البرامج الوثائقية الإذاعية: The Documentary Programs
المؤلف:
د. حسن عماد مكاوي د. عادل عبد الغفار
المصدر:
الإذاعة في القرن الحادي والعشرين
الجزء والصفحة:
ص 84- 88
2025-12-18
37
البرامج الوثائقية الإذاعية: The Documentary Programs
هي شكل إذاعي مستقل يتضمن صبغة تعليمية في الغالب، وهو لا يعتمد على الخيال تماماً، ولا على الواقع تماماً، وإنما يقدم وصفاً للمجتمع الإنساني مع تعليقات على السلوك البشري والاجتماعي.
وقد جذب أسلوب الأفلام الوثائقية القائمين على الإذاعة؛ لأنهم وجدوا فيها الإثارة التي تضفي على الراديو الحيوية والتشويق، كما وجدوا فيها مخرجاً من قيود المحادثات التي تتم داخل الاستديو. وكان البعض يرى أن الإذاعة تستطيع أن تقدم ما هو أكثر من سرد الأخبار وتقارير الأحداث الجارية، كما أن الدراما الإذاعية - من خلال البرامج الوثائقية - يمكن أن تكون أكثر ارتباطاً بالواقع المعاش.
وقد عكست البرامج الوثائقية الأولى في الراديو أساليب برامج الأحاديث والإذاعة الخارجية والدراما وبالطبع لم تكن إمكانيات التسجيل والشرائط والموسيقى قد تطورت بعد. وبعد ذلك أضيفت المسامع التمثيلية والموسيقى والمؤثرات الصوتية، وأصبحت البرامج الوثائقية تحمل الصبغة التعليمية عندما تطرقت الموضوعات إلى المتاحف والمعارض والآثار الوطنية مع إضافة بعض الأحاديث والتعليقات إلى المسامع التمثيلية.
ومع تطور أجهزة التسجيل المحمولة، بدأ منتجو الراديو يعتمدون أكثر على تسجيل المواقف الحقيقية للأشخاص الحقيقيين، وبدأ الميكرفون يتوجه إلى مواقع الأحداث، وبالتالي قل الاعتماد على الممثلين المحترفين.
وتعتبر البرامج الوثائقية هي أرقى أشكال الفنون الإذاعية، فهي تتيح للكاتب الإذاعي إبراز مهاراته وقدراته الخلاقة واستخدام أقصى إمكانيات الراديو - ويعتمد البرنامج الوثائقي على تحليل الماضي وعرض جوانب الحاضر والتنبؤ بالمستقبل.
وتنقسم البرامج الوثائقية إلى ثلاثة أنواع:
1- برامج تستهدف رفع الروح المعنوية لدى الشعب وإبراز جوانب الأصالة والقوة فيه محاكاة لنمط الأفلام التي قدمها رائد السينما التسجيلية روبرت فلا هرتي.
2- طرح مشكلة حيوية تواجه المجتمع سواء سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وسبل علاج هذه المشكلة في إطار واقعى Factual.
3- عرض الحقائق المجردة من خلال تفاصيل الحياة اليومية للمواطن العادي وفق أسلوب جون جريرسون التجريدي.
وفى حين تهتم البرامج الواقعية بالأشياء الحقيقية كما وقعت بالفعل، نجد أن البرامج التجريدية تهتم بما وراء الواقع، والفرق بين الاثنين يكمن في أن ما نفعله يعبر عن الواقع، بينما ما نفكر فيه يعبر عن التجريد أو ما وراء الواقع.
وتحتاج البرامج الوثائقية إلى منتج لديه خبرة كبيرة في مجال العمل الصحفي، بمعنى أن يكون المعد لديه القدرة على تجميع المعلومات وتقييمها، فضلاً عن استخدام الأسلوب الدرامي الذي يحقق للبرنامج عناصر الإثارة، والمفاجأة واستيعاب الإمكانات التقنية للراديو، ومهارة الكتابة الجيدة وغالباً ما يتراوح زمن البرنامج الوثائقي بين 15-60 دقيقة، ويتوقف زمن البرنامج على طبيعة الموضوع وأسلوب المعالجة.
والبرنامج الوثائقي يحكى قصة عن شيء ما يحدث الآن أو حدث وانتهى ولكن مازالت آثاره باقية. وقد يتناول البرنامج حياة شخصية معينة، ماذا فعلت وفيم كانت تفكر، كما تخبرنا البرامج الوثائقية عن أسلوب حياة الناس الآخرين، وتجعلنا ندرك كيف تقع الأحداث، ومبررات وقوعها وآثارها المحتملة. كيف يعمل المزارع خطوات صناعة الأحذية. طبيعة النشاط الذى يقوم به البنك الأسباب الكامنة وراء ظاهرة ما.
ومهما كان نوع البرنامج الوثائقي فلابد أن يجمع بين الإمتاع والتعليم. ورغم أن البرنامج الوثائقي يتعامل مع الناس والقضايا والأحداث الإخبارية، إلا أنه لا يعد قصة إخبارية News Story، ولكنه استكشاف لما هو سابق ليس فقط لما حدث، ولكن أسباب وقوع الحدث وملابساته ومشاعر واتجاهات الناس المرتبطين بالحدث، وآراء وتعليقات الخبراء والمختصين عن آثار ما حدث، وردود أفعال المتأثرين بالحدث ودلالاته المستخلصة على الأفراد والمجتمع.
والفرق بين القصة الإخبارية والبرنامج الوثائقي لا يرجع إلى المحتوى، وإنما إلى أسلوب التناول. فبينما تتسم القصة الإخبارية بالموضوعية والحياد، نجد أن البرنامج الوثائقي يسعى لإبراز وجهة نظر أو رأى وتغليبه على الآراء الأخرى، ورغم أن البرامج الوثائقية تستخدم الأسلوب الدرامي غالباً، إلا أنها ليست دراما بمفهوم الأعمال الخيالية، ولكنها دراما الواقع التي تستخلص الأحداث عن وقائع حقيقية، وتبرز صورة دقيقة لذات الأماكن والأحداث والشخصيات مصحوبة بأداء تمثيلي لأشخاص ليسوا موجودين الآن، كما يمكن الاستعانة بالناس الحقيقيين وتمثيل مواقف من الحياة لنقل صورة شبه حقيقية. ويعتمد شكل البرنامج الوثائقي على الصوت فقط من خلال أسلوب السرد Narration، ويمكن الاستعانة بالموسيقى والمؤثرات الصوتية لإحداث الأثر الدرامي. وغالباً ما تكون الشخصية الرئيسية في البرنامج هي الراوي Narrator وتعتمد بعض البرامج الوثائقية الناجحة جداً على صوت الراوي فقط، وعلى أسلوبه في الحديث للتعبير عن القصة. ويستخدم هذا الأسلوب في البرامج الوثائقية القصيرة، خاصة إذا كان صوت الراوي مؤثراً، وكانت القصة تتضمن حبكة درامية بارعة. ويتم عرض الموضوع في شكل حكاية، وذلك محاكاة لأسلوب المطرب الشعبي مغنى الربابة الذي ظل يستخدم لعصور طويلة قبل ظهور الإذاعة ومازال له تأثير في بعض المجتمعات حتى الآن خاصة إذا أضيف إلى صوته الموسيقى والمؤثرات الصوتية.
وبالإضافة إلى أسلوب الراوي تستخدم البرامج الوثائقية الممثلين المحترفين، وصوت الأشخاص الحقيقيين، ويمكن عمل توليفة من كل ذلك في برنامج وثائقي واحد.
ويمكن أن يقوم الممثل بدور شخصية غير موجودة الآن، أو تحول ظروفها دون إمكانية التسجيل الإذاعي لعيوب في النطق أو الخوف من مواجهة الميكرفون. وبالإضافة إلى ذلك، يمكن الاستعانة بتسجيلات صوتية تمت في الماضي. وحيث إن البرامج الوثائقية تستخدم توليفة من الكلام والموسيقى والمؤثرات الصوتية، فإن التدفق السلس بين هذه الأصوات المختلفة يحتاج إلى إعداد دقيق ومهارة كبيرة.
وخلال السبعينيات من القرن الماضي ظهر شكل جديد من البرامج الوثائقية يمكن أن نطلق عليه الدراما الوثائقية Docudrama، وهو شكل يعبر عن واقعة حقيقية مع الاستعانة بممثلين يقومون بأدوار شخصيات واقعية. ويعتمد أسلوب هذه النوعية من الدراما الوثائقية على الانتقال إلى مواقع الأحداث الحقيقية للكشف عن الوقائع التي لم تصور وقت وقوع الحدث ويتم إعادة تمثيلها.
وتعد الاهتمامات الإنسانية هي مفتاح الكتابة الجيدة للبرامج الوثائقية حتى إذا كان الهدف هو تقديم حقائق مجردة، حيث يمكن صياغة الحقائق الجافة في أسلوب درامي من خلال ابتكار شخصية محورية، والبحث عن مشكلة تتيح تدفق الأحداث، وتؤدى إلى صراع يتطلب المعالجة التسجيلية، ثم يتطور الصراع ليؤدي إلى أزمة، ومع تعدد الأزمات يتصاعد الحدث إلى الذروة، ثم الحل. وكما أن الأشياء الكبيرة تخلق الأحداث، فإن الأشياء الصغيرة هي التي تثير الاهتمامات الإنسانية إذا ما تم وضعها في أسلوب مشوق ومثير.
وغالباً ما يستخدم أسلوب الراوي في البرامج الوثائقية كعنصر هام للربط بين الأحداث أو للتمهيد لها، ولكن يجب الحذر من المغالاة في استخدام هذا الأسلوب حتى لا يطغى على المادة الحية للحدث. كذلك يجب تجنب البرامج التي يبدو الصوت فيها وكأنه يعبر عن سلسلة من المحاضرات أو المقابلات المسجلة.
الاكثر قراءة في اعداد وتقديم البرامج
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة