وفد حمير وكتاب رسول اللّه "ص" إليهم
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص649-653
2025-12-14
35
وأرسل إليه ملوك حمير كتابا مع جماعة باسلامهم ، كما بعث إليه زرعة بن ذي يزن مالك بن مرة الرهاوي باسلامهم فكتب لهم رسول اللّه كتابا جاء فيه من محمد رسول اللّه إلى الحارث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال ، والنعمان ذي رعيني ومعافر وهمدان .
اما بعد فاني احمد إليكم اللّه الذي لا إله إلا هو فقد ورد علينا رسولكم عائدين من أرض الروم وبلغ ما أرسلتم به وأنبأنا باسلامكم وقتلكم المشركين وان اللّه قد هداكم بهداه ان أصلحتم وأطعتم اللّه ورسوله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأعطيتم من المغانم خمس اللّه وسهم رسوله ، ثم بين لهم الرسول في كتابه إليهم كما جاء في سيرة ابن هشام وغيرها ما تجب فيه الزكاة ومقدارها في ناتج الأرض وفي الإبل والبقر والشياه .
ومضى يقول : انها فريضة من فرائض اللّه على عباده فمن أداها وظاهر المسلمين على المشركين فإنه من المؤمنين له ما لهم وعليه ما عليهم ، ومن كان على يهوديته أو نصرانيته ، فإنه لا يرد عنها وعليه الجزية على كل حال ذكرا كان أو أنثى حرا أو عبدا دينارا أو قيمته من ثياب اليمن ، ومن منعها فإنه عدو للّه ولرسوله .
ثم ارسل لهم معاذ بن جبل وعبد اللّه بن زيد ومالك بن عبادة وعقبة بن نمر ومالك بن مرة .
وكتب إلى زرعة بن ذي يزن ان يجمعوا ما عندهم من الصدقة والجزية ويدفعوها إلى رسله هؤلاء وكان أميرهم معاذ بن جبل ، وأضاف في كتابه إلى زرعة بن ذي يزن ان رسولك مالك بن مرة قد حدثني انك كنت السابق إلى الاسلام من حمير وقتلت المشركين ، فأبشر بخير وآمرك بحمير خيرا ولا تخونوا ولا تتخاذلوا ، فإن رسول اللّه هو ولي غنيكم وفقيركم ، وان الصدقة لا تحل لمحمد ولا لأهل بيته وانما هي لفقراء المسلمين وابن السبيل وأوصاه بالوفد خيرا .
وتوالت الوفود على رسول اللّه من جميع الجهات لتعتنق الاسلام والنبي يستقبل كل وفد منها ويرحب به ويعلمهم الاسلام أحيانا بنفسه وأحيانا يأمر أحدا من أصحابه ليتولى هذه الناحية ويكتب لهم كتبا تتضمن أكثر احكام الاسلام ، كما حدث لعمرو بن حزم حين بعثه مع وفد بني الحارث بن كعب ، ولمعاذ بن جبل وغيره ممن كان يرسلهم مع الوفود إلى بلادهم ، وظلت الوفود طيلة ما بقي من السنة التاسعة تتوافد عليه مترامية على الإسلام مقرة بالطاعة تعطيه العهود والمواثيق ان لا تخون ولا تنحرف ولا تتعاون مع أعداء الاسلام ، وكان لغزوة تبوك هذا الدفع السريع حيث تأكد العرب ان تلك الحشود الهائلة التي تزيد على مائتي الف مقاتل قد استبد بها الخوف والرعب وانسحبت عن حدود الحجاز بعد ان كان هرقل قد أعدها لمهاجمة المسلمين في بلادهم وحتى في عاصمتهم إذا اقتضى الأمر ، ولكنها بدلا من ذلك تراجعت إلى معاقلها وحصونها في أواسط البلاد تاركة حدود بلادها المتاخمة لحدود الحجاز فريسة للمسلمين يفرضون عليها سلطتهم وسلطانهم من غير أن يكلفهم ذلك قطرة من الدم .
كما ترك هذا الانسحاب نفس الأثر في نفوس قبائل الجنوب باليمن وحضرموت وعمان وغيرها فأقبلوا على الاسلام وأخذوا يتوافدون على المدينة ليعلنوا عن طاعتهم واسلامهم وينتظموا في وحدة اسلامية شاملة تستظل بعلم الاسلام وتخلصهم من تحكم الفرس والرومان .
وجاء في كتب السيرة ان بني سعد بن بكر ارسلوا ضمام بن ثعلبة إلى رسول اللّه ( ص ) لينظر لهم ما عنده فشد الرحال ومضى في طريقه إلى المدينة فأناخ بعيره على باب المسجد ثم عقله ودخل على رسول اللّه وهو جالس بين أصحابه وكان رجلا جلدا ذا غديرتين فأقبل على من في المسجد وقال : أيكم ابن عبد المطلب ، فقال رسول اللّه انا ابن عبد المطلب ، قال أمحمد أنت قال نعم قال يا ابن عبد المطلب اني سائلك وملح عليك في المسألة فلا تجدن في نفسك علي فقال له النبي ( ص ) سل عما بدا لك قال : أنشدك اللّه إلهك وإله من كان قبلك وإله من هو كائن بعدك اللّه بعثك إلينا رسولا ؟ قال : اللهم نعم ، قال فأنشدك اللّه إلهك وإله من كان قبلك اللّه امرك ان نعبده وحده ولا نشرك به شيئا وان نخلع هذه الأنداد التي كان آباؤنا يعبدونها ؟ قال اللهم نعم ، قال أنشدك اللّه إلهك وإله من كان قبلك اللّه امرك ان تصلي الصلوات الخمس ؟ قال اللهم نعم ، ثم جعل يعدد عليه الفرائض فريضة فريضة ويناشده عند كل فريضة باللّه والنبي يقول له نعم ولم يترك شيئا فرضه الاسلام إلا وناشده باللّه فيه ، ولما انتهى من عدادها قال : أشهد أن لا إله الا اللّه وان محمدا عبده ورسوله ، واشهد اللّه على نفسه بأنه سيؤدي جميع ما فرضه الاسلام وينتهي عن كل ما نهى عنه ، ثم خرج من المسجد واطلق عقال بعيره وخرج من المدينة متجها إلى قومه ، ولما انتهى إليهم اجتمعوا عليه فكان أول ما تكلم به معهم ان قال بئست اللات والعزى ، فقال مه يا ضمام : اتق البرص والجذام والجنون ، وكانوا يعتقدون بأن من أهانهما يبتلى بأحد هذه الأمراض .
فقال لهم ضمام ويلكم انهما واللّه لا يضران ولا ينفعان ، ان اللّه قد بعث رسولا وانزل عليه كتابا استنقذكم به مما كنتم فيه ، واني أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له وان محمدا عبده ورسوله وقد جئتكم من عنده بما امركم به وما نهاكم عنه ، فما امسى ذلك اليوم حتى اسلم كل من حضره من الرجال والنساء .
إلى كثير من أمثال هؤلاء الذين توافدوا عليه يعلنون عن اسلامهم وايمانهم برسالته ومبادئها ولم يبق من يناوئ الاسلام الا افراد قلائل كان يستولي عليهم الغرور فيشذون عن قبائلهم أمثال عامر بن الطفيل وأربد من بني عامر بن صعصعة ، ومسيلمة الكذاب من بني حنيفة وغيرهم .
فقد حدث المؤلفون في سيرة الرسول ان وفدا من بني عامر بن صعصعة جاءوا إلى المدينة ليعلنوا اسلام قومهم ، وكان مع الوفد ثلاثة يضمرون الشرك حضروا معهم بقصد اغتيال محمد بن عبد اللّه ( ص ) .
وكان قوم عامر بن الطفيل قد قالوا له من قبل : ان الناس قد اسلموا كما اسلم قومك ، فقال لهم واللّه لقد آليت الا انتهي حتى تتبع العرب عقبي ، أفأنا أتتبع عقب هذا الفتى من قريش ، فلما توجه مع الوفد قال لأربد إذا قدمت على الرجل فإني شاغل عنك وجهه فإذا رأيتني فعلت ذلك فاضربه بالسيف فلما قدموا على رسول اللّه دخل عليه الوفد وفيهم عامر وأربد ، فقال له عامر خالني اي تفرد بي حتى أكلمك ، فقال النبي ( ص ) لا واللّه حتى تؤمن باللّه وحده ، وجعل يكرر حديثه مع الرسول وهو يأمل من أربد ان ينفذ ما تواعدا عليه ، وأريد لا يدري كيف يصنع ، ولما يئس من أربد قال للنبي ( ص ) : واللّه لأملأنها عليك حمرا ورجالا ، فقال رسول اللّه اللهم اكفني عامر بن الطفيل .
ولما انصرفا عن النبي ( ص ) قال عامر لأربد ويلك يا أربد اين ما كنت أوصيتك به ، واللّه ما كان على ظهر الأرض رجل هو أخوف على نفسي عندي منك ، وأيم اللّه لا اخافك بعد اليوم ابدا ، فقال له أربد لا تعجل علي لا أبا لك واللّه ما هممت بالذي امرتني به مرة الا ورأيتك دخلت بيني وبين الرجل حتى ما أرى غيرك أفأضربك بالسيف ، وفيما هم في طريقهم ليلا يسيرون وإذا بعامر بن الطفيل يصاب بالطاعون في عنقه فعجز عن المسير والتجأ إلى بيت امرأة من سلول فمات فيه وهو يردد يا ابن عامر أغدة كغدة البعير وموتة في بيت سلولية ، فدفنه أصحابه وانصرفوا .
ولما انتهوا إلى قومهم قال بنو عامر لأربد : ما وراءك يا أربد قال لا شيء واللّه لقد دعانا إلى عبادة شيء لوددت انه عندي الآن فأرميه بنبلي هذه حتى اقتله ، فخرج بعد مقالته هذه بيومين ومعه جمل يريد بيعه فأرسل اللّه عليه وعلى جمله صاعقة فأحرقتهما ولكن عناد عامر بن الطفيل وأربد بن قيس لم يمنع قومهما من الدخول في الاسلام والانضواء تحت لوائه .
الاكثر قراءة في قضايا عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة