1

x

هدف البحث

بحث في العناوين

بحث في اسماء الكتب

بحث في اسماء المؤلفين

اختر القسم

القرآن الكريم
الفقه واصوله
العقائد الاسلامية
سيرة الرسول وآله
علم الرجال والحديث
الأخلاق والأدعية
اللغة العربية وعلومها
الأدب العربي
الأسرة والمجتمع
التاريخ
الجغرافية
الادارة والاقتصاد
القانون
الزراعة
علم الفيزياء
علم الكيمياء
علم الأحياء
الرياضيات
الهندسة المدنية
الأعلام
اللغة الأنكليزية

موافق

الجغرافية الطبيعية

الجغرافية الحيوية

جغرافية النبات

جغرافية الحيوان

الجغرافية الفلكية

الجغرافية المناخية

جغرافية المياه

جغرافية البحار والمحيطات

جغرافية التربة

جغرافية التضاريس

الجيولوجيا

الجيومورفولوجيا

الجغرافية البشرية

الجغرافية الاجتماعية

جغرافية السكان

جغرافية العمران

جغرافية المدن

جغرافية الريف

جغرافية الجريمة

جغرافية الخدمات

الجغرافية الاقتصادية

الجغرافية الزراعية

الجغرافية الصناعية

الجغرافية السياحية

جغرافية النقل

جغرافية التجارة

جغرافية الطاقة

جغرافية التعدين

الجغرافية التاريخية

الجغرافية الحضارية

الجغرافية السياسية و الانتخابات

الجغرافية العسكرية

الجغرافية الثقافية

الجغرافية الطبية

جغرافية التنمية

جغرافية التخطيط

جغرافية الفكر الجغرافي

جغرافية المخاطر

جغرافية الاسماء

جغرافية السلالات

الجغرافية الاقليمية

جغرافية الخرائط

الاتجاهات الحديثة في الجغرافية

نظام الاستشعار عن بعد

نظام المعلومات الجغرافية (GIS)

نظام تحديد المواقع العالمي(GPS)

الجغرافية التطبيقية

جغرافية البيئة والتلوث

جغرافية العالم الاسلامي

الاطالس

معلومات جغرافية عامة

مناهج البحث الجغرافي

الجغرافية : الجغرافية البشرية : الجغرافية السياسية و الانتخابات :

لبنان والمياه

المؤلف:  محمد رياض

المصدر:  الأصول العامة في الجغرافيا السياسية والجيوبوليتيكا

الجزء والصفحة:  ص281-286

27-1-2016

2463

في خلال النصف الأول من هذا القرن كان التوازن شبه متوافق بين السكان وموارد المياه والتربة الصالحة للزراعة وتكنولوجية الزراعة في لبنان، بل كان يميل قليلا نحو زيادة سكانية تجد لها مخرجا في هجرة دائمة أو شبه دائمة إلى مناطق الثروة والعمل في مصر وأفريقيا الغربية الفرنسية والأمريكتين، وبعد ظهور المشكلة الفلسطينية وتكوين إسرائيل والمقاطعة العربية السياسية والاقتصادية أصبح لبنان الوريث الوحيد لعلاقات الموقع وتجارة الترانزيت التي كانت تميز فلسطين منذ فترة طويلة.

وقد كانت خلفية موانئ فلسطين عكا وحيفا ويافا تمتد في سهولة ويسر عبر السهل الفلسطيني الواسع وعبر سهل مرج بن عامر العريض إلى الأردن، ومن ثم إلى سوريا والعراق، وبواسطة الخط الحديدي من مصر وقناة السويس ومن الموانئ الفلسطينية، كانت التجارة تنتقل بسهولة عبر السهل الفلسطيني إلى الأردن وسوريا ولبنان، وفي مقابل السهول التي تربط موانئ فلسطين بخلفياتها الداخلية في الشرق الأوسط نجد الجبل اللبناني يقف عائقا طبيعيا أمام خطوط الاتصال والحركة بين بيروت وخلفيتها الطبيعية في الشرق الأوسط، وقد حاول الفرنسيون خلال فترة الانتداب ربط بيروت ودمشق ومنافسة الروابط السهلة الأخرى بين دمشق والواجهة البحرية في شمال فلسطين، ومن ثم أنشئ الخط الحديدي بين بيروت ودمشق، ولكنه خط طويل يتعرج كثيرا من الانحدارات الجبلية، ويدور في البقاع حتى يستطيع أن يجد مخرجا سهلا فيما بين الرياق وسرغايا عبر سلسلة الجبال الشرقية، وأكبر دليل على ضعف هذا الخط أن الطريق البري بين بيروت ودمشق يستأثر بحمولة أعظم مرات ومرات من هذا الخط الحديدي.

وبرغم هذه العوائق فإن الأحداث السياسية في فلسطين (وهي عنصر بشري حاسم) دفعت تجارة الترانزيت إلى لبنان عامة (بما في ذلك نهايات خطوط أنابيب البترول العراقية التي توقفت في فلسطين المحتلة تماما، وخط التابلاين السعودي الذي ينتهي في الزهراني)، وترتب على ذلك ازدهار واضح في الحياة الاقتصادية اللبنانية، وقد تضاعف هذا الازدهار بعد ١٩٥٦ و ١٩٥٩ و ١٩٦٣ و ١٩٦٧ مرات كثيرة بفعل عوامل بشرية أخرى نوجزها فيما يلي:

١- إغلاق قناة السويس مرتين وتحول جزء من تجارة دول شبه الجزيرة العربية  إلى الواجهة البحرية اللبنانية.

٢- تدفق رأسمال من دول البترول على المصارف والاستثمارات العقارية في لبنان، وذلك نتيجة الموقف السياسي الليبرالي المحايد الذي تتبعه لبنان، ويضاف إلى ذلك تكثيف صناعة السياحة وكثير من الخدمات لمنطقة الشرق الأوسط العربي بصورة عامة.

٣- ساهم رأس المال القادم من سوريا والعراق، نتيجة عدم الاستقرار، مع رجال  الخبرة من بعض الدول العربية ولبنان في زيادة الاستثمارات والعمالة والازدهار.

٤- في مجال العمالة البشرية أصبحت لبنان سوقا تجتذب فيها صناعة العمران  والطرق وزراعة الموالح أيديا عاملة مقيمة ومهاجرة، وخاصة من الفلسطينيين المقيمين في لبنان، ومن السوريين الذين يأتون في عمالة موسمية.

٥- تمشيا مع الازدهار تحولت مساحات كبيرة إلى زراعة حديثة، وخاصة في البقاع  والجنوب.

٦- وعكس ذلك أدت فرص العمالة في المدن اللبنانية القائمة على الخدمات، إلى هجرة  من الريف والجبل وبدأ الإهمال يتطرق إلى كثير من الحقول الزراعية، وخاصة في الجبل؛ لأن عائد العمالة في المدن أكبر من عائد زراعة الفواكه (وهذه حالة ملحوظة في المناطق الجبلية مثلما حدث في جبال الألب، وخاصة في سويسرا، حيث هجر الكثيرون الرعي والزراعة إلى عمالة المدن الصناعية وعمالة الخدمات).

٧- وأولئك الذين مكثوا في الجبال يتجهون إما إلى تحويل جزء من نشاطهم من  الزراعة إلى السياحة والاصطياف بتعمير سياحي الطابع، وإما إلى التكثيف الجديد للنشاط الزراعي في الجبل والسهل بواسطة استثمارات رأسمالية كبيرة، أو فردية، في مزارع الدواجن، وهو اتجاه إنتاجي محمود بالنسبة لتثبيت العمالة في الأرض الزراعية. والخلاصة أنه نتيجة لهذه العوامل تضاعف عدد السكان في لبنان، وهي علامة صحية مرتبطة بالازدهار الاقتصادي، ولكن هذه الزيادة السكانية قد أصبحت مشكلة ذات شقين: أولهما التركيز الشديد للسكان في المدن، وبشكل خاص في بيروت، والثاني الزيادة التي تفوق بكثير التوازن الطبيعي بين المياه وأعداد السكان. ومن ثم تظهر المياه كمشكلة حساسة في البناء التحتي اللبناني المعاصر، وخاصة في السنوات التي تقل فيها الأمطار التي تغذي الأنهار والينابيع سنويا.

وبالرغم من صغر مساحة لبنان فإن التوزيع السكاني غير متعادل بطريقة تثير مشكلات قد تعصي على الحل، فهناك محوران يمتد حولهما تكاثف سكاني شديد هما:

السهل الساحلي، وخاصة فيما بين طرابلس وصيدا، ومحور طريق الشام، وخاصة بين بيروت وشتورا، ونقطة التقاء هذين المحورين هي بيروت، وليس في هذا غرابة؛ إذ إن السكان يتكاثفون في السهل ومصبات الوديان الخصبة على طول الساحل، ويتكاثفون على طول الطريق الرئيسي الذي يحمل تجارة الترانزيت عبر لبنان، ولكن الغريب أن النمو غير المضبوط لبيروت نتيجة استئثارها بالقدر الأكبر من مقدرات الحياة الاقتصادية اللبنانية (تجارة الترانزيت البحرية والجوية، والأعمال البنكية وبعض الصناعات التحويلية) قد أدى إلى استقطاب نشاط السكان في جزء كبير من السهل الساحلي (بين جبيل وصيدا على وجه التقريب)، وقد أدى ذلك إلى تفريغ سكاني تدريجي من منطقة كانت ذات كثافة عالية ونشاطات اقتصادية محلية، والظاهرة الغريبة الثانية تتمثل في التكالب على الأراضي حول طريق الشام من أجل استثمارها استثمارا موسميا في النشاطات السياحية، وبالرغم من أن هذا شكل من الاستثمار الرابح، إلا أنه يعيبه أنه موسمي وليس دائما، وهو فضلا عن ذلك معرض لذبذبات سنوية عديدة نتيجة أية أحداث سياسية أو أي صورة من صور عدم الاستقرار في لبنان أو في الدول المجاورة، والسياحة والاصطياف كما نعلم من الصناعات التي تسمى (صناعة بدون قدم footless)، وما أسهل تغير اتجاهات السياح لأسباب مختلفة منها مجرد الإشاعة بارتفاع الأسعار.

على العموم فإن الضغط السكاني في بيروت طول السنة، وفيما بين بيروت وبحمدون خلال نصف السنة الصيفي، قد أدى فيما أدى إليه إلى سحب المياه من مناطق عديدة لإشباع احتياجات هذه الكتلة السكنية الدائمة والموسمية، مما تسبب عنه أضرار بمناطق أخرى، وسوء توزيع مكاني لمياه محدودة، وسوء توزيع نوعي (بين احتياجات الزراعة واحتياجات الشرب) أيضا لهذه المياه المحدودة.

وقد نجم عن هذا أن بنية لبنان الجيوبوليتيكية أصبحت غير متوازنة بوجود تركيز هائل للناس والأعمال والمياه في منطقة بيروت وعلى طول محور طريق الشام، ومؤدية إلى تفريغ أجزاء من الدولة من الناس والأعمال والمياه، ومن الطبيعي أن تتزايد قوة التفريغ في أطراف الجبل اللبناني الجنوبية والشمالية في اتجاه جذب المنطقة الوسطى من هذا الجبل قريبا من طريق الشام، وهذا هو الحال أيضا في البقاع وبصورة معدلة في الإقليم الساحلي: اتجاه مستمر نحو بيروت وطريق الشام.

وفي الوقت الذي يواجه فيه المختصون مشاكل نمو بيروت، ما بين راغب في التخفيف من هذا النمو، وبين مستسلم للأمر الواقع ويرتب خطة لبيروت أكبر من الكبيرة، يفكر بعض ذوي الخبرة والمفكرين اللبنانيين في عدد من المشروعات من أجل إيجاد صيغة لإقامة التوازن الجيوبوليتيكي الذي اختل على النحو السابق شرحه، ومن بين الأفكار التي قدمت: نقل المطار الدولي إلى وسط البقاع، أو تحسين النقل الحديدي من مرفأ بيروت إلى البقاع وجعله منطقة التجمع لحركة تجارة الترانزيت بدلا من بيروت، والغرض من هذا تخفيف أعباء بيروت التجارية وأعباء مرور الشاحنات، وإنشاء منطقة جذب سكني واقتصادي في سهل البقاع الرحيب بالقياس إلى سهل بيروت المحدود.

وفي مقابل هذه المقترحات التي تستند إلى أفضلية المكان الجغرافي المتوسط للبقاع، فإن هناك مقترحات ودراسات ومخططات أخرى، منطلقها التخفيف عن بيروت بتوسيع الحركة والعمالة والتجارة في طرابلس خاصة وأن طرابلس ترتبط بحمص بطريق عبور سهل من الناحية الطبوغرافية (بالمقارنة بمشقة عبور ممر ضهر البيدر الجبلي في طريق بيروت دمشق)، ذلك لأن طريق طرابلس-حمص يسير في الممر الطبيعي الواسع بين كتلة جبل لبنان وكتلة جبال العلويين في سوريا، وتشتمل خلفية ميناء طرابلس على وسط المعمور السوري (محور نهر العاصي)، وتشترك مع بيروت في خلفية واسعة تمتد إلى العراق ومن ثم إلى دول الخليج، (1) وليسمن شك في أن ذلك سوف يخفف من أعباء بيروت ويكون حلا جزئيا للضغط على المياه من ناحية، ومن الناحية الأخرى يؤدي إلى نوع من إعادة التوازن في ثقل أقاليم لبنان بتنمية وتنشيط طرابلس، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى تنمية خلفية طرابلس كسوق عمل جديد ومتسع، فطريق طرابلس-حمص سوف يؤدي إلى نشاط اقتصادي وكثافة عمرانية لسهل عكار الذي يخترقه مسار هذا الطريق، وحوض الكورة الخصب سوف ينمو وتتطور فيه أشكال الإنتاج الزراعية وغيرها، جنبا إلى جنب مع تكثيف وتحسين مصايف كتلة الأرز الضخمة الجميلة، وزراعات مدرجاته ووديانه.

وليس هذا هو الحل كله لأزمة الضغط السكاني على موارد لبنان المائية، فبرغم صغر مساحة الدولة إلا أنها في موقع ملائم بالنسبة لإقليم المطر على ساحل المتوسط الشرقي، ويساعد التركيب الجيولوجي على تسرب مياه الأمطار خلال الصخور الجيرية الكريتاسية التي تكون معظم سطح لبنان إلى مخازن جوفية للمياه تظهر طبيعيا في صورة عيون وينابيع ذات تصريف طبيعي عال عند وجود حواجز باطنية من الصخور غير المسامية، وعلى مياه مثل هذه الينابيع تتغذى كثير من الأنهار اللبنانية المتجهة إلى البحر أو البقاع، وبرغم الإنشاءات الهندسية المختلفة، التي يمثل سد القرعون على نهر الليطاني أكبرها، فإن لبنان بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتخطيط والاستثمار من أجل رفع فعالية المياه اللبنانية بدرجة أكفأ، سواء بتنظيم وتكثيف الحصول على الماء الباطني أو الأنهار، ومما لا شك فيه أن غالبية الأنهار اللبنانية المنحدرة إلى البحر مباشرة، صغيرة الأحواض ومن ثم ذات تصريف سريع خلال موسم المطر وتصريف قليل إلى نادر خلال الصيف.

وهي فضلا عن ذلك تجري في أودية عميقة مما يجعل رفع مناسيبها أمرا صعب المنال، ويمثل الليطاني أكبر الأنهار اللبنانية طولا وأضخمها حوضا وأكثرها ملاءمة للحجز واستثمارا في التنمية الزراعية في جنوب البقاع وجنوب لبنان عامة، وبالرغم من كونه نهرا لبنانيا صرفا، وليس نهرا واقعا على الحدود في أي جزء من مساره، إلا أن تنفيذ مشروعاته مقترن بمشكلات سياسية، مصدرها أنه في وقت من الأوقات كانت عين إسرائيل على جزء من مياهه، ومن ثم فهي تهدد تنفيذ مشروعات تستنفد مياهه داخل الأراضي اللبنانية، لكن تغير ميزان القوى يجعل هذا التهديد خاليا من المحتوى.

وعلى وجه عام في لبنان إمكانات جيدة لإيجاد توازن في أقاليمها بتنفيذ مشروعات للري والتعمير في أجزاء مختلفة من البقاع الشمالي الذي يمكن أن يتحول إلى شبيه بالبقاع الأوسط مثلث الرياق، شتورا، المصنع الخصب والمتنوع والإنتاج، وكذلك الحال بالنسبة لجنوب لبنان وسهل عكار، وكلها أرصدة جيدة يمكن بتنميتها وتدبير وتنظيم مياهها أن تكون ركائز قوية في قوة الدولة.

______________
(1) بيروت بغداد مرورا بدمشق والرطبة ٨٢٦ كيلومترا، وطرابلس بغداد مرورا  بحمص وأبو كمال ٨٨٧ كيلومترا.