ارتباط النظام الإذاعي بالمجتمع
المؤلف:
د. حسن عماد مكاوي د. عادل عبد الغفار
المصدر:
الإذاعة في القرن الحادي والعشرين
الجزء والصفحة:
ص 40- 43
2025-12-16
32
ارتباط النظام الإذاعي بالمجتمع:
تشترك النظم الإذاعية المختلفة في الفضاء الكهرومغناطيسي وفقا للتنظيمات الدولية السائدة، وتقدم جميع النظم الإذاعية توليفة متشابهة من المواد الإذاعية تتضمن الإعلام والترفيه والتعليم، كذلك يتم تنظيم خريطة البرامج اليومية في جميع النظم بصورة متشابهة. وبعد انتشار البث الفضائي وتقديم الخدمات الإذاعية عبر الإنترنت أصبح من الميسور متابعة الأحداث الوطنية والدولية على الهواء مباشرة مما زاد من قدرة المستمع على اختيار القناة الإذاعية التي يرغب في الاستماع إليها بغض النظر عن الحدود الجغرافية والاعتبارات السياسية.
وبالرغم من الخصائص المشتركة التي تجمع بين الخدمات الإذاعية في كل أنحاء العالم، إلا أن النظام الإذاعي لكل دولة يعبر عن شخصيتها المستقلة ويعكس فلسفتها السياسية الخاصة وهويتها الثقافية حيث يطوّر كل مجتمع نظامه الإذاعي ليحقق الصورة الذهنية التي يتطلع إليها، وبما يتناسب مع وضعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي والجغرافي.
كذلك فإن الدول التي تعتنق فلسفات سياسية متشابهة تعكس نظماً إذاعية متشابهة أيضاً مع الحفاظ على السمات المميزة لكل دولة؛ كل على حدةٍ، وقد ساهم الاستعمار القديم في توريث نظمه الإذاعية للمستعمرات، وبعد أن حصلت هذه المستعمرات على الاستقلال، ظلت متأثرة بالميراث الاستعماري القديم بشكل أو بآخر.
ولكي تطور أي دولة نظامها الإذاعي، لابد أن تحدد التمويل اللازم لذلك، ويكون أمامها فرصة الاختيار من عدة بدائل فقد تختار نموذج الإدارة الحكومية المباشرة ويتحقق العائد من الضرائب العامة على الدخل، وقد تختار النموذج التجاري الحر الذي يعتمد على دخل الإعلانات، وقد تفرض الحكومة رسوم حيازة على أجهزة الاستقبال، وقد تستخدم خليطاً من كل ما سبق. وعلى ذلك فكل النظم الإذاعية تشترك في مشكلة البحث عن التمويل اللازم لتغطية نفقاتها وإنتاج خدماتها البرامجية، ويختار كل نظام البديل المناسب من بين عدد محدود من البدائل في إطار الوضع السياسي والاجتماعي والثقافي الخاص بكل دولة.
وتشترك النظم الإذاعية في المجتمعات الغربية المتقدمة في بعض السمات الأساسية منها رسوخ الخدمات الإذاعية فيها منذ زمن بعيد، وتوافر الإمكانات المادية والتقنية والبشرية التي تتيح لها نقل خدماتها الإذاعية إلى معظم أرجاء العالم، وكذلك وجود أيديولوجية ثابتة تنتهجها تلك المجتمعات تعتمد على التعددية السياسية، ونمط الاقتصاد الحر، وترويج الثقافة الأنجلوسكسونية بوجه عام، ويغلب على وسائل الإعلام في هذه المجتمعات النمط التجاري الذى يرى الخدمة الإذاعية باعتبارها سلعة قابلة للبيع والشراء وخاضعة لقانون العرض والطلب، ولابد أن تكون هذه السلعة مرغوبة جماهيريا ولها قيمة تجارية تستهدف الربحية .
وعلى الرغم من الوضع المسيطر للأسلوب التجاري الذي يغلب على الإذاعات الأمريكية، فإن دولة مثل كندا وضعت نظامها الإذاعي الخاص بها لتقاوم سيطرة الإعلام الأمريكي الوافد إليها، حيث يهدف النظام الإذاعي الكندي إلى الحفاظ على الهوية الثقافية الكندية من الغزو الإذاعي الأمريكي. ويجمع النظام الكندي بين نمطي الملكية العامة والخاصة، وعلى خلاف النظام الأمريكي، فإن المحطات التجارية في كندا تتبع الشبكات العامة، وهذا يعكس أن الشبكات الإذاعية في كندا تعد من الناحية التاريخية مسؤولية حكومية نظرا لحاجة المجتمع الكندي إلى توصيل الإرسال لمسافات جغرافية شاسعة، وجماعات سكانية متناثرة.
ويمثل سكان دول أوروبا الغربية نحو 6% من سكان العالم، ويوجد بها نحو 19% من أجهزة الاستقبال الإذاعي في العالم، وهي منطقة مزدحمة لا تتجاوز مساحتها 3% من الأراضي. وهذا التركيز يعنى أن الخدمات الإذاعية في هذا الإقليم من العالم تتصارع على الترددات الإذاعية، ولذلك تسيطر كل دولة على عدد محدود من الموجات الهوائية لخدمة إذاعتها الوطنية من خلال عدة قنوات ويتم استقبال إشارات البرامج من الدول المجاورة في هذا الإقليم بسهولة ويسر. وبوجه عام، وبعد عدة محاولات في العشرينيات والثلاثينيات من القرن الماضي استقر الوضع في معظم دول أوربا الغربية على اعتبار النظام الإذاعي خدمة عامة تدعمها رسوم رخص الحيازة على أجهزة الاستقبال، وتدار باعتبارها شبكات قومية. وبعد زيادة استخدام الترددات الإذاعية FM وترددات الميكروويف زاد توجه دول أوربا من ستينيات القرن الماضي نحو استخدام الخدمات الإذاعية على المستويات الإقليمية والمحلية الضيقة.
ومن ناحية أخرى، أدت حركات التحرر والاستقلال السياسي الذي حصلت عليه دول عديدة في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية خلال النصف الأول من القرن العشرين إلى تكون ما يعرف بدول العالم الثالث، وقد تجمعت هذه الدول الصغيرة أو المتوسطة في حركة عدم الانحياز وسعت إلى مقاومة آثار الحرب الباردة، وحاولت إقامة أسس عادلة من التعاون مع المجتمعات الغربية المتقدمة.
وتمارس العديد من دول العالم الثالث نظم الحكم الشمولية، وغالبا ما يوجد بها حزب سياسي واحد، والمؤسسات الاجتماعية بها لم تتحدد بعد، وكذلك العلاقة بين وسائل الإعلام والحكومة، وغالبا ما يهيمن على وسائل الإعلام أيديولوجية سياسية محددة، وهناك أرضية محدودة للغاية لتنوع الأفكار.
وتعمل الدول النامية على الاحتفاظ بسيطرة قوية على وسائل الإعلام حتى تتجنب كل ما يعيق الإسراع بعمليات التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وينعكس ذلك في التعليمات التي تصدرها وزارات الإعلام للخدمات الإذاعية، وتتأثر طبيعة الخدمات الإخبارية في الدول النامية بالعلاقات السياسية مع الدول الكبرى، ومدى تأثرها بالصراعات الإقليمية. وربما تكون أهم وظيفة للإذاعات في الدول النامية نشر الأخبار والمعلومات وتفسيرها من المنظور الحكومي ويتم الاستعانة أثناء عملية اختيار الأخبار ببعض التوجهات الحكومية التي تحدد القيمة الإخبارية للأحداث.
وقد اقتبست الدول النامية نظمها الإذاعية من الدول الغربية الأكثر تقدماً ولم يقتصر هذا الاقتباس على استيراد المعدات والأجهزة فقط، وإنما امتد إلى الاستعانة بالكوادر البشرية المدربة في الدول الغربية أو الخبراء الغربيين من النماذج البريطانية والفرنسية والأمريكية، وامتد هذا التأثير إلى الهياكل التنظيمية للإذاعات، وأساليب الإنتاج، والقيم التي تعكسها البرامج، ونظم الحرفية والمعتقدات المهنية.
وقد تأثرت الدول العربية في نظمها الإذاعية بنمط المستعمرات السابقة، بالإضافة إلى تأثرها بشدة بثقافة الدين الإسلامي واللغة العربية التي تشترك فيها جميع الدول العربية.
أما الإذاعات الأفريقية فقد تطورت ببطء عن الإذاعات في آسيا بسبب افتقار هذه الدول - جنوب الصحراء - إلى مظاهر التقدم. وقد ساهم الاستعمار البريطاني والاستعمار الفرنسي في إدخال النظم الإذاعية إلى الدول الأفريقية رغم الاختلاف في الأسلوب الاستعماري لكل منهما فقد اتجهت فرنسا لاستخدام الراديو في نشر الثقافة الفرنسية أساساً، بينما كانت بريطانيا تشجع الإذاعات على نشر الثقافة الوطنية والترويج للسياسات الاستعمارية لبريطانيا في أفريقيا.
الاكثر قراءة في الاذاعة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة