مقدار علم الأئمة (عليهم السلام)
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج2، ص 49- 52
2025-11-15
206
مقدار علم الأئمة - عليهم السلام - وأنّى لنا بهذا مع أنّ الأئمة فاقوا فيه الأوّلين والآخرين بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وآله - وبلغوا فيه إلى حدّ لا يحتاج أحد إلى شيء من امور دينه ودنياه وسعادته وآخرته إلّا كان علمه عندهم ولهم الجواب ، وهم الدعاة إلى سبيل الخير والسعادة الواقعية ، وقد أرشدوا الناس طيلة حياتهم إلى الحياة الطيبة ، ولم يعطلوا في قبال سؤال ولو لم يكن من الامور الدينيّة ، كما تشهد لذلك الأسئلة المختلفة الّتي جاءت إليهم من الموافقين والمخالفين والملحدين ، فأجابوها بأمتن الجواب وأحسنه.
ولهم الاشراف على الامور حتّى النيّات والأعمال ، وعلى ما وقع ، وعلى ما يقع ، وعلى منطق الطيور ، وعلى ما يحتاج إليه الجن وغيرهم.
ولا بدّ أن أقول : كيف أقول في وصفكم وثنائكم أئمتي الأبرار ، مع ما في لساني الكالّ من اللكنة ، وما في ذهني الفاتر من القصور ، بل الأحسن أن اكتفي بما قلتم أنتم في وصفكم : (كلامكم نور وأمركم رشد ، ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير ، وعادتكم الإحسان وسجيتكم الكرم ، وشأنكم الحقّ والصدق والرفق ، وقولكم حكم وحتم ، ورأيكم علم وحلم وحزم ، إن ذكر الخير كنتم أوّله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه ، بأبي أنتم وامي ونفسي ، كيف أصف حسن ثنائكم ، واحصي جميل بلائكم؟ وبكم أخرجنا الله من الذلّ وفرّج عنا غمرات الكروب ، وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار ، بأبي أنتم وامي ونفسي بموالاتكم علّمنا الله معالم ديننا ، وأصلح ما كان فسد من دنيانا ، وبموالاتكم تمت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة ، وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله ، والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة) (1).
وإليك بعض الأحاديث الدالّة على مقدار علومهم وفخامتها ، وإن كان الأمر واضحا كالنار على المنار.
عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ في حديث قال : «إنّ الله لا يجعل حجته في أرضه يسأل عن شيء فيقول لا أدري» (2).
وعن سيف التمار قال : كنا مع أبي عبد الله - عليه السلام - جماعة من الشيعة في الحجر فقال : علينا عين فالتفتنا يمنة ويسرة فلم نر أحدا ، فقلنا : ليس علينا عين ، فقال : وربّ الكعبة وربّ البنيّة ثلاث مرات ، لو كنت بين موسى والخضر لأخبرتهما أني أعلم منهما ولأنبأتهما بما ليس في أيديهما ، لأنّ موسى والخضر ـ عليهما السلام ـ اعطيا علم ما كان ، ولم يعطيا علم ما يكون وما هو كائن حتّى تقوم الساعة ، وقد ورثناه من رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ وراثة (3).
وعن أبي حمزة قال : سمعت أبا جعفر - عليه السلام - يقول : «لا والله ، لا يكون عالم جاهلا أبدا ، عالما بشيء جاهلا بشيء ، ثم قال : الله أجلّ وأعزّ وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه ، ثم قال : لا يحجب ذلك عنه» (4).
وعن الرضا ـ عليه السلام ـ في حديث : «أنّ الإمام مؤيد بروح القدس وبينه وبين الله عمود من نور يرى فيه أعمال العباد وكلّما احتاج إليه لدلالة اطلع عليها ...» الحديث (5).
وعن أبي عبد الله ـ عليه السلام ـ قال : «إني لأعلم ما في السماوات وما في الأرض ، وأعلم ما في الجنة ، وأعلم ما في النار ، وأعلم ما كان وما يكون ، قال :
ثم مكث هنيئة فرأى أنّ ذلك كبر على من سمعه منه ، فقال : علمت ذلك من كتاب الله عزوجل ان الله يقول : فيه تبيان كلّ شيء» (6).
وقد قال مولانا أمير المؤمنين ـ عليه السلام ـ : «أما والله لقد تقمّصها فلان ، وأنّه ليعلم أنّ محلّي منها محلّ القطب من الرحى ، ينحدر عنّي السيل ، ولا يرقى إليّ الطير» الحديث (7).
وقال أيضا : «أيّها الناس سلوني قبل أن تفقدوني فلأنا بطرق السماء أعلم منّي بطرق الأرض» (8).
وقال أيضا : «والله لو شئت أن اخبر كلّ رجل منكم بمخرجه ومولجه وجميع شأنه لفعلت ، ولكن أخاف أن تكفروا فيّ برسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ألا وإنّي مفضيه إلى الخاصّة ممن يؤمن ذلك منه. والّذي بعثه بالحق ، واصطفاه على الخلق ، ما أنطق إلّا صادقا ، وقد عهد إليّ بذلك كلّه ، وبمهلك من يهلك ومنجى من ينجو ، ومال هذا الأمر. وما أبقى شيئا يمر على رأسي إلّا أفرغه في أذني وأفضى به إليّ» الحديث (9). وغير ذلك من الأخبار والروايات في ذلك متواترة ، وحيث كان صدورها عن المعصومين قطعيا ، صار موجبا لحصول اليقين بمفادها كما لا يخفى.
قال العلّامة الطباطبائي ـ قدس سره ـ : «إنّ الإمام وقف على حقايق العالم ، كيف ما كان بإذنه تعالى سوء كانت محسوسة أو غير محسوسة ، كالموجودات السماويّة والحوادث الماضية والوقائع الآتية ، وتدلّ على ذلك الروايات المتواترات المضبوطة في الكافي وبصائر الدرجات وبحار الأنوار وغيرها» (10).
______________
(1) من لا يحضره الفقيه : ج 2 ص 609 طبع مكتبة الصدوق بطهران.
(2) التنبيه : ص 32 نقلا عن الكافي.
(3) الاصول من الكافي : ج 1 ص 260 ـ 261.
(4) الاصول من الكافي : ج 1 ص 262.
(5) التنبيه : ص 42 نقلا عن عيون الأخبار.
(6) الاصول من الكافي : ج 1 ص 261.
(7) نهج البلاغة الخطبة : 3 ص 48 لصبحي صالح.
(8) نهج البلاغة الخطبة : 189 ص 280 لصبحي صالح.
(9) نهج البلاغة الخطبة : 175 ص 250 لصبحي صالح.
(10) بحثى كوتاه درباره علم امام : ص 34.
الاكثر قراءة في صفات الأئمة وفضائلهم ومودتهم
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة