آية الإنذار وحديث العشيرة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص91-94
2025-10-06
243
{وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ، واخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ ، وتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ ، الَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ ، وتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ، إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ}[1].
فدعى رسول الله أقرباءه وعشيرته وأعلن لهم نبوّته كما هو معروف في حديث العشيرة الذي ورد عن طائفة كبيرة من أعلام المحدّثين والمورّخين المسلمين.
يقول العلّامة الأميني: أخرجه (أي حديث العشيرة) غير واحد من الأئمّة وحفّاظ الحديث من الفريقين في الصحاح والمسانيد، ومرّ عليه آخرون ممّن يُعتدّ بقوله وتفكيره مخبتين به من دون أي غمز في الإسناد أو توقّف في متنه. وتلقّاه المورّخون من الأمّة الإسلامية وغيرها بالقبول، وارسل في صحيفة التأريخ إرسال المسلّم، وجاء منظوماً في أسلاك الشعر والقريض، وسيوافيك في شعر الناشئ الصّغير المتوفّى 365 هـ وغيره[2].
وسننقل أوّلًا نصّ الحديث عن تاريخ الطبري ثم نناقش جوانبه المختلفة؛ فقد أخرج الطبري عن ابن حميد، عن سلمة، عن محمّد بن اسحق، عن عبد الغفّار بن قاسم، عن المنهال بن عمرو، عن عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطّلب، عن عبد الله بن العبّاس، عن عليّ بن أبي طالب قال: لمّا نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلم: {وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}؛ دعاني رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم فقال: يا علي! انّ الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين فضقتُ بذلك ذرعاً وعرفتُ أني متى أبادئهم بهذا الأمر أرى منهم ما أكره، فصمتُّ عليه، حتى جاء جبريل فقال: يا محمّد! إنّك إلّا تفعل ما تؤمر به يُعذّبك ربّك. فاصنع لنا صاعاً من طعام واجعل عليه رِجل شاة واملأ لنا عسّاً من لبن، ثم اجمع لي بني عبد المطّلب حتى أكلّمهم وابلّغهم ما امرتُ به. ففعلتُ ما أمرني به، ثم دعوتهم له وهم يومئذٍ أربعون رجلًا يزيدون رجلًا أو ينقصونه، فيهم أعمامه: أبو طالب وحمزة والعبّاس وأبو لهب، فلما اجتمعوا اليه دعاني بالطّعام الذي صنعتُ لهم فجئتُ به، فلما وضعتُه تناول رسولُ الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم حذية من اللحم فشقّها بأسنانه ثم ألقاها في نواحي الصحفة ثم قال: خذوا بسم الله. فأكل القوم حتى ما لهم بشيءٍ حاجة وما أرى الّا موضع أيديهم، وأيم الله الذي نفس علي بيده وإن كان الرجلُ الواحدُ منهم ليأكل ما قدّمت لجميعهم. ثم قال: اسق القوم. فجئتهم بذلك العُسّ فشربوا حتى رووا منه جميعاً، وأيم ألله إن كان الرجلُ الواحد منهم ليشرب مثله، فلمّا أراد رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم أن يكلّمهم بَدَره أبو لهب إلى الكلام فقال: لَعلماً سحركم صاحبُكم. فتفرّق القوم ولم يكلّمهم رسول الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم، فقال الغد: يا عليّ! انّ هذا الرجل سبقني إلى ما قد سمعتَ من القول فتفرّق القوم قبل أن أكلمهم، فعُد لنا من الطعام بمثل ما صنعتَ ثم اجمعهم إلى. قال: ففعلتُ ثمّ جمعتُهم، ثمّ دعاني بالطعام فقرّبتُه لهم، ففعل كما فعل بالأمس، فأكلوا حتى ما لهم بشيءٍ حاجة، ثمّ قال: اسقهم، فجئتُهم بذلك العُسّ، فشربوا حتى رووا منه جميعاً، ثمّ تكلّم رسولُ الله صلى الله عليه [و آله] وسلّم فقال: يا بني عبد المطّلب! إنّي والله ما أعلم شابّاً في العرب جاءَ قومَه بأفضل ممّا جئتُكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والأخرة، وقد أمرني الله تعالى أن أدعوكم اليه، فأيّكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟ قال: فأحجم القوم عنها جميعاً وقلتُ وإني لأحدثهم سنّاً، وأرمصهم عيناً، وأعظمهم بطناً، وأحمشهم ساقاً؛ أنا يا نبيّ الله! أكون وزيرك عليه[3].
فأخذ برقبتي ثم قال: "إنَّ هذَا أخِي ووَصِيِّي وخَليفَتِي فِيكُمْ فَاسْمَعُوا لَهُ وأطِيعُوا"، قال: فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لابنك وتُطيع[4].
[1] الآيات 214 إلى 220، من السورة 26: الشّعراء.
[3] يقول السيّد اسماعيل الحميري في ديوانه ص 73:أبو حسن غلام من قريش***أبرّهم وأكرمهم نصابا دعاهم أحمد لمّا أتتهُ***من الله النبوةُ فاستجابا فأدّبه وعلّمه وأملي***عليه الوحي يكتبه كتابا فأحصي كلّما أملي عليه***و بيّنه له باباً فبابا وتخريج هذه الأشعار عن (أعيان الشيعة) ج 12، ص 216؛ كما أورد الحميري في ص 213 فما فوق ثلاثة عشر بيتاً مفصّلًا عن حديث العشيرة.
[4] (تاريخ الطبري)، ج 2، ص 62 و63.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة