الامثلة الكثيرة التي أوردها العرفاء على وحدة الوجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص 184-188
2025-08-17
537
قد تفنّن هؤلاء العرفاء في تقريب هذه النظريّة إلى الأذهان، وسبحوا سبحاً طويلًا في بحر هذا الخيال، وضربوا له الأمثال (فصوّروه) تارة بالبحر وهذه العوالم والكائنات كأمواج البحر وهي ليست غير البحر وتطوّراته؛ وليست الأمواج شيئاً سوى البحر، فإذا تحرّك ظهرت، وإذا سكن انعدمت واندحرت، وهو معنى الفَناء المشار إليه بقوله تعالى.
كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ.[1]
يفنى وجه الممكن ويبقى وجه الواجب.
چه ممكن گرد امكان بر فشاند *** به جز واجب دگر چيزى نماند[2]
نعم الأمواج تطوّرات البحر، لا شيء موجود غير وجود البحر.
چه درياى است وحدت ليك پر خون *** كز او خيزد هزاران موج مجنون
هزاران موج خيزد هر دم از وى *** نگردد قطرهاى هرگز كم از وى[3]
قالوا: الوَجْهُ واحِدٌ والمَرَايَا مُتَعَدِّدَةٌ.
وَ مَا الوَجْهُ إلَّا واحِدٌ غَيْرُ أنَّهُ *** إذَا أنْتَ عَدَّدْتَ المَرَايَا تَعَدَّدا
وكذلك العدد ليس إلّا تكرار الواحد إلى ما لا نهاية له:
وجود اندر كمال خويش سارى است *** تعيّنها امور اعتبارى است
امور اعتبارى نيست موجود *** عدد بسيار ويك چيز است معدود
چه واحد گشته در اعداد سارى[4] ***
ومن هذا القبيل التمثيل بِالشُّعْلَةِ الجَوَّالَةِ التي ترسم دائرة ناريّة من سرعة حركتها وليست هي إلّا تلك الشعلة الصغيرة:
همه از وَهْم تو اين صورتِ غير *** چه نقطه دائره است از سرعت سير[5]
والوجود واحد والموجود واحد له ظهورات وتطوّرات، يتراءى أنّها كثرات، وليس إلّا الذات ومظاهر الأسماء والصفات وشئون الجمال والجلال والقهر واللطف.
وقد رفع الكثير منهم حجب الأستار عن هذه الأسرار حتى أن محيي الدين بن عربي[6] عبّر عن كلّ هذا بتغيير كلمة في البيت المشهور:[7]
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلَى أنَّهُ وَاحِدُ
فقال «محيي الدين»:
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدُلُّ عَلَى أنَّهُ عَيْنُهُ
ثمّ تحامل وتقحّم إلى ما هو أكثر صراحة وأعظم، حيث قال:
سُبْحَانَ مَنْ حَجَّبَ نَاسُوتَهُ *** نُورُ سَنَا لَاهُوتِهِ الثَّاقِبِ
ثُمَّ بَدَا في خَلْقِهِ بَارِزاً *** بِصُورَةِ الآكِلِ والشَّارِبِ
ومشى على هذه السبيل الصعبة كثير من شعراء العرب وعرفائهم في القرون الوسطى، وقد رفع لواءهم ابن الفارض[8] في أكثر شعره، لا سيّما تائيّته الصغرى وكذا الكبرى التي يقول فيها:
هُوَ الواحِدُ الفَرْدُ الكَثِيرُ بِنَفْسِهِ *** ولَيْسَ سِوَاهُ أن نَظَرْتَ بِدِقَّةِ
بَدَا ظَاهِراً لِلْكُلِّ في الكُلِّ بَيْنَنَا *** نُشَاهِدُهُ بِالعَيْنِ في كُلِّ ذَرَّةِ
فكلّ مشاهد محسوس من الذرّة الصغيرة إلى الجبل الشامخ، ومن العرش إلى الثرى هي أطواره وأنواره ومظاهره وتجلّياته.
وهو الوجود الحقّ المطلق ولا شيء غيره، فإذا قلتَ لهم: فالأصنام والأوثان؟ يقول لك العارف الشبستريّ:
مسلمان گر بدانستى كه بت چيست *** بدانستى كه دين در بتپرستى است[9]
وإذا قلتَ: فالقاذورات؟ قالوا: نور الشمس إذا وقع على النجاسة هو ذلك النور الطاهر ولا تؤثّر عليه النجاسة شيئاً.
نور خورشيد ار بيفتد بر حَدَث *** نور همان نور است نَپْذيرد خَبَث[10]
وما اكتفوا بهذه التمثيلات والتقريبات حتى أخضعوا هذه النظريّة المتمرّدة على العقول لسلطان البرهان الساطع والدليل القاطع.
[1] - يقول:« فالكلّ هو وليس هناك أحد غيره؛ وحده لا إله إلّا هو».
[2] - الآيتان 26 و27، من السورة 55: الرحمن.
[3] - يقول:« فلمّا تناثر إمكان الممكن لم يبقَ هناك شيء غير الواجب».
[4] - يقول:« أي بحر عظيم هي الوحدة لكنّ هذا البحر ملآن دماً ومنه تنبعث آلاف الأمواج الهائجة.
أيّها الناس! مع أن آلاف الأمواج تنبعث من ذلك اليَمّ ولكن لم تنقص منه قطرة».
[5] - يقول:« أن الوجود قائم من خلال كماله؛ وليست التعيّناتُ إلّا أموراً اعتباريّة.
و الامور الاعتباريّة( في نفس الأمر) ليست موجودة؛ كتعدّد الأعداد في حين أن المَعدود واحد ليس إلّا.
لأنّ الواحد أضحي سارياً في الأعداد».
[6] - يقول:« الكلّ في وهم وظنٍّ حول ماهيّتك وصورتك؛( فالحالة هذه تشبه) نقطة( مرسومة على ورقة) تدور بسرعة حتى تصبح كأنّها دائرة».
[7] - هذا البيت الذي نسبه سماحة شيخنا الإمام متّعنا الله تعالى بطول بقائه إلى الشهرة إنّما هو لأبي العتاهية الشاعر المعروف، وهو أبو إسحاق إسماعيل بن القاسم بن سويد بن كيسان العنزيّ بالولاء العينيّ، المولود 130 ه- والمتوفّى 210 أو 211 أو 213 ه-، والمدفون حيال قنطرة الزيّاتين في الجانب الغربيّ ببغداد. ويعدّ من مقدّمي المولّدين وفي طبقة بشار وأبي نوّاس وأمثالهما، نشأ في الكوفة وسكن بغداد. وعن الصوليّ أنّه كان يتشيّع بمذهب الزيديّة التبريّة. وروي أنّه جلس في دكّان ورّاق فأخذ كتاباً فكتب على ظهره على البديهة( من المتقارب):
ألَا إنَّنَا كُلَّنَا بَائِدُ *** وأيّ بَنِي آدَمَ خَالِدُ
وَ بَدْؤُهُمْ كَانَ مِنْ رَبِّهِمْ *** وكُلٌّ إلى رَبِّهِ عَائِدُ
فَيَا عَجَباً كَيْفَ يُعْصَى الإل- *** - هُ أمْ كَيْفَ يَجْحَدهُ الجَاحِدُ
وَ لِلَّهِ في كُلِّ تَحْرِيكَةٍ *** وفي كُلِّ تَسْكِينَةٍ شَاهِدُ
وَ في كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ *** تَدَلُّ على أنَّهُ الوَاحِدُ
و في نسخة: على أنَّهُ وَاحِدُ.
و لما انصرف مرّ أبو نؤاس- الشاعر الشيعيّ الشهير- بالموضع فرأى الأبيات فقال: لمن هذا. فقيل له: لأبي العتاهية. فقال: لوددتها لي بجميع شعري.
و روى صاحب« الأغاني» أن أبا العتاهية كان يُرمى بالزندقة فجاء يوماً إلى الخليل بن أسد النوجشانيّ فقال: زعم الناس أنّي زنديق! والله ما ديني إلّا التوحيد. فقال له الخليل: فقل شيئاً نتحدّث به عنك. فقال الأبيات السابقة.
أقول: غير خفيّ على الباحث المنقّب أن الرمي بالزندقة والكفر أو الغلوّ وما أشبه ذلك ناشي في الأغلب من الحسد والحقد ومن افتراءات الخصوم والمغرضين والمخالفين في المذهب والعقيدة ولا سيّما في حقّ الشاعر الشيعيّ أو العالم الدينيّ أو العارف المتألّه ... إلى آخره-( التعليقة).
[8] - أبو عبد الله محمّد بن على الحاتميّ الطائيّ الأندلسيّ المكّيّ الشاميّ صاحب كتاب« الفتوحات المكّيّة» المعروف بين العرفاء بالشيخ الأكبر، توفّي سنة 638-( التعليقة).
[9] - شرف الدين أبو القاسم عمر بن على الحمويّ المصريّ، العارف المشهور صاحب القصيدة التائيّة المعروفة، توفّي سنة( 632) ه- بالقاهرة-( التعليقة).
[10] - يقول:« أيّها المسلم إذا أردت أن تعرف ماهيّة الصنم؛ فاعلم أنّما الدِّين يتلخّص في عبادة الصنم».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة