المكر والخديعة بعد زوال البلاء
المؤلف:
الشيخ ماجد ناصر الزبيدي
المصدر:
التيسير في التفسير للقرآن برواية أهل البيت ( عليهم السلام )
الجزء والصفحة:
ج 3، ص221-223.
2025-10-09
228
المكر والخديعة بعد زوال البلاء
قال تعالى : {وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ (21) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [يونس : 21، 22].
قال الشيخ الطبرسيّ ( رحمه اللّه تعالى ) : ثم أخبر سبحانه ذميم فعالهم ، فقال : { وَإِذا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً } يريد بالناس الكفار ، فهو عموم يراد به الخصوص { مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ } أي : راحة ورخاء بعد شدة وبلاء ، وحقيقة الذوق فيما له طعم يوجد إنما يكون طعمه بالفم ، وإنما قال أذقناهم الرحمة على طريق البلاغة ، لشدة إدراك الحاسة إياها إِذا لَهُمْ مَكْرٌ فِي آياتِنا أي : فهم يحتالون لدفع آياتنا بكل ما يجدون السبيل إليه من شبهة ، أو تخليط في مناظرة ، أو غير ذلك من الأمور الفاسدة . وقال مجاهد : مكرهم استهزاؤهم وتكذيبهم .
قُلِ يا محمد لهم اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْراً أي : أقدر جزاء على المكر ، ومعناه أن ما يأتيهم من العقاب أسرع مما أتوه من المكر أي أوقع في حقه .
وقيل : إن مكره سبحانه إنزاله العقوبة بهم من حيث لا يشعرون . إِنَّ رُسُلَنا يعني الملائكة الحفظة يَكْتُبُونَ ما تَمْكُرُونَ أي ما تدبرون من سوء التدبير .
وفي هذا غاية الزجر والتهديد من وجهين أحدهما أنه يحفظ مكرهم والآخر أنه أقدر على جزائهم وأسرع فيه .
ثم امتن اللّه سبحانه على خلقه ، بأن عدد نعمه التي يفعلها بهم في كل حال ، فقال {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ } أي : يمكنكم من السير في البر والبحر ، بما هيأ لكم من آلات السير ، وهي خلق الدواب وتسخيرها لكم لتركبوها في البر ، وتحملوا عليها أثقالكم ، وهيأ السفن في البحر ، وإرسال الرياح المختلفة التي تجري بالسفن في الجهات المختلفة.
{حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ }خص الخطاب براكب البحر أي : إذا كنتم راكبي السفن في البحر وَجَرَيْنَ بِهِمْ أي : وجرت السفن بالناس لما ركبوها ، عدل عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائب ، تصرفا في الكلام ، على أنه يجوز أن يكون خطابا لمن كان في تلك الحال ، وإخبارا لغيرهم من الناس بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ أي : بريح لينة يستطيبونها .
وَفَرِحُوا بِها أي : سروا بتلك الريح لأنها تبلغهم مقصودهم . . .
وقيل : فرحوا بالسفينة حيث حملتهم وأمتعتهم جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ أي :
جاءت للسفينة ريح عاصف ، شديدة الهبوب الهائلة وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ من البحر . والموج : اضطراب البحر ، ومعناه : وجاء راكبي البحر الأمواج العظيمة من جميع الوجوه .
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ} أي : أيقنوا أنهم دنوا من الهلاك . وقيل :
غلب على ظنهم أنهم سيهلكون لما أحاط بهم من الأمواج دَعَوُا اللَّهَ عند هذه الشدائد والأهوال ، والتجأوا إليه ليكشف ذلك عنهم مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ أي : على وجه الإخلاص في الاعتقاد ، ولم يذكروا الأوثان والأصنام لعلمهم بأنها لا تنفعهم ههنا شيئا ، وقالوا : لَئِنْ أَنْجَيْتَنا يا رب مِنْ هذِهِ الشدة لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ أي : من جملة من يشكرك على نعمك . . . « 1 » .
____________
( 1 ) مجمع البيان : ج 5 ، ص 173 - 174 .
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة