخطاب إلى صاحب المروة والنهي عن اكل القاذورات واما ما عن بعض الاعيان المحققين (قدس سره) من كفاية الامكان الذاتي أو الامكان الوقوعي في صحة الخطاب وهذا تمام الملاك لصحة الخطاب.
و(عليه) يصح الخطاب في موارد الابتلاء وعدمه ضعيف فان كفاية الامكان الذاتي في هذا الباب غريب، فان خطاب من لا ينبعث عن امر المولى خطابا حقيقيا مستهجن جدا؟ فان الارادة التشريعية لا تنقدح الا بعد حصول مباديها وقس عليه الخطاب القانوني، فان مقنن الحكم لو وقف على ان ما يشرعه لا يكاد يعمل به اصلا، ولا ينبعث منه احد، صار جعله وتقنينه مستهجنا جدا، وان جاز الامكان الذاتي أو الوقوعي واعجب منه ما نقله (قدس سره) عن بعض اجلة عصره من ان التكليف ليس زجرا ولا بعثا، بل التزام من المولى بالنسبة إلى العبد فيعم عامة الموارد، أي موارد الابتلاء وعدمه، فان ما هو المستهجن انما هو البعث أو الزجر المتضمنين للخطاب دون الالزام و(فيه) ان غاية ما افيد لا يخرج التكليف عن دائرة الاحكام الوضعية أو اشبه شيء به ومع ذلك فهى من مقولة الجعل والاعتبار، لا يصح الا إذا كان له اثر عقلائي، ومع عدمه كما في الموارد التي لم يوجد فيها بعض الشروط المتقدمة كان الجعل والاعتبار والالزام لغوا محضا مضافا إلى ان الالزام بالفعل والترك كانه عبارة اخرى عن البعث والزجر المنتزع منهما الوجوب والحرمة مع ان انكار كون التكاليف عبارة عن البعث والزجر كانه انكار الضروري الخطابات القانونية الشخصية التحقيق في المقام ان يقال: انه قد وقع الخلط بين الخطابات الكلية المتوجهة إلى عامة المكلفين، والخطاب الشخصي إلى آحادهم فان الخطاب الشخصي إلى خصوص العاجز وغير المتمكن عادة أو عقلا مما لا يصح كما اوضحناه ولكن الخطاب الكلي الي المكلفين المختلفين حسب الحالات والعوارض مما لا استهجان فيه، و(بالجملة) استهجان الخطاب الخاص غير استهجان الخطاب الكلى فان ملاك الاستهجان في الاول ما إذا كان المخاطب غير متمكن والثاني فيما إذا كان العموم أو الغالب الذى يكون غيره كالمعدوم غير متمكن عادة مصروفة عنه دواعيهم والحاصل: ان التكاليف الشرعية ليست الا كالقوانين العرفية المجعولة لحفظ الاجتماع وتنظيم الامور، فكما انه ليس فيها خطابات ودعايات، بل هو بما هو خطاب واحد متعلق بعنوان عام، حجة على عامة المكلفين فكذلك ما نجده في الشرع من الخطابات المتعلقة بالمؤمنين أو الناس، فليس هنا الا خطاب واحد قانوني يعم الجميع وان شئت قلت ان ما هو الموضوع في دائرة التشريع هو عنوان المؤمنين، أو الناس فلو قال يا ايها الناس اجتنبوا عن الخمر، أو يجب عليكم الفعل الكذائي فليس الموضوع الا الناس، اعم من العاجز والقادر، والجاهل والعالم، ولأجل ذلك يكون الحكم فعليا في حق الجميع، غير ان العجز والجهل عذر عقلي عن تنجز التكليف والملاك بصحة هذا الخطاب وعدم استهجانه هو صلوحه لبعث عدد معتد به من المكلفين فالاستهجان بالنسبة إلى الخطاب العام انما يلزم لو علم المتكلم لعدم تأثر ذلك الخطاب العام في كل المكلفين واما مع احتمال التأثير في عدد معتد به غير مضبوط تحت عنوان خاص فلا محيص عن الخطاب العمومي ولا استهجان فيه اصلا كما ان الامر كذلك في القوانين العرفية العامة وبما ذكرنا يظهر الكلام في الخارج عن محل الابتلاء.
و(القول) بان خطاب العاجز والجاهل وغير المبتلى بمورد التكليف قبيح أو غير ممكن (صحيح) لو كان الخطاب شخصيا، واما إذا كان بصورة التقنين، فيكفي في خطاب الجميع، كون عدد معتد به من المكلفين واجدا لما ذكرنا من الشرائط واما الفاقد لها فهو معذور عقلا مع فعلية التكليف كالعجز والجهل، وبالجملة: ليس هنا الا ارادة واحدة تشريعية متعلقة بخطاب واحد وليس الموضوع الا احد العناوين العامة، من دون ان يقيد بقيد اصلا، والخطاب بما هو خطاب وحداني متعلق لعنوان عام حجة على الجميع والملاك في صحة الخطاب ما عرفت، والحكم فعلي مطلقا من دون ان يصير الحكم فعليا تارة وانشائيا اخرى، أو مريدا في حالة وغير مريد في حالة اخرى، وما اوضحناه هو حال القوانين الدارجة في العالم والاسلام لم يتخذ مسلكا غيرها، ولم يطرق بابا سوى ما طرقه العقلاء من الناس، وسيوافيك مفاسد الخطاب الشخصي. لا يقال: ما معنى الحكم المشترك فيه الناس، وما معنى كون كل واحد منا مكلفا بإقامة الصلاة وايتاء الزكاة، وظاهر هذا تعدد الخطاب وكثرة التكليف، فلا يعقل كثرة التكاليف مع وحدة الخطاب، وان شئت قلت ان الخطابات الشرعية منحلة بعدد نفوس المكلفين، ولا يكاد يخفى ان الخطاب المنحل المتوجه إلى غير المتمكن، أو غير المبتلى مستهجن.
لانا نقول: ان اريد من الانحلال كون كل خطاب خطابات بعدد المكلفين حتى يكون كل مكلف مخصوصا بخطاب خاص به، وتكليف مستقل متوجه إليه فهو ضروري البطلان، فان قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] خطاب واحد لعموم المؤمنين، فالخطاب واحد والمخاطب كثير، كما ان الاخبار بان كل نار حارة.
اخبار واحد والمخبر عنه كثير، فلو قال احد: كل نار بارد، فلم يكذب الا كذبا واحدا لا اكاذيب متعددة حسب افراد النار، فلو قال: لا تقربوا الزنا فهو خطاب واحد، متوجه إلى كل مكلف، ويكون الزنا تمام الموضوع للحرمة، والمكلف تمام الموضوع لتوجه الخطاب إليه، وهذا الخطاب الوحداني يكون حجة على كل مكلف من غير انشاء تكاليف مستقلة أو توجه خطابات عديدة ليست اقول ان المنشأ تكليف واحد لمجموع المكلفين فانه ضروري الفساد: بل اقول ان الخطاب واحد والانشاء واحد والمنشأ هو حرمة الزنا على كل مكلف من غير توجه خطاب خاص، أو تكليف مستقل إلى كل واحد، ولا استهجان في هذا الخطاب العمومي إذا كان المكلف في بعض الاحوال أو بالنسبة إلى بعض غير متمكن عقلا أو عادتا، فالخمر حرام على كل احد تمكن من شربها اولا وليس جعل الحرمة لغير المتمكن بالخصوص حتى يقال انه يستهجن الخطاب فليس للمولى الا خطاب واحد لعنوان واحد، وهو حجة على الناس كلهم ولا اشكال في عدم استهجان الخطاب العمومي، فكما لا اشكال في ان التكاليف الشرعية ليست مقيدة بالقدرة والعلم، كما سيوافيك بيانه فكذلك غير مقيدة بالدخول محل الابتلاء.
ثم انه يترتب على القول بكون الخطابات شخصية أي منحلة إلى خطابات يلاحظ فيها عدم الاستهجان مفاسد (منها) عدم صحة خطاب العصاة من المسلمين، فان خطاب من لا ينبعث به قبيح أو غير ممكن، فان الارادة الجزمية لا تحصل في لوح النفس الا بعد حصول مبادى قبلها التي منها احتمال حصول المراد، والمفروض القطع بعدم حصوله، و(منها) عدم صحة تكليف الكفار بالأصول والفروع بالملاك الذى قررناه و(منها) قبح تكليف صاحب المروة بستر العورة فان الدواعي مصروفة عن كشف العورة، فلا يصح الخطاب، إذ أي فرق بين النهى عن شرب الخمر الموجود في اقاصي الدنيا، وبين نهى صاحب المروة عن كشف سوئته بين ملأ من الناس، ونظيره نهي المكلفين عن شرب البول واكل القاذورات مما يكون الدواعي عن الاتيان بها مصروفة، إذ أي فرق بين عدم القدرة العادية أو العقلية على العمل، وكون الدواعي مصروفة عنها، وما افاده بعض الاعاظم من ان التكليف غير مقيد بالإرادة لان التقييد بها غير معقول، بخلاف القدرة العقلية والعادية، قد وافاك جوابه، فان التكليف لأجل ايجاد الداعي ولو لأجل الخوف والطمع في الثواب، والتارك للشيء بالطبع، سواء نهى المولى عنه أو لم ينهه عنه، تارك له مطلقا، فالزجر لغو أو غير ممكن لعدم تحقق ما هو المبادئ للإرادة الجدية كما اوضحناه.
و(منها) يلزم على كون الخطاب شخصيا، عدم وجوب الاحتياط عند الشك في القدرة، لكون الشك في تحقق ما هو جزء للموضوع، لان خطاب العاجز قبيح، والشك في حصول القدرة وعدمها، شك في المصداق وهو خلاف السيرة الموجودة بين الفقهاء من لزوم الاحتياط عند الشك في القدرة، ومنها لزوم الالتزام بان الخطابات واحكام الوضعية مختصة بما هو محل الابتلاء لان جعل الحكم الوضعي ان كان طبعا للتكليف فواضح ومع عدم التبعية والاستقلال بالجعل فالجعل انما هو بلحاظ الاثار ولهذا لا يمكن جعل حكم وضعي لا يترتب عليه اثر مطلقا فجعل النجاسة للخمر والبول للأثار المتربة عليها كحرمة الشرب وبطلان الصلاة مع تلوث اللباس بها ومع الخروج عن محل الابتلاء لا يترتب عليها آثار فلابد من الالتزام بان النجاسة والحلية وغيرهما من الوضعيات من الامور النسبية بلحاظ المكلفين فيكون الخمر والبول نجسان بالنسبة إلى من كان مبتلى بهما دون غيرهما ولا اظن التزامهم بذلك للزوم الاختلال في الفقه والدليل العقلي غير قابل للتخصيص يكشف ذلك عن بطلان المبنى وعلى ما حققناه، فكلها مندفعة، فان الخطابات الالهية فعلية في حق الجميع، كان المكلف عاجزا أو جاهلا أو مصروفا عنه دواعيه، أو لم يكن، وان كان العجز والجهل عذرا عقليا، وقس عليه الخروج عن محل الابتلاء، فهو لا يوجب نقصانا في التكليف، ولابد من الخروج عن عهدته بترك ما يكون في محل الابتلاء وقد عرفت ان ما هو الشرط في صحة الخطاب القانوني غير ما هو الشرط في صحة الخطاب الشخصي، من غير فرق بين التكليف المعلوم بالتفصيل أو بالإجمال، فالتكليف المعلوم لابد من الخروج عن عهدته بالموافقة القطعية، والاجتناب عن مخالفة القطعية والاحتمالية ومجرد كون احد الاطراف خارجا عن محل الابتلاء أو مصروفة عنه الدواعي لا يوجب نقصانا في التكليف القانوني وان كان موجبا له في الشخص.
واما صحيحة على بن جعفر عن اخيه: فيمن رعفت فامتخط فصار الدم قطعا صغارا فأصاب انائه... الخ، فقد حمله الشيخ الاعظم (قدس سره) على العلم الاجمالي بإصابة ظهر الاناء أو باطنه المحتوى للماء ثم علل عدم وجوب الاجتناب عن الماء بخروج ظهر الاناء عن محل الابتلاء، وهو بمكان من الغرابة إذ كيف يكون ظهر الاناء الذى بين يدى المكلف خارجا عن ابتلائه، واما الحديث فلابد من تأويله، وحمله اما على الاجزاء الصغار التي لا يدركه الطرف، وان كانت مرئية بالنظارات، الا ان الدم المرئي بها ليست موضوعة للحكم الشرعي، ولا ينافى هذا الحمل بالعلم بإصابة الاناء فان العلم بها غير ادراك الطرف، واما على ابداء الشك في اصل الاصابة مطلقا، وعلى أي حال فهى بظاهرها مما عرض عنها الاصحاب بحث وتنقيح ثم انه على القول بكون الخروج عن محل الابتلاء مانعا عن تأثير العلم الاجمالي يقع البحث فيما إذا شك في خروجه عن محل الابتلاء لا من جهة الامور الخارجية بل من جهة اجمال ما هو خارج عن مورد التكليف الفعلي، فهل الاصل يقتضى الاحتياط أو البرائة واختار الاول شيخنا العلامة (اعلى الله مقامه) حيث قال: ان البيان المصحح للعقاب عند العقل وهو العلم بوجود مبغوض المولى بين امور حاصل، وان شك في الخطاب الفعلي من جهة الشك في حسن التكليف وعدمه، وهذا المقدار يكفى حجة عليه نظير ما إذا شك في قدرته على اتيان المأمور به وعدمها بعد احراز كون ذلك الفعل موافقا لغرض المولى ومطلوبا له ذاتا، وهل له ان يقدم على الفعل. بمجرد الشك في الخطاب الفعلي الناشئ من الشك في قدرته، و(الحاصل) ان العقل بعد احراز المطلوب الواقعي للمولى أو مبغوضه لا يرى عذرا للعبد في ترك الامتثال هذا، وفيه ان التحقيق هو البرائة لأنه بعد القول بكون الابتلاء من قيود التكليف يرجع الشك إلى اصل التكليف، ومجرد احتمال كون المبغوض هو المبتلى به لا يوجب تمامية الحجة على العبد بل له الحجة لاحتمال كون المبغوض في الطرف الاخر، واما الشك في القدرة، فلو قلنا بمقالة القوم فلا مناص عن البرائة، لان فعلية التكليف على مباني القوم من حدود التكليف وقيوده فالشك فيها شك في اصل التكليف نعم على ما قلنا من كون الخطابات القانونية فعلية في حق القادر والعاجز، غير ان العاجز، معذور في ترك امتثاله، فعند الشك فيها لا مناص عن الاحتياط الا مع احراز العذر واقامة الحجة بعد تمامية الحجة من المولى، فالشك في القدرة مصب البرائة على مباني القوم كالشك في الابتلاء لا على المختار فتدبر واما القول باستكشاف الملاك من اطلاق المادة ففيه ان احراز الملاك من تبعات تعلق التكليف على مسلك العدلية ومع كون القدرة والابتلاء من قيوده وحدوده لا طريق لاستكشافه الا في بعض الاحيان المستكشف ذلك من الامور الخارجية وهو لا يفيد لكونه اخص من المدعى كما ان القول بان القدرة العقلية والعادية غير دخيلة في الملاكات النفس الامرية بل هي من شرائط حسن الخطاب تخرص على الغيب لعدم العلم بالحركات الواقعية ومن المحتل دخالة القدرة فيها ولا يدفع هذا الاحتمال الا بأطلاق الدليل وهو مفقود فرضا الا على ما اخترناه ثم ان بعض اعاظم العصر (قدس سره) استدل على وجوب الاحتياط تبعا للشيخ الاعظم (قدس سره) بأطلاق ادلة المحرمات وحاصل ما افاد ما يلى، ان القدر المسلم من التقييد ما هو إذا كان الخمر خارجا عن محل الابتلاء بحيث يلزم استهجان الخطاب في نظر العرف، فإذا شك في استهجانه وعدمه للشك في امكان الابتلاء بموضوعه أو عدمه فالمرجع هو اطلاق الدليل، لان المخصص المجمل بين الاقل والاكثر مفهوما لا يمنع عن التمسك بالعام فيما عدا القدر المتيقن من التخصيص وهو الاقل خصوصا اللبيات، فانه يجوز التمسك بالعام فيها في الشبهات المصداقية فضلا عن الشبهات المفهومية والسر في ذلك هو ان العقل لا يخرج العنوان عن تحت العموم بل يخرج ذوات المصاديق، الخارجية فالشك يكون شكا في التخصيص الزائد، ولا يكون الشبهة مصداقية كالمخصصات اللبية (فان قلت) المخصصات اللبية الحافة بالكلام كما فيما نحن فيه يسرى اجمالها إلى العام كالمخصصات اللفظية المتصلة المجملة (قلت): مضافا إلى انه يمكن منع كون المخصص هنا من الضروريات المرتكزة من الاذهان ان هذا مسلم إذا كان الخارج عنوانا واقعيا غير مختلف المراتب كالفسق المردد بين مرتكب الكبيرة أو الاعم واما إذا كان عنوانا ذا مراتب مختلفة وعلم بخروج بعض مراتبه عن العام وشك في بعض آخر فلا، لان الشك يرجع إلى التخصيص لزائد. (فان قلت): التمسك بالإطلاق فرع امكان الاطلاق الواقعي وفيما نحن فيه يكون الشك في صحة الاطلاق النفس الأمري لاحتمال استهجان التكليف (قلت): هذا ممنوع لان التمسك بالإطلاق لو كان فرع الامكان الواقعي لما جاز التمسك به مطلقا لان كلية الموارد يصير الشك فيه من قبيل امكان الاطلاق النفس الأمري خصوصا على مذهب العدلية من تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد، فان الشك يرجع إلى الشك في وجود مصلحة أو مفسدة، ويمتنع الاطلاق مع عدمهما، فكما ان الاطلاق يكشف عن المصلحة النفس الامرية، فكذلك يكشف عن عدم الاستهجان انتهى كلامه ، ولا يخفى ان في كلامه:
انظارا نشير إلى مهماتها منها ان المخصص اللبي يسرى اجماله إلى العام مطلقا ضروريا كان أو نظريا، اما الاول، فلانه بحكم المتصل اللفظي، يمنع عن انعقاد الظهور الا في العام المقيد بالعنوان المردد بين الاقل والاكثر كالعلماء العدول، فلا يثبت حجيته الا في المتيقن لا المشكوك، واما الثاني، فلانه بعد الانتقال إلى حكم العقل ولو بعد برهة من الدهر يستكشف عن ان ما تخيله من العموم كان امرا غير صحيح، بل كان الكلام من اول الامر مقيدا بغير عنوان المخصص لوجود حكم العقل في زمن الصدور وان كان المكلف غير ملتفت، فما يظهر من كلامه من حصر سراية الاجمال بما إذا كان ضروريا لا نظريا غير سديد، فان العقل يكشف عن ان الخطاب لم يكن متوجها إلى الخارج عن محل الابتلاء، ففرق بين ورود المخصص منفصلا، وبين الغفلة عن الواقع، وحصول العلم بعد برهة بمحدودية الخطاب وتقييده من اول الامر، وان شئت قلت: ان المقام نظير كشف القرينة اللفظية الحافة بالكلام بعد حين، فكما انها يسقط العام عن الحجية في غير القدر المتيقن، فهكذا المخصص العقلي اضف إلى ذلك: ان منع كون المخصص هنا ضروريا مرتكزا في الاذهان، قابل للمنع.
ومنها: ان اجمال المخصص الحاف بالكلام سواء كانت لفظيا متصلا به أو لبيا يسرى إلى العام، نعم لو كان لفظيا منفصلا فلا يسري، لانعقاد ظهوره، في جميع الافراد وحجيته في العموم إلى ان يقوم دليل آخر اقوى منه، حتى يصح رفع اليد عن الحجة بالحجة، والمفروض عدم قيامها الا في الاقل دون الاكثر، واما الحاف بالكلام سواء كان لفظيا أو لبيا، فيسرى اجماله إليه لعدم انعقاد ظهور له الا في المقدار المتقيد، والمفروض دوران الامر في المخصص بين الاقل والاكثر، فلا يكون العام حجة الا في القدر المتيقن، ولأجل ذلك لا يجوز التمسك في الشبهات المصداقية في المخصص اللبي ايضا، بلا فرق بينه والمخصص اللفظي (والحاصل) ان العام المحفوف بالعنوان المجمل المردد بين الاقل والاكثر، ليس له ظهور الا في العام المقيد بالمجمل المردد بين الاقل والاكثر فلا يثبت حجيته الا في المتيقن لا المشكوك.
فان قلت: يمكن ان يكون سر عدم سرايته هو ان العقل يخرج ذوات المصاديق لا العنوان حتى يصير الشبهة مصداقية بل يصير من قبيل التخصيص الزائد، (قلت) هذا ما افاده بعض اعاظم العصر (قدس سره) تبعا لما افاده الشيخ الاعظم (طيب الله رمسه) لا ان ذلك ممنوع، فان الافراد تخرج عن تحت العام عند العقل بملاك واحد، وقد يخرج كل فرد بملاك يخصه، فلو كان من قبيل الثاني كان لما ذكره من التوجيه وجه كما هو الحال في المخصص اللفظي إذا كان خروج كل فرد بعنوان يخصه واما إذا كان من قبيل الاول فلا، لان الاخراج كله بملاك واحد، فخروج الفرد المشكوك خروجه لا يستلزم تخصيصا زائدا، فلو قال المولى اكرم جيراني، وحكم العقل بحرمة اكرام اعداء المولى، فلا اشكال ان المخرج هو العنوان الوحداني، والمخصص واحد لا كثير، والشبهة مصداقية، وخروج الفرد المشكوك لا يستلزم تخصيصا آخر، فلا يجوز التمسك فيه بعين ما ذكر في المخصص اللفظي المتصل فان قلت: ان ما ذكر انما يصح لو كانت الجهات تقييدية فيصير المخرج هو العنوان المقيد واما إذا كانت تعليلية فالخارج هي الافراد لأجل تلك العلة.
(قلت): قد حقق في محله ان الجهات التعليلية في الاحكام العقلية ترجع إلى الجهات التقييدية، فلو قيل لا تشرب الخمر لانه مسكر، فالموضوع في القضية اللفظية انما هو الخمر لكونها مسكرا لكن ما هو المحرم لبا في ادراك العقل انما هو المسكر لا غير، فظهر انه لا فرق بين المخصص اللفظي واللبي.
ومنها: ان ما افاده من الفرق بين المخصص الذى هو ذات مراتب كالخروج عن محل الابتلاء وما ليس كذلك كالفاسق فيجوز التمسك بالعام في الاول في اللفظي واللبي معا، من غرائب الآراء إذ أي فرق بين الفسق والخروج عن محل الابتلاء حيث جعل الثاني مختلف المراتب دون الاول، مع ان الخروج عن طاعة الله له مراتب مختلفة، فان مرتبة ارتكاب الصغائر، غير مرتبة ارتكاب الكبائر واضعف منها، وهو يباين مع ارتكاب الموبقات من الذنوب مرتبة، (وعلى ذلك) فربما يشك في ان الخارج عن العام هل هو مطلق من خرج عن طاعة الله، أو الخارج عنه مرتبة خاصة منه، كما ربما يقال: ان البلاد مختلفة،، فالواقع في اقاصي العالم يعد خارجا عن محل الابتلاء، وانما الشك في الاواسط والأدنى، ولعل كون الفاسق ذات مراتب اولى من كونه ذات مراتب كما لا يخفى اضف إلى ذلك ان ما ادعاه من الكبرى غير مسلم فان الاجمال يسرى إلى العام إذا كان المخصص متصلا، وان كان مقولا بالتشكيك، فلو قال المولى اكرم العلماء الا الابيض منهم وشككنا في ان الخارج هل هو الابيض الشديد أو الاعم منه فلا يجوز التمسك به في غير المتيقن خروجه، لانه من قبيل التمسك بالعام في الشبهة المصداقية بالنسبة إلى نفس العام لا المخصص، إذ ليس للكلام الا ظهور واحد، فمع اجمال القيد لا يعقل عدم السراية. ومع ذلك كله، فعد المقام من قبيل الشبهة المفهومية غير صحيح لان معناها ان المفهوم مجمل في دائرة المفهومية فلا يعلم انطباقه على موضوع حسب الوضع اللغوي أو العرفي (كالفاسق) إذ هو مجمل حسب المعنى الموضوع له، فلا نعلم ان معناه هو مرتكب الكبائر، أو الاعم فيكون الشك في انطباق مفهوم الفاسق على مرتكب الصغيرة، واما إذا علم ان له مفهوما معينا ذات مراتب، وشك في ان الخارج أي مرتبة منه، فهو داخل في اجمال المراد وخارج عن الشبهة المفهومية لكون المفهوم مبينا.
ثم ان ما افاده: من ان التمسك بالعموم لو كان مشروطا بأحراز امكان الاطلاق النفس الأمري لانسد باب التمسك بها لاسيما على مذهب العدلية ففيه انه فرق واضح بين قضية استهجان الخطاب وغيره فان البحث عن تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد بحث عقلي محض، فقد تضاربت فيه آراء العدلية والاشاعرة وليس العلم باشتمال الموضوع على المفاسد والمصالح من مبادى الاحتجاج في محيط العقلاء، بل الخطاب عند الشك في التقييد والتخصيص تام متوجه إلى المكلف والاصل العقلائي الدائر عندهم يحكم بمطابقة الارادة الاستعمالية والجدية، فعند الشك في دخالة قيد، أو خروج فرد تصير اصالتي العموم والاطلاق محكمة، لتمامية ما هو ملاك الحجاج عندهم، فحديث المصالح والمفاسد مما يغفل عنه العامة وانما يبحث عنهما العلماء الباحثون عن دقائق المسائل، فلو سمع العبد في محيط العقلاء قول المولى اكرم العلماء يقف على ان تمام الموضوع هو العلماء ولو شك في دخول فرد أو دخالة شيء يحكم بالعموم والاطلاق على عدم دخالة شيء أو عدم خروجه من غير التفات إلى امكان اطلاق النفس الأمري على مسلك العدلية، واما المقام، فاستهجان الخطاب في الموارد الخارجة عن محل الابتلاء ليس مخفيا على احد، فلو شك في استهجان الخطاب لأجل الشك في كونه مورد الابتلاء اولا، لما صح التمسك بالإطلاق لكشف حاله، إذ التمسك بالإطلاق فرع احراز امكانه بهذا المعني. هذا كله على مباني القوم وقد عرفت انه لا مناص عن البرائة واما على المختار فلزوم الاحتياط مما لا غبار عليه، ويعلم وجهه مما قدمناه. القول في الشبهة غير المحصورة وتوضيح حالها في ضمن امور :
الاول: لو وقف المكلف على تكليف فعلى قطعي وجدانى بحيث لا يرضى المولى بتركه مطلقا فلا اشكال في لزوم اتباعه وقبح مخالفته سواء كان الاطراف محصورة أو غير محصورة، نعم لو وقف على الحكم لأجل اطلاق الدليل أو عمومه، فللترخيص فيه مجال فلابد، من ملاحظة دلالة ما يدل على الترخيص وتمامية دلالته كأدلة الحل وغيرها، وقد وافاك في المحصور من الشبهة ان شمول ادلة الحل على اطراف المحصور، وان كان لا يعد ترخيصا في المعصية في نظر العقل، الا انه ترخيص في نظر العرف الذى هو المحكم في هذه الميادين، واما اطراف غير المحصور فسيأتي بيان الحال فيه، وليعلم انه لابد ان يتمحض البعث في الشبهة غير المحصورة من حيث هي هي مع قطع النظر عن سائر العناوين المجوزة كالاضطرار والخروج عن محل الابتلاء أو العسر والحرج، وما يظهر من الشيخ الاعظم من الاستدلال على الجواز بخروج بعض الاطراف أو اكثرها من محل الابتلاء ليس بسديد.
الثاني: قد اضطرب كلام القوم في ميزان الشبهة غير المحصورة، كما اضطرب في بيان سر عدم وجوب الاجتناب عن بعض اطرافها أو جميعها واسد ما قيل في المقام ما افاده شيخنا العلامة اعلى الله مقامه ان كثرة الاطراف توجب ضعف احتمال كون الحرام مثلا في طرف خاص بحيث لا يعتنى به العقلاء ويجعلونه كالشك البدوي فيكون في كل طرف يريد الفاعل ارتكابه، طريق عقلائي على عدم كون الحرام فيه وان شئت توضيحه:
فلاحظ حال العقلاء تريهم لا يعتنون ويعدون المعتني ضعيف القلب، فلو سمع الرجل ان واحدا من بيوت بلده التي فيها آلاف بيت قد اغرقه الماء، أو وقع فيه حريق، أو قرء في جريدة ان واحدا من اهل بلده التي فيها مائة الف نسمة، قد قتل تراه لا يبالى بما سمعه، ولو صار بصدد التفتيش، واظهر الاضطرار والوحشة، لاحتمال كون البيت بيته، والمقتول ولده، لعد، ضعيف العقل أو عديمة والسر فيه هو ان كثرة الاحتمال يوجب موهومية المحتمل.
ثم ان شيخنا العلامة قد استشكل فيما ذكره بان الاطمئنان بعدم الحرام في كل واحد من الاطراف لا يجتمع مع العلم بوجود الحرام بينها، و(فيه) ان الايجاب الجزئي وان كان لا يجتمع مع السلب الكلي، الا ان المنافات انما يتحقق في المقام إذا لوحظت الافراد في عرض واحد لا إذا لوحظت كل واحد فى مقابل الباقي، فكل واحد من الاطراف إذا لوحظ في مقابل الباقي يكون فيه احتمال واحد في مقابل الاحتمالات الكثيرة، ولا اشكال في ضعف احتمال واحد في مقابل مائة الف احتمال، لا يقال انا نعلم بان واحدا من هذه الامارات مخالف للواقع، ومعها كيف يجوز العمل بها معه لانا نقول: ان العلم بكذب واحد من الامارات غير المحصورة كالعلم بنجاسة اناء بين عدة غير محصورة حرفا بحرف ثم انه يمكن الاستدلال على حكم الشبهة غير المحصورة بروايات كثيرة.
منها: صحيحة عبدالله بن سنان عن ابى عبدالله: قال كل شيء فيه حلال وحرام فهو لك حلال ابدا حتى تعرف الحرام بعينه، فان ظهورها في العلم الاجمالي لا يكاد يشك غير انه خرج المحصورة بالأجماع أو بالعقل وبقي ما بقي.
والقول بان الشبهة غير المحصورة نادرة، ضعيف جدا بل غالب الشبهات غير محصورة، وقد يتفق كونها محصورة. ومنها: الروايات الواردة في باب الجبن وقد مضي بعض القول في مداليله واليك ما يناسب هنا، منها مرسلة معوية بن عمار عن ابى جعفر بعد ما سئله عن الجبن فأجاب (عليه السلام )سأخبرك عن الجبن وغيره، كل شيء فيه الحلال والحرام فهو لك حلال حتى تعرف الحرام فتدعه بعينه، وقريب منها رواية عبدالله بن سليمان، ولا يخفى ظهورها في الشبهة غير المحصورة، ويؤيده بل يشهد عليه رواية ابى الجارود قال سئلت ابا جعفر عن الجبن فقلت: اخبرني من رأى انه يجعل فيه الميتة فقال امن اجل مكان واحد يجعل فيه الميتة حرم ما في جميع الارضين، إذا علمت انه ميتة فلا تأكل، وان لم تعلم فأشتر وبع وكل والله انى لاعترض السوق فاشترى بها اللحم والجبن والله ما اظن كلهم يسمون هذه البربر وهذه السودان. واورد على الاستدلال بها الشيخ الاعظم، بأبداء الاحتمال بان جعل الميتة في الجبن في مكان واحد، لا يوجب الاجتناب عن جبن غيره الذى هو مشكوك بدوى وبان المراد من قوله: ما اظن كلهم يسمون، عدم وجوب الظن أو القطع بالتسمية والحلية بل يكفى اخذها من سوق المسلمين بناء على ان السوق امارة شرعية للحل ولو اخذ من يد مجهول الحال الا ان يقال: ان سوق المسلمين غير معتبر مع العلم الاجمالي فلا مسوغ للارتكاب غير كون الشبهة غير محصورة، ثم امر بالتأمل وانت خبير بضعف ما اورده، لان حملها على الشبهة البدئية بعيد عن مساقها إذ هي كالنص في العلم الاجمالي خصوصا مع ملاحظة ذيلها ومعلوم ان ذيلها ليس اجنبيا عن الصدر، وما احتمله في معنى قوله (عليه السلام )ما اظن ...الخ بعيد، لان قوله هذا ظاهر في حصول القطع بعدم التسمية، لكون الطائفتين ليستا من الطوائف الإسلامية، وعلى أي حال فدلالة المرسلة لا غبار عليها لولا ضعفها سندا، ومثلها رواية عبدالله بن سليمان وفيها احتمال التقية لكون الميتة عبارة عن الانفحة وهى طاهرة بأجماع الطائفة، وقد اوضحنا حالها في محله. ومنها: موثقة سماعة عن ابى عبدالله في بعض عمال بنى امية وفيها: ان كان خلط الحرام حلالا فاختلطا جميعا فلم يعرف الحرام من الحلال فلا باس، ولا يبعد حملها على غير المحصورة ومنها صحيحة الحلبي لو ان رجلا ورث من ابيه مالا وقد عرف ان في ذلك المال ربا ولكن اختلط في التجارة بغيره حلالا، كان حلالا طيبا فليأكله وان عرف منه شيئا معزولا انه ربا فليأخذ رأس ماله ويرد الربا ، ومنها صحيحة اخرى له، وغيرها من الروايات التي قد جمع بعضها السيد الفقيه اليزدي في حاشيته على المكاسب عند البحث عن جوائز السلطان، ولا يبعد كون مورد اكثرها من قبيل الشبهة غير المحصورة، وفى مقابلها روايات اخر محمولة على المحصورة كروايات التخميس فانها محمولة على ما جهل المقدار واحتمل كون الحرام مقدار الخمس والزيادة والنقيصة واما لو علم ان في ماله الذى بلغ خمسين الف دينار، دينارا من الحرام فلا اشكال في عدم وجوب الخمس، وبالجملة دلالة الروايات على الشبهة غير المحصورة واضحة، نعم يخرج منها بعض الموارد كما لو عرف صاحب المال فيجب له التخلص من ماله، وتفصيل الكلام في باقي الاقسام في محله. في بيان ما هو الميزان في الباب وقد ظهر مما اوضحنا من مقالة شيخنا العلامة اعلى الله مقامه ان ما هو الضابط في الشبهة غير المحصورة، ان تكون كثرة الاطراف بمثابة لا يعتنى العقلاء باحتمال كون الواقع في بعض الاطراف في مقابل البقية لضعف الاحتمال لأجل الكثرة وقد نقل شيخنا الاعظم (قدس سره) كلمات في ضابطها عن الاعلام غير انه لا يهم الباحث، لان الدليل الوحيد ما عرفت من بناء العقلاء ودلالة الاخبار، وليس عنوان غير المحصور واقعا في مصب رواية حتي نتكلف لبيان حده ثم انه يظهر من بعض اعاظم العصر ضابطا آخر فقال ما هذا حاصله: ان ضابطها ان تبلغ الاطراف حدا لا يمكن عادة جمعها في الاستعمال من اكل وشرب فخرج العلم بنجاسة حبة من حقة، لإمكان استعمال الحقة مع ان نسبتها إلى الحقة تزيد عن نسبة الواحد إلى الالف، فليس العبرة بكثرة العدد فقط إذ رب كثير تكون الشبهة فيه محصورة كالنحطة من الحقة، كما لا عبرة بعدم تمكن الجمع فقط إذ ربما لا يتمكن عادة مع ان الشبهة محصورة ككون احد الاطراف في اقصى بلاد المغرب، بل لابد من الامرين - كثرة الاطراف، وعدم التمكن العادي من الجمع، وبهذا تمتاز الشبهة الغير المحصورة عما تقدم في المحصورة من انه يعتبر فيها امكان الابتلاء بكل واحد من اطرافها، فان امكان الابتلاء بكل واحد غير امكان الابتلاء بالمجموع، فالشبهة الغير المحصورة ما تكون كثرة الاطراف بحد يكون عدم التمكن في الجمع في الاستعمال مستندا إليها، ومن ذلك يظهر حكمها، وهو عدم حرمة المخالفة القطعية وعدم وجوب الموافقة القطعية، اما عدم الحرمة فلان المفروض عدم التمكن العادي منها، واما عدم وجوب الموافقة القطعية فلان وجوبها فرع حرمة المخالفة القطعية لأنها هي الاصل في باب العلم الاجمالي لان وجوب الموافقة القطعية يتوقف على تعارض الاصول في الاطراف، وتعارضها يتوقف على حرمة المخالفة القطعية فيلزم من جريانها في جميع الاطراف مخالفة عملية للتكليف، فإذا لم تحرم المخالفة القطعية لم يقع التعارض بين الاصول ومعه لا يجب الموافقة القطعية. وفيه اما اولا فان المراد من عدم التمكن من الجمع في الاستعمال ان كان هو الجمع دفعة، فيلزم ان يكون اكثر الشبهات المحصورة، غير محصورة واما ان يكون اعم منها ومن التدريج ولو في مدة طويلة من سنين متمادية فلابد من تعيين ذلك الزمان الذى لا يمكن الجمع التدريجي بين الاطراف فيه بل يلزم ان يكون اكثر الشبهات محصورة إذ قلما يتفق ان لا يمكن الجمع بين الاطراف ولو في ظرف سنين، فتكون الشبهة على هذا الضابط محصورة وهذا لا يمكن الالتزام به، فان قلت : ان ارتكاب جميع الاطراف مما لا يمكن غالبا ولو تدريجا في سنين متمادية لفقدان بعض الاطراف على ان تأثير العلم الاجمالي في التدريجياب محل بحث، قلت ان خروج بعض الاطراف بعد تنجيز العلم غير مؤثر، ولا يضر بتنجيز العلم الاجمالي في بقية الاطراف، مع انك قد عرفت ان البحث ممحض في كون الشبهة غير محصورة مع قطع النظر عن الجهات الاخر من فقدان بعض الاطراف، على ان تأثير العلم في التدريجي من حيث الاستعمال مما لا اشكال فيه وفى التدريجي من حيث الوجود ايضا مؤثر على الاقوى.
واما ثانيا فلان مورد التكليف انما هو كل فرد فرد، والمفروض قدرته عليه لا الجمع بين الاطراف حتي يقال بعدم قدرته على الجمع وما هو مورد للتكليف فالمكلف متمكن من الاتيان به لتمكنه من كل واحد، والمكلف به غير خارج عن محل ابتلائه ومالا يكون متمكنا منه اعني الجمع فهو غير مكلف به، واما حكم العقل بالجمع احيانا فهو لأجل التحفظ على الواقع لا انه حكم شرعي، وبالجملة: ان الميزان في تنجيز العلم الاجمالي هو فعلية التكليف وعدم استهجان الخطاب، والمفروض ان مورد التكليف عن الاطراف واقع في محله لتمكنه من استعمال كل واحد، وان لم يتمكن من الجمع في استعمال، وبذلك يظهر حرمة المخالفة الاحتمالية بارتكاب بعض الاطراف فضلا عن القطعية، لفعلية الحكم، وعدم استهجان الخطاب لكون مورد التكليف موردا للابتلاء، وبذلك يظهر النظر فيما افاده: من عدم حرمة المخالفة القطعية، وعدم وجوب الموافقة القطعية لأجل تفرع الثانية على الاولى.
الثالث: هل يجوز ارتكاب الجميع أو يجب ابقاء مقدار الحرام وقد فصل الشيخ الاعظم (قدس سره) فقال بعدم العقاب إذ لم يقصد ارتكاب الجميع من اول الامر ولكن انجر الامر إليه، وبالعقاب فيما إذا قصد الجميع من اوله أو توصل به إلى ارتكاب الحرام، والتحقيق ان يقال: ان العمدة في المقام هو اخبار الباب وقد عرفت ان الظاهر منها جواز ارتكاب الجميع، نعم مقتضى ما اعتمد به شيخنا العلامة اعلى الله مقامه التفصيل، فلو شرع المكلف في الاطراف قاصدا ارتكاب جميعها ولو في طول سنين لم يكن معذورا، لان التكليف بعد باق على فعليته، وكذا لو قسم الاطراف بأقسام معدودة محصورة واراد ارتكاب بعض الاقسام الذى يكون نسبته إلى البقية نسبة محصورة كان تكون الاطراف عشرة آلاف وقسمها عشرة اقسام، واراد ارتكاب قسم منها فانه غير معذور فيه لانه من قبيل الشبهة المحصورة، لعدم كون احتمال الواقع في القسم الذى اراد ارتكابه ضعيفا بحيث لا يعتنى به العقلاء.
الرابع :بناء على ما ذكرناه من ان العقلاء لا يعتنون بالعلم بل الامارة العقلائية قامت على عدم المعلوم في كل واحد منفردا عن غيره يسقط حكم الشك البدوي ايضا عن بعض الاطراف بعد سقوط العلم الاجمالي فلو علم بان مائعا مضافا بين الاواني المحصورة من الماء يجوز التوضى ببعض الاطراف لقيام الطريق العقلائي على عدم كونه مضافا مع انه لو شك في كونه مضافا بدوا لا يصح الاكتفاء بالوضوء به فحكم الشك البدوي يسقط عن بعض الاطراف واما على ما افاده بعض الاعاظم من الضابط كما تقدم فلا يسقط حكم الشك لان عدم حرمة المخالفة القطعية الجائية من قبل عدم امكان الجمع في الاستعمال اللازم منه عدم وجوب الموافقة القطعية، لا يلازم سقوط حكم الشك كما لا يخفى لكن الفاضل المقرر رحمة الله قال انه (رحمه الله) كان يميل إلى سقوط حكم الشبهة ايضا وهو لا يتجه على مختاره ومتجه على مختارنا .
الخامس: في حكم الشبهة الوجوبية إذا كانت وجوبية فلو كان المدرك لعدم التنجيز هو الاخبار الواردة في المقام فالظاهر جواز المخالفة القطعية، حتى يقف على الواجب أو الحرام بعينه، واما على ما افاده شيخنا العلامة من قيام الامارة العقلائية فلو تمكن المكلف من الاتيان بمقدار نسبته إلى غير المتمكن نسبة محصور إلى محصور فيجب الاحتياط، كما لو تمكن من الاتيان بالمائة من بين الالف، فان نسبتها إلى الالف كنسبة الواحد إلى العشرة، فالظاهر حينئذ وجوب الموافقة الاحتمالية، واما إذا لم يوجب ذلك انقلاب النسبة، كما لو نذر شرب كأس واشتبه من بين غير محصور وتمكن من شرب الواحد منه، فلا يجب الاحتياط لقيام الامارة العقلائية على عدم كونه الواقع، ولا يعتنى العقلاء بمثل هذا الاحتمال الضعيف.