القوة النووية
المؤلف:
د. مهند البديري
المصدر:
الفيزياء من الخرافة الى الحقيقة
الجزء والصفحة:
ص252
2025-10-22
26
النواة كما المحنا اليها في فصل المادة هي مركز الذرّة ، وتتركز معظم كتلة الذرة فيها ، وهي مكونة من بروتونات موجبة الشحنة ، ونيوترونات متعادلة الشحنة وكما بينا أيضا ان الجسيمات التي تحمل شحنات متشابهة مثل البروتونات تتنافر فما هي القوة التي تجعل البروتونات المتشابهة في الشحنة متجاورة في النواة دون ان تتنافر؟
حير هذا الامر علماء الفيزياء لمدة طويلة من الزمن ، وافترضوا ان لابد من وجود قوة اكبر بكثير من قوة التنافر الكهربائية بين البروتونات تجبر البروتونات على ان تتجاور ، وأن تتعايش معا، وتكون أصدقاء من د من دون أي مشاكل بدلا من ان ينفر بعضهم من بعض وسموا هذه القوة بالقوة النووية ، ولولا هذا القوة ؛ لما حافظت النواة على وجودها ولتطايرت البروتونات منها بسرعات قريبة من سرعة الضوء في مختلف الاتجاهات انتشرت مصطلحات الطاقة النووية والقوة النووية كثيرا بين عامة الناس وملأت الجرائد والكتب والمقالات العلمية وأثارت اهتمام عامة الناس ، وتركت فيهم الفزع خصوصا بعد تفجيرات هيروشيما وناكازاكي ويمكن القول ان معظم البحوث العلمية بعد تفجيرات هيروشيما، وناكازكي اخذت تنصب حول القوة والطاقة النووية، وصار الناس البعيدون عن الفيزياء يتابعون هذه البحوث بشغف.
ان الفيزياء النووية تعتمد أساسا على بنية الذرة وخصائص الجسيمات الأولية التي تؤلف الذرة ونواتها، وبدون معرفة تركيب نواة الذرة يصبح الحديث عن القوة النووية والطاقة عبثاً لا فائدة منه ترجي. كما أن القوة النووية لم يوضع لها قانون واحد لوصفها؛ بسبب تعقيداتها؛ ولذلك اهتمت فيزياء الكم بوضع نماذج نووية عديدة لدراستها، وكل نموذج يركز على جوانب ويهمل جوانب أخرى. وهنا لانريد ان نخوض في هذا المجال المعقد؛ فنحن نريد من الكتاب ان ينفع غير المتخصصين بالفيزياء فضلا عن المتخصصين وبإمكان المتخصصين بالفيزياء أن يلجؤوا الى دراسة القوة النووية بشكل معمق في كتب الفيزياء النووية وهنا سوف نتطرق اليها باختصار. ان القوة النووية هي القوة التي تربط مكونات النواة مع بعضها كما ان كتلة النواة اقل من كتلة مكوناتها منفردة، وهذا هو السبب الذي يجعل النواة تولد قوة هائلة تدمر المدن الكبيرة ، وتحرق الأخضر واليابس. ان السبب الذي يجعل كتلة مكونات النواة أكبر من كتلة النواة نفسها هو ان جزءا من كتلة المكونات تصرف على شكل طاقة تربطها مع بعض وسميت هذه الطاقة طاقة الربط نووية.
الدراسة القوة النووية علينا اولا ان ندرس الجسيمات الأولية المكونة لنواة الذرة ومن يريد ان يفهم القوة النووية دون معرفة الجسيمات الأولية لنواة الذرة فهو كالذي يريد ان يعرف خصائص العمارة، ولا يفقه شيئا عن خصائص الحجارة المشيدة منها. ان القوة النووية ترتكز حول بنية نواة الذرة بشكل عام أي الجسيمات الأولية للمادة ، والتي تعتبر الحجر الاساس للكون فبدون معرفة تركيب النواة لا يمكن التحدث عن القوة النووية فقوة الجاذبية ، والقوة الكهرومغناطيسية لم تتطلب الحديث المفصل حول بناء وتركيب اجزاء المادة اما في القوة النووية فلا يمكن فصل سؤال( ماذا يتفاعل) عن سؤال (كيف يتفاعل).
اكتشف علماء الفيزياء عشرات الانواع من الجسيمات الاولية، وهذه الجسيمات يختلف بعضها عن بعض من حيث الكتلة والشحنة ، ونحن هنا لا نستطيع ان نتحدث عن هذه الجسيمات ؛ لأن ذلك يتطلب شرحا يتسع لان يكون مجلداً بحد ذاته ، ولعلنا نوفق ان نشرح هذه الجسيمات الأولية، وخصائصها في كتاب قادم، وسنكتفي هنا بشرح مختصر للقوة النووية كما قلنا يمكن لنا ان نقول بكل جرأة انه لولا ميكانيكا الكم لكنا مكتوفي الأيدي تماما امام الغاز النواة فلميكانيكا الكم هيبة وسطوة كبيرة على الجسيمات الذرية و الجسيمات دون الذرية ، وقد تبدو لنا ميكانيكا الكم متناقضة ظاهرية في اغلب الاحيان من وجهة نظر تصورنا عن عالم الاجسام الكبير لكن تصورنا ، ودراستنا لعالم الاجسام الكبيرة المتمثلة بالفيزياء الكلاسيكية نادر ما يصبح صديقا لنا في دراسة الجسيمات الذرية وكثيرا ما يكون عدوا لنا .
اننا عند ما ننظر الى المادة نراها ساكنة مستقرة، لكن خلف هذا السكون، والاستقرار حركة مكثفة ومستمرة لا تهدأ. اكتشف علماء الفيزياء ان وراء كل قوة تبادل لكمات، أو جسيمات فالقوة الكهرومغناطيسية تنشأ نتيجة تبادل الفوتونات، والقوة النووية تنشأ نتيجة تبادل جسيمات تنبأ بها العالم الياباني يوكاوا اسماها ميزونات والميزون جسيم يختلف عن كل الجسيمات المعروفة، فهو له كتلة أكبر بمائتي مرة تقريبا من كتلة الالكترون وهو الذي يفرض الفعل المتبادل في داخل النواة، وعلى غرار ذلك افترض ان قوة الجاذبية ناتجة عن تبادل جسيمات اسماها علماء الفيزياء باسم غرافيتونات.
وقد تم التحقق من تنبؤا يوكاوا تجريبيا، وتم اكتشاف ثلاثة انواع من الميزونات تختلف بالشحنة، ومتقاربة بالكتلة، وهذه الميزونات الثلاثة. الميزونات الموجبة، والميزونات السالبة، والميزونات المتعادلة، واثبت تجريبيا ان خواص هذه هي الميزونات تتطابق تماما مع تلك الخواص التي تنبأت به نظرية يوكاوا . ان القوة النووية تأثر في مسافات قصيرة جداً؛ فيمكننا ان نقترب من النواة بشكل مباشر دون ان نشعر بهذه القوة على الرغم من انها ضخمة جداً وهي التي تعطي للنواة الاستقرار،كما انها قوة عظيمة جداً؛ فالنواة تحتفظ في داخلها على طاقة هائلة جداً.
كما أن القوة النووية لا تعتمد على شحنات الجسيمات المكونة للنواة ؛ فالقوة بين البروتون والبروتون هي نفسها بين البروتون والنيوترون وهي نفسها ايضا بين النيوترون والنيوترون كما ان هذه القوة هي قوة تجاذب بين مكونات النواة لكنها تصبح قوة تنافر عندما تقترب مكونات النواة الى مسافة اقصر من نصف فيرمي اي ما يعادل (05.0.000000000000001 متر ) ، والغريب ان التجاذب بين مكونات النواة يتناقص مع زيادة المسافات بين مكونات النواة ، ويتناقص ايضاً عند اقتراب مكونات النواة من بعضها الى ان يتحول التجاذب الى تنافر عندما تكون المسافة بين مكونات النواة اقل من نصف فيرمي. وعلينا ان لا نغفل قانوناً مهما جداً في الطبيعة وهو قانون حفظ الشحنة حيث ان الشحنة داخل النواة تبقى نفسها عندما يتحلل النيوترون المتعادل الى بروتون موجب ، أو عندما يتحلل البروتون الى نيوترون متعادل فعندما يتحول النيوترون الى بروتون يصاحب هذا التحلل ولادة الكترون سالب ، فيكون المجموع الجبري للشحنات بعد التحول يساوي صفراً وهو يكافئ شحنة النيوترون قبل التحلل وعندما يتحلل البروتون الى نيوترون متعادل يصاحب هذا التحول ولادة جسيم يحمل شحنة موجبة يسمى بوزترون ، وهو مشابه للالكترون في خصائصه الا انه يختلف معه من حيث نوع الشحنة ؛ وبذلك يكون المجموع الجبري للشحنات بعد التحول مكافأة لشحنة البروتون.
فالشحنة ثابتة للنواة مهما تحولت مكوناتها من شكل الى اخر. كما ان القوة النووية هي قوة مشبعة وهذا يعني ان الجسيم النووي (البروتون أو النيوترون) لا يتأثر الا بالجسيمات المجاورة له أي انه متربط بقوة مع الجسيمات المجاورة له، وظهور جسيمات جديدة بالقرب منها لا تضيف اي شيء لهذه القوة.
هناك قوة تسمى القوة النووية الضعيفة، وهي القوة الناتجة من تحلل اشعة بيتا حيث انه عندما يزداد عدد النيوترونات عن الحد الطبيعي تبدأ هذه النيوترونات بالتحلل الى بروتونات، والكترونات، ولولا هذا التحول لزادت امكانية امتلاء النواة بالنيوترونات بشكل هائل ولصار عدد النظائر لكل عنصر عدداً لا يحصى وفي هذا التحول يبقى البروتون داخل النواة ويطير الالكترون الى خارجها وهذا التحول يعود لأسباب تتعلق بالطاقة. وهذه القوة تعتبر قوة رابعة في الطبيعة بعد القوى الثلاث وهي الجذب، والكهرومغناطيسية، والنووية. عند انقسام نواة ثقيلة مثل نواة اليورانيوم يسبب ولادة نيوترونات حرة، والنيوترونات الحرة هذه تطير في أثناء ذلك دون اي عقبة الى النوية المجاورة، وذلك لأن النيوترونات متعادلة كهربائياً، ولا تتأثر بالتنافر الكهربائي مع البروتونات المشحونة في النوى الاخرى، ويسبب تطاير النيوترونات واختراقها لنوى مجاورة تيارا من النيوترونات الجديدة، وهي بدورها تصطدم بالنوى المجاورة، وتقسمها بشكل سريع جدا وهذا ما يسمى بالانشطار النووي المتسلسل.
اما الاندماج النووي فهو اتحاد نواتين او أكثر وهذا يحدث في النوى الخفيفة فقط؛ وذلك لان اندماج النوى الثقيلة يتطلب طاقة كبيرة جداً للتغلب على قوة التنافر الكهربائية بين النواتين، وهذه الطاقة لا يمكن انتاجها في الواقع فكلما كان عدد بروتونات في النواة أكثر صعب التغلب على قوة التنافر الكهربائية بين النواتين، وعند ذلك يصبح الاتحاد مستحيلاً. ان الاندماج النووي يتطلب طاقة حرارية هائلة كالطاقة الحرارية الموجودة في باطن الشمس وان توليد الطاقة الهائلة ما زالت مشكلة تعاني منها البشرية حتى هذا اليوم.
ان الفرق بين كتلة النواة ومكوناتها تولد طاقة هائلة عندما تضرب مربع سرعة الضوء طبقا لقانون انشتاين الذي ينص على ان الطاقة النووية تكافى الفرق بين كتلة النواة، وكتلة مكوناتها مضروبة بمربع سرعة الضوء.
ويمكن استخدامها القوة النووية في سبيل الخير، والشر؛ فهي يمكن أن تستخدم کسلاح لقتل الناس، وممكن أن تستثمر في توليد طاقة ينتفع منها الناس اذن هنالك أربع قوى أساسية في الطبيعة هي قوة الجذب، والقوة الكهرومغناطيسية، والقوة النووية التي تربط مكونات النواة مع بعضها، والقوة النووية الضعيفة المسؤولة عن تحلل بيتا وكل قوة اخرى لابد أن تعود الى نوع من هذه القوى الأربع، وإذا قارنا هذه القوى من حيث شدتها من الأكبر شدة الى الأصغر شدة لوجدنها كالآتي:
لو اعتبرنا القوة النووية 1 لكانت
القوة الكهرومغناطيسية 
والقوة النووية الضعيفة 
وقوة الجذب العام 
ولك أن تلاحظ كم هي القوة النووية أكبر بكثير مقارنة بباقي القوى
الاكثر قراءة في مواضيع عامة في الفيزياء النووية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة