نشأة الدعاية وتطورها عبر التاريخ
المؤلف:
الدكتور بطرس خالد
المصدر:
الإعلام والحرب النفسية
الجزء والصفحة:
ص 91- 94
2025-12-01
158
نشأة الدعاية وتطورها عبر التاريخ:
لعل أعظم ما في الإنسان هو الكلمة سواء أكانت منطوقة أو منحوتة أم مصورة أم مكتوبة، والكلمة هي وسيلة الإعلام الأولى وبها عبر الإنسان عن الدعاية التي تؤثر على الفرد وتجتذبه منذ مطلع التاريخ وحتى عصرنا الحالي الذي أصبحت فيها الدعاية علماً له أصوله وقواعده، ومن هنا كان لابد أن نبحث في تاريخ الدعاية ومراحل تطورها.
ولو أردنا البحث في تاريخ الدعاية لوجدنا أنفسنا نبحث في تاريخ البشرية نفسه، فمنذ أن أخذ الإنسان يعبر عن نفسه من خلال الكلمات الكتابة، الرموز، فإنه لم ينفك يبحث يشتى الوسائل، من خلال الإيهام المبالغة، تحريف الحقائق، إعادة صياغة الأخيار، من أجل الوصول إلى هدفه، ففي تاريخ مصر الفرعونية مثلاً نجد أن الفراعنة كان يلغي أحدهم الآخر ويهدم معابده ويهشم تماثيله ويكسر منحوتاته ورموزه، وقد حدث مثل هذا الأمر قبل ثلاثة آلاف عام تقريباً، وكذا الأمر في حضارة وادي الرافدين بين السومريين والأكاديين وفيما بعد بين الآشوريين والبابليين وكل الأقوام التي عاشت في العراق القديم، فإزالة رموز معينة أو أفكار معينة والتهيئة لإحلال رموز جديدة ومنحها الشرعية والحضور لا يتم إلا عبر عمل الدعاية.
الدعاية عند الإغريق:
في العصور الإغريقية كان للإغريق رجال دعاية معروفين نذكر منهم:
- (تيرتيوس) الذي كتب أشعاراً سياسية ووطنية، ويث في نفوس الناس الحماس.
- هناك أيضاً (هيرودوتس) المؤرخ الذي يعتبر أول شخص كتب التاريخ الوطني.
- كذلك (أفلاطون) الذي ساهم بذلك من خلال كتابه عن "الجمهورية المثالية" ومن خلال التعاليم المفصلة التي ألقاها للناس.
- كما وإن أرسطو لعب دوراً لا يستهان به في هذا المجال عن طريق كتابه "البلاغة" والذي هو أول نص كتابي عن نوع الدعاية السياسية، وهو داعية الإقناع عن طريق الخطابة ويعتبر هذا الكتاب إلى يومنا هذا مرجعاً كلاسيكياً في الدعاية المسموعة.
الدعاية عند الرومان:
في العصور الرومانية نجد العديد من الأمثلة عن الدعاية السياسية، حيث كان النظام يعتمد على تكريم القادة المنتصرين، وإقامة المواكب والاحتفالات للتأثير على المواطن الروماني، وكذلك وجد بعض الداعيين المشهورين كالشاعر الروماني المعروف (فرجيل)، هذا بالإضافة إلى عبادة الإمبراطور التي كانت عبارة عن نتيجة لخطوة دعائية معتمدة كوسيلة لحصر ولاء الأمم الخاضعة للحكم الروماني.
الدعاية في عصر المسيحية:
أما في عصر المسيحية فقد ازدهر نوع جديد من الدعاية وهو دعوة المبشرين الأوائل للمسيحية، وبذلك يعتبر هذا التطور الكبير له أهميته الخاصة بالنسبة لتاريخ الدين والدعاية، وقد تبنت المسيحية وخاضت حملة دعائية واسعة ومنظمة لجذب اهتمام الإنسان وكسبه.
الدعاية في عصر الإسلام:
في العصور الإسلامية التالية للمسيحية واللتين يعتبران أعظم حركتين دينيتين في العالم، فقد كان هنالك الكثير من الأمثلة التي تدل على نجاح الإسلام في اعتماده على الإقناع في نشر دعوته حيث نجد مثلاً وصول المعز إلى مصر أنه استعان بالشعراء لنشر الدعوة الفاطمية.
الدعاية والثورة الفرنسية:
الثورة الفرنسية منحت مصطلح (البروباغاندا) أو (الدعاية) بالعربية، بعداً جديداً، حيث ارتبطت بمعنى (التنوير)، كما أنها منحت الصحافة سلطة جبارة في التأثير على الجماهير، مما دفع السياسيين لاستخدامها كوسيلة أساس في الصراع السياسي. ولم يكن المصطلح يحمل معنى سلبياً قط مثلما هو عليه اليوم، إلا أن الاستخدام المعاصر لمصطلح الدعاية جرى بأميركا وبريطانيا في بدايات القرن العشرين وبالتحديد في الحرب العالمية الأولى، حينما دعا الرئيس الأمريكي "ويلسون" لجنة دعائية ساهم في عضويتها كبار المفكرين والمنظرين الأكاديميين أمثال "جون ديوي"، "فالتر لبمان"، "أدورد بيرنايس"، كذلك حينما تأسست في بريطانيا وزارة للدعاية التي أخذت على عاتقها مهمة تحريض الشعب الأميركي ضد الألمان، ونجحت في ذلك نجاحاً عظيماً. وقد كتب " فالتر لبمان" بعد ذلك كتابه الشهير (نظرية الديمقراطية) التي كانت تؤكد على أن الشعب يتألف من طبقتين، الأولى طبقة المتخصصين الذين يمثلون مصالح الأكثرية ويقررون عنهم، والطبقة الأخرى هي طبقة الأكثرية الغالبة والذين نتيجة لنقص معارفهم تركوا للمختصين إمكانية التقرير مكانهم، وقد كانت نتيجة لمثل هذه الدراسات والبحوث أن قام المفكر الألماني "فيرديناند تونيس" بإصدار كتابه القيم في (نقد الرأي العام). ويعد كتاب (الدعاية) "لأدوارد بيرنايس" من أهم الأعمال الفكرية في ما بعد الحرب العالمية الأولى.
ومما تقدم نجد بأن الدعاية لم توجد أساساً إلا نتيجة لحاجات وضرورات في الحياة، ونتيجة لمواقف أثبتت حاجتها لوجود هذه الدعاية، ولذلك فإن المحيط الذي تصدر عنه الدعاية يكون ذو شأن كبير لنجاحها أو فشلها.
الاكثر قراءة في الدعاية والحرب النفسية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة