القضبان الحديدية
المؤلف:
د. محمد خميس الزوكة
المصدر:
جغرافية النقل
الجزء والصفحة:
ص 124 ـ 127
2025-11-03
59
ان أول قضبان استغلت فى النقل البري كانت خشبية سميكة مدت لتسير عليها العربات التي تجرها الخيول ، ثم طورت هذه القضبان بعد تعرضها للتأكل بفعل الحركة وعدم ثباتها لتصبح حديدية ، وطورت القضبان الحديدية بعد ذلك ليصبح لها حواف خاصة تحول دون انزلاق عجل العربات التى تتحرك فوقها ، وتطورت هذه الصناعة بعد ذلك بانتقال الحواف المانعة لانزلاق من القضبان الحديدية التي عجل العربات التي تسير فوقها بحيث تكون الحافة المانعة للانزلاق في الناحية الداخلية لعجل القاطرات والعربات الحديدية ، وبلغ عدد الخطوط الحديدية المستغلة في النقل ببريطانيا نحو ثلاثين خطا عام 1825 تركزت معظمها بالقرب من القنوات الملاحية وفى المناطق الصناعية حيث تتوزع مناجم الحديد بالقرب من حقول الفحم وباستخدام القاطرات البخارية في النقل وجر العربات على الخطوط الحديدية بدلا من الخيول حدث تطور مماثل في صناعة القضبان الحديدية حتى تتحمل ثقل الوسيلة الجديدة وتصبح أكثر استعدادا لاستيعاب حجم الحركة الكبيرة لهذه الوسيلة الجديدة التي تشكل ثورة حضارية في تاريخ النقل ، لذلك استخدم الصلب لاول مرة فى صناعة القضبان الحديدية بدلا من الحديد عام 1865 ، وفي هذا الصدد نذكر أن التطور الذي حدث في تصنيع القضبان الحديدية بهدف رفع قدرتها على تحمل ما طرأ على النقل بالسكك الحديدية من تطورات خاصة بعناصر تزايد حجم الحمولة وثقلها بالاضافة الى السرعة ادى الى تزايد وزن القضيب الحديدي ، فبعد أن كان وزن المتر الطولي منه لا يتجاوز 20 كجم أصبح حاليا يتجاوز 50 كجم ويصل فى بعض الدول كالولايات المتحدة الامريكية الى نحو 80كم.
وتطلب تأمين حركة النقل على القضبان الحديدية ضرورة شدها في فلنكات (وسائد) Sleepers خاصة توضع مستعرضة وتثبت تحت مسار القضبان لتعمل على تثبيت القضبان الحديدية فى الاتجاه الطولي تبعا لتذبذب درجة الحرارة . وتتباين حاليا المادة التي تصنع منها الفلنكات المثبتة للقضبان الحديدية تبعا لكل من خصائص البيئة الطبيعية التي تمتد فيها القضبان وحجم الحركة ، لذا تتراوح بين الخشب والحديد والخرسانة المسلحة ولتأمين حركة القطارات على سفوح النطاقات الجبلية المنحدرة ابتكرت القضبان الحديدية المسننة خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ، وهي قضبان تمد فى النطاقات الجبلية لتأمين القطارات خلال رحلة صعودها للسفوح ، وقد مد أول خط من القضبان الحديدية المسننة Rack Railway في العالم على سفح جبل واشنجتن (6288) قدم فوق منسوب سطح البحر بولاية نيو ها مبشير فى نيو انجلند بالولايات المتحدة الامريكية ، وكان ذلك عام 1868.
وكما أشرنا كان لبريطانيا السبق بين دول العالم في مجال التشغيل التجارى للعربات التي تجرها القاطرات البخارية على القضبان الحديدية والذي تم بالفعل عام 1825 ، فى حين تأتى الولايات المتحدة الأمريكية في المركز الثاني اذ تم انشاء أول خط حديدي أمريكي عام 1831 وكان في شرقى ولاية نيويورك بين بلدتي سكنكتدى Schenectady ، البانی Albany (نمو 25كم) ، يليها بلجيكا فى المركز الثالث حيث تم انشاء أول خط حدیدی بها عام 1835 وكان بين بروكسل العاصمة ومدينة ميشيلين Mechelen الواقعة الى الشمال منها بنحو 20كم . وتأخرت فرنسا لبعض الوقت فى مد الخطوط الحديدية بأراضيها ، ويرجع ذلك الى توافر طرق ووسائل النقل النهري والبري الطرق بها حتى أن مد أول خط حديدي فرنسي تم برأس مال بريطاني، ولإظهار حجم هذه الوسيلة بين وسائل النقل البرى وابراز أهميتها فى كل من بريطانيا وفرنسا تذكر أنه بينما بلغت أطوال الشبكة الحديدية البريطانية نحو 2500 كيلو مترا عام 1841 لم يتجاوز طول الشبكة الفرنسية 750 كيلو مترا تقريبا خلال نفس العام وان طورت الخطوط الحديدية فى فرنسا بشكل كبير بعد عام 1842
وكانت مصر في مقدمة الدول الواقعة خارج قارتي أوربا وأمريكا الشمالية والتي اهتمت بانشاء الخطوط الحديدية وتشغيلها ، ففى 12 يوليو عام 1851 اتفقت مصر فى عهد عباس الاول مع المهندس روبرت ستيفنسن على مد خط للسكك الحديدية يربط القاهرة بالإسكندرية ، وبدئ العمل بالفعل فى مد الخط عام 182 وبعد عامين أي عام 1854، تم افتتاح المرحلة الاولى من الخط والتى تمتد بين الاسكندرية وكفر العيسى قبالة بلدة كفر الزيات وتمت المرحلة الثانية فى المسافة الممتدة بين كفر الزيات والقاهرة عام 1856 ( في عهد سعيد ) ، وكان الخط مفردا ، وقد تم ازدواجه خلال الفترة الممتدة بين عامي 1859 ، 1874 ، وتتباين أنماط القضبان الحديدية المستخدمة في دول العالم من حيث المقياس ( الاتساع) Gauge ، ويقصد بالمقياس المسافة الفاصلة بين القضيبين وهو أمر يوضع فى الاعتبار عند انشاء الخطوط الحديدية لما له من تأثير مباشر فى تحديد المسافة بين عجل كل من القاطرات والعربات التي ستستخدم على الخط الحديدي وعموما فانه تبعا لعوامل خصائص البيئة الطبيعية والهدف من انشاء الخطوط الحديدية والامكانيات الاقتصادية يتحدد المقياس ، ويمكن التمييز بين ثلاثة مقاييس للخطوط الحديدية في ، هذه المقاييس هي :
1- المقياس العريض Broad Gauge ، وتبلغ المسافة بين القضيبين خمسة أقدام وثلاث بوصات ( 160 سم ).
2- المقياس الموحد أو المقنن Standard Gauge ، وتبلغ المسافة بين القضيبين اربعة اقدام وثماني بوصات ونصف (143 سم ).
3- المقياس المضيق Narrow Gauge وتبلغ المسافة بين القضيبين ثلاثة اقدام وست بوصات ونصف (106سم) .
ويؤدي تنوع المقاييس المستخدمة في الدول المتجاورة الى عدم الاتصال المباشر والاستمرارية بين شبكاتها الحديدية مما يؤدي الى بطء عمليات النقل ويعطل حركتها ، وأحيانا تتعرض الحمولة للتلف لما سيتطلبه الوضع القائم من ضرورة تفريغ العربات عند نقط محددة على خط الحدود السياسية ثم اعادة شحنها مرة أخرى مما يزيد من تكاليف النقل ، ويمكن أن يحدث نفس الشيء على مستوى الدولة الواحدة كما في الهند التي تتعدد مقاييس خطوطها الحديدية ، ونفس الصورة كانت في بريطانيا عند مد خطوطها الحديدية في أوائل القرن التاسع عشر حيث لم يكن هناك سياسة عامة أو اطار قومي موحد لشبكة الخطوط الحديدية في الدولة ، اذ كانت نشأة الخطوط الحديدية فى البداية فردية مستقلة أو تمثل حالات خاصة تهدف إلى ربط منطقة تتوافر فيها حقول للفحم بميناء التصدير تماما كأول خط حديدي تم مده به اين دارلنجتون وستكتن عام 1825 ، وعلى ذلك تعد الظروف التاريخية الخاصة بنشأة الخطوط الحديدية ، وايضا الظروف الاقتصادية بالاضافة الى سمات البيئة الطبيعية من أسباب تعدد مقاييس الخطوط الحديدية سواء على مستوى اقاليم الدولة الواحدة كما في الهند واستراليا أو على مستوى الدول المتجاورة كما في قارات افريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية بصورة خاصة.

الاكثر قراءة في جغرافية النقل
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة