تفسير سماحة العلّامة الطباطبائيّ لآية «وَقُلِ الحمْدُ لِلَّهِ الذي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا»
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص275-277
2025-09-24
369
قال سماحة العلّامة الطباطبائيّ تغمّده الله في بحبوحات فيضه في تفسير هذه الآية ما يلي: (هذه الآية) معطوف على قوله في الآية السابقة: قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى ولا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ولا تُخافِتْ بِها وابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا.
ويرجع محصّل الكلام إلى أن قُل لهم أن ما تدعونها من الأسماء وتزعمون أنّها آلهة معبودون غيره إنّما أسماؤه، وهي مملوكة له لا تملك أنفسها ولا شيئاً لأنفسها فدعاؤها دعاؤه فهو المعبود على كلّ حال.
ثمّ احمده وأثن عليه بما يتفرّع على إطلاق ملكه فإنّه لا يماثله شيء في ذات ولا في صفة حتى يكون ولداً له إن اشتقّ عنه في ذات أو صفة كما تقوله الوثنيّة وأهل الكتاب من النصارى واليهود وقدماء المجوس في الملائكة أو الجنّ أو المسيح أو عزير والأحبار، أو يكون شريكاً إن شاركه في الملك من غير اشتقاق كما تقوله الوثنيّون والثنويّون وغيرهم من عبدة الشيطان أو يكون وليّاً له إن شاركه في الملك وفاق عليه فأصلح من ملكه بعض ما لم يقدر هو على إصلاحه.
وبوجه آخر لا يجانسه شيء حتى يكون ولداً إن كان دونه أو شريكاً له إن كان مساوياً له في مرتبتة أو وليّاً له إن كان فائقاً عليه في الملك.
والآية في الحقيقة ثناء عليه تعالى بما له من إطلاق الملك الذي يتفرّع عليه نفي الولد والشريك والوليّ، ولذلك أمره صلى الله عليه وآله وسلّم بالتحميد دون التسبيح مع أن المذكور فيها من نفي الولد والشريك والوليّ صفات سلبية والذي يناسبها التسبيح دون التحميد، فافهم ذلك.
وختم سبحانه الآية بقوله: وكَبِّرْهُ تَكْبِيراً وقد اطلق إطلاقاً بعد التوصيف والتنزيه فهو تكبير من كلّ وصف، ولذا فسّر اللهُ أكْبَرُ بأنّه أكبر من أن يوصف على ما ورد عن الصادق عليه السلام، ولو كان المعنى أنّه أكْبَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ لم يخل من إشراك الأشياء به تعالى في معنى الكِبَر وهو أعزّ ساحة من أن يشاركه شيء في أمر.
ومن لطيف الصنعة في السورة افتتاح أوّل آية منها بالتسبيح واختتام آخر آية منها بالتكبير مع افتتاحها بالتحميد.[1]
وورد في تفسير «بيان السعادة» ما يلي: بعد أمره بالتوسّط في الأقوال والأفعال أمره بالتوسّط في توصيفه تعالى بالجميع بين التشبيه قولًا واعتقاداً وشهوداً فأمره تعالى بالحمد، اي ملاحظة ظهوره تعالى في كلّ شيءٍ مع تنزيهه عن اصول النقائص، وهي كون الثاني له سواءٌ كانت تحت يده أو مقابلًا له أو مستعليا عليه محتاجاً إليه وكان هو عاجزاً، فإنّ الذلّ ينشأ من العجز عن دفع الضرّ أو جلب النفع، ولمّا كان ذلك موهماً لتوصيفه ومعرفته أمره ثانياً بتكبيره عن التوصيف والمعرفة، فقال: وكَبِّرْهُ تَكْبِيرا، عن كلّ ما يوهم النقص أو التوصيف، ولذلك ورد في جواب من قال: اللهُ أكْبَرُ مِن كُلِّ شَيءٍ، عن الصادق عليه السلام: وكَانَ ثَمَّةَ شَيْءٍ فَيَكُونَ أكْبَرَ مِنْهُ؟! فَقِيلَ: ومَا هُوَ؟! قَالَ: أكْبَرُ مِنْ أن يُوصَفَ[2].
[1] - أي أن أوّل كلمة من السورة لفظ سُبْحانَ الَّذِي؛ وآخر كلمة فيها لفظ وكَبِّرْهُ تَكْبِيراً واللفظ الأوّل من الآية الأخيرة لفظ وقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ. «الميزان في تفسير القرآن» ج 13، ص 241 و242.
[2] - تفسير «بيان السعادة» ج2، ص457، طبعة مؤسّسة الأعلميّ للمطبوعات، بيروت.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة