اعلم أن الله جل جلاله فضل شهر رمضان على سائر الشهور لما علم من المصلحة في ذلك لخلقه فحكم به في الكتاب المسطور وأوجب فيه الصوم إلزاما وأكد فيه المحافظة على الفرائض تأكيدا وندب فيه إلى أفعال الخير ترغيبا وعظم رتبته وشرفه وأعلى شأنه وشيد بنيانه فخبر جل اسمه أنه أنزل فيه القرآن العظيم وأن فيه ليلة خيرا ألف شهر للعالمين.
وكان مما ندب إليه من جملة ما رغب فيه وحث عليه ألف ركعة يأتي بها العبد في جميعه تقربا إليه وهي مع ذلك جبران لما يدخل من الخلل في الفرائض عليه فافهمها أرشدك الله وحصل علمها واعزم على تأديتها تكن من المخلصين.
إذا كان أول ليلة من الشهر و صليت المغرب و نوافلها الأربع فقم فصل ثماني ركعات تقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب و إنا أنزلناه في ليلة القدر أو قل هو الله أحد و يجزيك بدلهما ما تيسر من القرآن غير أن قراءتهما أفضل فإذا فرغت من الثماني ركعات صرت إلى طعامك فإذا دخل وقت العشاء الآخرة صليتها و عقبت و دعوت ثم قمت فصليت اثنتي عشرة ركعة تقرأ فيها ما قدمنا ذكر الرغبة فيه من سورة الإخلاص و إنا أنزلناه في ليلة القدر و يجزيك أيضا بدلا من ذلك ما تيسر من القرآن فإذا فرغت من الاثنتي عشرة ركعة كنت مكملا بها عشرين ركعة تأتي بها على الترتيب في كل ليلة من الشهر إلى ليلة تسع عشرة و هي الليلة التي ضرب فيها مولانا أمير المؤمنين (ع) و تجعل الوتيرة في عقب هذه الصلاة المذكورة لتكون ختاما لها.
فإذا حضرت ليلة تسع عشرة فاغتسل فيها قبل مغيب الشمس فإذا صليت المغرب ونوافلها الأربع والعشاء الآخرة فصل بعدها مائة ركعة تكثر فيها من قراءة إنا أنزلناه في ليلة القدر والصلاة على رسول الله (ص) والصلاة على أمير المؤمنين وذريته الأئمة المهديين صلوات الله عليهم أجمعين والابتهال في اللعنة والدعاء على ظالميهم من الخلق أجمعين وتجتهد في الدعاء لنفسك ولوالديك ولإخوانك من المؤمنين وتعقبها بالوتيرة على ما قدمناه.
فإذا كانت ليلة عشرين عدت إلى الترتيب في صلاتك العشرين.
فإذا كانت ليلة إحدى و عشرين وهي الليلة التي قبض فيها أمير المؤمنين (ع) اغتسلت قبل مغيب الشمس كما صنعت ليلة تسع عشرة وصليت بعد العشاء الآخرة مائة ركعة تقرأ فيها بإحدى السورتين المقدم ذكرهما تفصل بين كل ركعتين بإكثار من الصلاة على رسول الله (ص) و أمير المؤمنين و الأئمة الطاهرين (صلوات الله عليهم أجمعين) و تكثر من الابتهال إلى الله تعالى في تعذيب قتلة أمير المؤمنين (ع) و ذريته الراشدين ع و اللعنة لهم بأسمائهم و من أسس لهم ذلك و فتح لهم فيه الأبواب و سهل الطرق و من اتبعهم على ذلك من سائر العالمين و تجتهد في الدعاء لنفسك و لوالديك و لإخوانك من المؤمنين.
فإذا كانت ليلة اثنتين وعشرين صليت ثماني ركعات بعد المغرب واثنتين وعشرين بعد العشاء الآخرة تكملها ثلاثين ركعة.
فإذا كانت ليلة ثلاث وعشرين اغتسلت عند مغيب الشمس وصليت بعد العشاء الآخرة مائة ركعة تقرأ في كل ركعة منها فاتحة الكتاب وإنا أنزلناه في ليلة القدر وتكثر من الصلاة على رسول الله (ص) وتتوب إلى الله جل اسمه من ذنوبك وتكثر من الاستغفار وتجتهد في الدعاء والمسألة وتذكر حوائجك فإنها الليلة التي يرجى أن تكون ليلة القدر. ثم تصلي في كل ليلة من السبع الليالي الباقية ثلاثين ركعة على ما قدمنا ترتيبه من ثمان بين العشاءين واثنتين وعشرين بعد عشاء الآخرة فتكمل جميع صلواتك على هذا الحساب تسع مائة وعشرين ركعة يبقى تمام الألف ثمانون ركعة تصلي في كل يوم جمعة من الشهر عشر ركعات أربعا منها صلاة مولانا أمير المؤمنين ع تقرأ في كل ركعة منها الحمد مرة واحدة وقل هو الله أحد خمسين مرة.
وركعتين صلاة السيدة فاطمة (ع) تقرأ في الأولى منهما الحمد مرة وإنا أنزلناه في ليلة القدر مائة مرة وفي الأخرى الحمد وقل هو الله أحد مائة مرة فإذا سلمت سبحت تسبيح الزهراء (ع) وقد قدمنا ذكره وهو مائة تسبيحة منها أربع وثلاثون تكبيرة وثلاث وثلاثون تحميدة وثلاث وثلاثون تسبيحة.
وأربع ركعات صلاة جعفر بن أبي طالب (ع) وهي تسمى صلاة الحبوة تقرأ في الأولى منها الحمد وإذا زلزلت الأرض زلزالها وفي الثانية الحمد والعاديات وفي الثالثة الحمد وإذا جاء نصر الله وفي الرابعة الحمد وقل هو الله أحد وتسبح وتحمد وتهلل وتكبر في كل ركعة منها خمسا وسبعين مرة تكمل بذلك في الأربع ركعات ثلاثمائة مرة تقول في الركعة الأولى بعد القراءة وقبل الركوع في دبر السورة: سُبْحَانَ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ واللَّهُ أَكْبَرُ.
- خمس عشرة مرة و تقوله في الركوع عشرا و تقوله عند قيامك من الركوع و أنت منتصب عشرا و تقوله في السجود عشرا و تجلس بين السجدتين فتقوله عشرا و تسجد الثانية فتقوله فيها عشرا و ترفع رأسك منها فتجلس و تقوله عشرا و تنهض إلى الثانية فتقرأ فيها فإذا فرغت من القراءة صنعت مثل صنيعك في التسبيح الأول و تشهدت و سلمت و تصنع في الآخرتين مثل ذلك و تقول في السجدة الأخيرة من هذه الصلاة بعد فراغك من العشر تسبيحات: سُبْحَانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَ الْوَقَارَ سُبْحَانَ مَنْ تَعَطَّفَ بِالْمَجْدِ وَ تَكَرَّمَ بِهِ سُبْحَانَ مَنْ لَا يَنْبَغِي التَّسْبِيحُ إِلَّا لَهُ سُبْحَانَ مَنْ أَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عِلْمُهُ سُبْحَانَ ذِي الْمَنِّ وَ النِّعَمِ سُبْحَانَ ذِي الْقُدْرَةِ وَ الْأَمْرِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِمَعَاقِدِ الْعِزِّ مِنْ عَرْشِكَ وَ مُنْتَهَى الرَّحْمَةِ مِنْ كِتَابِكَ وَ بِاسْمِكَ الْأَعْظَمِ وَ كَلِمَاتِكَ التَّامَّاتِ الَّتِي تَمَّتْ صِدْقاً وَ عَدْلًا أَنْ تُصَلِّيَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ وَ أَنْ تَفْعَلَ بِي كَذَا وَ كَذَا (1).
وتسأل حوائجك فإذا سلمت من هذه الأربع ركعات أكملت بها مع ما تقدمها من الست ركعات في أربع جمع أربعين ركعة تتمم بها مع ما تقدم من النوافل تسع مائة وستين ركعة.
فإذا كان آخر جمعة من الشهر صليت ليلة الجمعة عشرين ركعة من صلاة أمير المؤمنين (ع) وليلة السبت عشرين ركعة من صلاة السيدة فاطمة ص فتكمل ألفا لا شبهة فيها.
واعلم أن هذه الألف ركعة هي سوى نوافلك التي تطوع بها في سائر الشهور من نوافل الليل والنهار إذ هي لعظيم حرمة شهر رمضان زيادة عليها فلا تدعن تلك لاستعمال هذه ولا هذه لتلك واجمع بينهما وأسأل الله تعالى المعونة والتوفيق لها فقد
رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (ع) أَنَّهُ قَالَ حِينَ فَرَغَ مِنْ شَرْحِ هَذِهِ الصَّلَاةِ لِلْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ الْجُعْفِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَا مُفَضَّلُ ذلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ واللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (2).
ولكل ركعتين من هذه الألف ركعة دعاء مخصوص يدعى به في دبرهما أنا ذاكر طرفا منه يكفي المقتصر عليه في باب الاختصار إذ الإتيان بجميعه يطول وينتشر فيخرج به عند إيراده على كماله عن غرضنا في ترتيب هذا الكتاب ومتى أراده مريد فليطلبه في كتاب الصيام لعلي بن حاتم رضي الله عنه فإنه يجده مفصلا على النظام مستقصى فيه على التمام وبالله التوفيق.
ويستحب أن يصلي الإنسان في ليلة النصف من شهر رمضان مائة ركعة زيادة على الألف
فَقَدْ رُوِيَ عَنِ الصَّادِقِ (ع) أَنَّهُ قَالَ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ) [مَنْ صَلَّى لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ مِائَةَ رَكْعَةٍ يَقْرَأُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ مِنْهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ عَشْرَ مَرَّاتٍ أَهْبَطَ اللَّهُ إِلَيْهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ عَشْرَةً يَدْرَءُونَ عَنْهُ أَعْدَاءَهُ مِنَ الْجِنِّ والْإِنْسِ وأَهْبَطَ إِلَيْهِ عِنْدَ مَوْتِهِ ثَلَاثِينَ مَلَكاً يُؤْمِنُونَهُ مِنَ النَّارِ (3).
ويستحب أن يصلي ليلة الفطر ركعتان يقرأ في الأولى منهما الحمد وقل هو الله أحد ألف مرة وفي الثانية الحمد وقل هو الله أحد مرة واحدة فقد
رُوِيَ عَنْ مَوْلَانَا أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ (ص) أَنَّهُ قَالَ: مَنْ صَلَّى هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي لَيْلَةِ الْفِطْرِ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ شَيْئاً إِلَّا أَعْطَاهُ (4).
وقد بينا موضع الوتيرة مع نوافل شهر رمضان وذكرنا أنه في عقبها فمن لم يصل هذه النوافل صلاها عقيب الفرض لتكون خاتمة صلاته قبل منامه إن شاء الله تعالى.
________________
- الوسائل، ج 5، الباب 3 من أبواب صلاة جعفر، ح 1 ص 198.
- الوسائل، ج 5، الباب 7 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح 1، ص 178.
- الوسائل، ج 5، الباب 6 من أبواب نافلة شهر رمضان، ح 1، ص 177.
- الوسائل، ج 5، الباب 1 من أبواب بقيّة الصّلوات المندوبة، ح 1، ص 221 مع تفاوت.
الاكثر قراءة في نافلة شهر رمضان (مسائل فقهية)
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة