معايير أخلاقيات العمل الإعلامي
المؤلف:
الدكتور خالد العزي
المصدر:
التشريعات الإعلامية واخلاقيات المهنة
الجزء والصفحة:
ص 62- 68
2025-10-30
31
معايير أخلاقيات العمل الإعلامي:
إن الصحفي المهني، الذي يتحلى بالمسؤولية ويعرف قدر نفسه ومكانة صحيفته يسعى جاهداً لعدم الإخلال بهذه القواعد، دون تشريعات أو قوانين، مما يجنبه المشاكل ويرفع من شأنه في عيون القراء ويحظى باحترام الذات واحترام الآخرين له ترى ما هي هذه القواعد؟
كما أشرنا فيما تقدم لا توجد لائحة موحدة ملزمة لـ" المعايير الأخلاقية للعمل الصحفي" ولكن ثمة معايير أخلاقية عديدة مشتركة تعمل بموجبها المؤسسات الصحفية والصحفيون في بلدان العالم ويمكن حصرها في البنود التالية:
1. احترام الحقيقة وحق الجمهور في معرفة الحقيقة:
هذا المبدأ هو أول وأهم واجب للصحفي وحجر الزاوية في أخلاقيات مهنة الصحافة. إن جوهر عمل الصحفي هو تقصي الحقيقة وتوصيل المعلومة والخبر الصحيح من مصادره الموثوقة للقارئ والمشاهد والمستمع دون تشويه أو تحريف.
لا صحافة ولا صحفي مهني من دون حقائق. وإذا كان الصحفي يود أن يخترع القصص عليه أن يكتب القصص الخيالية، أما إذا كان يريد إقناع الناس والتأثير في عواطفهم فعليه أن يعمل في مجال الإعلان أو العلاقات العامة وليس في الصحافة الاحترافية. الصحفي سواء أكان مراسلاً أم مندوباً أم محرراً أم ناقداً رياضياً فإنه يتعامل مع الحقائق قبل كل شيء.
تقول نكتة روسية أن ثمة خمس درجات للكذب: الكذبة العادية والكذبة الصارخة والكذبة الصارخة جداً والإحصاء والاقتباس. "نصف الحقيقة"، غالباً ما يكون كذبة كبيرة أسوأ من الافتراء أو الاختلاق. هناك العديد من الأساليب الديماغوجية التي تسمح بالكذب باستخدام نصف الحقيقة وبالاقتباس الانتقائي. والتركيز على بعض التفاصيل الثانوية والصاق التهم والاستناد إليها في الهجوم والانتقال للتجريح الشخصي. ولن يكون ما يكتبه الصحفي - في مثل هذه الحالات صحافة بل شيئاً آخر.
لذلك فالصحفي الذي يشعر بالمسؤولية لا يحق له قانونيًا أن يكتب نصف الحقيقة ويتجاهل النصف الآخر، ومن حق القراء الاطلاع على المعلومات الدقيقة الكاملة من أجل تشكيل الصورة الحقيقية للأحداث والاحتفاظ بثقة الجمهور ومن دون هذه الثقة لا توجد صحافة جديرة بهذا الاسم.
2. الالتزام بالموضوعية:
الموضوعية هي إحدى أهم القيم في العمل الإعلامي، التي تضمن التوازن والمصداقية والحيادية والنزاهة. ورغم صعوبة تحقيق كل أبعاد الموضوعية، إلا أن الصحفي يستطيع أن يكون موضوعياً إذا أراد، وسعى من أجل ذلك.
حين يقوم الصحفي بجمع المعلومات حول موضوع ما، عليه ألا يحاول بأي ثمن إثبات أو دحض وجهة نظر معينة. وهذا لا يعني بأن الكاتب لا يستطيع أن يقوم في جمع الأدلة في محاولة لإثبات فرضية معينة ولكن إذا كانت الشواهد والأدلة، التي جمعها تخالف فرضيته عليه التخلي عن رأيه المسبق وألا يحاول تعديل الحقائق لتتناسب مع وجهة نظره، فأي إخلال بالمضمون من شأنه تشويه صورة الصحافة والصحفي نفسه والجهاز الإعلامي الذي يعمل فيه.
3. عدم الخلط بين الرأي والخبر:
عدم خلط الرأي بالخبر، إحدى أبجديات العمل الصحفي، فالخبر ملك القارئ، والمقال ملك صاحبه، باعتبار الأول عنواناً للحقيقة والثاني مجرد رأي أو زاوية من زوايا النظر إلى الحقيقة أو الحدث. والصحافة المهنية هي التي تذكر أولاً الأخبار المعتمدة على المصادر الموثوقة وشهادات العيان، ثم تنشر الآراء والتحليلات إن وجدت مع الحرص على تقديم آراء متعددة.
كيف نفرق بين الخبر والرأي؟
" الخبر حر والرأي مسؤول"، بمعنى أن الخبر ملك للحقيقة ومعياره الدقة، فالمحرر ملزم بنقله دون تشويه أو تحريف أو حذف أو إضافة، أما الرأي فهو يعتمد تصوراً واحداً عن الحدث ومعياره موضوعية الكاتب. ويختلف الناس في آرائهم وتصوراتهم؛ لأن كل واحد يرى الحدث ويفسره من زاويته هو، ومما يتوافر لديه من معلومات.
ما هو الخبر؟
يعتبر د. نسيم خوري بأن الخبر عصب الصحافة الحديثة لأنه يتصدر الوسائل الإعلامية وأول ما ينشر ويبث باعتباره الصلة بين المواطن والوطن والخارج فالخبر كل شيء وبدونه لا يتكون الرأي ولا تأخذ الأشكال الصحفية طريقها إلى النور ولا يمكن من دونه أن تصدر مجلة أو دورية.
أما الرأي كما يقول "ليونارد دوب" في كتابه الرأي العام والدعاية:
هو اتجاه جماعة من الناس نحو مشكلة معينة أو حادث معين واتجاهات وميول أفراد الشعب إزاء مشكلة ما، في حال انتمائهم إلى مجموعة اجتماعية واحدة، وهو رأي الفئة الاجتماعية التي تتأثر بالمشكلة أكثر من غيرها، ومحصلة ضرب الآراء الفردية.
4. عدم اللجوء إلى طرق ملتوية في الحصول على المعلومات:
هذه الفقرة، ربما هي الأكثر إثارة للجدل. ومن الواضح أن المعلومات التي يحصل عليها الصحفي عندما يكشف عن هويته ويعلن أنه يمثل جريدة معينة، تختلف كثيراً عن تلك التي يحصل عليها لو انتحل هوية شخصية أخرى. فالإنسان أي إنسان عندما يتحدث إلى الصحفي ويعرف أن ما يتحدث عنه سينشر، يحاول أن يبدو موضوعياً، حريصاً على تقديم صورة إيجابية عن نفسه، في حين أنه لو تحدث إلي شخص آخر فإنه يقول ما يحلو له وقد يكذب أو يبالغ. وبتعبير آخر فإن المعلومات المستقاة منه لن تكون موثوقة ولا يمكن الاعتماد عليها ولا يجوز نشرها.
كما لا يجوز الحصول على معلومات أو صور من خلال التخويف أو المضايقة أو الملاحقة، ويمنع نشر مواد صحفية من مصادر أخرى لا تلتزم بهذه المتطلبات.
وعموماً فإن الصحفي المهني يقدم نفسه بصفته الصحفية بأنه ويصرح يجمع المواد لمقالة أو تحقيق صحفي، ما عدا الحالات الاستقصائية عن شخص أو مؤسسة، وحتى في مثل هذه الحالات لا يتم استخدام المعلومات المتحصلة مباشرة، بل تستخدم لأجل التمهيد لعمل لاحق وليس للنشر.
5. التعامل المهني مع مصادر المعلومات:
الالتزام بتحري الدقة في توثيق المعلومات، ونسبة الأقوال والأفعال إلى مصادر معلومة، كلما كان ذلك متاحاً أو ممكناً طبقاً للأصول المهنية السليمة التي تراعى حسن النية. وعلى الصحفي الالتزام بحماية مصادر معلوماته، وعدم إفشاء الأخبار السرية للناس أو لزملاء المهنة، لأن ذلك قد يؤدي إلى بعض الضرر لهذه المصادر، أو يجعلها تحجم عن الكلام مستقبلاً، مما يضر بمستوى سريان المعلومات إلى المجتمع وتاريخ الصحافة زاخر بحالات تم فيها مقاضاة الصحفيين ولكنهم لم يكشفوا عن مصادر معلوماتهم.
وإذا كان الصحفي قد اتفق مع مصدر المعلومات على شرط معين أو أكثر فإن عليه احترام الاتفاق وعدم انتهاكه بأي حال من الأحوال. وإذا كان مصدر المعلومات اشترط عدم نشرها فلا يجوز للصحفي النشر، وحتى عندما يطلب المصدر نشر المعلومات في توقيت معين فعلى الصحفي أن يحترم هذا الوعد من أجل الاحتفاظ بثقة المصدر.
.6 عدم الخلط بين النشاط السياسي والعمل الصحفي:
لا ينبغي للصحفي العمل في أية وظيفة أخرى، إذا كانت تؤدي إلى الإخلال بأمانة الصحفي وصحيفته والصحفي ورؤساؤه يجب أن يعيشوا حياتهم الخاصة بطريقة تحميهم من تضارب المصالح، سواء أكان ذلك مصدر موثوق حقيقياً أم ظاهرياً. إن مسؤوليتهم تجاه الجمهور لها الأولوية قطعاً. وهذه هي طبيعة مهنتهم. وبحسب مجلة "النيو يوركر" فإن العديد من الجرائد في الولايات المتحدة "لا تسمح للصحفيين بالتعبير عن آرائهم للعامة، أو المشاركة في التظاهرات أو تعليق أزار انتخابية أو ملصقات على خلفية سياراتهم". ومن جهة أخرى، هنالك العديد من المؤسسات الإعلامية حول العالم يعمل فيها صحفيون ناشطون في الأحزاب السياسية وفي بعض الأحيان يتم تعيين هؤلاء الصحفيين بسبب انتمائهم السياسي.
وفي كل الأحوال فإن الانتماء السياسي يجب أن يكون خارج نطاق العمل الإعلامي.
ومن مسؤولية الصحفي الاجتماعية عند تغطية قضايا ساخنة، تمثيل التنوع في المجتمع، والبقاء على مسافة واحدة من الأجندات السياسية وتوعية المواطنين بالأحداث الجارية.
7. تصحيح الأخطاء:
الصحفي كأي إنسان آخر معرض لارتكاب الأخطاء. وإذا أخطأ أو حرّف الحقائق أو تسرع في استخلاص الاستنتاجات، عليه أن يبادر من تلقاء نفسه إلى تصحيح ذلك قبل أي شخص آخر وأن ينشر التصحيح في المكان نفسه الذي نشرت فيه المادة موضوعة التصحيح. ربما يعترض رئيس التحرير على ذلك ولكن على الصحفي أن يحاول نشر التصحيح وهذا أضعف الإيمان.
8. عدم استخدام المهنة كسلاح:
في حالة وجود أي نزاع مع شخصية أو منظمة ما، يميل بعض الصحفيين إلى استخدام مهنته كسلاح للتخويف أحياناً، ومع ذلك، لا ينبغي له أن يفعل ذلك بأي حال من الأحوال مهما كان الإغراء قوياً، والأسوأ من ذلك حين يستخدم الصحفي موقعه للابتزاز وهذا يدخل في باب الجرائم.
وإذا كان الخبر أو الحدث يستحق النشر حقاً ينبغي الكتابة عنه وليس التهديد بنشره. أما إذا كان الحدث لا يستحق النشر، فمن الضروري عدم اللجوء إلى التهديد الذي يسيء ببساطة إلى الصحفي نفسه وصحيفته ومهنته.
9. عدم استغلال المهنة للحصول على مكاسب شخصية:
يحظر على الصحفي استغلال مهنته في الحصول على أي هبات أو تبرعات مالية أو عينية أو مساعدات أخرى مهما كان نوعها أو صورتها، من جهات أجنبية أو محلية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة.
إن الرشاوى والهدايا والمجاملات والرحلات المجانية، والمعاملة الخاصة أو الامتيازات من أجل النشر أو لإخفاء المعلومات. كل هذا يمكن أن يؤدي إلى تنازل الصحفي عن أمانته وعن أمانة صحيفته. ولا يجب على الصحف قبول أي شيء له قيمة مادية مجاناً. وعلى الصحفي تجنب الكتابة عن الأسهم أو السندات التي يعلم أنه سيستفيد منها هو أو أقاربه المباشرون إن الصحفي الذي يستخدم وضعه المهني لأغراض شخصية أو أنانية أو لدوافع أخرى غير جدير بالمهنة ويفقد ثقة الجمهور.
10. عدم الخلط بين المادة الإعلانية والمادة التحريرية:
لا يجوز الخلط بين المادة الإعلانية والمادة التحريرية، ولا بد أن يتضح الفرق بين الرأي والإعلان، فلا تندس على القارئ آراء وأفكار سياسية ودعائية في صورة مواد تحريرية. ويجب أن يتم النص صراحة على المادة الإعلانية، سواء التحريرية أو غيرها بأنها إعلان.
11. احترام الأشخاص وخصوصياتهم:
يتعين على الصحفي خلال عملية جمع الأخبار وتقديمها، احترام الأشخاص وخصوصياتهم بعدم الخوض فيها وعدم نشر أسرارهم العائلية أو المهنية والأخبار الكاذبة عنهم، التي تنال من سمعتهم وكرامتهم أو مكانتهم الاجتماعية أو السياسية، نتيجة خلاف في الرأي أو تحريض من جهة ما أو من أجل الابتزاز المالي. وعلى الصحفي ألا يحاول انتهاك حق الشخص في الاحتفاظ بحياته الخاصة بعيداً عن الأخبار. لأن التطفل على الحياة الخاصة للأشخاص مرفوض تماماً ويحاسب عليه القانون في معظم إن لم يكن في كل دول العالم.
الاكثر قراءة في اخلاقيات الاعلام
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة