المسؤولية السياسية في الدساتير الجمهورية المؤقتة
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص46-48
2025-12-08
27
بعد انهيار النظام الملكي في العراق في 14 تموز من عام 1958 فأن الدساتير التي جاءت بعد القانون الأساسي العراقي لسنة 1925 في ظل العهود الجمهورية اللاحقة كانت دساتير مؤقتة لم يعرف أيا منها المسؤولية السياسية للحكومة ، والأسباب وراء ذلك تكمن فيما يأتي :-
1- إنها دساتير انقلابية امتازت بالتأقيت ، كانت توضع لفترات انتقالية مؤقتة في أعقاب انقلابات عسكرية لمعالجة المسائل الدستورية بشكل مؤقت ، وكانت غالبا ما تنص على مؤسسات دستورية استثنائية (كمجالس قيادة الثورة مثلا) ، ومن ثم فلا يمكن الحديث في ظلها عن نظام سياسي ودستوري تقليدي بعينه ، فهو اما يكون نظام خاص أو خليط من عدة أنظمة دستورية أو استثنائية(1).
2- كما إنها لم تأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات وبشكله النسبي المرن القائم على أساس التعاون والتوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية ، إذ يلاحظ إن بعضها كان يركز هاتين السلطتين بيد هيئة واحدة كأن تكون هذه الهيئة هي مجلس الوزراء كما هو الحال في دستور 27 تموز لسنة 1958(2).
3- أو تركز تلك السلطات في يد المجلس الوطني لقيادة الثورة كما هو الحال في ظل دستور 4 نيسان لسنة 1963(قانون المجلس الوطني رقم 25 لسنة 1963) (3). ودستور 21 أيلول لسنة 1968(4). أو تمتاز بهيمنة رئيس الجمهورية على كافة السلطات ، كما هو الحال في دستور 22 نيسان لسنة 1964(قانون المجلس الوطني رقم 61 لسنة 1964)(5). ودستور 29 نيسان لسنة 1964(6). وأما بالنسبة لدستور 16 تموز لسنة 1970 ، فمن الناحية النظرية :- يذهب البعض إلى أن هذا الدستور قد اخذ ابتداء بالنظام الرئاسي القائم على أساس وحدة السلطة التنفيذية ، إذ يتولى رئيس الجمهورية بالإضافة إلى منصبه رئاسة الحكومة في الوقت ذاته وفقا للمادة (56) ، ألا إن التعديل الذي حصل في سنة 1973 قد أعاد مجلس الوزراء إلى الوجود ما جعل النظام السياسي في ظل هذا الدستور نظاما مختلطا أو ذي طبيعة خاصة(7). بحيث يكون رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء مسؤولون عن أعمالهم مسؤولية مزدوجة أمام رئيس الجمهورية وفق المادة (58) وأمام المجلس الوطني في نفس الوقت وفقا للمادة (55/ ب) . مع ملاحظة ضعف الاختصاص الرقابي للمجلس الوطني ، والهيمنة التامة من قبل رئيس الجمهورية على ذلك الاختصاص لعدة أسباب منها ؛ أن مسؤولية مجلس الوزراء في ظل هذا الدستور كانت مسؤولية فردية ولم تكن مسؤولية تضامنية ، لان إعفاء رئيس الجمهورية لرئيس مجلس الوزراء من منصبه ، لا يؤدي إلى إعفاء أيا من الوزراء من مناصبهم . كما إن المجلس الوطني لم يكن يستطيع استدعاء رئيس الوزراء أو الوزراء للتحقيق معهم أو استجوابهم ألا بناءاً على موافقة من قبل رئيس الجمهورية(8). وقرار المجلس بسحب الثقة من احد الوزراء لم يكن قرارا نهائيا يؤدي إلى إعفائه من منصبه ، وإنما كان مجرد رأي يرفعه المجلس إلى رئيس الجمهورية(9). الذي يكون له القول الفصل بشأنه إن شاء اخذ برأي المجلس فيعفي الوزير من منصبه أو لا يأخذ به(10). ورأي اخر يذهب إلى ان النظام الذي أقامه هذا الدستور قد اخذ بمظاهر النظامين الرئاسي والمجلسي ، لاخذه بوحدة السلطة التنفيذية ، وعدم تقرير مسؤولية الحكومة قبل البرلمان ، وعدم اباحته للحكومة حل المجلس الوطني ، واما مظاهر النظام المجلسي فيه فتتمثل ، باشتراك رئيس الجمهورية في مباشرة السلطة التشريعية ، باعتبار إن رئيس مجلس قيادة الثورة يكون حكما رئيس الجمهورية ومجلس قيادة الثورة يباشر السلطة التشريعية مع المجلس الوطني(11).
وأما من الناحية الواقعية : - فيلاحظ إن هذا الدستور بعيد كل البعد عن الدساتير الديمقراطية ، ومن ثم فأن النظام الذي أقامه لا يمت بصلة لأي نظام من الأنظمة النيابية ، لأنه أقام نظاما يقوم على تركيز كافة السلطات بيد رئيس الجمهورية ، إذ يلاحظ بسط الاخير لهيمنته الواضحة على كل من المجلس الوطني ومجلس الوزراء ، ومن ثم فلا يمكن القول بوجود مسؤولية سياسية تضامنية للحكومة ككل ، أو مسؤولية سياسية فردية لأحد الوزراء امام المجلس الوطني ، والنصوص التي تشير الى تلك المسؤولية ووسائل تحريكها ما هي إلا نصوصا شكلية.
______________
1- د. علي يوسف الشكري ، رئيس مجلس الوزراء في العراق رئيس نظام برلماني آم مختلف ، دراسات حول الدستور العراقي ، ط (1) ، مؤسسة افاق للدراسات والأبحاث العراقية ، بغداد ، 2008 ، ص 317.
2- نصت المادة (21) من هذا الدستور على أن " يتولى مجلس الوزراء السلطة التشريعية بتصديق مجلس السيادة " ، وأما المادة (22) منه فتنص على أن " يتولى مجلس الوزراء والوزراء كل فيما يخصه أعمال السلطة التنفيذية " ، منشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (2) ، في 28/7/1958.
3- نصت المادة (2) من هذا الدستور على أن " يتولى المجلس الوطني لقيادة الثورة : 1- السلطة التشريعية ، فله حق وضع القوانين والأنظمة وتعديلها وإلغائها . 6- تأليف الوزارة وقبول استقالتها وأقالتها كل ذلك بالنسبة للوزارة كلها أو بعضها " . والمادة (15) منه تنص على أن " رئيس الجمهورية ... يقوم بوجه خاص بالأعمال التالية: 4- اصدار مرسوم تأليف الوزارة وقبول استقالتها وأقالتها وتعيين وزير أو أكثر وقبول استقالته أو أقالته حسب قرار المجلس " . منشور في جريدة الوقائع العراقية، العدد (797) ، في 25/4/1963.
4- نصت المادة (44) من هذا الدستور على أن " مجلس قيادة الثورة أعلى سلطة في الدولة و يمارس السلطات التالية: 1- انتخاب رئيس الجمهورية ونوابه " . منشور في جريدة الوقائع العراقية، العدد (1625) ، في 21/9/1968. وتنص الفقرة (8) المضافة إلى هذه المادة بموجب تعديل سنة 1969 على أن " لمجلس قيادة الثورة اصدار القوانين والقرارات التي لها قوة القانون دون الرجوع إلى مجلس الوزراء " منشور في جريدة الوقائع العراقية، العدد (1819) ، في 24/12/1969. وكما تنص المادة (58) على أنه " يمارس مجلس قيادة الثورة السلطة التشريعية إلى حين انعقاد الجلسة الأولى للمجلس الوطني " .
5- نصت المادة (8) من هذا الدستور على أن " تُعرض مشروعات القوانين التي يقرها مجلس الوزراء على المجلس الوطني لقيادة الثورة ، للمصادقة عليها وعند الامتناع عن تصديقها ، يُعيدها إلى مجلس الوزراء مع ملاحظاته عليها ، فإذا أصر مجلس الوزراء على رأيه السابق ، فلرئيس الجمهورية حق التصديق أو الرفض أو التعديل "منشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (948) ، في 9/5/1964.
6- نصت المادة (43) من هذا الدستور على أن " يعين رئيس الجمهورية رئيس الوزراء ونواب رئيس الوزراء والوزراء ويقبل استقالاتهم ويعفيهم من مناصبهم " . والمادة (64) منه تنص على أن " يتولى رئيس الجمهورية السلطة التنفيذية ، ويمارسها على الوجه المبين في هذا الدستور " ، جريدة الوقائع العراقية ، العدد (949) ، في 10/5/1964.
7- د. صالح جواد كاظم ود. علي غالب خضير ود. شفيق عبد الرزاق ، النظام الدستوري في العراق ، مطبعة جامعة بغداد ، 1980-1981 ، ص 98 ، وكذلك د. نوري لطيف ، القانون الدستوري والنظام الدستوري في العراق ، مطبعة علاء ، بغداد ، 1979.ص 262. و د. أحسان المفرجي ود. كطران زغير نعمة ود. رعد ناجي الجدة ، النظرية العامة للقانون الدستوري والنظام الدستوري العراقي ، شركة العاتك ، القاهرة ، 2011 ، ص 431 . و منال يونس عبد الرزاق ، المؤسسة التشريعية في العراق في ظل دستوري 1925 – 1970 (دراسة مقارنة) ، أطروحة دكتوراه ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 1997 ، ص 307.
8- ينظر المادة (54/ ب) من دستور سنة 1970 ، منشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (1900) ، في 17/7/1970.
9- ينظر المادتان (57 - 58) من قانون المجلس الوطني رقم (26) لسنة 1995 ، منشور في جريدة الوقائع العراقية ، العدد (3597) ، في 27/12/1995.
10- وقد حدث ذلك الأمر لمرة واحدة فقط عندما صدر المرسوم الجمهوري المرقم (499) المؤرخ في 10 مايس سنة 1988 بإعفاء وزير الصحة (الدكتور صادق حميد العلوش) من منصبه بناء على توصية من قبل المجلس الوطني بعد استجوابه . علي حسين أحمد غيلان الفهداوي ، مجلس الوزراء في دساتير العراق في العهد الجمهوري ، رسالة ماجستير مقدمة إلى مجلس كلية القانون - جامعة بغداد ، 1997 ، ص 122 و 126. وكذلك منال يونس عبد الرزاق ، مصدر سابق ، ص 276.
11- د. حميد حنون خالد ، الوظيفة التنفيذية لرئيس الدولة في النظام الرئاسي (دراسة مقارنة) ، دار عطوة للطباعة ، القاهرة ، 1981 ، ص 27.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة