الأضرار الفردية والاجتماعية للبدعة
المؤلف:
الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
المصدر:
أصلحُ الناسِ وأفسدُهُم في نهج البلاغة
الجزء والصفحة:
ص 265 ــ 267
2025-12-01
21
من الناحية الاجتماعية، يسبب تصرف الشخص المبتدع ضررا للمجتمع لا يمكن إصلاحه أو تداركه، وخطره على المجتمع أكبر من خطر الطبيب المخادع الذي يعرض أرواح الناس وسلامتهم للخطر من خلال صرفه للدواء المغشوش، لأنه في أقصى حد سيسلب الناس فرصة الحياة ولن يسمح لهم بالبقاء في الدنيا لزمان أطول، بحيث يستفيدون من النعم واللذات أكثر، إلا أنه لا يلحق الضرر بآخرتهم وحياتهم الأبدية. أما الشخص المبتدع، فإنه يُفسد دين الناس ويحرمهم من السعادة الدنيوية ومن السعادة الأخروية الأبدية الدائمة التي تتحقق من خلال الدين، وذلك من خلال القوانين التي يضعها باسم الدين والأحكام التي يجعلها من عند نفسه، إذن، خيانته بحق المجتمع أعظم من أية خيانة أخرى.
ومن ناحية البعد الفردي، فإن صاحب البدعة قد وضع نفسه في مقام واضع القوانين والأحكام، وهو يدعي أنه أتى إلى المجتمع بالأحكام التي لم ترد في الإسلام إلا أنها مفيدة للمجتمع، ويعتقد أن دين الله ناقص، فقد سعى هو لإكماله أو أنه يعتقد أن تعاليم الدين والإسلام قد عفا عليها الزمن ولا فائدة مرجوة منها للناس، وأنه أتى بالجديد الذي يضمن سعادة المجتمع. وفي هذه الحالة هو يعتقد أن دين الله قد نسخ، وأنه يُقدم بديلا له أفضل منه، وفي كلتا الحالتين، هو يجعل من نفسه شريكا لله في التشريع ومنكرا لربوبية الله التشريعية، ويعتقد بنفسه أنه لائق بسن القوانين في عرض إرادة الله!
إن ما تم طرحه حول الشرك، ومن ذلك ما ورد في القرآن، فهو الاعتقاد بالشرك في الربوبية ونفي التوحيد في الربوبية، وإلا فهناك عدد قليل ممن قالوا بالشرك في الخالقيّة ونفوا التوحيد في الخالقيّة، مثلاً: يعتقد عبد الأصنام والمشركون في مكة أن الله هو خالق الكون، وشركهم إنما كان في ربوبية الله، فهؤلاء لم يؤمنوا بتعدد الخالق على الإطلاق، ويعتقد هؤلاء أن الله بعد أن خلق عالم الوجود، فوض بعض الأمور إلى غيره من الأصنام والملائكة أو الجن، وقد تحدث القرآن الكريم حول اعتقادهم بالتوحيد في الخالقية وشركهم في ربوبية الله، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر: 38].
إذن، أكثر أنواع الشرك الذي كان مطروحا في العالم، والذي حاربه الأنبياء الإلهيون هو الشرك في ربوبية الله، وأولئك الذين كانوا يُحاربون الأنبياء، لم يكونوا يقولون لدينا أكثر من خالق وأكثر من واجب وجود واحد، وإنما كانوا يقولون: إنه ليس في عهدة الله تدبير كافة الأمور وجميع الأعمال، بل مثلا: للمطر رب وللنصر رب وللحرب رب؛ ولا يُنسب إلا إلى الثنويين فقط أنهم كانوا يقولون بوجود خالقين، حيث كانوا يرون أن خالق الشرور إله آخر غير خالق الخير.
الاكثر قراءة في مشاكل و حلول
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة