تحريك المسؤولية السياسية للحكومة من قبل رئيس الدولة
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 59-60
2025-12-16
26
يكون الوزراء في النظام الرئاسي– أو كما يسمون بذلك عادةً لأنهم مجرد سكرتاريين – مسؤولين امام رئيس الجمهورية فقط ، أما بالنسبة للنظام البرلماني فالأمر مختلف لان الوزراء قد يكونوا مسؤولين فقط امام البرلمان ، أو قد يكونوا مسؤولين مسؤولية مزدوجة امام البرلمان وأمام رئيس الدولة في الوقت ذاته ، أي أن هناك نوعين من الأنظمة البرلمانية في هذا المجال :- الاول : الأنظمة البرلمانية الثنائية (الاورليانية) : وفقا لتلك الأنظمة تكون الحكومة أو احد أعضائها مسؤولين مسؤولية مزدوجة امام البرلمان وأمام رئيس الدولة في الوقت نفسه ، بحيث يجب على الحكومة إن تحظى بثقة الأغلبية البرلمانية إلى جانب سعيها لكسب ثقة رئيس الدولة ، وتسمى تلك الانظمة بالاورليانية نسبة إلى النظام الذي أقامه (لويس فيليب الاورلياني) في فرنسا خلال الفترة ما بين (1830- 1848)(1). وهذا ما كان عليه الوضع في بريطانيا قبل استقرار مسؤولية الحكومة السياسية امام مجلس العموم البريطاني في سنة 1783 ، إذ كان الملك قبل هذا التاريخ يتمتع بحق تعيين الوزراء وأقالتهم ، وكانوا مسؤولين أمامه بأعتبارهم من موظفي التاج الذين يعملون على تنفيذ سياسته ومسؤولين في نفس الوقت امام البرلمان بمجلسيه ، أما بعد توسع سلطات مجلس العموم على حساب سلطات مجلس اللوردات وتقييد سلطة الملك ، فأصبحت تلك المسؤولية تثار حصرا من قبل مجلس العموم بحيث أصبحت بريطانيا منذ ذلك التاريخ ولحد الان من الدول ذات الأنظمة البرلمانية الأحادية(2). كذلك الحال بالنسبة للنظام الدستوري الكويتي بموجب دستور الكويت لسنة 1962 ، إذ تكون الحكومة أو احد أعضائها مسؤولون مسؤولية مزدوجة امام مجلس الامة من جهة - كما اسلفنا - وفي الوقت نفسه تكون مسؤولة أمام رئيس الدولة (الأمير) ، وهذا ما نصت عليه المادة (58) من هذا الدستور بقولها " رئيس مجلس الوزراء والوزراء مسؤولون بالتضامن امام الأمير عن السياسة العامة للدولة ، كما يُسأل كل وزير أمامه عن أعمال وزارته "(3). ويتضح من هذا النص إن الأمير يستطيع استدعاء رئيس مجلس الوزراء ليسأله عن السياسة العامة للحكومة ، أو آيا من الوزراء ليسأله عن أعمال وزارته ليقرر بعد ذلك أما بقاء الحكومة أو هذا الوزير أو يستعمل حقه في الإعفاء سواء بالنسبة للحكومة بكاملها أو لوزير بعينه(4). كصدور المرسوم الاميري المرقم (329) المؤرخ في 28/10/2007 بإعفاء وزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية (الدكتور عبد الله معتوق المعتوق) من منصبه في 22/10/2007 ، وهذه هي المرة الأولى في التاريخ الدستوري الكويتي التي يلجأ فيه الأمير إلى استخدام صلاحيته المنصوص عليها في المادة المذكورة (5). والسبب في ذلك يكمن في إن النظام الدستوري في الكويت على الرغم من انه قد تبنى بالاصل النظام البرلماني ولكنه في الوقت ذاته تبنى بعض مظاهر التي تدعو إلى تقريبه جزئياً من النظام الرئاسي(6).
الثاني : الأنظمة البرلمانية الاحادية : ووفقا لتلك الأنظمة تكون الحكومة أو احد أعضائها مسؤولة مسؤولية منفردة امام البرلمان فقط دون رئيس الدولة ، سواء كان هذا البرلمان يأخذ بنظام المجلس الواحد أم بنظام المجلسين ، ومن هذه الأنظمة النظام الدستوري العراقي وفقا لدستور جمهورية العراق لسنة 2005 الذي يعتبر من الأنظمة البرلمانية الاحادية ، إذ إن رئيس مجلس الوزراء والوزراء يكونوا مسؤولون مسؤولية (تضامنية أو فردية) فقط امام مجلس النواب وغير مسؤولون امام رئيس الجمهورية ، وهذا ما نصت عليه المادة (83) من هذا الدستور بقولها " تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء امام مجلس النواب ، تضامنية وشخصية "(7). ولكن يلاحظ بإن هذا الدستور - خلافا للأنظمة البرلمانية التقليدية الاخرى - قد أعطى لرئيس الجمهورية الحق في تحريك المسؤولية السياسية التضامنية للحكومة من خلال تقديم طلب إلى مجلس النواب لسحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء(8). وهو اتجاه منتقد ، لأنه يصعب بمكان التوفيق بين مبدأ عدم مسؤولية رئيس الدولة وبين منحه حق تحريك مسؤولية الحكومة السياسية ، لان مما يقضي به هذا المبدأ وجوب ان لا ينسب إلى رئيس الدولة أي عمل من أعمال الدولة قد يؤدي إلى وضعه موضع انتقاد بسببه(9).
______________
1- د. موريس دوفرجيه ، المؤسسات السياسية والقانون الدستوري (الأنظمة السياسية الكبرى) ، ترجمة د. جورج سعد ، الطبعة الثانية ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2014 ، ص 129 - 130 . وكذلك د. احمد سعيفان , الأنظمة السياسية والمبادئ الدستورية العامة , ط (1) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2008 ، ص 390.
2- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981.، ص 102.
3- وكذلك المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي بقولها " أن تجريح الوزير أو رئيس مجلس الوزراء بمناسبة بحث موضوع عدم الثقة أو عدم التعاون ، كفيل بإحراجه والدفع به الى الاستقالة ، إذا ما استند هذا التجريح الى حقائق دامغة وأسباب قوية تتردد اصداؤها في الرأي العام ، كما أن هذه الاصداء ستكون تحت نظر رئيس الدولة باعتباره الحكم النهائي في كل ما يثار حول الوزير أو رئيس مجلس الوزراء ، ولو لم تتحقق في مجلس الأمة الاغلبية الكبيرة اللازمة لإصدار قرار بعدم الثقة أو بعد التعاون " .
4- د. يحيى الجمل ، النظام الدستوري في الكويت ، مصدر سابق , ص 195 ، وكذلك د. علي الباز ، المفصل في النظام الدستوري الكويتي ، الكتاب الأول ، الأسس العامة للدستور الكويتي ، مطبوعات أكاديمية الشرطة ، الكويت ، 1988 ، ص 179 - 180.
5- ينظر الفصل التشريعي (11) ، دور الانعقاد (3) ، تاريخ الاستجوابات في الكويت ،
6- وهذا ما عبرت عنه المذكرة التفسيرية للدستور الكويتي بقولها " أقتضى الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم ، أن يلتمس الدستور في النظام الديمقراطي الذي تبناه ، طريقا وسطا بين النظامين البرلماني والرئاسي مع انعطاف كبير نحو أولهما ، لما هو مقرر أصلا من أن النظام الرئاسي أنما يكون في الجمهوريات ....." .
7- ينظر كذلك المادة (61/ ثامنا/ أ و ب /2) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
8- ينظر المادة (61/ ثامنا/ب/1) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
9- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981، ص 107 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة