صحّة سند حديث العشيرة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص94-98
2025-10-06
270
يقول العلّامة الأميني: وبهذا اللفظ أخرجه أبو جعفر الإسكافي المتكلم المعتزلي البغدادي المتوفّى 240 هـ في كتابه (نقض العثمانية)[1]، وقال: إنّه روى في الخبر الصحيح. ورواه الفقيه برهان الدين في (أنباء نجباء الأبناء)، ص 46- 48؛ وابن الأثير في (الكامل) ج 2، ص 24؛ وأبو الفداء عماد الدين الدمشقي في تاريخه، ج 1، ص 116؛ وشهاب الدين الخفاجي في (شرح الشفا) للقاضي عياض، ج 3، ص 37 (و بتر آخره) وقال: ذكر في دلايل البيهقي وغيره بسند صحيح؛ والخازن علاء الدين البغدادي في تفسيره، ص 390؛ والحافظ السيوطي في (جمع الجوامع) كما في ترتيبه، ج 6، ص 392 نقلًا عن الطبري، وفي ص 397 عن الحفّاظ الستّة: ابن اسحق، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم، والبيهقي؛ وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة ج 3، ص 254. وذكره المورّخ جرجي زيدان في (تاريخ التمدن الحديث) ج 1، ص 31؛ والاستاذ محمّد حسين هيكل في (حياة محمّد) ص 104 من الطبعة الاولى.
ورجال السند كلّهم ثقات الّا أبو مريم عبد الغفّار بن القاسم، فقد ضعّفه القوم وليس ذلك الّا لتشيّعه، فقد أثنى عليه ابن عقدة وأطراه وبالغ في مدحه كما في (لسان الميزان) ج 4، ص 43، وأسند اليه وروى عنه الحفّاظ المذكورون وهم أساتذة الحديث، وأئمّة الأثر، والمراجع في الجرح والتعديل، والرفض والإحتجاج، ولم يقذف أحدٌ منهم الحديث بضعف أو غمز لمكان أبي مريم في إسناده، واحتجّوا به في دلايل النبوّة والخصائص النبويّة. وصحّحه أبو جعفر الإسكافي وشهاب الدين الخفاجي كما سمعت، وحكى السيوطي في (جمع الجوامع) كما في ترتيبه (ج 2، ص 396) تصحيح ابن جرير الطبري له. على انّ الحديث ورد بسند آخر رجاله كلّهم ثقاتٌ كما يأتي، أخرجه أحمد في مسنده (ج 1، ص 111) بسندٍ، رجاله كلّهم من رجال الصحاح بلا كلام، وهم: شريك، الأعمش، المنهال، عبّاد[2].
بلى، نقل حديث العشيرة الكثير من الأعلام أمثال ابن مردويه والسيوطي وابن أبي حاتم والبغوي والحلبي في (السيرة النبويّة)، ونقله غيرهم بألفاظ أخرى، مثل: "أيُّكُمْ يُبَايِعُني على أنْ يكونَ أخِي وصَاحِبي ووَارِثِي؟ فَلم يَقُمْ إليه أحَدٌ، فَقُمْتُ إليهِ وكُنْتُ أصْغَرَ الْقَوْمِ ... إلى أن قال: فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ بِيَدِهِ على يَدِهِ. ومثل: مَن بَايَعَني على أنْ يَكُونَ أخِي وصَاحِبِي ووَليّكُمْ مِنْ بَعْدِي؟ فَمَدَدْتُ يَدِي وقُلْتُ: أنَا أُبَايعكَ! ومثل: أنَا أدْعُوكُمْ إلى كَلِمَتينِ خَفِيفَتَيْنِ على اللِّسَانِ ثَقِيلَتَيْنِ في الميزانِ: شَهادَةُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللهُ وأنِّي رَسُولُ اللهِ، فَمَنْ يُجِيبُني إلى هَذا الأمْرِ ويُوَازِرُني يُكُنْ أخِي ووَزِيرِي ووَصِيّي ووَارِثِي وخَليفَتِي مِنْ بَعْدِي؟ فَلم يجبهُ أحَدٌ مِنهُم، فَقَامَ عليّ وقالَ: أنَا يَا رَسُولُ اللهِ! قالَ: إجلِس! ثمّ أعادَ القولَ على القومِ ثَانياً فَصَمَتُوا، فَقَامَ عليّ وقال: أنَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: إجلِس! ثم أعَادَ القولَ على القومِ ثَالِثاً، فَلم يجبهُ أحَدٌ مِنهم، فَقَامَ عليّ وقَالَ: أنَا يَا رَسُولَ اللهِ! فَقَالَ: إجلِسْ فَأنْتَ أخِي ووَزِيرِي ووَصِيِّي ووَارِثِي وخَليفَتِي مِنْ بَعْدِي.
ومثل: أيُّكُمْ يَنْتَدِبُ أنْ يَكُونَ أخِي ووَزِيرِي ووَصِيِّي وخَليفَتِي في أمَّتِي ووَليّ كُلُّ مُؤمِنٍ بَعْدِي؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، حتى أعَادَهَا ثَلاثاً، فَقَالَ عليّ: أنَا يَا رَسُولَ اللهِ!
فَوَضَعَ رَأسَهُ في حِجِرِهِ وتَفَلَ في فِيهِ، وقَالَ: اللهُمَّ امْلأ جَوْفَهُ عِلماً وفَهْمَاً وحُكْمَاً، ثم قَالَ لأبِي طَالِبٍ: يَا أبَا طَالِبٍ اسْمَعِ الأنُ لِابنِكَ وأطِعْ فَقَدْ جَعَلَهُ اللهُ مِنْ نَبِيِّهِ بمنزلَةِ هَارونَ مِن موسى.
ومثل: مَنْ يُؤَاخِيني ويُوَازِرُني ويَكُونَ وَليي ووَصِيِّي بَعْدِي وخَليفَتِي في أهْلي يَقْضِي دَيْني؟ إلى أن قال رسول الله لِعَليّ: أنْتَ، فَقَامَ الْقَومُ وهُمْ يَقُولُونَ لأبِي طَالِبٍ: أطِعْ ابْنَكَ فَقِدْ امِّرَ عَليكَ.
ومثل: فَأيُّكُمْ يَقُومُ فَيُبَايِعُنِي على أنَّهُ أخِي ووَزِيرِي ووَصِيِّي ويَكُونُ مِنِّي بمَنْزِلَةِ هَارِونَ مِنْ موسى، إلّا أنَّهُ لَا نَبِيّ بَعْدِي، إلى أن قَالَ: فَقَامَ عليّ فَبَايَعَهُ وأجَابَهُ، ثم قَالَ: ادْنُ مِنّي، فَدَنَا مِنْهُ، فَفَتَحَ فَاهُ ومَجَّ في فِيهِ مِنْ رِيِقِهِ وتَفَلَ بَينَ كِتْفَيهِ وثَدْيَيْهِ، فَقَالَ أبُو لَهَبٍ: بِئسَ مَا حَبَوتَ بِهِ ابنَ عَمِّكَ أن أجَابَكَ فَمَلَاتَ فَاهُ ووَجْهَهُ بُزَاقَاً.
فَقَالَ صلى اللهُ عليه [و آله] وسلم: مَلأتُهُ حِكْمَةً وعِلما".
وقد نقل مؤخّراً الاستاذ حسن أحمد لطفي في كتابه (الشهيد الخالد الحسين بن علي) ذيل الحديث وفق رواية الطبري، كما أورده أيضاً توفيق الحكيم ذيل كتاب (محمّد) وفقاً للطبري، وأورده المحرّر القدير [شاعر الغدير] عبد المسيح الأنطاكي المصري وأنشد فيه قصيدةً غرّاء[3].
يقول أبو جعفر الإسكافي (بعد ذكر الحديث مفصّلًا): فهل يُكلّف عمل الطعام ودعاء القوم صغير غير مميّز؟! وغرُّ غير عاقل؟! وهل يؤتمن على سرّ النبوّة طفلٌ ابن خمس سنين أو ابن سبع سنين؟! وهل يُدعى في جملة الشيوخ والكهول الّا عاقلٌ لبيبٌ؟! وهل يضع رسولُ الله صلى عليه وآله يده في يده ويُعطيه صفقةَ يمينه بالاخوّة والوصيّة والخلافة الّا وهو أهلٌ لذلك؟! بالغٌ حدّ التكليف، محتملٌ لولاية الله وعداوة أعدائه، وما بالُ هذا الطفل لم يأنس بأقرانه؟! ولم يلصق بأشكاله؟! ولم يُرَ مع الصبيان في ملاعبهم بعد إسلامه؟! وهو كأحدهم في طبقته، كبعضهم في معرفته، وكيف لم ينزع إليهم في ساعةٍ من ساعاته؟! فيُقال: وعاه بعضُ الصبا، وخاطرٌ من خواطر الدنيا، وعملته الغرّة والحدثة على حضور لهوهم، والدخول في حالهم، بل ما رأيناه إلّا ماضياً علي إسلامه، مصمّماً على أمره، محقّقاً لقوله بفعله، قد صدّق إسلامه بعفافه وزهده، ولصق برسول الله صلى الله عليه وآله من بين جميع مَن بحضرته، فهو أمينه وأليفه في دنياه وآخرته، وقد قهر شهوتَه، وجاذب خواطره، صابراً على ذلك نفسَه، لما يرجو من فوز العاقبة وثواب الأخرة[4].
[1] (شرح نهج البلاغة) ابن أبي الحديد، ج 3، ص 263، ويقول العلّامة آية الله السيّد شرف الدين العاملي في كتاب (المراجعات) الطبعة الاولى، هامش ص 111 بعد نقله هذا المطلب عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: وكتاب (نقض العثمانية) من الكتب التي لا نظير لها، ويجب علي كلّ شخص باحث ان يرجع اليه، وهو موجود في ص 257 إلى ص 281 من المجلد الثالث من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد في نهاية الخطبة القاصعة.
[2] (الغدير)، ج 2، ص 279- 280.
[3] ملخّص لمطالب (الغدير)، ج 2، ص 280- 284.
[4] (الغدير)، ج 2، ص 287.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة