(وَلَمْ يَكُن لَهُو شَرِيكٌ في الملْكِ) يدلّ على وحدة الوجود بأبلغ دلالة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص287-291
2025-08-29
528
ما يتعلّق بتفسير ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ ومَفادها، يجب القول: لأنّ وجوده أصيل وحائز على الوحدة بالصرافة، على هذا يكون فرض شريك له من المحال. وهذا حاصل برهان الصِّدِّيقين في إثبات وحدة الوجود القائم، وبهذا كذلك تُدفَع شبهة ابن كَمّونة.
إن وجوده لم يزل ولا يزال ولا يتناهى بما لا يتناهى. وعلى هذا يكون من المحال فرض وجود آخر في مقابله تحت أيّ اسم أو رسم كان؛ سواءٌ أ كان شريكاً ومعيناً له في الملكوت أو عالَم المُلك. أن أيّ وجود مستقلٍّ في مقابله معدوم وممّا لا يمكن؛ وأن الوجودات غير المستقلّة والتي هي آياته وأسماؤه وعناوينه كلّها راجعة إليه ولا يمكن أن تكون إلّا هو.[1]
إن لعنوان شَرِيكٌ في الْمُلْكِ إطلاق عامّ؛ ففرض أيّ صاحب إرادة واختيار في مقابله يصدق عليه عنوان شريك في المُلك والآية تبطل ذلك وتنفيه.
إن فرض استقلاليّة واختياريّة وإنّيّة ولو بقدر رأس الدبّوس في إرادة وعمل واختيار ومشيئة الموجودات بِدءاً من جبرائيل والروح الذي هو أعظم من جبرائيل ووصولًا إلى أصغر وأحقر موجود ذي شعور كالنملة أو الجرادة؛ سواء أ كانت تلك استقلاليّة واختياريّة وإنّيّة في أصل وجودها وأفعالها وآثارها؛ كلّ ذلك يتنافى والإطلاق والعموم وعدم تناهي الوجود للحقّ تبارك اسمه في الملك والحكم، والآية تنفي ذلك. إذاً فجميع الاختيارات والإرادات مندكّة في اختياره تعالى وإرادته، وهي ظلٌّ من نوره وضياء شمس وجوده.
ذلك أن فرض أيّ إرادة أو اختيار أو استقلال لنملة ما تحدّ من إرادة الحقّ تعالى واختياره. لنفترض أن إرادة الحقّ تعالى واختياره واسعتان لدرجة تمكّنه من الهيمنة والسيطرة على إرادة جميع العوالم من المجرّدات والمادّيّات واختيارها، وتغلّبت إرادته حتى على إرادة الروح الأمين والملائكة المقرّبين وملأت جميع أركان العوالم النزوليّة، لكنّها (أي تلك الإرادة) توقّفت عند نملة واحدة ضعيفة صعبة الرؤية، فمنحتها إرادة واختياراً مستقلًّا، اي بمعزل عن مشيئة الله وإرادته؛ فهنا يبطل بحثنا ويكبو كُميتنا.
لماذا؟! لوجود ذرّة غير مرئيّة وتافهة عملت على تقييد سعة إرادة الله وتحديدها وهو ما يعني إطلاق مشيئة تلك الذرّة وخلق اختيار لها. لأنّنا منحنا بالفرض إرادة مستقلّة لهذه النملة الحقيرة ولم نجعلها مندكّة في إرادة الله، ولهذا فإنّ تلك الإرادة والاختيار المفروضين اللامتناهيين يقفان عند حدّهما وذلك بوصولهما إلى حدود النملة، اي أن (هذا الموجود) المتناهى أصبح يمتلك استقلاليّة وذاتيّة كاملتينِ؛ وهذا خُلف لافتراضنا في بداية الكلام أنّه لا مُتناهٍ، لكنّكم صبغتموه في العمل بصبغة التناهي! وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً.[2]
وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ.[3]
وقال الشيخ العارف الشبستريّ في هذا الباب أيضاً الأبيات التالية:
كدامين اختيار اي مرد جاهل *** كسى را كو بود بالذّات باطل
چو بودِ تست يكسر جمله نابود *** نگوئى كاختيارت از كجا بود[4]
كسى كو را وجود از خود نباشد *** به ذات خويش نيك وبد نباشد
كه را ديدى تو اندر جمله عالم *** كه يك دم شادمانى يافت بى غم
كه را شد حاصل آخر جمله امّيد *** كه مانْد اندر كمالى تا به جاويد
مراتب باقى واهل مراتب *** به زير امر حقّ؛ واللهُ غالِب[5]
مؤثّر، حقّشناس اندر همه جاى *** ز حدّ خويشتن بيرون منه پاى
ز حال خويشتن پرس اين قدر چيست *** وز آنجا باز دان كاهل قدر كيست»[6]
هر آن كس را كه مذهب غير جبر است *** نبى فرمود كو مانند گبر است
چنان كآن گبر، يزدان واهرمن گفت *** همين نادان احمق ما ومن گفت
به ما افعال را نسبت مجازى است *** نسب چبود حقيقت لهو وبازى است[7]
[1] - نقل المرحوم الحكيم الحاجّ السبزواريّ في« شرح الأسماء» أو« شرح دعاء الجوشن الكبير» ص374 و375، طبعة منشورات جامعة طهران موضوعاً عن صدر المتألّهين قدّس سرّه في الجواب على شبهة ابن كمّونة، بعد شرحٍ وبيان، أنّه قال: والحقُّ في الجواب أنَّه إذا كان للشيءِ ثانٍ في الوجود، لم يكن صِرفاً؛ والواجبُ تعالى لمّا كان بسيطَ الحقيقةِ وجَب أن يكونَ جامعاً لجميعِ الخَيراتِ والكمالات، وإلّا كان مِصداقاً لحصولِ شَيءٍ وفَقدِ شَيءٍ؛ فيَلزَمُ التَّركيبُ في ذاتِه من جهةٍ وجوبيّةٍ وأخرى إمكانيَّةٍ أو امتناعيّةٍ، كما ذكره صدر المتألّهين قُدّس سرُّه في السِّفر الأوّل من« الأسفار».
[2] - الآية 30، من السورة 76: الإنسان.
[3] - الآية 29، من السورة 81: التكوير.
[4] - يقول: «أي اختيار وأيّ انتخاب، أيّها الرجل الجاهل؛ (هذا الاختيار الذي تتحدّث عنه) لذلك الذي هو باطل بالذات وبنفسه؟ ألا تتأمّل أنّه (بما أن وجودك وعدمك هما أمر واحد، وأن وجودك ليس منك) فمن أين إذاً لك الخيرة والاختيار؟».
[5] - إشارة إلى الآية الشريفة 21، من السورة 12: يوسف: واللَّهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ.
[6] - يقول: «لمّا كان الشخص لا يملك وجوداً من ذاته ونفسه؛ فإنّ حُسنه وقبحه ليسا نابعين من ذاته. هل رأيتَ في كلّ العالَم أحداً ينعم بالفرح والسعادة دون أن يمسّه الترح أو الكرب أو الغمّ؟ هل رأيتَ أحداً حصل على مراده وأمانيه جميعاً؛ وهل رأيتَ أحداً يخلد إلى الأبد، في كمالٍ ما؟ فالرتبة والمقام باقيان؛ لكنّ مَن حصلوا على تلك المراتب أو المقامات، كلّهم تحت أمر الله وسلطانه. والله غالب على المُؤثَّر أن يعرف الحقّ في حين ومكان؛ وأن عليه أن لا يتجاوز حدّ ذاته ونفسه. ارجع إلى وجدانك واسأل عن أحوالك وتعرّف عليها ونسبة الأفعال إلى فعلها؛ وهناك ستعلم من هم أهل القدر (أي القَدريّة)».
[7] - يقول: «لقد قال النبيّ صلى الله عليه وآله أن من كان مذهبه غير الجبر فهو كالمجوس. لقد قال هذا الأحمق الجاهل قول المجوس الذين يؤمنون ب(يزدان- إله الخير) و(أهريمن- إله الشرّ). إن نسبة الأفعال إلينا ما هي إلّا أمر مجازيّ؛ لأنّ النِّسَب جميعاً هي لعب ولَهْو». «گلشن راز» ص49 و50.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة