النحو
اقسام الكلام
الكلام وما يتالف منه
الجمل وانواعها
اقسام الفعل وعلاماته
المعرب والمبني
أنواع الإعراب
علامات الاسم
الأسماء الستة
النكرة والمعرفة
الأفعال الخمسة
المثنى
جمع المذكر السالم
جمع المؤنث السالم
العلم
الضمائر
اسم الإشارة
الاسم الموصول
المعرف بـ (ال)
المبتدا والخبر
كان وأخواتها
المشبهات بـ(ليس)
كاد واخواتها (أفعال المقاربة)
إن وأخواتها
لا النافية للجنس
ظن وأخواتها
الافعال الناصبة لثلاثة مفاعيل
الأفعال الناصبة لمفعولين
الفاعل
نائب الفاعل
تعدي الفعل ولزومه
العامل والمعمول واشتغالهما
التنازع والاشتغال
المفعول المطلق
المفعول فيه
المفعول لأجله
المفعول به
المفعول معه
الاستثناء
الحال
التمييز
الحروف وأنواعها
الإضافة
المصدر وانواعه
اسم الفاعل
اسم المفعول
صيغة المبالغة
الصفة المشبهة بالفعل
اسم التفضيل
التعجب
أفعال المدح والذم
النعت (الصفة)
التوكيد
العطف
البدل
النداء
الاستفهام
الاستغاثة
الندبة
الترخيم
الاختصاص
الإغراء والتحذير
أسماء الأفعال وأسماء الأصوات
نون التوكيد
الممنوع من الصرف
الفعل المضارع وأحواله
القسم
أدوات الجزم
العدد
الحكاية
الشرط وجوابه
الصرف
موضوع علم الصرف وميدانه
تعريف علم الصرف
بين الصرف والنحو
فائدة علم الصرف
الميزان الصرفي
الفعل المجرد وأبوابه
الفعل المزيد وأبوابه
أحرف الزيادة ومعانيها (معاني صيغ الزيادة)
اسناد الفعل الى الضمائر
توكيد الفعل
تصريف الاسماء
الفعل المبني للمجهول
المقصور والممدود والمنقوص
جمع التكسير
المصادر وابنيتها
اسم الفاعل
صيغة المبالغة
اسم المفعول
الصفة المشبهة
اسم التفضيل
اسما الزمان والمكان
اسم المرة
اسم الآلة
اسم الهيئة
المصدر الميمي
النسب
التصغير
الابدال
الاعلال
الفعل الصحيح والمعتل
الفعل الجامد والمتصرف
الإمالة
الوقف
الادغام
القلب المكاني
الحذف
المدارس النحوية
النحو ونشأته
دوافع نشأة النحو العربي
اراء حول النحو العربي واصالته
النحو العربي و واضعه
أوائل النحويين
المدرسة البصرية
بيئة البصرة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في البصرة وطابعه
أهم نحاة المدرسة البصرية
جهود علماء المدرسة البصرية
كتاب سيبويه
جهود الخليل بن احمد الفراهيدي
كتاب المقتضب - للمبرد
المدرسة الكوفية
بيئة الكوفة ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الكوفة وطابعه
أهم نحاة المدرسة الكوفية
جهود علماء المدرسة الكوفية
جهود الكسائي
الفراء وكتاب (معاني القرآن)
الخلاف بين البصريين والكوفيين
الخلاف اسبابه ونتائجه
الخلاف في المصطلح
الخلاف في المنهج
الخلاف في المسائل النحوية
المدرسة البغدادية
بيئة بغداد ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في بغداد وطابعه
أهم نحاة المدرسة البغدادية
جهود علماء المدرسة البغدادية
المفصل للزمخشري
شرح الرضي على الكافية
جهود الزجاجي
جهود السيرافي
جهود ابن جني
جهود ابو البركات ابن الانباري
المدرسة المصرية
بيئة مصر ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو المصري وطابعه
أهم نحاة المدرسة المصرية
جهود علماء المدرسة المصرية
كتاب شرح الاشموني على الفية ابن مالك
جهود ابن هشام الانصاري
جهود السيوطي
شرح ابن عقيل لالفية ابن مالك
المدرسة الاندلسية
بيئة الاندلس ومراكز الثقافة فيها
نشأة النحو في الاندلس وطابعه
أهم نحاة المدرسة الاندلسية
جهود علماء المدرسة الاندلسية
كتاب الرد على النحاة
جهود ابن مالك
اللغة العربية
لمحة عامة عن اللغة العربية
العربية الشمالية (العربية البائدة والعربية الباقية)
العربية الجنوبية (العربية اليمنية)
اللغة المشتركة (الفصحى)
فقه اللغة
مصطلح فقه اللغة ومفهومه
اهداف فقه اللغة وموضوعاته
بين فقه اللغة وعلم اللغة
جهود القدامى والمحدثين ومؤلفاتهم في فقه اللغة
جهود القدامى
جهود المحدثين
اللغة ونظريات نشأتها
حول اللغة ونظريات نشأتها
نظرية التوقيف والإلهام
نظرية التواضع والاصطلاح
نظرية التوفيق بين التوقيف والاصطلاح
نظرية محاكات أصوات الطبيعة
نظرية الغريزة والانفعال
نظرية محاكات الاصوات معانيها
نظرية الاستجابة الصوتية للحركات العضلية
نظريات تقسيم اللغات
تقسيم ماكس مولر
تقسيم شليجل
فصائل اللغات الجزرية (السامية - الحامية)
لمحة تاريخية عن اللغات الجزرية
موطن الساميين الاول
خصائص اللغات الجزرية المشتركة
اوجه الاختلاف في اللغات الجزرية
تقسيم اللغات السامية (المشجر السامي)
اللغات الشرقية
اللغات الغربية
اللهجات العربية
معنى اللهجة
اهمية دراسة اللهجات العربية
أشهر اللهجات العربية وخصائصها
كيف تتكون اللهجات
اللهجات الشاذة والقابها
خصائص اللغة العربية
الترادف
الاشتراك اللفظي
التضاد
الاشتقاق
مقدمة حول الاشتقاق
الاشتقاق الصغير
الاشتقاق الكبير
الاشتقاق الاكبر
اشتقاق الكبار - النحت
التعرب - الدخيل
الإعراب
مناسبة الحروف لمعانيها
صيغ اوزان العربية
الخط العربي
الخط العربي وأصله، اعجامه
الكتابة قبل الاسلام
الكتابة بعد الاسلام
عيوب الخط العربي ومحاولات اصلاحه
أصوات اللغة العربية
الأصوات اللغوية
جهود العرب القدامى في علم الصوت
اعضاء الجهاز النطقي
مخارج الاصوات العربية
صفات الاصوات العربية
المعاجم العربية
علم اللغة
مدخل إلى علم اللغة
ماهية علم اللغة
الجهود اللغوية عند العرب
الجهود اللغوية عند غير العرب
مناهج البحث في اللغة
المنهج الوصفي
المنهج التوليدي
المنهج النحوي
المنهج الصرفي
منهج الدلالة
منهج الدراسات الانسانية
منهج التشكيل الصوتي
علم اللغة والعلوم الأخرى
علم اللغة وعلم النفس
علم اللغة وعلم الاجتماع
علم اللغة والانثروبولوجيا
علم اللغة و الجغرافية
مستويات علم اللغة
المستوى الصوتي
المستوى الصرفي
المستوى الدلالي
المستوى النحوي
وظيفة اللغة
اللغة والكتابة
اللغة والكلام
تكون اللغات الانسانية
اللغة واللغات
اللهجات
اللغات المشتركة
القرابة اللغوية
احتكاك اللغات
قضايا لغوية أخرى
علم الدلالة
ماهية علم الدلالة وتعريفه
نشأة علم الدلالة
مفهوم الدلالة
جهود القدامى في الدراسات الدلالية
جهود الجاحظ
جهود الجرجاني
جهود الآمدي
جهود اخرى
جهود ابن جني
مقدمة حول جهود العرب
التطور الدلالي
ماهية التطور الدلالي
اسباب التطور الدلالي
تخصيص الدلالة
تعميم الدلالة
انتقال الدلالة
رقي الدلالة
انحطاط الدلالة
اسباب التغير الدلالي
التحول نحو المعاني المتضادة
الدال و المدلول
الدلالة والمجاز
تحليل المعنى
المشكلات الدلالية
ماهية المشكلات الدلالية
التضاد
المشترك اللفظي
غموض المعنى
تغير المعنى
قضايا دلالية اخرى
نظريات علم الدلالة الحديثة
نظرية السياق
نظرية الحقول الدلالية
النظرية التصورية
النظرية التحليلية
نظريات اخرى
النظرية الاشارية
مقدمة حول النظريات الدلالية
أخرى
الترادف
المؤلف: د. صبحي الصالح
المصدر: دراسات في فقه اللغة
الجزء والصفحة: ص 292 - 301
2-8-2016
2095
حين نصف العربية بسعة التعبير، وكثرة المفردات، وتنوع الدلالات، وحين نتجرأ أكثر من هذا فنزعم أن لغتنا في هذا الباب أوسع اللغات ثروة، وأغناها في أصول الكلمات الدوال على معانٍ متشعبة، قديمة وحديثة -جدير بنا أن نذكر أن اللغات جميعًا، دون استثناء، تزداد ثروتها وتبلغ مفرداتها من الكثرة حدًّا لا نهاية له إذا كتب لها من شروط النماء والحياة والخلود ما كتب للعربية، فقد أتيح للغة القرآن من الظروف والعوامل ما وسع من طرائق استعمالها، وأساليب اشتقاقها، وتنوع لهجاتها، فانطوت من هذا كله على محصول لغوي، لا نظير له في لغات العالم.
والقاعدة في فقه اللغات بوجه عام أن الكلمة الواحدة تعطي من المعاني
ص292
والدلالات بقدر ما يتاح لها من الاستعمالات؛ لأن كثرة الاستعمال(1) لا بد أن تخلق كلمات جديدة تلبي بها مطالب الحياة والأحياء.
ولعل أبرز العوامل في اشتمال لغتنا على هذا الثراء العظيم أن المهجور في الاستعمال من ألفاظها كتب له البقاء، فإلى جانب الكلمات المستعملة كان مدونو المعجمات يسجلون الكلمات المهجورة. وما هجر في زمان معين كان قبل مستعملًا في عصر من العصور، أو كان لهجة لقبيلة خاصة انقرضت أو غلبتها لهجة أقوى منها، وهجران اللفظ ليس كافيًا لإماتته؛ لأن من الممكن إحياءه بتجديد استعماله.
فالاستعمال في العربية على نوعين: مهجور قد يستعمل، ومستعمل قد يهجر، واحتفاظ علمائنا بالنوع الأول كأنه إرهاص لإحيائه، وفي هذا كانت المزية للعربية؛ إذ لا تختفظ سائر اللغات إلا بالنوع الثاني وهو مهدد بالهجران، معرض لقوانين التغير الصوتي، فإذا أميت بالهجر لم يكن في طبائعها ما تعوض به المهجور الجديد بمهجور قديم، فتضطر إلى الاستجداء من لغات أخرى وأحيانًا إلى غصبها والسرقة منها.
ليس من الغريب إذن أن نجد باحثًا كرينان Renan في دراسته للغات السامية تأخذه الدهشة وهو ينقل عن الأستاذ دوهامر De Hammer أنه توصل إلى جمع أكثر من 5644 لفظًا لشئون الجمل، رفيق الأعرابي في الصحراء ومؤنسه في وحشته(2). ليس من الغريب هذا؛ فإن دوهامر لم يقصر بحثه على أسماء الجمل ومرادفاته، بل جمع كل ما يتعلق بشئونه، وهو الكائن الحي الذي لا يستغني عنه العربي لحظة في حياته. وإذن تكون هذه الأسماء الكثيرة نعوتًا للجمل في أحواله المختلفة: في
ص293
حسنه وتمام خلقه، وهزاله وقلة لحمه، وإقامته في المرعى وحبسه، وخطره بذنبه وورده، وشدته في السير ورفقه(3). ولا بد أن تلمح حينئذ فروق بين هذه الأسماء، فإذا عجلت الناقة أو الجمل للورد فهي "الميراد"، وإذا توجهت إلى الماء فهي "القارب"، وإذا كانت في أوائل الإبل فهي "السَّلوف"، وإذا كانت في وسطهن فهي "الدَّفون"(4). على أن بين علماء العربية من قصر بحثه على أسماء تطلق على مسمى معين وبلغ بها الألوف، لا أقول المئات، كما صنع مجد الدين الفيروزآبادي(5) صاحب القاموس في كتابه "الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف". ونحن بعد مثل هذا الكتاب سوف نستصغر ونستقل كل ما يشيع على ألسنة المتحذلقين من أن أحدهم جمع للأسد مثلًا خمسمائة اسم، وللحية مائتين(6)، وأن آخر جمع من أسماء الدواهي ما يزيد على أربعمائة، وذكر أن تكاثر أسماء الدواهي من الدواهي(7)، بل نستقل كتاب "ترقيق الأَسَل لتصفيق العسل" نفسه؛ لأنه لم يذكر فيه من
ص294
أسماء العسل إلا ثمانين: منها الحميت، والتحموت، والطَّرْيَم، والدستفشار(8)، والْمِحْران، والعِكْبر، والبلة، والصبيب، والصموت، واللواص، والرُّحاق، فضلًا على أسمائه المشهورة كالشهد، والذوب، وريق النحل، وقيء الزنابير(9).
ونلاحظ هنا شيئًا جديرًا بالاهتمام، فعدا عن أن أوصاف المسمى تصبح أسماء مرادفات، هنالك ألفاظ أعجمية معربة لا يلبث جامعو القواميس أن يجعلوها من عناصر اللغة ومفرداتها نفسها، وعليها يبنون نظرتهم في انفراد اللغة بمزية الثراء العظيم. ولكيلا نضرب إلا مثلًا واحدًا، نشير إلى ما علق به صاحب اللسان على كلمة "دستفشار" فإنه قال: "هو معرب، وهو العسل المعتصر بالأيدي إذا كان يسيرًا. وإن كان كثيرًا فبالأرجل، ومنه قول الحجاج في كتابه إلى بعض عماله بفارس: ابعث إليَّ بعسل خُلار، من النحل الأبكار، من الدستفشار، الذي لم تمسه نار"(10).
ولكن بعض العلماء القدامى ينكرون وقوع الترادف في العربية، وفي إنكارهم معنى أخطر كثيرًا مما يتصوره أي باحث من المحدثين، فلا سبيل معه إلى القول بانفراد العربية بكثرة المفردات وسعة التعبير. قال أبو علي الفارسي(11): "كنت بمجلس سيف الدولة بحلب وبالحضرة جماعة
ص295
من أهل اللغة، ومنهم ابن خالويه، فقال ابن خالويه: أحفظ للسيف خمسين اسمًا، فتبسم أبو علي وقال: ما أحفظ له إلا اسمًا واحدًا وهو السيف. قال ابن خالويه: فأين المهند والصارم وكذا وكذا؟ فقال أبو علي: هذه صفات"(12).
وإنكار الترادف، والتماس الفروق الدقيقة بين الكلمات التي يظن فيها اتحاد المعنى، والقول بالتباين بين اسم الذات واسم الصفة أو صفة الصفة، ذهب إليه بعض العلماء في أواخر القرن الهجري، فكان عالم كبير كثعلب(13) يرى أن "ما يظن من المترادفات فهو من المتباينات"(14)، وبمثل قوله قال تلميذه أحمد بن فارس. وإذا الجدل يبلغ أشده في القرن الرابع الهجري حول هذا الموضوع، فمن منكر للترادف، ومن مغالٍ في وقوعه، ومن معتدل فيه.
فأما ابن فارس فكان يقول: "يسمى الشيء الواحد بالأسماء المختلفة، نحو السيف والمهند والحسام. والذي نقول في هذا: إن الاسم واحد وهو السيف، وما بعده من الألقاب صفات، ومذهبنا أن كل صفة منها فمعناها غير معنى الأخرى"(15). وإذا اعترض أصحاب الترادف بأن المعنيين لو اختلفا لما جاز أن يعبر عن الشيء بالشيء فيكون التعبير عن معنى الريب بالشك خطأ، ويكون التعبير عن معنى البعد بالنأي
ص296
خطأ في قول الشاعر:
وهند أتى من دونها النأي والبعد
أجاب ابن فارس: "إنما عبر عنه من طريق المشاكلة، ولسنا نقول: إن اللفظتين مختلفتان فيلزمنا ما قالوه، وإنما نقول: إن في كل واحدة منهما معنى ليس في الأخرى"(16).
ولم يكن ابن فارس يكتفي بملاحظة الفروق الدقيقة بين الاسم والوصف أو بين اسم وآخر، بل كان يرى مع شيخه ثعلب أن معاني الأحداث التي تفيدها الأفعال تشتمل كذلك على فروق دقيقة لا تسمح بالقول بالترادف فيها "نحو مضى وذهب وانطلق، وقعد وجلس، ورقد ونام وهجع، ففي قعد معنى ليس في جلس، وكذلك القول فيما سواه"(17).
وبسبيل إثبات هذه التفرقة وإيضاحها يقول ابن فارس: "ألا ترى أنا نقول: قام ثم قعد، وأخذه المقيم والمقعد ... ثم نقول: كان مضطجعًا فجلس، فيكون القعود عن القيام، والجلوس عن حالة هي دون الجلوس؛ لأن الْجَلْس المرتفع، والجلوس ارتفاع عما هو دونه، وعلى هذا يجري الباب كله"(18).
ولقد نجد في لغات العالم، القديمة والحديثة، كلمات قليلة محدودة للتعبير عن أصوات الحركات الخفية مثلًا، فإن التمسنا في العربية ما وضع لأداء هذه الأصوات أدركنا العجز عن استيعاب تلك الكثرة من الكلمات الدالة على فروق دقيقة جدًّا؛ فالهمس صوت حركة الإنسان
ص297
وقد نطق به القرآن، ومثله الجرس والْخَشْفة. وفي الحديث أنه -صلى الله عليه وسلم- قال لبلال: "إنني لا أراني أدخل الجنة فأسمع الخشفة إلا رأيتك". وقريب منها الهمشة والوقشة. فأما النامة فهي ما يتم على الإنسان من حركته أو وطء قدميه. والهسهسة عام في كل شيء له صوت خفي كهساهس الإبل في سيرها. والهميس صوت نقل أخفاف الإبل في سيرها. "ومنه قول القائل":
وهن يمشين بنا هميسا(19)
وتبلغ العربية حد الإعجاز وهي تعبر عن صوت الشيء الواحد بألفاظ مختلفة تراعي معها التفاوت في علوه وهبوطه، وعمقه وسطحيته. فإذا كان صوت الإنسان الخفي -كما رأينا- قفد يكون همسًا أو جرسًا أو خشفة أو همشة أو وقشة، فإن صوت الماء إذا جرى خرير، وإذا كان تحت ورق أو قماش قسيب، وإذا دخل في مضيق فقيق، وإذا تردد في الجرة أو الكوز بَقْبَقة، وإذا استخرج شرابًا من الآنية قرقرة ... وهكذا(20).
ولقد حَرَصَ العلماء على إظهار الفروق الدقيقة بين الألفاظ المستعملة، فعقدوا فصولًا لأشياء تختلف أسماؤها باختلاف أحوالها، ونقلوا مثلًا أنه "لا يقال كأس إلا إذا كان عليها طعام، وإلا فهي خوان. ولا كوز إلا إذا كانت له عروة، وإلا فهو كوب"(21).
ص298
ولسنا نريد بهذا أن ننكر مع أحمد بن فارس وقوع الترادف، بل نؤثر أن نعتدل في رأينا، فلا ضير علينا إذن أن نأخذ بمذهب من يقول في شأن الترادف: "وينبغي أن يحمل كلام من منعه على منعه في لغة واحدة، فأما في لغتين فلا ينكره عاقل"(22).
وقد تنبه إلى هذا علماء الأصول حين فسروا وقوع الترادف بوجود واضعين مختلفين، "وهو الأكثر: بأن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين والأخرى الاسم الآخر للمسمى الواحد، من غير أن تشعر إحداهما بالأخرى، ثم يشتهر الوضعان، ويخفى الواضعان، أو يلتبس وضع أحدهما بوضع الآخر، وهذا مبني على كون اللغات اصطلاحية"(23).
وإن خفاء الواضعين حين لم يمنع اشتهار الوضعين قد زاد من ثروة اللغة المثالية حتمًا، فقد انتقل إلى هذه اللغة كثير من مفردات القبائل الأخرى، وأصبحت في الحقيقة تؤلف جزءًا من صيغها وألفاظها، وتنوسيت الفروق الدقيقة التي تميز لهجة من لهجة، أو حفظ بعضها وأهمل البعض الآخر.
وعلى هذا الأساس نقر بوجود الترادف في القرآن الكريم؛ لأنه وقد نزل بلغة قريش المثالية يجري على أساليبها وطرق تعبيرها، وقد أتاح لهذه اللغة طول احتكاكها باللهجات العربية الأخرى اقتباس مفردات تملك أحيانًا نظائرها ولا تملك منها شيئًا أحيانًا أخرى، حتى إذا أصبحت جزءًا من محصولها اللغوي فلا غضاضة أن يستعمل القرآن الألفاظ الجديدة المقتبسة إلى جانب الألفاظ القرشية الخالصة القديمة، وبهذا نفسر ترادف
ص299
أقسم وحلف في قوله: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} وقوله: {يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ} ، وترادف بعث وأرسل في قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} وقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِين} ، وترادف فضَّل وآثر في قوله: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} وقوله: {تَاللَّهِ لَقَدْ آَثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا} فقريش كانت تستعمل في بيئتها اللغوية الخاصة أحد اللفظين في هذه الأمثلة الثلاثة، وإنما اكتسبت اللفظ الآخر من احتكاكها بلهجة أخرى لها بيئتها اللغوية المستقلة. وهكذا لم نجد مناصًا من التسليم بوجود الترادف ولا مفرًّا من الاعتراف بالفروق بين المترادفات، لكن هذه الفروق -على ما يبدو لنا- تنوسيت فيما بعد، وأصبح من حق اللغة التي ضمتها إليها أن تعتبرها ملكًا لها، ودليلًا على ثرائها، وكثرة مترادفاتها.
وتكاد تُجْمِع كتب الأدب على رواية قصة تعتبر حجة دامغة على صحة ما نميل إليه؛ فقد خرج رجل من بني كلاب أو من بني عامر بن صعصعة(24) إلى ذي جَدَن من ملوك اليمن، فاطلع إلى سطح والملك عليه، فلما رآه الملك قال له: ثب، يريد "اقعد". فقال الرجل: ليعلم الملك أني سامع مطيع، ثم وثب من السطح ودقت عنقه. فقال الملك: ما شأنه؟ فقالوا له: أبيت اللعن، إن الوثب في كلام نزار الطمر "أي الوثوب إلى أسفل" فقال الملك: ليست عربيتنا كعربيتهم، من دخل ظفار حَمَّر "أي من دخل مدينتنا اليمنية "ظفار" فعليه أن يتكلم بلهجة حمير"(25).
وواضح أننا لا نقصد من هذه القصة أن نجري وراء المبالغين في الترادف، فنهول كما هولوا، ونزعم الترادف المطلق بين مئات الأسماء
ص300
وعشراتها لمسمى واحد، فإننا من قبل ومن بعد أمام قصة ستظل مهما تجمع عليها كتب الأدب قصة، ولكن مصدر احتجاجنا بها يعود إلى أن الذين وضعوها -إن كانت موضوعة- إنما استشعروا فيها إمكان التعبير عن شيء واحد بلفظتين مختلفتين ما دامت البيئتان اللغويتان متباينتين. ولو صدر لفظ "وثب وقعد" بمعنى واحد عن قبيلة واحدة، وفي بيئة لغوية واحدة، لما كان ثمة احتمال للترادف بين اللفظين.
وإذا كنا نعتبر الكلمة التي تقتبسها اللهجة الأقوى ملكًا لها ودليلًا على ثرائها متى تثبتنا من اختلاف البيئتين اللغويتين، فإننا نود أن ننبه -مخافة الوقوع في اللبس- على أن الاختلاف بين لغتين يراد منه الاختلاف بين لهجتين كلتاهما فرغ للغة واحدة، وت فرعهما عن أصل واحد هو الذي يسوغ ضم ما عند هذه إلى تلك، فيصح لنا -على هذا الأساس- التغني بمآثر لغتنا التي تشتمل على محصول لغوي لا مثيل له بين لغات العالم.
أما متى بلغ الاختلاف بين اللغتين مرحلة التباين الأصلي، كما بين العربية والفارسية، أو بين العربية واليونانية مثلًا، فإن الكلمات المكتسبة لا يستدل بها على ثراء اللغة إلا من زعم أن الطير ولد الحوت!
ص301
_________________
(1) انظر فندريس 242.
(2) Renan, Langues Semitiques, p. 387.
(3) انظر كتاب الإبل في "المخصص 7/ 2-175" فقد أفرد ابن سيده هذا السفر السابع -ما عدا عشرين صفحة من آخره- لنعوت الإبل وكل ما يتلعق بشئونها. ونظن هذا السفر قد جمع فأوعى، فهو يغني عن جميع المصنفات في شئون الإبل، ولا تجد واحدًا منها يغني عنه.
(4) انظر على سبيل المثال: فرائد اللغة في الفروق ص266، والكتاب من جمع الأب لامنس.
(5) هو محمد بن يعقوب، أبو طاهر، مجد الدين الفيروزآبادي. إمام في اللغة. له كتب كثيرة أشهرها "القاموس المحيط" وقد طبع في أربعة أجزاء. ومما طبع في رسائله اللغوية "تحبير الموشين فيما يقال بالسين والشين". ومن كتبه المخطوطة الجديرة بالنشر "المثلث المتفق المعنى" و"الجليس الأنيس في أسماء الحندريس" و"البلغة في تاريخ أئمة اللغة". توفي في زبيد سنة 817هـ "بغية الوعاة 117".
(6) وهو ابن خالويه كما في "المزهر 1/ 325". وقارن فيما يتعلق بصفات الأسد بذيل الأمالي ص180.
(7) وهو حمزة بن حسن الأصبهاني نقلًا عن الثعالبي في "فقه اللغة ص 457"، وقارن بالمزهر 1/ 325.
(8) وردت في "المزهر 1/ 407" المستفشار، بالميم، وهي الدستفشار بالدال، كما في اللسان 5/ 144.
(9) المزهر 1/ 407. والأسماء الثمانون كلها مذكورة في المزهر، ولكن من الغريب حقًّا أن يعلق السيوطي على ذلك بقوله: "قلت: ما استوفى أحد مثل هذا الاستيفاء، ومع ذلك فقد فاته بعض الألفاظ، فقد أنشد القالي في أماليه:
ولذ كطعم الصرخدي تركته.
وقال: الصرخدي: العسل".
(10) اللسان 4/ 144 مادة "بكر".
(11) سبقت ترجمته.
(12) المزهر 1/ 405.
(13) هو أحمد بن يحيى أبو العباس، المعروف بثعلب. إمام الكوفيين في النحو، وأحد كبار الراوة الحفاظ. من كتبه المطبوعة "الفصيح" و"مجالس ثعلب" و"شرح ديوان زهير" و"شرح ديوان الأعشى" و"قواعد الشعر" وله في اللغة كتب أخرى أهمها "معاني القرآن" و"إعراب القرآن". توفي سنة 129هـ "تاريخ بغداد 5/ 204".
(14) المزهر 1/ 403.
(15) الصاحبي 65.
(16) نفسه 66.
(17) المزهر 1/ 405.
(18) الصاحبي 66.
(19) فقه اللغة للثعالبي ص308.
(20) فقه اللغة للثعالبي 321.
(21) انظر خصائص اللغة 152/ ب "مخطوطة الظاهرية تصوف 206" والكتاب منسوب إلى الثعالبي وهو في الحقيقة مختصر من كتابه "فقه اللغو وسر العربية" والذي اختصره الإمام النسفي، المفسر المشهور. وهذا واضح من مقدمة المخطوط، وقد زاده وضوحًا عندنا مقابلته بنسخة منه يملكها الأستاذ أحمد عبيد أحد أصحاب المكتبة العربية بدمشق.
(22) انظر المزهر 1/ 405. يقرب من هذا قول ابن جني في "الخصائص 1/ 378": "وكلما كثرت الألفاظ على المعنى الواحد كان ذلك أولى بأن يكون لغات لجماعات اجتمعت لإنسان واحد من هنا وهناك" وقارن بما ذكرناه ص63.
(23) المزهر 1/ 405 - 406.
(24) سماه ابن فارس في "الصاحبي 22" زيد بن عبد الله بن دارم.
(25) قارن بالصاحبي 22.