المسؤولية السياسية في القانون الأساسي العراقي لسنة 1925
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص43-46
2025-12-09
18
اخذ القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 من الناحية النظرية بالنظام البرلماني القائم على مجموعة من الأسس ومنها ثنائية السلطة التنفيذية ، إذ يوجد رئيس دولة (الملك) مصون وغير مسؤول(1). ويترتب على عدم مسؤوليته نتيجتان ؛ الأولى : انتقال السلطة الفعلية من الملك غير المسؤول إلى الوزارة المسؤولة التي تشكل الفرع الثاني من السلطة التنفيذية ، والتي تكون مسؤولة أمام البرلمان عن رسم السياسة العامة للدولة(2). والثانية : عدم إمكانية قيام الملك بالعمل منفردا ، ومن ثم ينتج عن ذلك أن توقيع الملك في أي شأن من شؤون الدولة لا يكون ملزما إلا إذا وقع معه رئيس الوزراء أو الوزير المختص حتى يكون نافذا استنادا لقاعدة التوقيع الوزاري المجاور ، إذ كان الملك يباشر سلطاته بواسطة أرادات ملكية تصدر بناءاً على اقتراح الوزير أو الوزراء المسؤولين وبموافقة رئيس الوزراء ويوقع عليها من قبلهم(3). وكذلك اخذ بأساس آخر من أسس النظام البرلماني ، وهو مبدأ الفصل بين السلطات القائم على أساس التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، فالتعاون المتبادل بينهما يتحقق عن طريق مجموعة من الوسائل (كجواز الجمع بين عضوية البرلمان والحكومة وحق السلطة التنفيذية باقتراح القوانين وغيرها) ، وأما التوازن فيتحقق بوجود رقابة متبادلة بينهما بحيث لا تكون أحداها خاضعة للأخرى ، ولا ترجح كفة أحداها على الأخرى ، وإنما تكونان في مستوى واحد في كفتي الميزان ، وما يكفل هذا التوازن بينهما هو تمتع كل واحدة منهما بحق أو سلاح تستعمله تجاه السلطة الأخرى ، فحق البرلمان في الاحتفاظ بهذا التوازن يتمثل (بحقه في تحريك المسؤولية السياسية للــحكومة بصورتيها التضامنية والفردية وفقا للمادة 66 ) ، وأما حق السلطة التنفيذية المقابل الذي يحفظ لها التوازن مع البرلمان فهو (حق حل مجلس النواب وفق المادتان 26 / ف2 و40) . وفيما يخص مسؤولية الحكومة السياسية فقد قررت المادة (66) من القانون الأساسي إن " وزراء الدولة مسؤولون بالتضامن أمام مجلس النواب عن الشؤون التي تقوم بها الوزارات ، ومسؤولون بصورة منفردة عن الإجراءات المتعلقة بوزارة كل منهم وما يتبعها من الدوائر ، فإذا قرر مجلس النواب عدم الثقة بالوزارة بأكثرية الأعضاء الحاضرين ، فعليها إن تستقيل ، وإذا كان القرار المذكور يمس احد الوزراء فقط فعلى ذلك الوزير إن يستقيل .... " .
ويتضح من هذا النص أن القانون الأساسي اخذ بمسؤولية الحكومة السياسية بصورتيها التضامنية بالنسبة للحكومة بكامل هيئتها ، والفردية بالنسبة لوزير أو عدد معين من الوزراء(4). إذ أتاح لكل عضو من أعضاء مجلس الأمة وسيلتين فقط من وسائل تحريك تلك المسؤولية وهما السؤال والاستيضاح ، اذ يجوز لأعضاء المجلس بموجب المادة (54) من هذا القانون إن يوجهوا إلى الوزراء أسئلة واستيضاحات(5). ولكن يلاحظ بأن هذا الدستور قـد استخدم مصطلح (الاستيضاح ) بدلا من مصطلح (الاستجواب) في حين إن لكل من هذين المصطلحين معناه الخاص ، لان الاستيضاح يمثل مرحلة لاحقة للسؤال ويقصد به تعقيب العضو على إجابة الوزير عن سؤال وجهه ذلك العضو إلى هذا الوزير(6). ومن جهة أخرى يلاحظ بأنه قد ساوى في المدة الممنوحة للوزير للإجابة على السؤال والاستيضاح على الرغم من ضرورة الاختلاف في المدة لكل منهما ، وذلك لاختلاف الآثار المترتبة على كل منهما ، فقد يترتب على الاستيضاح سحب الثقة من الحكومة ككل أو من الوزير المستوضح منه بشكل فردي ، في حين قد لا يترتب مثل هذا الأثر على السؤال(7). وأما النظام الداخلي لمجلس النواب فقد نص على وسيلة ثالثة لم يتم النص عليها في القانون الأساسي ذاته ، وهي التحقيق البرلماني بتشكيل مجلس النواب لجان تحقيقيه لا يقل عدد أعضائها عن الخمسة ولا يزيد عن الخمسة عشر للتحقيق في وقوع حوادث سياسية هامة أو أعمال أداريه أو تعرض حالة البلاد الاقتصادية أو السياسية إلى خطر أو تخل بسلامة الانتخابات أو بحريــة الأفراد ، وينتهي عملها برفع تقرير إلى المجلس ليقرر بشأنه ما يراه(8). ويلاحظ بأن سحب الثقة من الحكومة بكاملها أو من احد الوزراء يكون من قبل مجلس النواب لوحده دون مجلس الأعيان ، لان الأخير لا يمكن للوزارة حله ، ولا يستطيع هو سحب الثقة منها دستوريا رغم كونه يشترك مع مجلس النواب في ممارسة الاختصاص الرقابي(9). ويتم سحب الثقة بقرار من مجلس النواب بعد توجيه استيضاح ومناقشة إجابات الحكومة وفقا للنظام الداخلي للمجلس ، فإذا لم يقتنع المجلس بتلك الإجابات ، يقرر التصويت على سحب الثقة وذلك بأكثرية بسيطة وضئيلة وهي أكثرية الأعضاء الحاضرين ، ولرئيس الوزراء أو الوزير المختص حق تقديم طلب للمجلس لتأجيل ذلك التصويت ولمرة واحدة فقط ولمدة لا تتجاوز ثمانية أيام ولا يجوز حل المجلس خلال تلك المدة .
أما من الناحية الواقعية : فيلاحظ أن القانون الأساسي لسنة 1925 قد انحرف عن القواعد والأسس التقليدية للنظام البرلماني ، إذ انه خلافا للأنظمة البرلمانية المقارنة قد جعل الملك في مركز متميز في ممارسة السلطة ، مما جعله مهيمنا على كل من الحكومة والبرلمان(10). فأما هيمنته على الحكومة فتمثلت في عدة مظاهر منها : تدخله في اختيار رئيس مجلس الوزراء ، فإرادة الملك في اختيار رئيس مجلس الوزراء لم تُقيد باختيار زعيم الأغلبية البرلمانية ، وهذا ما أدى إلى تشكيل وزارات غير متجانسة لعدم تشكيلها من قبل الأغلبية البرلمانية ، فضلاً عن ذلك أن الملك كان يسهم إسهاماً فعلياً في اختيار الوزراء مما أدى إلى تشكيل وزارات ضعيفة تفتقد إلى الانسجام والتضامن ومعيار العمل فيها الحفاظ على ثقة الملك أكثر من تحقيق أهدافها(11). وكذلك تدخله في عملية إقالة رئيس مجلس الوزراء من منصبه ، بما يتعارض مع مبدأ عدم مسؤولية الملك وانه يسود ولا يحكم ، وخصوصا بعد تعديل الفقرة (السادسة) من المادة (26) من القانون الأساسي في سنة 1943 بحيث أصبح الملك يستطيع إقالة رئيس الوزراء ، مما يضطر هذا الأخير من اجل الاحتفاظ بمنصبه السعي إلى كسب ثقة الملك إلى جانب ثقة مجلس النواب ، مما جعل الحكومة مسؤولة مسؤولية مزدوجة أمام الملك والبرلمان ، بما يتعارض مع طبيعة النظام البرلماني(12). وأما هيمنته على البرلمان (مجلس النواب ومجلس الاعيان) فتمثلت في عدة مظاهر منها . انه كان يتولى تعيين أعضاء مجلس الاعيان ، فهو اذن مجلس لا يعبر عن ارادة الشعب ، وأما فيما يتعلق بمجلس النواب فيلاحظ ضعف دوره الرقابي على أعمال الحكومة(13). فرغم إن القانون الأساسي أتاح له تحريك المسؤولية السياسية للحكومة ألا إن التاريخ الدستوري في العهد الملكي لم يشهد أي تطبيق لذلك ، رغم كثرة لجوء الحكومة إلى حله ، إذ لم يحدث إن صوت المجلس على سحب الثقة من الحكومة ، رغم انه كان هناك العديد من الحالات التي كانت تستوجب تحريك تلك المسؤولية(14). والسبب في ذلك هو كثرة لجوء الحكومة إلى حل المجلس من جهة ، إذ إن المجالس كانت تحل قبل إكمال دورتها ، ماعدا مجلس واحد أكمل دورته حيث كان يتم حلها لأسباب واهية(15). فضلا عن إسناد الملك للحكومة وما نتج عن ذلك من خشية مجلس النواب من سحب الثقة عن الحكومة المتمتعة بثقة الملك ، فكما أن ثقة الملك كانت هي أساس اختيار الحكومة ، فان هذه الثقة كانت أيضا أساس بقائها ، فإذا سحب الملك ثقته من الحكومة وجب عليها الاستقالة(16). وكذلك سلطته في إقالة رئيس الوزراء كما بينا كل تلك الأسباب أدت إلى ضعف الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة في ظل هذا الدستور.
___________
1- ينظر المادة (25) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 ، موسوعة الدساتير العراقية ، المعهد الدولي لحقوق الإنسان ، كلية الحقوق ، جامعة دي بول ، الطبعة الأولى ، 2005 ، ص 12.
2- د. مصطفى كامل ، شرح القانون الأساسي العراقي ، مطبعة السلام ، بغداد ، 1947 - 1948 ، ص 45 و 71. وكذلك منال يونس عبد الرزاق ، المؤسسة التشريعية في العراق في ظل دستوري 1925 – 1970 (دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1997 ، ص 115 .
3- ينظر المادة (27) من القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 .
4- د. شمران حمادي ، النظم السياسية والدستورية في الشرق الأوسط ، شركة الطبع والنشر الأهلية ، بغداد ، 1964، ص 138.
5- طــارق قاسم حــرب , الوجيز في الــوزارة الـــعراقية ، دار الحكمة ، لندن ، 2010 ، ص 79 وما بعدها.
6- د. عثمان خليل عثمان ، الوزارة في الدستور العراقي ، مقال منشور في مجلة القانون والاقتصاد ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، السنة الثانية عشرة ، العدد الأول ، 1942 ، ص 78 - 79.
7- ميثم حسين الشافعي ، المسؤولية السياسية للقائمين بأعباء السلطة التنفيذية (دراسة مقارنة) ، بحث منشور بمجلة أهل البيت ، جامعة أهل البيت ، كربلاء المقدسة ، العدد (12) ، 2012 ، ص 206.
8- د. محمد فؤاد مهنا ، النظامان الرئاسي والبرلماني في دساتير الدول العربية ، بحث منشور بمجلة الحقوق للبحوث القانونية والاقتصادية ، كلية الحقوق ، جامعة الاسكندرية ، السنة (15) ، العدد الثاني ، 1970 ، ص 399.
9- علي يوسف عبد النبي الشكري ، نظام المجلسين في الدولة الاتحادية والموحدة (دراسة دستورية مقارنة) ، رسالة ماجستير ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1994 ، ص 88 و 95.
10- د. فائز عزيز اسعد ، انحراف النظام البرلماني في العراق ، مطبعة السندباد ، بغداد ، 1984 ، ص 246 وما بعدها وكذلك د. صالح جواد كاظم وآخرون ، النظام الدستوري في العراق ، مطبعة جامعة بغداد ، 1980-1981 ، ص 22-23 ، و د. شمران حمادي ، مصدر سابق ، ص 140 وما بعدها.
11- د. منذر الشاوي ، القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية العراقية ، مطبعة شفيق ، بغداد ، 1966 ، ص 147.
12- د. رعد ناجي الجدة ، التطورات الدستورية في العراق ، منشورات بيت الحكمة ، بغداد ، 2004 ، ص 57 و 67.
13- د. محمد مظفر الادهمي ، العراق : تأسيس النظام الملكي وتجربته البرلمانية ، مكتبة الذاكرة ، بغداد ، 2013 ، ص 326 وما بعدها. وكذلك د. نوري لطيف ، القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، مطبعة علاء ، بغداد ، 1979 ، ص 242 - 243.
14- د. فائز عزيز اسعد ، مصدر سابق ، ص 237.
15- مها بهجت يونس الصالحي ، حل المجالس النيابية في العراق ، رسالة ماجستير ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1995، ص 176 . وكذلك منال يونس عبد الرزاق ، المؤسسة التشريعية في العراق في ظل دستوري 1925 – 1970 (دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1997 ، ص 134.
166- د. فائز عزيز اسعد ، مصدر سابق ، ص 241.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة