غزوة بني المصطلق
المؤلف:
هاشم معروف الحسني
المصدر:
سيرة المصطفى "ص"
الجزء والصفحة:
ص467-472
2025-11-17
23
هذه الغزوة ذكرها أكثر المؤرخين والمؤلفين في السيرة من حوادث السنة السادسة للهجرة وفي الشهر السابع منها بالذات ، ونهج على ذلك ابن هشام في سيرته ، وابن كثير في تاريخه والطبري وغيرهم ، ولكن ابن سعد في طبقاته ذكرها من حوادث السنة الخامسة وأيده في ذلك أبو الفداء في تاريخه ، ورجح ذلك بعض المحدثين منهم الزرقاني كما جاء في التعليقة على سيرة ابن هشام ، وأيد هؤلاء رأيهم بأن حديث الإفك كان بعد رجوع المسلمين من تلك الغزوة ، وحصل نزاع بين السعدين سعد بن معاذ وسعد بن عبادة حول هذا الموضوع بالذات ، مع العلم بأن سعد بن معاذ قد توفي بعد ان حكم على بني قريظة بالقتل كما أجمعت على ذلك المؤلفات في السيرة وكان ذلك من حوادث السنة الخامسة لهجرة النبي ، ولو كانت هذه الغزوة من حوادث السنة السادسة لم يبق وجه لما جاء حول حديث الإفك عن سعد بن معاذ لأن وفاته تكون على هذا التقدير قبل غزوة بني المصطلق التي كان حديث الإفك في أعقابها .
وعلى اي الأحوال فكل من ذكرها في حوادث السنة السادسة يبدو عليه التردد وعدم الجزم لأنهم عقبوا على ذلك بقولهم : وقيل إنها كانت في حوادث السنة الخامسة .
ومجمل القول فيها كما جاء في كتب السيرة من حديث الواقدي وابن سعد وغيرهما ان الحارث بن أبي ضرار دعا قومه خزاعة ومن في جوارهم من الأعراب إلى غزو المدينة ، ولما بلغ خبرهم رسول اللّه بعث بريدة بن الحصيب ليكشف له خبرهم فاستأذنه بريدة ان يقول ما يشاء لإنجاح مهمته فأذن له النبي ( ص ) ومضى بريدة إليهم ، ولما انتهى إلى المكان الذي تجمعوا فيه ، قالوا له من الرجل : فقال رجل منكم قدمت عليكم بعد ما بلغني انكم تعدون العدة وتتأهبون لغزو هذا الرجل يعني بذلك النبي ، فإذا صح الخبر فأنا معكم بمن أطاعني من قومي لنكون يدا واحدة عليه ولعلنا نستأصلهم .
فرحب الحارث به وطلب إليه التعجيل بمن معه من قومه ، فرجع إلى رسول اللّه ( ص ) واخبره بحالهم فندب رسول اللّه ( ص ) الناس إليهم لليلتين خلتا من شعبان كما جاء في كتب السيرة فأجابوه إلى ذلك وخرج معه في هذه الغزوة جماعة من المنافقين طمعا في الغنائم وخرج رسول اللّه بمن معه حتى بلغ ماء يقال له المريسيع وكانوا قد تجمعوا عليه واعطى راية المهاجرين في هذه الغزوة لعمار بن ياسر ، وراية الأنصار لسعد بن عبادة وأصاب عينا للمشركين كان قد وجهه الحارث ليأتيه بخبر رسول اللّه فعرض عليه النبي ان يسلم فأبى عليه فأمر بقتله ، وزحف كل من الفريقين للآخر واحتدم القتال بينهما فقتل منهم عشرة ووقع الباقون في أيدي المسلمين أسارى ، ولم يقتل من المسلمين سوى رجل واحد قتله بعض المسلمين خطأ .
وجاء في سيرة ابن هشام ان عليا ( ع ) قتل رجلين من بني المصطلق وأسرهم النبي ( ص ) مع نسائهم واستولى على مواشيهم وأموالهم ، وكانت الإبل ألفي بعير والغنم خمسة آلاف شاة وأسر مائتي عائلة ومن بينهم جويرية بنت الحارث ، وحينما قسّم رسول اللّه الغنائم وقعت في سهم ثابت بن قيس ابن الشماس ، وكانت عزيزة في قومها .
ويدعي ابن هشام في سيرته وابن كثير في تاريخه وغيرهما انها كاتبته في فداء نفسها فأتت رسول اللّه تستعين به في فدائها ، وحدث جماعة عن عائشة انها قالت لقد رأيت جويرية على باب حجرتي فكرهتها وعرفت بأنه سيرى منها رسول اللّه ما رأيت من جمالها فدخلت عليه وقالت له : يا رسول اللّه انا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه ، وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك ووقعت في سهم ثابت بن قيس بن الشماس وقد جئتك أستعينك على كتابتي فقال لها أفهل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو يا رسول اللّه ؟ قال :
اقضي عنك كتابتك وأتزوجك فرحبت بذلك ، وتم زواجه منها بعد ان أعتقها كما جاء في بعض المرويات .
ولما بلغ المسلمين حديث زواجها من رسول اللّه ارسلوا من كان بأيديهم من الاسرى ، وهم أكثر من مائة أهل بيت كانوا لا يزالون في أيدي المسلمين بدون فداء على حد تعبير الرواة ، وعقب على ذلك ابن هشام بأنه لا يعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها إلا انها كانت السبب في اسلامهم وخلاصهم من الأسر .
وقيل إن أباها جاء إلى النبي يطلبها منه فردها عليه ثم تزوج منها وقيل غير ذلك .
وقد أدرك المسلمون في هذه الغزوة نصرا مظفرا بدون ان يكلفهم سوى قتيل واحد قتله أحد المسلمين خطأ كما ذكرنا ، ولم يحدث فيها ما يعكر صفو المسلمين سوى ما جاء في كتب السيرة من أن خادما لعمر بن الخطاب كان يستقي من ماء المريسيع ازدحم على الماء مع مولى لبني عوف من الأنصار وكادا ان يقتتلا ، فاستغاث مولى عمر بن الخطاب بالمهاجرين ، ومولى بني عوف بالأنصار فاجتمع الطرفان وكاد الشر ان يقع بينهما .
واستغل هذه الحادثة عبد اللّه بن أبي وكان في جماعة المنافقين ، وفيهم زيد بن أرقم ، وهو غلام حدث ، فقال ابن أبي لقد كاثرونا في بلادنا ، اما واللّه لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ، وأقبل على قومه يحثهم ويحرضهم على التنكر للرسول وأصحابه ، فذهب زيد بن أرقم واخبر الرسول بما سمع من عبد اللّه بن أبي وعنده عمر بن الخطاب ، فدعا إلى قتل عبد اللّه بن أبي فأنكر عليه النبي ذلك وقال له يا عمر أتريد ان يتحدث الناس بأن محمدا قتل أصحابه ، ثم امر بالرحيل في ساعة لم يكن ليرحل بها لولا تلك الحادثة ، ومشى بالناس طوال الليل وشطرا من اليوم الثاني حتى آذتهم الشمس فنزلوا وقد انهكهم السير ، فلما استراحوا تابع مسيرته إلى المدينة ونزلت سورة المنافقين كما جاء في تاريخ ابن خلدون .
ولما سمع عبد اللّه بن عبد اللّه بن أبي بمقالة أبيه تبرأ منه وجاء إلى النبي وقال يا رسول اللّه أنت واللّه الأعز وهو الأذل : وإن شئت أخرجته من المدينة ، ثم اعترض أباه قبل دخولها وقال له : واللّه لا تدخلها حتى يأذن لك رسول اللّه فأذن له النبي ( ص ) ودخلها مع الناس ثم قال ولده عبد اللّه :
بلغني يا رسول اللّه انك تريد قتل أبي وإني أخشى ان تأمر أحدا بقتله فتدعوني نفسي إلى الثأر منه ، وإن قتلت قاتله أكون قد قتلت مسلما بكافر ، ولكن مرني بذلك فأنا واللّه مستعد لأن آتيك برأسه فجزاه رسول اللّه خيرا وقال له :
لا يصل إلى أبيك سوء ابدا ولنحسنن صحبته ما دام بين أظهرنا .
وجاء في بعض المرويات ان جماعة قالوا لعبد اللّه بن أبي : اذهب إلى رسول اللّه ليستغفر لك فلوى رأسه ترفعا واستخفافا بذلك القول ونزلت الآيات من سورة المنافقين بهذه المناسبة :
وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ . سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ ( المنافقون 5 ) .
ويدعي المؤلفون في سيرة النبي ( ص ) ان النبي بعد ان أسر بني المصطلق وتزوج من جويرية ابنة زعيمهم وترك المسلمون ما بأيديهم من الأسرى تكريما لها اسلم زعيمهم الحارث واخذ الاسلام ينتشر بينهم ، وبعد عامين من اسلامهم كما جاء في تاريخ ابن خلدون بعث النبي الوليد بن عقبة بن أبي معيط ليجبي صدقاتهم فخرجوا يتلقونه فخافهم على نفسه فرجع إلى رسول اللّه واخبره ان القوم قد هموا بقتله وامتنعوا عن اعطائه الصدقات فأكثر المسلمون الحديث عنهم وأشاروا على النبي بغزوهم ثانية ، وظلوا يلحون على رسول اللّه حتى هم بذلك ، وفيما هم في الحديث عن غزوهم وإذا بوفد منهم أقبل على المدينة ليبين للنبي حقيقة ما جرى ، وحلفوا له بأنهم لا يزالون على اسلامهم وقد خرجوا لاستقباله لا لقتله كما يدعي الوليد بن عقبة .
ونزلت الآية من سورة الحجرات لتؤكد للنبي صدقهم وهي قوله تعالى :
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ . وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ( الحجرات 6 ) .
وفي مجمع البيان المجلد الخامس بعد ان نقل القول الأول في نزول الآية قال وقيل إنها نزلت فيمن قال لرسول اللّه ( ص ) ان مارية أمّ إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي ، فدعا رسول اللّه ( ص ) عليا وقال له : يا أخي خذ هذا السيف فان وجدته عندها فاقتله فقال علي ( ع ) يا رسول اللّه أكون في امرك إذا أرسلتني كالسكة المحماة امضي لما امرتني به أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب ، فقال بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب .
قال علي ( ع ) فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما عرف اني أريده صعد إلى نخلة ثم رمى بنفسه وشفر برجليه فإذا هو أجب امسح ما له مما للرجال قليل أو كثير ، فرجعت وأخبرت النبي بذلك ، فقال الحمد للّه الذي يصرف عنا السوء أهل البيت ونزلت الآية[1].
[1]وكانت عائشة قالت للنبي انه لا يشبهك ولعلها هي التي قالت للنبي ان مارية يأتيها ابن عم لها من الأقباط واتهمتها به مما دعا النبي ( ص ) ان يرسل عليا في طلبه وكان من امره ما ذكرناه .
الاكثر قراءة في حاله بعد الهجرة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة