المسؤولية السياسية الفردية
المؤلف:
محمد عبد الكاظم عوفي
المصدر:
مسؤولية الحكومة السياسية في دستور جمهورية العراق لسنة 2005
الجزء والصفحة:
ص15-19
2025-12-08
35
يراد بالمسؤولية الفردية انها : المسؤولية السياسية لأحد الوزراء أمام السلطة التشريعية عن سياسة وزارته ، وتنشأ نتيجة تصرف فردي لأحد الوزراء في أمر يتعلق بإدارة شؤون وزارته ، ويترتب عليها تنحية الوزير الذي سحبت منه الثقة عن الحكم دون المساس ببقية زملائه من أعضاء الحكومة الآخرين(1). وتثار المسؤولية الفردية إذا كان التصرف متعلقاً بالسياسة الداخلية للوزارة ، أي عندما يكون التصرف صادراً عن الوزير بصفته رئيساً إداريا أعلى للوزارة ، أو من الهيئات والمؤسسات التابعة للوزارة باعتباره يتولى الاشراف عليها(2). أو من احد الموظفين التابعين له أو الذين فوضهم في بعض اختصاصاته بموجب القانون واللوائح والأنظمة(3). اذ إن كل وزير في النظام البرلماني يتمتع بصفتين ؛ الأولى هي الصفة السياسية : والتي يمارسها باعتباره عضواً في مجلس الوزراء ، وبموجب هذه الصفة يقوم بإصدار قرارات تتعلق بالسياسة العامة للحكومة ، وكل قرار من هذا القبيل يمكن إن يثير المسؤولية التضامنية للحكومة الا إذا تخلى رئيس الوزراء عن التضامن مع الوزير المسؤول بإعلانه إن هذا الوزير قد تصرف خلافاً للسياسة العامة للحكومة ، وهنا يكون على هذا الوزير إن يستقيل بمفرده فقط بعد قيام مسؤوليته وسحب الثقة منه(4). والثانية هي الصفة الإدارية : باعتباره رئيساً إداريا أعلى للوزارة التي يراسها دون إن ينضوي في ملاك موظفي الدولة ، ويتمتع بسلطات واسعة في تصريف شؤون وزارته ومنها إصدار قرارات أقل أهمية من القرارات السابقة التي تتعلق بالسياسة العامة للحكومة أي لا تهم الحكومة بكاملها ، وما ينتج عن هذه القرارات من أثار تؤدي إلى تحريك المسؤولية السياسية الفردية لذلك الوزير فقط(5).
وتعبر المسؤولية الفردية عن علاقة الوزير بالبرلمان ، وبغيره من اعضاء الحكومة ، واخيرا بموظفي وزارته ، فمن ناحية علاقة الوزراء بالبرلمان فإن الوزير ملزم بالحضور أمام البرلمان للرد على أسئلة النواب ، وإعطاء تفسيرات لما حدث في وزارته ، والدفاع عن سياستها في مناقشات البرلمان ، أما بشأن علاقته بغيره من أعضاء الحكومة فإن مسؤوليته الفردية قد تختلط في أحيانا كثيرة بالمسؤولية التضامنية ، وذلك إذا تصرف أحد الوزراء تصرفا فردياً يتعلق بشؤون وزارته ، وترتب عليه قيام مسؤوليته الفردية والاستقالة من منصبه ، ولكن قد تتضامن معه الحكومة وتطرح الثقة بنفسها على البرلمان ، فإذا لم تحصل على هذه الثقة وجب عليها الاستقالة ، لذا يصعب في هذه الحالات التمييز بين المسؤولية الفردية والمسؤولية التضامنية(6). ولكن المستقر عليه في الأنظمة البرلمانية أن من حق رئيس الوزراء إن يعتبر التصرف الفردي الصادر من أحد الوزراء محركاً للمسؤولية التضامنية للحكومة بأسرها بإعلانه إن هذا التصرف يتعلق بالسياسة العامة للحكومة ، ومن ثم فإنه يستطيع وفي أي وقت إن يحول المسؤولية الفردية إلى مسؤولية تضامنية(7). أما بشأن علاقة الوزير بموظفي وزارته فمسؤوليته تشمل جميع الأعمال التي يقوم بها هؤلاء الموظفون باعتبار أنه يملك سلطة رئاسية كاملة عليهم(8). ومسؤولية الوزير عن أعمال وزارته لم تثير إشكالا من الناحية الدستورية فقد أصبح الوزراء يتساءلون بشكل منفرد عن سوء التقدير والخطأ الذي ينتج عن أي خلل في النظام الإداري للوزارة ، وعن القرارات التي يمكن إن يحاط الوزير بها علماً لو كانت إدارة الوزارة تتم بشكل سليم(9). وهذه الصورة من المسؤولية السياسية لا يكاد يخلو دستور من الدساتير ذات النظام البرلماني من تنظيم لها ، فقد عرفت بريطانيا المسؤولية الفردية للوزراء ، بل أنها تعد المهد الأول لنشأة هذه المسؤولية إذ يجمع الفقه الدستوري على اعتبار استقالة روبرت والبول (Robert Walpole) (1721-1742) أول استقالة يقدم عليها وزير(10). بناء على قرار صادر ضده في مجلس العموم نتيجة معارضة الأغلبية البرلمانية في المجلس للسياسة التي تنتهجها وزارته ، والذي أرُغم في النهاية على الاستقالة سنة 1742 بسبب خشيته من لجوء البرلمان إلى وسيلة الاتهام الجنائي ومن ثم محاكمته(11). ومنذ هذه الاستقالة استقرت قواعد المسؤولية السياسية الفردية للوزراء وتطورت فيما بعد مما أدى الى العديد من الاستقالات لعدد من الوزراء كاستقالة وزير الوقود والطاقة (Emmanuel Shinwell) في سنة 1947 على اثر ازمة الوقود(12). وكذلك اخذ الدستور الكويتي لسنة 1962 بالمسؤولية الفردية للوزراء وذلك في المادة (101) منه التي نصت على إن " كل وزير مسؤول لدى مجلس الأمة عن أعمال وزارته ، وإذا قرر المجلس عدم الثقة بأحد الوزراء أعتبر معتزلا للوزارة من تاريخ قرار عدم الثقة ويقدم استقالته فوراً ..... " . أما بالنسبة لموقف المشرع الدستوري العراقي فيلاحظ بأنه قد نظم هذه المسؤولية بموجب المادة (83) من دستور سنة 2005 التي نصت على إن " تكون مسؤولية رئيس مجلس الوزراء والوزراء أمام مجلس النواب تضامنية وشخصية " ويلاحظ على هذا النص ما يأتي(13) :-
1- إن المشرع استخدم مصطلح (شخصية) في المسؤولية ويقصد بها إن كل وزير مسؤول فقط عن أعماله وتصرفاته التي يقوم بها بنفسه ولا يمكن مسائلته عن أعمال وتصرفات الاخرين ، في حين إن مسؤولية الوزير الفردية تشمل جميع تصرفاته الايجابية والسلبية وجميع أعمال مرؤوسيه الذين يعملون تحت سلطته من موظفي وزارته والهيئات والمؤسسات الخاضعة لأشرافه .
2- إن المشرع أستخدم مصطلح (شخصية) للدلالة على المسؤولية الفردية وكان الاحرى به استخدام مصطلح (فردية) بدلاً عنها ، لأن المسؤولية الفردية يراد بها مسؤولية الوزير بمفرده من دون باقي أعضاء الحكومة . في حين يفيد مصطلح (شخصية) إن ذلك الوزير مسؤول شخصياً أو قيام مسؤولية شخص الوزير لسبب ما ، بينما المسؤولية الفردية ترتبط بمنصب الوزير وليس بشخصه .
3- إن النص تضمن إمكانية إن تكون مسؤولية رئيس الوزراء فردية وهذا غير جائز ، لان البرلمان إذا صوت على عدم الثقة برئيس الوزراء فإن ذلك يؤدي إلى استقالة الحكومة بكامل أعضائها ، كون مسؤوليته تكون دائما تضامنية لأنه يمثل السياسة العامة للحكومة(14).
وأخيراً هناك سؤالين في هذا المجال الأول : هل يجوز تحريك المسؤولية السياسية الفردية لأحد الوزراء عن الأعمال التي يقوم بها خلال فترة نيابته عن وزير آخر؟ فقد يحدث أثناء العمل الوزاري إن يغيب أحد الوزراء عن وزارته بسبب السفر أو المرض أو غير ذلك ، وضرورة سير العمل الحكومي بانتظام واطراد تقتضي إن يصدر مرسوم جمهوري أو أميري بتكليف أحد الوزراء بمهام حقيبة الوزير الغائب . والجواب على هذا السؤال هو إمكانية تحريك المسؤولية السياسية للوزير بالإنابة ، وذلك لأنه – أي الوزير بالإنابة - يمارس اختصاصه المؤقت وعليه إن يتحمل نتائج أعماله وتصرفاته المخالفة للدستور والقوانين ، أي يجد ذلك سنده بكونه وزيرا يمارس اختصاصات وزارية ، والقول بخلاف ذلك يعني ايجاد نوعية جديدة من الوزراء غير مسؤولين سياسياً وهم الوزراء بالإنابة ، ومن ثم فتح الباب على مصرعيه لمخالفة هؤلاء الوزراء للدستور والقوانين دون إمكانية توجيه أي مسؤولية سياسية أو قانونية لهم(15) ؛ واما الثاني : فهو هل يجوز تحريك المسؤولية السياسية الفردية لأحد الوزراء عن تصرفاته الخاصة والمشبوهة والتي لا تتعلق بشؤون وزارته ؟ والجواب على هذا السؤال هو إمكانية ذلك ، وخير مثال على ذلك استقالة وزير الدولة لشؤون الحرب (Mr. Profumo) في سنة 1963 بسبب أفعاله الشائنة التي كان لها آثار سياسية خطيرة لا يمكن فصلها عن منصبه وأساءت إلى شخصه كوزير على إثر علاقة جنسية مع دبلوماسية روسية(16). ومن التطبيقات الحديثة على ذلك استقالة وزير الهجرة البريطاني (مارك هاربر) من منصبه سنة 2014 لاستخدامه مهاجرة غير شرعية كعاملة في منزله وكتب (هاربر) في كتاب استقالته " رغم إنني لم أخالف أبدا القانون إلا إنني أرى أنه من واجبي كوزير للهجرة قدم مشروع قانون للبرلمان يشدد قوانين الهجرة أن أفرض على نفسي قواعد أكثر صرامة من غيري" . وأضاف " لذلك قررت إن الأنسب بالنسبة لي الانسحاب " معتذرا عن " الحرج الذي سببه " لحكومة الوزير الاول (ديفيد كاميرون ) (17) .
________________
1- د. محمد قدري حسن ، رئيس الوزراء في النظم البرلمانية المعاصرة (دراسة مقارنة) ، دار الــفكر العربي ، القاهرة ، 1987 ، ص 296.
2- د. محمد عبد المحسن المقاطع وكذلك د. يسري العصار ، الحدود الدستورية لمسؤولية الوزير عن الهيئات والمؤسسات العامة ، الندوة العلمية لكلية الحقوق بجامعة الكويت ، مصدر سابق ، ص 242 و264.
3- د. رأفت دسوقي ، هيمنة السلطة التنفيذية على أعمال البرلمان ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 142.
4- د. احمد سعيفان , الأنظمة السياسية والمبادئ الدستورية العامة , ط (1) ، منشورات الحلبي الحقوقية ، بيروت ، لبنان ، 2008، ص 490.
5- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ، ص 111.
6- H.W. Clarke : Constitutional And Administrative Law , Sweet & Maxwell LTD , London , 1971 , p . 99.
7- كما حدث في بريطانيا عندما طلب أحد الوزراء من مجلس العموم الموافقة على اعتماد أضافي ولكن المجلس رفض ذلك الطلب ، مما دفع رئيس الوزراء ( تشرشل) للتضامن مع الوزير باعتبار أن هذا الطلب يتصل بالسياسة العامة للوزارة ورفضه يعني طرح الثقة بالوزارة كلها ومن ثم فأن ( تشرشل) استطاع تحويل المسؤولية الفردية إلى المسؤولية التضامنية الأمر الذي أجبر المجلس في النهاية على الموافقة على الطلب. د. إبراهيم عبد العزيز شيحا، النظم السياسية والقانون الدستوري ، منشأة المعــــارف ، الإسكندرية ، دون سنة نشر ، ص 61 .
8- بمن فيهم وكيل أو وكلاء الوزير الذين يعاونوه في اداء الوظيفة الادارية باعتبارهم موظفون يخضون للمسؤولية التأديبية وفقا للقوانين التأديبية وقوانين الخدمة المدنية ولايخضعون للمسؤولية السياسية لانهم لا يدخلون ضمن المعنى الضيق للحكومة ، وهذا هو الوضع في النظام الدستوري والاداري الكويتي والعراقي اما في النظام الدستوري البريطاني فالوضع مختلف لأن وكيل الوزارة البرلماني "Commoner " يعاون الوزير في اداء اختصاصاته السياسية لاسيما المتعلقة بالبرلمان كالحضور في المجلس الذي لايكون الوزير عضوا فيه لذا فهو يخضع للمسؤولية السياسية كالوزير . د. سليمان محمد الطماوي ، مبادئ القانون الاداري (دراسة مقارنة) ، الكتاب (1) ، ط (10) ، دار الفكر العربي ، القاهرة ، 2014، ص 263.
9- جورج فوديل ، بيار دلفولفيه ، القانون الاداري ، ج (1) ، ترجمة منصور القاضي ، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع ، بيروت ، لبنان ، 2008، ص 476 وما بعدها . وكذلك د. سليمان محمد الطماوي ، القضاء الإداري ، قضاء التعويض وطرق الطعن بالأحكام (دراسة مقارنة)، الكتاب الثاني ، دار الفكر العربي ، 2003 ، ص 253 وما بعدها. ود. عبد الغني بسيوني عبد الله ، القضاء الإداري ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2006 ، ص 734 وما بعدها .
10- حيث يعتبر(روبرت والبول) أول رئيس وزراء بالمعنى الحديث في تاريخ بريطانيا ، لأن الوزارة لم يكن لها رئيس بالمعنى المعروف الآن وإنما كان يرأسها احد الوزراء ممن لهم حظوة ومكانة لدى الملك. د. السيد صبري ، الوزير الاول في انجلترا ، مجلة القانون والاقتصاد ، كلية الحقوق ، جامعة القاهرة ، السنة (15) ،العددان (4-5) ، 1945، ص 363.
11- د. عفيفي كامل عفيفي ، الأنظمة النيابية الرئيسية نشأتها - تطورها - تطبيقاتها (دراسة تحليلية مقارنة) ، منشأة المعارف ، الإسكندرية ، 2002 ، ص 185.
12- A . H . Birch : Representative And Responsible Government , Unwin University Books , London , 1972 , p. 142.
13- 8- محمد سالم كريم ، المركز القانوني للوزير في النظام البرلماني( دراسة مقارنة) ، رسالة ماجستير ، كلية القانون - جامعة بغداد ، 2013 ، ص 144.
14- د. عبد الله ناصف ، مدى توازن السلطة السياسية مع المسؤولية في الدولة الحديثة ، دار النهضة العربية ، القاهرة ، 1981 ص 112.
15- د. عادل الطبطبائي ، المسؤولية السياسية للوزير بالإنابة ، بحث منشور بمجلة الحقوق ، كلية الحقوق ، جامعة الكويت ، السنة الثانية والثلاثون ، العدد الأول ، 2008 ، ص 482.
16- Graeme C. Moodie : The Government of Great Britain , third Edition , Methuen & Co. ltd , London , 1971 ,p.110 .
17- ينظر الموقع الالكتروني للقناة الفرنسية 24 على شبكة الانترنت ، تم تسجيل الدخول في 20/2/2014 ، الساعة (5) مساء: http://www.france24.com/ar/20140208.
الاكثر قراءة في القانون الدستوري و النظم السياسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة