1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الجغرافية الطبيعية

الجغرافية الحيوية

جغرافية النبات

جغرافية الحيوان

الجغرافية الفلكية

الجغرافية المناخية

جغرافية المياه

جغرافية البحار والمحيطات

جغرافية التربة

جغرافية التضاريس

الجيولوجيا

الجيومورفولوجيا

الجغرافية البشرية

الجغرافية الاجتماعية

جغرافية السكان

جغرافية العمران

جغرافية المدن

جغرافية الريف

جغرافية الجريمة

جغرافية الخدمات

الجغرافية الاقتصادية

الجغرافية الزراعية

الجغرافية الصناعية

الجغرافية السياحية

جغرافية النقل

جغرافية التجارة

جغرافية الطاقة

جغرافية التعدين

الجغرافية التاريخية

الجغرافية الحضارية

الجغرافية السياسية و الانتخابات

الجغرافية العسكرية

الجغرافية الثقافية

الجغرافية الطبية

جغرافية التنمية

جغرافية التخطيط

جغرافية الفكر الجغرافي

جغرافية المخاطر

جغرافية الاسماء

جغرافية السلالات

الجغرافية الاقليمية

جغرافية الخرائط

الاتجاهات الحديثة في الجغرافية

نظام الاستشعار عن بعد

نظام المعلومات الجغرافية (GIS)

نظام تحديد المواقع العالمي(GPS)

الجغرافية التطبيقية

جغرافية البيئة والتلوث

جغرافية العالم الاسلامي

الاطالس

معلومات جغرافية عامة

مناهج البحث الجغرافي

الجغرافية : الجغرافية البشرية : الجغرافية السياسية و الانتخابات :

ميزان المياه في جيوبوليتيكية الشرق الأوسط

المؤلف:  محمد رياض

المصدر:  الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا

الجزء والصفحة:  ص273-281

29-1-2016

4552

المطر والجفاف في الشرق الأوسط:

الصفة المميزة للشرق الأوسط هي أنه يحتل جزءا كبيرا من النطاق العالمي الجاف، ولهذا فضلنا أن نبدأ بدراسة المناخ عامة، والمياه على وجه خاص؛ لأنها تكون العامل الرئيسي المحدد للعمران والسكن، والمميز لكثير من التفاعلات التي تنبني عليها السياسات الأرضية في دول الشرق الأوسط.

تسيطر على الإقليم أشكال مختلفة من المناخ الجاف الحار، لكن امتداد الشرق الأوسط في درجات عرض كثيرة (من درجة العرض ٤٢ شمالا في تركيا إلى درجات العرض الاستوائية في الصومال)، فإن هناك تغايرات ملحوظة في متوسطات الحرارة، ويزيد على ذلك انخفاض واضح في درجات حرارة الشتاء في المناطق الجبلية، تصل إلى حد تكوين غطاءات ثلجية شتوية (جبال هندكوش والبرز وبنطسوطورس وأجزاء من جبال لبنان وزاجروس)، ويؤدي ذلك إلى تقسيم الشرق الأوسط حراريا إلى إقليمين: ( ١) إقليم الجبال والهضاب الشمالية والشرقية (اليونان، تركيا، إيران، أفغانستان)، ويتميز بشتاء بارد وعواصف ثلجية وصيف حار. ( ٢) إقليم الهضاب المنخفضة والسهول الذي يحتل غالبية المنطقة العربية، ويتميز بصيف حار وشتاء معتدل الحرارة، وترتفع درجة الحرارة كلما اتجهنا جنوبا صوب جنوب الجزيرة العربية والصومال والسودان وإثيوبيا.

وفي مقابل هذا التشابه الحراري العام خلال الصيف الطويل، فإن العامل المناخي ذا التأثير الواضح هو كمية الأمطار الساقطة، ويحدد هذه الكمية الشروط التالية:

(1)علاقة المكان بالنسبة لمسار أعاصير العروض الوسطى الشتوية التي تسير بانتظام  كبير عبر البحر المتوسط من الغرب إلى الشرق، وفوق لبنان وسوريا والعراق وإيران في اتجاه السند. (2)علاقة هذه الأعاصير بألسنة الضغط الجوي المرتفع خلال الشتاء، وهي الألسنة التي تمتد من فوق الاتحاد السوفيتي وتتسع لتشمل الأناضول والبلقان. ومحصلة علاقة هذين العنصرين تؤدي إلى اتساع نطاق المطر وكميته فوق الأناضول والليفانت والعراق وإيران في حالة انكماش مناطق الضغط المرتفع، بينما تتزحزح مسارات بعض هذه الأعاصير جنوبا إلى شمال مصر والخليج في حالة امتداد ألسنة الضغط المرتفع إلى القوقاز والأناضول.

وبغض النظر عن التغيرات السنوية في كمية المطر الساقط ومدى انكماشه أو شموله، فإن نظام المطر هذا من ناحيته النوعية أدى إلى تقسيم الشرق الأوسط إلى نطاقين مختلفين: النطاق المطير والنطاق الجاف، ويحتل نطاق المطر إقليمين أحدهما في شمال الشرق الأوسط (مطر شتوي) والثاني في جنوبه (مطر صيفي في السودان وإثيوبيا واليمن)، أما النطاق الجاف فيحتل القسم الأوسط من الشرق الأوسط من ليبيا إلى جنوب ووسط إيران وجنوب باكستان، وبالرغم من أن النطاق الجاف محروم من الأمطار المنتظمة، إلا أنه يتعرض للسيول المفاجئة الناجمة عن أعاصير أو فلول أعاصير

ضالة، وتؤدي التضاريس العالية إلى أمطار متوسطة إلى قليلة في داخل النطاق الجاف، مثل جبال اليمن والجبل الأخضر في ليبيا وفي عمان وجبال زاجروس الجنوبية (انظر خريطة 1).

صفات الإقليم الانتقالي:

ومن الصعب تحديد خط مطر يفصل بين النطاقين المطيرين والنطاق الجاف، ويعمد بعض الكتاب إلى اتخاذ خط المطر المتساوي ٥٠٠ مليمتر على أنه حد فاصل حرج بين الزراعة القائمة على المطر، وتلك التي تقوم على أشكال مختلفة من الري، باستخدام مصادر المياه الدائمة أو الفصلية (أنهار وعيون وآبار)، لكن ذبذبة الأمطار الساقطة في الشرق الأوسط، كما ومكانا، ومدى فعالية الكمية الساقطة بالنسبة للنمو النباتي في منطقة المطر الشتوي (موسم الحرارة الدنيا وقلة التبخر) وتلك التي تسقط في الصيف(موسم الحرارة العليا وكثرة التبخر)، كلها أسباب تجعلنا نميل إلى اتخاذ نطاق لتحديد الإقليم الذي يتمتع بفعالية وفوائد المطر الساقط، بدلا من اتخاذ خط محدد، ويمكننا أن نحدد هذا النطاق الانتقالي بالأراضي التي تتلقى كمية من الأمطار حدها الأدنى مائة مليمتر وحدها الأعلى ٥٠٠ مليمتر.

وهذا الإقليم الانتقالي الواسع ينقسم في الحقيقة إلى نطاقين: الأول إقليم الزراعة الانتقالي بين خطي مطر ٢٥٠ و ٥٠٠ مليمتر، والثاني إقليم الرعي التقليدي بين خطي مطر ١٠٠ و ٢٥٠ مليمتر (راجع الخريطة ٣١ )، والإقليم الأول هو في أساسه إقليم انتقالي من زراعة المطر إلى الزراعة البعلية والزراعة القائمة على الري، وفي داخل هذه المنطقة تغيرات كبيرة في كمية المطر الساقط، راجعة إلى علاقات الموقع واتجاه الأعاصير الممطرة ومواجهة المسطحات البحرية والعوائق الجبلية، وأيا كانت الظروف وكمية الأمطار فإن نجاح الزراعة في هذا الإقليم عامة يعتمد على تدابير الري المختلفة، سواء كانت على مستوى تقليدي أو علمي، وسواء كانت على مستوى فردي أو محلي أو على مستوى الدولة.

أما النطاق الثاني (100 – 250 مليمترا) فهو نطاق الرعي التقليدي الذي تمارسه القبائل البادية كبيرة العدد، ويمتد هذا النطاق الرعوي، متداخلا مع نطاق الأمطار الأكثر، فيما بين الجزيرة شمال العراق وبادية الشام في سوريا والأردن والعراق، إلى شمال المملكة السعودية، هنا نجد التنظيمات العشائرية أوضح وأقوى ما تكون في العالم العربي، متمثلة بقبائل شمر والرولة وعنزة، وفي منطقة الساحل المصري بين سيناء شرقا والجبل الأخضر في ليبيا غربا تظهر التنظيمات العشائرية الرعوية لعدد من القبائل أهمها أولاد علي فيما بين برقة والإسكندرية، وفي جنوب الجزيرة في كل من اليمن وعمان نجد نظام العشائر الرعوية سائدا في المناطق التي لا تستغل في الزراعة، وكذلك الحال في وسط وجنوب إيران وأفغانستان وجنوب باكستان، وفي الصومال وفي شمال شرق السودان ومعظم إريتريا.

من الخريطة (1) : ( ١) أكثر من ٥٠٠ مليمتر مطر سنوي: غابات البحر المتوسط وأحراش الجبال العالية، زراعة مطرية لمحاصيل وفواكه البحر المتوسط في الوديان وإقليم شرق المتوسط في لبنان وسوريا والأناضول، رعي تقليدي انتقالي في الهضاب العالية الداخلية في أرمينيا وكردستان وزاجروس. (2) 250 – 500 مليمتر مطر سنوي : إقليم الزراعة المطرية الانتقالي، محاصيل وفواكه البحر المتوسط، الانتقال إلى النمط الواحي في السكن والزراعة، تدابير ري مختلفة الأحجام لمساندة فعالية المطر في الزراعة. (3) 100 – 250 مليمترا مطر سنوي: إقليم الرعي والبداوة، حشائش تنمو سنويا مع المطر، زراعة محدودة على الري من العيون والآبار، مشاريع هندسية على بعض الأنهار. (4) 20 – 100 مليمتر. (٥) أقل من ٢٠ مليمترا مطر سنوي: نطاق الصحارى الجافة، بداوة محدودة قريبة من  خط مطر ١٠٠ مليمتر، وحول الواحات وفي مسارات السيول، زراعة مستقرة في النمط الواحي الأصيل، مشاريع ري كبرى في وادي النيل، في جمهوريتي مصر والسودان.

صفات الإقليم الجاف :

وخارج هذا الإقليم الانتقالي بنطاقيه نجد ( ١) الإقليم الجاف. ( ٢) الإقليم المطير. ويحتل الإقليم الجاف كل المناطق التي تقل أمطارها عن مائة مليمتر، ويشتمل على وسط إيران وغالبية شبه الجزيرة العربية وشمال السودان ومصر، وتعتمد الحياة في هذا الإقليم على المخزون من المياه الجوفية، سواء كانت حفرية (ترجع إلى العصور المطيرة) أو كانت مياه متجددة (بالتسرب الجوفي لمياه أمطار منطقة قريبة)، ومن ثم فإن الحياة تظهر منعزلة ومبعثرة في الواحات التي تظهر فيها هذه المياه الجوفية، وفي داخل هذا النطاق الجاف تظهر بعض الأنهار القصيرة، كما هو الحال في الهضبة الإيرانية الأفغانية، كما أن أجزاء من مسارات بعض الأنهار الكبرى تخترق الإقليم في صورة أحداث إيكولوجية عارضة: الدجلة والفرات والنيل. وقد قامت على مياه الأنهار القصيرة والطويلة حياة مستقرة في امتدادات أرضية طويلة، شكلت نقيضا عمرانيا للتجمع الواحي الصغير المبعثر، وكانت مهادا للحضارات القديمة العليا في مصر والعراق وفارس.

صفات الإقليم المطير:  

أما الإقليم المطير فهو ذلك الذي تزيد فيه الأمطار عن ٥٠٠ مليمتر، ويشتمل على معظم شمال الشرق الأوسط: غالبية تركيا باستثناء الهضبة الوسطى قليلة الأمطار وعلى جبار البرز في شمال إيران، وعلى هضاب أرمينيا وكردستان فيما بين تركيا وإيران وشمال العراق، وعلى جبال زاجروس وكل ساحل سوريا ولبنان وشمال فلسطين، كما يشتمل على إقليم المطر الصيفي في أجزاء من السودان وإثيوبيا واليمن وعمان، وبرغم الزراعة المطرية في كل تلك المناطق، إلا أن الزراعة كحرفة أساسية اقتصرت على سكان السهول الساحلية فيشرق المتوسط وسواحل الأناضول وسواحل بحر قزوين، مع تداخل في صورة جيوب صغيرة تلتزم بالوديان النهرية التي تنبع من الجبال، كوادي العاصي ووادي الأردن وأودية سيحان ومندريس وسقاريا وأعالي الفرات في الأناضول وبعض مناطق السودان وإثيوبيا واليمن وعمان، وفي مقابل ذلك فإن بقية الإقليم المطير تحتله مجتمعات رعوية متعددة أكبرها الأكراد واللور والباتان في الجانب الآسيوي، والبقارة والجالا والصومالي في القسم الأفريقي.

مسعى دائم في الشرق الأوسط لتعديل ميزان الماء:  

يتضح من هذا العرض السريع كيف أن الظروف المناخية في الشرق الأوسط كانت من العوامل، بل من العناصر الجغرافية ذات الفعالية الشديدة في تشكيل قدر كبير من البناء الأساسي لدول الشرق الأوسط، فظروف الحرارة والجفاف العامة جعلت للموارد المائية أهمية حيوية تعادل أهمية المكان والموقع الجغرافي أو التركيب الجيولوجي والثروة المعدنية، وتزيد عليهم، فمن البديهيات أن حجم الموارد المائية تشكل الإطار الذي يتقررمن خلاله حجم الموارد البشرية الأخرى، ونخص بالذكر حجم السكان وحجم ونوع الموارد الاقتصادية الموجهة للغذاء، سواء كان ذلك موارد زراعية أو حيوانية أو كلتيهما.

ويكفي بصورة عامة أن نقارن بين الحجم السكاني في مصر وتركيا، حيث تتوفر الموارد المائية الدائمة على نطاق واسع النيل وأمطار وأنهار تركيا وبين مثيله في إيران والسعودية حيث تقتصر الموارد المائية على مساحات محدودة في الوحدات، باستثناء شمال وغرب إيران (انظر خريطة 2).

|وكذلك يكفي أن نعرف أن دول الشرق الأوسط في مجموعها من أكثر دول العالم انشغالا بمحاولات تعديل الميزان الطبيعي في مصادرها المائية بشتى الوسائل، ومنذ القدم ابتكر سكان الشرق الأوسط وسائل مختلفة لتخزين المياه في خزانات كبيرة خزان بحيرة موريس في الفيوم منذ عهد الدولة الوسطى في مصر الفرعونية في حوالي ٢٠٠٠ ق.م أو نظام ري الحياض الفرعوني لاستخدام مياه النيل الاستخدام الأمثل مع زيادة خصب التربة، أو نظام القنوات التي كان يحفرها الفرس تحت الأرض لمسافات طويلة وذلك لجلب المياه من أماكن بعيدة نسبيا، ووسائل وأدوات رفع المياه (الساقية والشادوف).

وفي الوقت الحاضر هناك إنشاءات هندسية عديدة على أنهار المنطقة، وربما كانت مجموعة الإنشاءات الهندسية على النيل (ابتداء من القناطر الخيرية ١٨٤٠ حتى السد العالي) من أكمل المجهودات البشرية لضبط الأنهار في العالم.

وهناك إنشاءات هندسية متعددة على العاصي والفرات وغيرهما من أنهار المنطقة، وسيأتي وقت تصبح فيه كافة أنهار الشرق الأوسط مضبوطة بدرجات مختلفة من أجل توفير مياه الري ومياه الشرب لإطعام وسقاية ملايين الناس في المستقبل، وتتعدى الأعمال الهندسية أنهار الشرق الأوسط الرئيسية إلى المجاري النهرية الصغيرة التي تصب في المنخفضات الطبيعية، كما هو حادث في إيران، ومشروعات أخرى على الأودية ذات التصريف المائي الموسمي مثل أودية اليمن وعسير أو وادي حنيفة عند الرياض.

ولا يقتصر الأمر على محاولة ضبط الأنهار الدائمة أو المسايل والأودية ذات الجريان الموسمي، بل يتعداه إلى تحويل جزء من مياه بعض الأنهار مسافات بعيدة في مجار صناعية، وهذه عملية مكلفة، ولكنها تشكل ضرورة لا بد منها، ومن الأمثلة على ذلك جر مياه النيل إلى غرب محافظة البحيرة مديرية التحرير ومنطقة مشروع ري مريوط الكنتوري — وتحويل مساحات ذات قدر من الصحارى إلى أراض زراعية جيدة، ومن الأمثلة أيضا سحب مياه الأردن لري أجزاء من سهل فلسطين وشمال النقب، ومشروعات عربية أخرى على نهر الأردن لري مساحات كبيرة من أراضي الغور.

خريطة ( 2 ): توزيع الكثافة السكانية في الشرق الأوسط. ( ١) أكثر من ١٠٠ شخص للكيلومتر. (2) 50 – 100 شخص / كم 2. (3) 10-50 شخصا / كلم2 (4) 1-10 أشخاص / كلم2 (5) أقل من شخص / كلم2 (6) غير مأهولة بالسكان.

ملاحظة: قارن مع خريطة ( 1 ) التزام السكن والكثافات العالية بمصادر المياه (أمطار في الشمال، ينابيع وآبار في الواحات ووديان نهرية في الإقليم الصحراوي).

ولمزيد من تحسين أرصدة المياه في دول الشرق الأوسط الجافة نجد مساعي عديدة تستخدم الأساليب العلمية للحصول على المياه الجوفية، وقد كانت الدفعة الأولى في هذا الاتجاه ناجمة عن أعمال شركات التنقيب عن البترول في جوف الصحراء، فقد كان لزاما عليها أن تحاول اكتشاف مصادر مياه باطنية محلية تحتاجها في عمليات الضخ البترولي، ولأغراض المستعمرة البشرية التي تقوم جوار الحقل البترولي، وتنتشر عملية دق الآبار الحديثة في أجزاء مختلفة من السعودية ضمن خطة شاملة للدولة من أجل تدعيم اقتصادها الزراعي والتوسع الأفقي في مساحات الأرض الزراعية، ومما يؤخذ مؤشرا على ذلك أن الميزانية السعودية عام ١٩٧٠ قد خصصت نحو مائة مليون دولار في صورة استثمارات حكومية لتعميق الآبار الموجودة، وإقامة مشروعات ري حديثة، ومشروعات لضبط الرمال المتحركة الكثبان حتى لا تزحف على الأراضي الزراعية، وتعد الحكومة السعودية دراسة شاملة لمصادر مياهها الجوفية، كما أقامت ثلاث منشآت لتحلية مياه البحر، وهناك أربع أخرى بسبيل التنفيذ.

ومثل ذلك تفعله إيران في سبيل تحسين الاستفادة من مواردها المائية وزيادة الأرض المزروعة، وذلك برصد استثمارات كبيرة في إطار خطة التنمية، وكان مشروع (الوادي الجديد) في الواحات الخارجة المصرية من بين مساعي دول الشرق الأوسط للحصول على مصادر مياه جديدة بضخ المياه الباطنية. وأيا كانت نتائج مشروع الوادي الجديد، فإن الخبرة والمهارة التي اكتسبها عدد من الباحثين المختصين بشئون المياه الباطنية هي في حد ذاتها مكسب كبير.

والمشكلة الأساسية التي تواجه التوسع في استخدام المياه الباطنية هي الحصول على إجابة صحيحة للسؤال الصعب: هل المياه الجوفية في أي من الجيوب الباطنية التي تختزن فيها المياه مياه متجددة أم حفرية (مياه قديمة وقعت في مصيدة جيولوجية مثل حقول البترول، وبالتالي فهي غير متجددة)؟ فإذا كانت المياه متجددة، فإن السؤال الثاني هو ماهية مصدر هذه المياه، وأين يقع، وسرعة جريان المياه الباطنية من المصدر إلى البئر؟ وبناء على ذلك كله فإن أي مشروع زراعي على أساس ضخ مياه باطنية يجب أن يبنى على أساس حسابات دقيقة تحدد كمية المياه التي يمكن أن تضخ سنويا، بحيث لا تؤثر على مستوى الماء الباطني بصورة يتوقف معها المشروع بعد عدة سنوات، وإذا كانت المياه التي عثر عليها حفرية أو أن تجددها شديد البطء فإن ذلك يعني إقامة مشروع محدود زمنيا، ينتهي بنضوب المياه، ولكن هذه الصورة المثالية من البحث والدراسة لا تتم على هذا النحو، ففي غالبية الحالات تدق الآبار عند العثور على الماء، وليكن عمر المخزون المائي ما يكون، وهذه وجهة نظر متبعة في أحيان كثيرة بالنسبة لتعدين المعادن، وفي كليهما استفادة بمصادر الثروة غير المتجددة.

في معظم بلاد الشرق الأوسط نجد أن الحجم السكاني متواز بصورة من الصور مع موارد المياه، وقد نجد دولا يقل فيها عدد السكان عن حجم الموارد المائية الموجودة، والمثال الرئيسي على ذلك هو السودان والعراق، ونجد دولا أخرى يزيد فيها ضغط السكان على الموارد المائية المتاحة، كما هو الحال في مصر ولبنان وفلسطين، وهذا النقص أو الزيادة في تناسب السكان والمياه يجيء نتيجة تفاعلات حضارية واقتصادية وصحية تعمل من داخل الدولة بالطرق الطبيعية التدريجية، ويمكن زيادة فاعلية العوامل المختلفة بوضع خطط ومشروعات للتنمية وتحسين الأحوال الصحية من أجل زيادة السكان في الدول قليلة السكان، أو من أجل مواجهة الضغط السكاني، وبعبارة أخرى يمكن علميا المحافظة على توازن القوى الداخلية بالحد من مسببات الضعف التركيبي للدولة سياسيا، سواء كانت دولة مفتقرة إلى الطاقة البشرية أو أخرى تعكس فيها القوى البشرية الضاغطة ميزان التوازن مع الموارد المتاحة.

وحيث إن مشكلات زيادة السكان في مصر، أو قلتهم في السودان أو العراق من المشكلات المعروفة، وإن لهذه أو تلك حلولا واضحة تكثيف الإنتاج الزراعي والصناعي واستخدام أحسن لموارد النيل ودجلة والفرات فإننا سنتناول بالدراسة موضوع التناسب بين السكان والمياه في لبنان وفلسطين، اللتين تؤدي فيهما عدة عوامل اقتصادية وخارجية إلى زيادة الضغط السكاني على الموارد المائية المحدودة، وهذا الدفع السكاني يقود إلى ما يشبه الطريق المسدود ويضخم مشكلة فقدان التوازن، وبالتالي يشكل نقاط ضعف من نوع خاص في كل من المنطقتين.