الحياة الاسرية
الزوج و الزوجة
الآباء والأمهات
الأبناء
مقبلون على الزواج
مشاكل و حلول
الطفولة
المراهقة والشباب
المرأة حقوق وواجبات
المجتمع و قضاياه
البيئة
آداب عامة
الوطن والسياسة
النظام المالي والانتاج
التنمية البشرية
التربية والتعليم
التربية الروحية والدينية
التربية الصحية والبدنية
التربية العلمية والفكرية والثقافية
التربية النفسية والعاطفية
مفاهيم ونظم تربوية
معلومات عامة
الزهد والتنمية
المؤلف: محمد الريشهري
المصدر: التنمية الاقتصادية في الكتاب والسنة
الجزء والصفحة: ص310-312
19-4-2016
2059
تصنّف النصوص الإسلامية الزهد وما يتصل به على نحو ما - كالرضا والقناعة - في عداد مبادئ التنمية، في المقابل تنظر إلى الحرص والتكاثر بوصفهما من موانعها وآفاتها (1)، على حين يبدو الأمر بالعكس تماما في مناخات الحضارة المادية، وخاصة في إطار المرتكزات الأخلاقية للتنمية الغربية. فما ذهب إليه ماكس فيبر في كتابه "الرأسمالية والأخلاق البروتستانتية": أن الرأسمالية الغربية مدينة في ازدهارها إلى ذيوع الأخلاق البروتستانتية التي تشيد بتراكم الثروة واكتنازها، وتحث الناس في هذا السبيل.
أجل، ما يبدو في الظاهر أن الزهد يناهض التنمية في حين أن الحرص والتكاثر يعينان على تحققها، بيد أن الواقع ليس كذلك. لتوضيح الأمر من الضروري إلقاء نظرة فاحصة على النقطتين التاليتين:
الاولى: لتوضيح طبيعة العلاقة بين الزهد والتنمية، ينبغي قبل كل شيء تحديد مفهوم هذين المصطلحين والأهداف المتوخاة منهما. فمن جهة إذا ما حصرنا مفهوم التنمية في نطاق نمو الإنتاج القومي وإحراز التقدم الفني والعلمي، ونظرنا إلى ذلك بوصفه الهدف الأعلى والغاية القصوى التي نرجوها، ثم عمدنا من جهة ثانية إلى تفسير الزهد على أساس العزوف عن الدنيا، والإحجام عن ممارسة النشاطات الاقتصادية، فلا مناص عندئذ من أن نعترف بأن الزهد ليس فقط لا يساهم في التنمية بل يعد من آفاتها أيضا. لكن إذا فسرت التنمية بمعنى أنها حالة متكاملة لازدهار طاقات الإنسان وتفجير مكنوناته في جميع مرافق الحياة، وتأمين احتياجاته المادية والمعنوية، وأن الهدف منها هو بلوغ الكمال المطلق والرسوّ على السعادة الأبدية، ثم إذا وضع الزهد في إطار معناه الصحيح، فإن الزهد عندئذ ليس فقط لا يناهض التنمية ولا ينافيها بل يدخل في عداد مبادئها الأخلاقية، ..
الثانية: إن تفسير الزهد بالعزوف عن الدنيا والإحجام عن العمل والفعاليات الاقتصادية، يعكس رؤية منحرفة وغير سليمة للمصطلح؛ فالمعنى الصحيح للزهد هو: عدم الرغبة في أي شيء يمكن أن يكون مانعا لتكامل الإنسان وبلوغه الكمال المطلق. والهدف منه في الدرجة الاولى هو أخذ القليل في مقابل تقديم الكثير.
فالزاهد الحقيقي من جهة: هو من يبذل قصارى جهده في مضمار الإنتاج والعمل، ولا يدخر من طاقته شيئا، وهو من جهة ثانية: من يعزف بسهولة عن الرغائب المادية في مجال الاستهلاك وعندما تحين لحظة العطاء والاستثمار الشخصي، من خلال السلطة النفسية المكينة التي يتحلى بها؛ الزاهد هو من يهب الكثير ويقنع بالقليل، وهو من يبذل للآخرين ما تناهت عسرته ومشقته، ويرضى لنفسه بالنصيب الأقل.
أما الذروة لهذا النمط من الزهاد والمثل الأعلى لهم فهو إمام الزاهدين أمير المؤمنين(عليه السلام) من خلال سيرته في العمل والإنتاج والاستهلاك (2).
___________
1ـ انظر: ص 373 (المبادئ الأخلاقية) و ص 453 (الموانع الأخلاقية).
2ـ انظر: موسوعة الإمام علي بن أبي طالب: ج 9 ، ص 343 - 376.