الابيات الراقية للميرزا محمّد رضا القمشئيّ في وحدة الوجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص 199-203
2025-08-20
543
ما أروع وأبدع وأبهى ما قاله عارفنا الواصل:
آنِ خداى دان همه مقبول وناقبول *** مِنْ رَحْمَةٍ بَدا وإلَى رَحْمَةٍ يَؤُولْ
از رحمت آمدند وبه رحمت روند خلق *** اينست سرّ عشق كه حيران كند عقول
خَلقان همه به فطرت توحيد زادهاند *** اين شرك عارضى بود وعارضى يزول[1]
گويد خرد كه سرِّ حقيقت نهفته دار *** با عشقِ پردهدر چه كند عقل بوالفضول
يك نقطه دان حكايت ما كان وما يكون *** اين نقطه گه صعود نمايد گهى نزول
جز من كمر به عهد امانت نبست كس *** گر خوانيَم ظلوم، وگر خوانيم جهول[2]
لقد كانت هذه المسألة، ومنذ أمد بعيد، تشكل للحقير صعوبة كبيرة وهي أنّه لما ذا لا يقوم بعض فقهائنا بإصدار حكم بتكفير المجسِّمة والمعطِّلة والمنزِّهة والمجبِّرة والمفوِّضة واعتبارهم نَجَس لقولهم ما يقولون مع قبولهم أصل التوحيد واعتقادهم به؛ في حين يَطرقون على رؤوس مَن يقولون بوحدة الوجود فوراً، لا تأخذهم في المباشرة في ذلك والإسراع فيه لومة لائم؟ ما الداعي في إضافتهم قسماً يدّعى «الوحدة الوجوديّة» إلى ما هو موجود من أنواع نَجَس العَين كالبول والغائط وغيرهما؟ فلأيّ شيء اضيف هذا القسم «نجس العين» إلى النجاسات ومنذ متى عُمِل به؟ وهكذا، وبعد الدراسات والمشاهدات وبعد التي واللتيّا، انتهى الأمر إلى هذه النقطة، وهي أنّه وبسبب دقّة هذا النوع من التوحيد وصعوبة فهمه وإدراكه والذي هو توحيد المخلَصين والمقرّبين للحقّ جلّ شأنه من جهة، وبسبب الصعوبة والمشاقّ التي تعترض سالك هذا السبيل في سيره إلى الله ووصوله إلى تلك الحال، وهو بالطبع ما يتعارض مع مزاج المُتْرَفين من جهة أخرى، فقد أراحَ القشريّون والظاهريّون، ذوو المستوى الفكريّ والعلميّ المُتَدنّي والضحل، أنفسهم بإشهارهم سلاح الكفر والخروج على الإسلام على هؤلاء، لعدم انسجام هذه المسألة مع أفكارهم وآرائهم، وحتى لا يضطرّوا إلى تقليد هذا الرجل الحكيم الواصل والانقياد له، فقد قاموا بهدم أساس هذا البناء وتقويض أركانه، واعتبروهم زنادقة وملحدين وذلك باتّهامهم بالنجاسة والتي هي انعكاس للزندقة والإلحاد.
نعم، فمن الواضح أن التكفير والتفسيق هما سلاح الحمقى، وهو ما برهنت عليه التجارب.
وهؤلاء، بشعار التكفير هذا الذي رفعوه، قد دقّوا إسفيناً في أساس الإسلام، وإلّا أ فليس الإسلام هو شريعة التوحيد؟ والتوحيد هو الوحدة نفسها، والتوحيد على وزن تفعيل وهو فعل متعدّ، والوحدة ثلاثيّ مجرّد وهو فعل لازم.
فالتوحيد الذي يعنيه الإسلام هو وحدة الكثرات وحصر الفعل والقوّة والعلم والحياة والقدرة والوجود والذات في الحقّ سبحانه وتعالى.
والوحدة هي أن تصير هذه الأفعال والأسماء والذوات وحدة واحدة فيه جلّت قدرته.
وفي هذه الحالة ف«وحدة الوجود» تعني نتيجة التوحيد ومحصّلته، وثمرة هذه الشجرة المثمرة. فما التناقض الموجود بين التوحيد والوحدة؟ فالتوحيد الذي ينادي به الإسلام يتلاءم تماماً معها (أي الوحدة)، بل هي بعينه. ف«وحدة الوجود» هي الشراب الحلو والسائغ لـ «توحيد الحقّ» في مراحل الكثرات.
لكنّ العَجب في أن هؤلاء الجائرين لم يكونوا قادرين ولم يقدروا على اتّهام اولئك ب«التوحيد في الوجود»، وذلك لأنّ هذا الكلام كان من الممكن أن يصبح أداةً في أيدي كلّ مِن الأعداء والأصدقاء على السواء! فما الإشكال في الإنسان الذي دخل الإسلام وحصل على نتائجه الغائيّة التي تتلخّص في التوحيد في الذات والصفة فيصبح قائلًا ب«التوحيد في الوجود»! استبدلوا لفظة «التوحيد» ب- «الوحدة»؛ وبدأ العامّة من الناس الذين هم كالأنعام غافلين عن أيّ عِلم بضرب رؤوس الموحّدين بهراوة الوحدة الوجوديّة. وصبغوهم بصبغة نجس العين تحت شعار الكافر الملحد الزنديق الفاسق حتى يمنعوا الناس عنهم.
إن مخالفة المعتقدين بوحدة الوجود هي تعبير آخر لمخالفة أهل التوحيد؛ اي الموحّدين.
إن مشركي العرب وخاصّة قريش الذين كانوا يناجزون الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله إنّما كانوا يقومون بذلك على أساس انكارهم للتوحيد ووحدانيّة المبدأ والمعاد وجميع الامور الأخرى المتعلّقة بهما.
كانوا يقولون: أن هذا الرجل زنديق وملحد، إنّه ساحر، إنّه يدعو إلى التوحيد؛ وهذا خروج على ديننا وعقيدتنا وسنّة آبائنا. إنّه رجل نَجَس والعياذ بالله! أو كانوا ينادون بقتله بجريرة هذا الجُرم أو ذاك، أو إخراجه من مدينتهم وديارهم، أو تقويض داره على رأسه، أو عزله وإقامة الحصار عليه! وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ، أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ[3]، وانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا واصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ، ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ، أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْ ذِكْرِي بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذابِ.[4]
إن هذه الآيات ونظيراتها التي وردت في القرآن، تدلّ كلّها على أن إشكال المشركين والكافرين على النبيّ والإسلام والقرآن كان في مسألة التوحيد وحسب.
وعلى هذا أفليس إشكال الدارسين والعلماء الذين يهاجمون القائلين بوحدة الوجود ويتّهمونهم ويؤنّبونهم ويؤاخذونهم في ذلك، يشبه بل هو عين الإشكال الذي نادى به المشركون والكافرون ضدّ الموحّدين؟! فذاك إشكال على توحيد الوجود وهذا إشكال على وحدة الوجود.
ذاك برميه بالزندقة والخروج عن الدين؛ وهذا كذلك بالرمي بالزندقة والخروج عن الدين!! ذاك تحت لواء انحراف الناس عن العقيدة؛ وهذا كذلك تحت لواء خروجه عن العقيدة الساذجة للسواد الأعظم من الناس!!
[1] «مستمسك العروة الوثقي» ج 1، ص 329، الطبعة الثانية، سنة 1376 ه-.
[2] - يقول:« اقْبَل الله كما هو؛ فهو الذي بدأ( الخلق) من رحمة وإلى رحمة يُرجِعه. لقد بدأ الخلق من رحمة وإلى رحمة يؤول؛ وهذا هو سرّ العشق الذي حيّر العقول.
[3] وأن الخلق جميعاً وُلِدوا على فطرة التوحيد؛ وأمّا الشرك فهو عارض، والعارض يزول».
1- يقول:« يقول العاقل أن سرّ الحقيقة محجوب؛ وما ذا يستطيع فعله الفضول مع العشق المحجوب؟ واعلم أن كلّ ما كان وما يكون هي عبارة عن نقطة واحدة؛ وهذه النقطة قد ترتفع أحياناً وقد تهبط. لم يَصُن العهد غيري من الناس؛ سواء سَمّيتموني ظَلوماً أو جَهولًا». كتاب« العدل الإلهيّ» ص 260، الطبعة الاولي؛ وقيل: ربّما كان ذلك للمرحوم الآقا محمّد رضا القمشئيّ.
[4] - جاء في« أقرب الموارد»:« العُجاب بالضمِّ: ما جاوَز حَدَّ العَجَب. أمرٌ عَجَبٌ وعُجابٌ وعُجَّابٌ، بِتَخفيف الجيمِ وتَشْديدِها للمبالغة: أي يُتَعجَّب منه. وعَجَبٌ عُجابٌ: مُبالغةٌ».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة