اصل الوراثة من السنن الإلهيّة غير القابلة للتغيير
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الإمام
الجزء والصفحة:
ج1/ ص27-29
2025-09-29
346
قانون الوراثة أصلٌ مهم جرت مطالعته بدقّة في جميع شئون الموجودات، من الإنسان و الحيوان و النبات، حيث استُحصلت منه آثار و نتائج هامّة؛ و يمكن القول أنّه أحد السُّنن الالهيّة التي لا تتبدّل و لا تتغير. إنّ التمعّن في أفراد البشر و ملاحظة إنتقال الخصوصيّات و الكيفيّات من نطفة الأب و الأمّ و لقاحها و ظهورها على هيئة جنين ثم ظهورها في الطفل، سيُثبت هذا الأساس بصورة كلية لدى الإنسان.
انّ نطفة الانسان هي ذرّة من نظامه الوجودي تتراكم فيها و تندمج جميع الآثار و الخصائص الإنسانية و توجد في صورة القوّة و الاستعداد. و عند ما تستقرّ النطفة في رحم الأمّ في وعائها الخاصّ و شرائطها الخاصّة، فإنّها تصل إلى مرحلة الفعلية و تظهر بصورة النشر مُشيرةً إلى جميع الخصائص المادّية و الأخلاقيّة و الروحيّة التي حصل عليها الجنين من والديه.
فالولد لا يرث من أبيه لون الجلد و شكل الأعضاء و الجوارح و تركيب العظام فقط، بل انّه يرث كذلك التشابه في كلّ ذرّة من الدّم و في كلّ خلية لا تُرى؛ بحيث انّه لو حصل هناك شكّ في الطفل، فانّه يمكن تعيين أبيه الحقيقي عن طريق فحص الدم.
و ليس ذلك الّا لأنّ الطفل في الحقيقة فرعٌ أو غصن تفرّع من شجرة وجود أبيه و أصله الماديّ و المعنويّ، فصار يُحاكي ذلك الاصل في جميع خواصّه. و بغضّ النظر عن العين و الدماغ و الأذن و القلب و المعدة و الكلية و العظام و الهيكل، فانّ الطفل يكتسب من أبويه بعنوان الوراثة خواصّ الوجود و آثاره، حتّى في الأجزاء البسيطة المجهريّة. حتّى انّ بعض الأمراض تنتقل اليه من أجداده عن طريق الوراثة، فإن لم تظهر هذه الأمراض في النسل الأوّل أو الثاني، فانّ تلك الامراض ستحفظ في مرحلة التطور و التغير في عدّة أجيال حتى تنهي مرحلة كمونها فتظهر في أجيال أخرى حين تتحقّق شرائط وجودها.
وهذه الخصائص و الآثار لا تنتقل من الوالد إلى نطفته فحسب، بل انّ آثارها الوجوديّة ستكون مشهودةً واحدة في جميع خلايا الإنسان. و يمكن القول بأنّ هناك في كلّ ذرّة من جسم الإنسان إنساناً كاملًا على نحو الاستعداد و القوّة الوجوديّة، بحيث اذا توفّرت له شرائط التربية و التكامل فانّه سيظهر في هيئة إنسان كامل.
وبعبارة اخرى فليس هناك في النطفة وحدها إنسان كامل يظهر في الرحم و الظرف المستعدّ، بل انّ هناك في كلّ خلية إنساناً كاملًا موجوداً على نحو الوراثة و انتقال مراتب الوجود.
وعلى الرغم من انهم لم يتمكّنوا عملًا من تلقيح خلية رجل مع خلية امرأة في وعاء معدّ خاص لإيجاد طفل خارج وعاء الرحم، لكنّ ذلك ليس دليلًا قاطعاً على إمتناع هذا الأمر، بل انّ هناك أدلّة قد أقيمت على إمكانه. و لربّما سيرى البشر يوماً من خلال تقدّم مسيرة العلم، نشوءَ طفل من تلقيح خلايا المرأة و الرجل في أوعية معدّة و مناسبة خارج بدن الأم، فيظهر في زمن قصير مليارات الأطفال من امرأة و رجل واحد.
وهذا الموضوع على اثر ذلك الاصل في الوراثة الذي يجعل جميع خصائص الفرد مؤثّرة في كلّ ذرّة من ذرّات بدنه، فتحكي تلك الذرّة جميع الآثار الوجوديّة لذلك الشخص.
كما انّه يُشاهد في النباتات انّ أصل الوراثة قد فعل فعله ليس فقط عن طريق زرع البذور في الأرض، بل و عن طرق شتّى أخرى كالتكثير بالأقلام، و عن طريق التطعيم، حيث تنشأ بذلك شجرة تُناظر أصلها الذي اخذت منه، و سيحمل ذلك الغُصن المقتطع جميع خصائص الشجرة من الجذر و الساق و الأوراق و الثمار نظير جذر و ساق و أوراق و ثمار أصله الذي اقتُطع منه.
وكذلك الحال في عملية التكثير بالبراعم، فانّ البراعم المطعّمة ستجعل ساق الشجرة الأخرى رحماً لتربيتها، فتنمو هناك و تنشأ و تظهر فيها جميع آثار أصلها بدون أي تخّطٍ أو أدنى تجاوز.
{ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ}.[1]
[1] ذيل الآية 56، من السورة 11: هود.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة