طيّ قوس الصعود يبلغ بالإنسان إلى جنّة الفعلية وظهور الاعمال
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص154-157
2025-08-13
477
إنّ خروج آدم من الجنّة الاولى والذي سبق نزوله إلى هذه الدنيا كان في مصلحته لا في ضرره، بل أن جميع ذلك كان في مصلحته ومنفعته. إنّها المنافع الجمّة واللامتناهية، وكلّما ارتقى سُلّم الرقيّ صعوداً كانت النتيجة منفعة لا متناهية؛ فتسوقه المنافع اللامتناهية تلك نحو الجنّة الثانية، جنّة فعليّته وبروز أعماله وظهورها وتَميُّز ملكاته وعقائده وحقائقه.
فتعالَ وانظرْ ما قد حصل! فخلال اجتياز القوس النزوليّ يمرّ الإنسان خلاله عبر مراحل الاستعداد والقابليّة التي تكمن فيه ويقوم بادّخار ذلك كلّه؛ لكنّه في اجتيازه لطريق القوس الصعوديّ وهي رجعته من نقطة الحضيض هذه باتّجاه المبدأ أو الأصل الأوّل وربّ حيّ عليم أزليّ أبديّ، يمرّ بالفعليّة والظهور اللتين يشهدهما في وجوده عياناً.
وعلى أساس من هذا البرهان المُقتَبَس من مجموع كتب صدر المتألّهين الشيرازيّ، فخرنا وفخر الإسلام والمسلمين والبشريّة جمعاء إلى يوم القيامة، نرى مدى ما يمتلكه الإنسان من عوامل الرقيّ وأسباب الكمال! ونلاحظ كذلك عمق هُوّة الجهل والظُّلمة اللتين يغوص فيهما مَن ابتعد عن فلسفته وحكمته ولا يحاول قضاء أعزّ شيء عنده وهو عمره في فهمهما![1] نعم، ومصداق ذلك الآية الشريفة: أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ.[2]
وأمّا المؤمنون المتوغّلون في العلوم الإلهيّة والسابرون الحكمة المتعالية فهم: والسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ.[3]
كان ذلك موجزاً للبحث الوارد في البرهان حول هذه المسألة.
وأمّا الآيات القرآنيّة فكلّها تدلّ على لزوم التباين بين أفراد البشر، وأن بحثها يقتضي الإطناب، إلّا أنّنا نكتفي بالإشارة إلى بعض الآيات لتكون حسبنا في هذا المجال:
1- وإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ.[4]
2- إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ، وما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ.[5]
3- ولَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ ولكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ.[6]
4- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وكانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً.[7]
5- تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً، الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ والْأَرْضِ ولَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً ولَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً.[8]
6- سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، والَّذِي قَدَّرَ فَهَدى.[9]
[1] نظم الخواجة شمس الدين حافظ الشيرازيّ قدّس سرّه الأبيات التالية والتي تضمّنت أسرار عالَم الخِلقة جميعاً:
در ازل پرتو حسنت ز تجلّى دم زد *** عشق پيدا شد وآتش به همه عالَم زد
جلوهاى كرد رخت ديد ملك عشق نداشت *** عين آتش شد از اين غيرت وبر آدم زد
عقل مىخواست كزان شعله چراغ افروزد *** برق غيرت بدرخشيد وجهان بر هم زد
مدّعى خواست كه آيد به تماشاگه راز *** دست غيب آمد وبر سينة نامحرم زد
ديگران قرعة قسمت همه بر عيش زدند *** دل غمديده ما بود كه هم بر غم زد
جان علوى هوس چاه زنخدان تو داشت *** دست در حلقة آن زلف خم اندر خم زد
حافظ آن روز طرب نامه عشق تو نوشت *** كه قلم بر سر اسباب دل خرّم زد
***
« ديوان حافظ» ص 103 و104 طبعة محمّد القزوينيّ والدكتور قاسم غني.
يقول:« لقد تجلّى نور حسنك منذ الأزل، فظهر الحبّ وأشعلت نيرانه كلّ العالم.
و تجلّى جمالك ورآه إبليس، فاحترق بسبب الغيرة والحسد( لأنّ الحبّ لم يكن في فطرته ليعبدك كالعاشقين) فاتّخذ قلب آدم مأوى له، وسعى في ضلاله.
و أراد العقل أن يستنير من تلك الشعلة، فأومض برق الغيرة، وقلب نظام العالم.
و أراد العقل الوصوليّ منافسة الحبّ والدخول في أسرار الغيب، فجاءت يد الحقّ ودفعته بعيداً.
لقد اقترع الآخرون على العيش، في حين قلوبنا المتعبة ساهمت على غمّ( الحبّ).
لقد أرادت الروح العلويّ وصالك، فتمسّك مضطرّاً بجذائل شعرك.
يا حافظ! لقد كُتب في كتاب فرحك منذ ذلك اليوم ازدياد عشقك وهيامك، ووضع نهاية لراحة قلبك واستقراره، وسُرّ بعذابك ومعاناتك».
[2] ذيل الآية 14، من السورة 23: المؤمنون.
1- ذيل الآية 44، من السورة 41: فصّلت.
[4] الآيتان 10 و11، من السورة 56: الواقعة.
[5] الآية 21، من السورة 15: الحجر.
[6] الآيتان 49 و50، من السورة 54: القمر.
[7] الآية 27، من السورة 42: الشوري.
[8] الآية 38، من السورة 33: الأحزاب.
[9] الآيتان 1 و2، من السورة 25: الفرقان.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة