والنظر فيه يستدعي فصولا :
الأول - في الرهن : وهو وثيقة لدين المرتهن و يفتقر إلى الإيجاب و القبول.
والإيجاب كل لفظ دل على الارتهان كقوله رهنتك أو هذه وثيقة عندك أو ما أدى هذا المعنى و لو عجز عن النطق كفت الإشارة و لو كتب بيده و الحال هذه و عرف ذلك من قصد جاز و القبول هو الرضا بذلك الإيجاب.
و يصح الارتهان سفرا و حضرا و هل القبض شرط فيه قيل لا و قيل نعم و هو الأصح و لو قبضه من غير إذن الراهن لم ينعقد و كذا لو أذن في قبضه ثم رجع قبل قبضه و كذا لو نطق بالعقد ثم جن أو أغمي عليه أو مات قبل القبض.
و ليس استدامة القبض شرطا فلو عاد إلى الراهن أو تصرف فيه لم يخرج عن الرهانة.
و لو رهن ما هو في يد المرتهن لزم و لو كان غصبا لتحقق القبض و لو رهن ما هو غائب لم يصر رهنا حتى يحضر المرتهن أو القائم مقامه عند الرهن و يقبضه و لو أقر الراهن بالإقباض قضى عليه إذا لم يعلم كذبه و لو رجع لم يقبل رجوعه
و تسمع دعواه لو ادعى المواطاة على الإشهاد و يتوجه اليمين على المرتهن على الأشبه.
و لا يجوز تسليم المشاع إلا برضا شريكه سواء كان مما ينقل أو لا ينقل على الأشبه
الثاني : في شرائط الرهن : و من شرائطه أن يكون عينا مملوكا يمكن قبضه و يصح بيعه سواء كان مشاعا أو منفردا.
فلو رهن دينا لم ينعقد و كذا لو رهن منفعة كسكنى الدار و خدمة العبد.
وفي رهن المدبر تردد و الوجه أن رهن رقبته إبطال لتدبيره أما لو صرح برهن خدمته مع بقاء التدبير قيل يصح التفاتا إلى الرواية المتضمنة جواز بيع خدمته و قيل لا لتعذر بيع المنفعة منفردة و هو أشبه.
و لو رهن ما لا يملك لم يمض و وقف على إجازة المالك.
و كذا لو رهن ما يملك و ما لا يملك مضى في ملكه و وقف في حصة شريكه على إجازته.
و لو رهن المسلم خمرا لم يصح و لو كان عند ذمي و لو رهنها الذمي عند مسلم لم يصح أيضا و لو وضعها على يد ذمي على الأشبه.
و لو رهن أرض الخراج لم يصح لأنها لم تتعين لواحد نعم يصح رهن ما بها من أبنية و آلات و شجر.
و لو رهن ما لا يصح إقباضه كالطير في الهواء و السمك في الماء لم يصح رهنه و كذا لو كان مما يصح إقباضه و لم يسلمه و كذا لو رهن عند الكافر عبدا مسلما أو مصحفا و قيل يصح و يوضع على يد مسلم و هو أولى و لو رهن وقفا لم يصح.
و يصح الرهن في زمان الخيار سواء كان للبائع أو للمشتري أو لهما لانتقال المبيع بنفس العقد على الأشبه.
و يصح رهن العبد المرتد و لو كان عن فطرة و الجاني خطأ و في العمد تردد و الأشبه الجواز.
و لو رهن ما يسرع إليه الفساد قبل الأجل ف إن شرط بيعه جاز و إلا بطل و قيل يصح و يجبر مالكه على بيعه
الثالث - في الحق : و هو كل دين ثابت في الذمة كالقرض و ثمن المبيع.
و لا يصح فيما لم يحصل سبب وجوبه ك الرهن على ما يستدينه و على ثمن ما يشتريه.
و لا على ما حصل سبب وجوبه و لم يثبت كالدية قبل استقرار الجناية و يجوز على قسط كل حول بعد حلوله.
و كذا الجعالة قبل الرد و يجوز بعده.
و كذا مال الكتابة و لو قيل بالجواز فيه كان أشبه و يبطل الرهن عند فسخ الكتابة المشروطة.
و لا يصح على ما لا يمكن استيفاؤه من الرهن كالإجارة المتعلقة بعين المؤجر مثل خدمته و يصح فيما هو ثابت في الذمة كالعمل المطلق و لو رهن على مال رهنا ثم استدان آخر و جعل ذلك الرهن عليهما جاز
الرابع - في الراهن :
ويشترط فيه كمال العقل و جواز التصرف و لا ينعقد مع الإكراه و يجوز لولي الطفل رهن ماله إذا افتقر إلى الاستدانة مع مراعاة المصلحة كأن يستهدم عقاره فيروم رمه أو يكون له أموال يحتاج إلى الإنفاق لحفظها من التلف أو الانتقاص فيرهن بذلك ما يراه من أمواله إذا كان استبقاؤها أعود .
الخامس - في المرتهن : ويشترط فيه كمال العقل و جواز التصرف و يجوز لولي اليتيم أخذ الرهن له و لا يجوز أن يسلف ماله إلا مع ظهور الغبطة له كان يبيع بزيادة عن الثمن إلى أجل و لا يجوز له إقراض ماله إذ لا غبطة نعم لو خشي على المال من غرق أو حرق أو نهب و ما شاكله جاز إقراضه و أخذ الرهن و لو تعذر اقتصر على إقراضه من الثقة غالبا.
وإذا شرط المرتهن الوكالة في العقد لنفسه أو لغيره أو وضع الرهن في يد عدل معين لزم و لم يكن للراهن فسخ الوكالة على تردد و تبطل مع موته دون الرهانة و لو مات المرتهن لم تنقل إلى الوارث إلا أن يشترطه و كذا لو كان الوكيل غيره.
ولو مات المرتهن و لم يعلم الرهن كان كسبيل ماله حتى يعلم بعينه.
ويجوز للمرتهن ابتياع الرهن و المرتهن أحق باستيفاء دينه من غيره من الغرماء سواء كان الراهن حيا أو ميتا على الأشهر و لو أعوز ضرب مع الغرماء بالفاضل.
والرهن أمانة في يده لا يضمنه و لو تلف و لا يسقط به شيء من حقه ما لم يتلف بتفريطه و لو تصرف فيه بركوب أو سكنى أو إجارة ضمن و لزمته الأجرة و إن كان للرهن مئونة كالدابة أنفق عليها و تقاصا و قيل إذا أنفق عليها كان له ركوبها أو يرجع على الراهن بما أنفق و يجوز للمرتهن أن يستوفي دينه مما في يده إن خاف جحود الوارث مع اعترافه.
أما لو اعترف بالرهن و ادعى دينا لم يحكم له و كلف البينة و له إحلاف الوارث إن ادعى عليه العلم.
و لو وطئ المرتهن الأمة مكرها كان عليه عشر قيمتها أو نصف العشر و قيل عليه مهر أمثالها و لو طاوعته لم يكن عليه شيء.
و إذا وضعاه على يد عدل فللعدل رده عليهما أو تسليمه إلى من يرتضيانه و لا يجوز له تسليمه مع وجودهما إلى الحاكم و لا إلى أمين غيرهما من غير إذنهما و لو سلمه ضمن و لو استترا أقبضه الحاكم.
و لو كانا غائبين و أراد تسليمه إلى الحاكم أو عدل آخر من غير ضرورة لم يجز و يضمن لو سلم و كذا لو كان أحدهما غائبا و إن كان هناك عذر سلمه إلى الحاكم و لو دفعه إلى غيره من غير إذن الحاكم ضمن و لو وضعه على يد عدلين لم ينفرد به أحدهما و لو أذن له الآخر.
و لو باع المرتهن أو العدل الرهن و دفع الثمن إلى المرتهن ثم ظهر فيه عيب لم يكن للمشتري الرجوع على المرتهن.
أما لو استحق الرهن استعاد المشتري الثمن منه و إذا مات المرتهن كان للراهن الامتناع من تسليمه إلى الوارث فإن اتفقا على أمين و إلا سلمه الحاكم إلى من يرتضيه و لو خان العدل نقله الحاكم إلى أمين غيره إن اختلف المرتهن و المالك
السادس - في اللواحق :
وفيه مقاصد ، الأول - في أحكام متعلقة بالراهن :
لا يجوز للراهن التصرف في الرهن باستخدام و لا سكنى و لا إجارة ولو باع أو وهب وقف على إجازة المرتهن و في صحة العتق مع الإجازة تردد و الوجه الجواز و كذا المرتهن و في عتقه مع إجازة الراهن تردد و الوجه المنع لعدم الملك ما لم يسبق الإذن.
و لو وطئ الراهن فأحبلها صارت أم ولده و لا يبطل الرهن.
و هل تباع قيل لا ما دام الولد حيا و قيل نعم لأن حق المرتهن أسبق و الأول أشبه.
و لو وطئها الراهن بإذن المرتهن لم يخرج عن الرهن بالوطء و لو أذن له في بيعها فباع بطل الرهن و لا يجب جعل الثمن رهنا و لو أذن الراهن للمرتهن في البيع قبل الأجل لم يجز للمرتهن التصرف في الثمن إلا بعد حلوله و لو كان بعد حلوله صح و إذا حل الأجل و تعذر الأداء كان للمرتهن البيع إن كان وكيلا و إلا رفع أمره إلى الحاكم ليلزمه بالبيع ف إن امتنع كان له حبسه و له أن يبيع عليه.
الثاني - في أحكام متعلقة بالرهن :
الرهن لازم من جهة الراهن ليس له انتزاعه إلا مع إقباض الدين أو الإبراء منه أو تصريح المرتهن بإسقاط حقه من الارتهان و بعد ذلك يبقى الرهن أمانة في يد المرتهن لا يجب تسليمه إلا مع المطالبة و لو شرط إن لم يؤد أن يكون الرهن مبيعا لم يصح و لو غصبه ثم رهنه صح و لم يزل الضمان و كذا لو كان في يده ببيع فاسد و لو أسقط عنه الضمان صح و ما يحصل من الرهن من فائدة فهي للراهن
و لو حملت الشجرة أو الدابة أو المملوكة بعد الارتهان كان الحمل رهنا كالأصل على الأظهر.
و لو كان في يده رهنان بدينين متغايرين ثم أدى أحدهما لم يجز إمساك الرهن الذي يخصه بالدين الآخر و كذا لو كان له دينان و بأحدهما رهن لم يجز له أن يجعله رهنا بهما و لا أن ينقله إلى دين مستأنف و إذا رهن مال غيره بإذنه ضمنه بقيمته إن تلف أو تعذر إعادته و لو بيع بأكثر من ثمن مثله كان له المطالبة بما بيع به.
و إذا رهن النخل لم تدخل الثمرة و إن لم تؤبر و كذا إن رهن الأرض لم يدخل الزرع و لا الشجر و لا النخل و لو قال بحقوقها دخل و فيه تردد ما لم يصرح و كذا ما ينبت في الأرض بعد رهنها سواء أنبته الله سبحانه أو الراهن أو أجنبي إذا لم يكن الغرس من الشجر المرهون.
و هل يجبر الراهن على إزالته قيل لا و قيل نعم و هو الأشبه.
و لو رهن لقطة مما يلقط كالخيار فإن كان الحق يحل قبل تجدد الثانية صح و إن كان متأخرا تأخرا يلزم منه اختلاط الرهن بحيث لا يتميز قيل يبطل و الوجه أنه لا يبطل.
و كذا البحث في رهن الخرطة مما يخرط و الجزة مما يجز.
و إذا جنى المرهون عمدا تعلقت الجناية برقبته و كان حق المجني عليه أولى به و إن جنى خطأ فإن افتكه المولى بقي رهنا و إن سلمه كان للمجني عليه منه بقدر أرش الجناية و الباقي رهن و إن استوعبت الجناية قيمته كان المجني عليه أولى به من المرتهن و لو جنى على مولاه عمدا اقتص منه و لا يخرج عن الرهانة.
و لو كانت الجناية نفسا جاز قتله أما لو كانت خطأ لم يكن لمولاه عليه شيء و بقي رهنا و لو كانت الجناية على من يرثه المالك ثبت للمالك ما ثبت للموروث من القصاص أو انتزاعه في الخطإ إن استوعبت الجناية قيمته أو إطلاق ما قابل الجناية إن لم تستوعب.
و لو أتلف الرهن متلف ألزم بقيمته و تكون رهنا و لو أتلفه المرتهن لكن لو كان وكيلا في الأصل لم يكن وكيلا في القيمة لأن العقد لم يتناولها.
و لو رهن عصيرا ف صار خمرا بطل الرهن ف لو عاد خلا عاد إليه ملك الراهن.
و لو رهن من مسلم خمرا لم يصح فلو انقلب في يده خلا فهو له على تردد و كذا لو جمع خمرا مراقا و ليس كذلك لو غصب عصيرا و لو رهنه بيضة فأحضنها فصارت في يده فرخا كان الملك و الرهن باقيين و كذا لو رهنه حبا فزرعه و إذا رهن اثنان عبدا بينهما بدين عليهما كانت حصة كل واحد منهما رهنا بدينه فإذا أداه صارت حصته طلقا و إن بقيت حصة الآخر.
الثالث - في النزاع الواقع فيه :
وفيه مسائل ، الأولى : إذا رهن مشاعا و تشاح الشريك و المرتهن في إمساكه انتزعه الحاكم و آجره إن كان له أجرة ثم قسمها بينهما بموجب الشركة و إلا استأمن عليه من شاء قطعا للمنازعة.
الثانية : إذا مات المرتهن انتقل حق الرهانة إلى الوارث فإن امتنع الراهن من استئمانه كان له ذلك فإن اتفقا على أمين و إلا استأمن عليه الحاكم.
الثالثة : إذا فرط في الرهن و تلف لزمته قيمته يوم قبضه و قيل يوم هلاكه و قيل أعلى القيم فلو اختلفا في القيمة كان القول قول الراهن و قيل القول قول المرتهن و هو الأشبه.
الرابعة : لو اختلفا فيما على الرهن كان القول قول الراهن وقيل القول قول المرتهن ما لم تستغرق دعواه ثمن الرهن و الأول أشهر.
الخامسة : لو اختلفا في متاع فقال أحدهما هو وديعة و قال الممسك هو رهن فالقول قول المالك و قيل قول الممسك و الأول أشبه.
السادسة : إذا أذن المرتهن للراهن في البيع و رجع ثم اختلفا فقال المرتهن رجعت قبل البيع و قال الراهن بعده كان القول قول المرتهن ترجيحا لجانب الوثيقة إذ الدعويان متكافئتان.
السابعة : إذا اختلفا فيما يباع به الرهن بيع بالنقد الغالب في البلد و يجبر الممتنع ولو طلب كل واحد منهما نقدا غير النقد الغالب و تعاسرا ردهما الحاكم إلى الغالب لأنه الذي يقتضيه الإطلاق و لو كان للبلد نقدان غالبان بيع بأشبههما بالحق.
الثامنة : إذا ادعى رهانة شيء فأنكر الراهن وذكر أن الرهن غيره و ليس هناك بينة بطلت رهانة ما ينكره المرتهن و حلف الراهن على الآخر و خرجا عن الرهن.
التاسعة : لو كان له دينان أحدهما برهن فدفع إليه مالا و اختلفا فالقول قول الدافع لأنه أبصر بنيته و إن اختلفا في رد الرهن فالقول قول الراهن مع يمينه إذا لم يكن بينة .
الاكثر قراءة في الرهن
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة