المسؤولية السياسية في الدساتير الصادرة بعد سنة 2003
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص 49-51
2025-12-08
32
في هذا الموضوع سنتناول دراسة موقف الدساتير العراقية التي صدرت بعد سنة 2003 وكيفية تنظيمها لمسؤولية الحكومة السياسية ، وهذه الدساتير تتمثل بقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 ، ودستور جمهورية العراق لسنة 2005 وعلى النحو الاتي :-
أولا : مسؤولية الحكومة السياسية في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية لسنة 2004(1) :-
ابتداءً يجب التمييز بين المراحل التي نص عليها هذا القانون(2). وهي مرحلتان وكما يأتي :-
1- المرحلة الانتقالية الأولى التي امتدت من 30 حزيران من عام 2004 لغاية 31 كانون الثاني من عام 2005 :- فيلاحظ على العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خلال تلك المرحلة ، الميل نحو ترجيح كفة السلطة التنفيذية (مجلس الوزراء) على كفة السلطة التشريعية ، ويتضح هذا الرجحان من خلال عدة مظاهر ، منها تمتع مجلس الوزراء بممارسة اختصاصات واسعة ، كالجمع بين الاختصاص التشريعي والتنفيذي ، من خلال اصدار أوامر لها قوة القانون بموافقة مجلس الرئاسة بالأجماع ، وذلك لعدم وجود جمعية وطنية منتخبة من قبل الشعب لتتولى المهام التشريعية ، أما المجلس الوطني المؤقت الذي ورد النص عليه في ملحق قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية فقد كان عبارة عن مجلس استشاري يملك بعض الاختصاصات المتناقضة بعضها مع البعض الآخر ، فهو من جهة يقوم بتقديم المشورة لكل من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء ، ومن جهة أخرى يملك استجواب رئيس الوزراء والوزراء دون بيان الأثر المترتب على ذلك الاستجواب . وكان الافضل ألا يوجد هذا المجلس الشكلي لأنه لا يملك أي تأثير من الناحية الواقعية ، ولكن إنشاء هذا المجلس يمثل تحصيل حاصل تطبيقا لقرار مجلس الامن الدولي المرقم (1546) في 8/حزيران/2004(3). ومن ثم يمكن القول بأن مسؤولية الحكومة السياسية لم تكن واضحة المعالم في هذه المرحلة .
2- المرحلة الانتقالية الثانية التي امتدت من30 شباط من عام 2005 لغاية تشكيل الحكومة الدائمة :- خلافا للمرحلة السابقة بشأن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، يلاحظ خلال هذه المرحلة الميل نحو ترجيح كفة السلطة التشريعية (الجمعية الوطنية)على كفة السلطة التنفيذية (مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء) ويتضح هذا الرجحان من خلال مراقبة الجمعية الوطنية المنتخبة من قبل الشعب لأداء الهيئات التنفيذية ، ولها حق استجواب المسؤولين التنفيذيين بمن فيهم أعضاء مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء وكذلك يشمل هذا الحق التحقيق وطلب المعلومات وإصدار أوامر بالحضور أمامها(4). كما تتمتع بحق تحريك المسؤولية السياسية التضامنية ، وهذا ما نصت عليه المادة (40) من قانون إدارة الدولة بقولها " أ - يكون رئيس الوزراء والوزراء مسؤولين امام الجمعية الوطنية ، ولهذه الجمعية الحق بسحب الثقة سواءً من رئيس الوزراء أو الوزراء مجتمعين ومنفردين ، وفي حالة سحب الثقة من رئيس الوزراء تنحل الوزارة بأسرها ، وتصبح الفقرة (ب) ادناه نافذة . ب – في حالة التصويت بعدم الثقة لمجلس الوزراء بأسره ، يظل رئيس الوزراء والوزراء في مناصبهم لمزاولة أعمالهم مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً إلى حين تشكيل مجلس وزراء جديد ". أما المسؤولية الفردية فقد نصت عليها المادة (40/ أ) المذكورة انفا ، ونصت عليها أيضا المادة (41) بقولها " يزاول رئيس الوزراء مسؤولياته اليومية لإدارة الحكومة ويجوز له اقالة الوزراء بموافقة أغلبية مطلقة من الجمعية الوطنية ويمكن لمجلس الرئاسة بتوصية من هيئة النزاهة العامة بعد مراعاة الإجراءات القانونية إن تقيل عضوا من مجلس الوزراء بما فيه رئيس الوزراء "(5). ولكن هذه المادة منتقدة لأسباب عديدة منها : إنها تعطى مجلس الرئاسة سلطة إقالة رئيس الوزراء أو احد الوزراء بناءاً على توصية من هيئة النزاهة ، وهو ما يعني وضع مجلس الوزراء تحت رحمة جهة أخرى غير الجمعية الوطنية ، مما يؤدي إلى احتمال سعي الوزارة لكسب رضا هذه الجهة إلى جانب رضا الجمعية الوطنية ، وهذا يتناقض مع النظام البرلماني من حيث إن المسؤولية لا تكون إلا امام البرلمان(6). وتكون هذه الإقالة بعد مراعاة إجراءات قانونية معينة لم يتم تحديدها من قبل القانون ولا ملحقه(7). ومن جانب آخر يلاحظ بأن هذا القانون لم يمنح للحكومة حقها أو سلاحها المقابل لحق الجمعية الوطنية - بسحب الثقة – وهو حق حل الجمعية الوطنية ، مما يؤدي إلى اختلال التوازن لصالح الأخيرة على حساب الحكومة (مجلس الوزراء) ومن ثم إضعاف موقع الحكومة جوهريا(8). ومن ثم فأن قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 وخلافا للدساتير الجمهورية المؤقتة التي سبقته نص على اخضاع قرارات وتصرفات أعضاء السلطة التنفيذية (بضمنهم أعضاء الحكومة) للرقابة من خلال قيام الجمعية الوطنية ولجانها باستجوابهم ابتداء من أعضاء مجلس الرئاسة ورئيس الوزراء والوزراء ، والسبب في ذلك يكمن في المعاناة التي عانى منها الشعب العراقي خلال العقود السابقة التي غابت خلالها الشرعية الدستورية لمدة قاربت نصف قرن(9).
ثانيا : مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق النافذ لسنة 2005 :-
اتسم دستور جمهورية العراق لسنة 2005 بأنه خلافا للدساتير السابقة قد انتهج أسلوبا مغايرا لما انتهجته تلك دساتير ، فقد اخذ صراحة بمبدأ الفصل بين السلطات بموجب المادة (47) منه ، وأخذ كذلك بالنظام البرلماني بموجب المادة (1) منه ، واقر المبادئ والأسس التي يقوم عليها هذا النظام ومنها مبدأ مسؤولية الحكومة السياسية بصورتيها (التضامنية والفردية) أمام مجلس النواب(10). من خلال بيان الجهات المختصة بتحريك تلك المسؤولية والإجراءات المطلوبة والوسائل التي يستطيع من خلالها المجلس ممارسة وظيفته السياسية في الرقابة البرلمانية على أعمال الحكومة ، وهذا ما أشارت إليه المادة (61 / ثانيا) من هذا الدستور ، وأكدته المادة (1) من النظام الداخلي لمجلس النواب التي اعتبرت مجلس النواب هو السلطة التشريعية والرقابية العليا ، إذ أتاح هذا الدستور للمجلس ثلاثة وسائل لتحريك تلك المسؤولية وهي (السؤال وطرح موضوع عام للمناقشة والاستجواب)(11). وأضاف النظام الداخلي للمجلس وسيلة رابعة إلى تلك الوسائل وهي التحقيق البرلماني(12). وأخيرا تولى بيان الآثار المترتبة على قيام تلك المسؤولية والمتمثلة بسحب الثقة من الحكومة ككل أو من احد الوزراء بشكل منفرد وقيام حكومة تصريف اعمال لحين تشكيل حكومة جديدة(13). من خلال وضع المبادئ الرئيسية والخطوط العريضة تاركا تفصيل الأمور للنظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007 . وأما من الناحية الواقعية فأن هذا الدستور يعد أول الدساتير العراقية الذي يشهد محاولات لتحريك المسؤولية السياسية لبعض الوزراء ، على الرغم مما شابه من عيوب أو اغفال تنظيم بعض الأمور .
______________
1- يلاحظ بان قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004 قد استخدم مصطلح الحكومة بمعناه الواسع الذي يشمل السلطات العامة في الدولة كافة (التشريعية والتنفيذية والقضائية) ، ينظر المادة (24/ أ) من هذا القانون ، منشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (3981) في 31/12/2003 ، وكذلك المادة (2) من ملحقه ، المنشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (3986) في 9/1/2004.
2- ينظر المادة (2) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004.
3- د. حميد حنون خالد ، قراءة في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ، بحث منشور بمجلة العلوم القانونية ، كلية القانون ، جامعة بغداد ، المجلد (20) ، العدد الأول ، 2009 ، ص 19.
4- ينظر المادة (33/ ز) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لسنة 2004.
5- هنا عاد قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية لاستخدام مصطلح الحكومة بمعناه الضيق الذي يقتصر على أعضاء الوزارة (رئيس مجلس الوزراء والوزراء)، مما يشكل عدم الدقة وسوء في الصياغة اللغوية لنصوصه .
6- د. فائز عزيز اسعد ، نظرة في النظم الدستورية والسياسية العراقية ، دار البستان ، بغداد ، 2005 , ص 62.
7- د. حميد حنون خالد ، قراءة في قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ، مصدر سابق ، ص 29.
8- ماريا سبرونفا ، التحولات الدستورية في العراق (صفحات من تاريخ التطور الدستوري والسياسي في العراق) ، ترجمة د. فالح الحمراني ، الناشر دار ومكتبة عدنان ، بغداد ، 2012 ، ص 84.
9- د. علي يوسف الشكري , رئيس الجمهورية في العراق رئيس في نظام برلماني أم رئاسي ، دراسات حول الدستور العراقي ، ط (1) ، مؤسسة افاق للدراسات والأبحاث العراقية ، بغداد ، 2008، ص 329 . وكذلك ميثم حسين الشافعي ، المسؤولية السياسية للقائمين بأعباء السلطة التنفيذية (دراسة مقارنة) ، مجلة أهل البيت ، جامعة أهل البيت ، كربلاء المقدسة ، العدد (12) ، 2012 ، ص 209.
10- ينظر المادة (83) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
11- ينظر المادة (61 / سابعا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005.
12- ينظر المادة (32) وكذلك المواد (82- 86) من النظام الداخلي لمجلس النواب لسنة 2007 ، منشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (4032) ، السنة الثامنة والأربعون ، في 5/ 2/2007.
13- ينظر المادة (61 / ثامنا) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 .
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة