عِصْمَةُ الأنْبِيَاءِ لا تَتَنَافِى مَعَ اخْتِيَارِهِمْ في فِعْلِ أفْعَالِهِمْ
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص113-115
2025-10-09
231
قال اللهُ الحكيم في كتابه الكريم: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ ومُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}[1].
عصمة الأنبياء عن طريق إتمام الحجّة من قبل الله: تبين هذه الآية المباركة السبب من إرسال الأنبياء إلى الناس والغاية من التبشير والإنذار، وهي إتمام الحجّة على الناس لئلّا يكون لديهم عذر في ارتكاب الأخطاء والذنوب، ولئلّا يُقيموا الحجّة على الله يوم القيامة بأنّهم لم يكونوا يدركون شيئاً وأنّه لم يوجد من يقوم بهدايتهم.
ومن الجلي انّ قاطعيّة العذر وكون أفعال الأنبياء وأقوالهم حجّة سيكون حين لا يعصون ولا يرتكبون أي زلل في أقوالهم وأفعالهم، ولا يُبتلون بالخطأ عند تلقّي الأحكام من قبل الله أو عند تبليغها، والّا فانّ حجّة الناس وعذرهم سيكونان باقيين.
وسيقولون انّنا قد عملنا بالمعاصي لأننّا شاهدنا الأنبياء يرتكبونها، ولقد بدرت منّا الأخطاء والمعاصي بسبب أخطاء النبيّ في قوله وفعله، فلقد أخطأ النبيّ ولم يتلقّ الوحي بصورة صحيحة، او انّه تلقّاه بصورة صحيحة لكنّه أخطأ واضطرب في تبليغه، لذا فقد قمنا بأفعالنا نتيجة لذلك خلافاً للحقّ.
ولذا فانّ الأنبياء الذين بُعثوا لهذا الهدف ينبغي أن لا يقعوا في الزلل والخطأ، والّا لما تحقّق الهدف من بعثتهم، وهذا هو معنى العصمة.
إثبات العصمة من آية أخرى: كما يمكن استفادة العصمة من آية اخرى: {وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ}.[2]
فكما أنّ الأنبياء يصبحون مُطاعين بإذن الله، فانّ من يتبعونهم سيكونون بالملازمة مطيعين بإذن الله، وستتعلق إرادة الله وإذنه بأفعالهم، ومن المعلوم انّ النّبي لو أخطأ في تبليغه او ارتكب ذنباً فتجاوز الحق في النتيجة في قوله وفعله الّذين هما وسيلتان لإبلاغ الأحكام، فانّ الناس الذين يتبعونه سيكونون بالتأكيد قد تجاوزوا الحق وعملوا خلافه.
ووفقاً للآية المباركة السابقة في تعلّق إذن الله بأفعالهم، فإنّ إرادة الله وإذنه ستتعلّق أيضاً بالأفعال الباطلة. وباعتبار انّ إرادة الله هي حقّ على الدوام ومتعلّقة بالحق، فانّه ينبغي الّا يرتكب نبيّ من الأنبياء أي خطأ أو معصية، ليكون إذن الله الذي يتعلّق بفعل من يُتابعهم في العمل متعلّقاً بفعل الحق.
{وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ}[3].
وإضافة إلى ذلك فانّ النبّي اذا ارتكب معصية إمّا في القول أو الفعل، في حين ان المعصية مبغوضة من قبل الله ومورد نهيه سُبحانه، فانّ تلك المعصية ستكون مبغوضة ومنهيّاً عنها من قبل الله كما ستكون محبوبةً مأموراً بها من قبله تعالى. فمورد البُغض والنهي من جهة انّ عمله كان- حسب الفرض- معصيةً، وكلّ معصية مبغوضة منهيّ عنها؛ وامّا مورد حبّ الله وأمره، فمن جهة انّ فعله وقوله كان- حسب الفرض- بإذن الله. وان الهدف من الرسالة هو اطاعة الله، وبناءً على ذلك فانّ قوله وفعله هذا قد نشأ بإذن الله ورخصته وإرادته. ولأنّ اجتماع البُغض والحبّ في شيء واحد من جهة واحدة، وكذلك اجتماع الأمر والنهي في فعل واحد من جهة واحدة أمر مستحيل، لذا فانّ المعصية والإثم من قبل الأنبياء أمر مستحيل، وهذا هو معنى العصمة.
[1] الآية 165، من السورة 4: النساء
[2] الآية 64، من السورة 4: النساء.
[3] الآية 4، من السورة 33: الأحزاب.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة