تفسير لكيفيّة إطلاق آية (مدّ الظلّ)
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص41-46
2025-08-04
677
نوضّح هنا: إلى أن الإنسان يرى الظلّ يكبر شيئاً فشيئاً من مكانه باتّجاه المشرق وذلك وقت زوال الشمس من دائرة نصف النهار، اي حينما تكون الشمس واقعة على سمت رأسه، ويكون أقلّ ذلك الظلّ عند الزوال وأكبره عند غروبها واستتارها وراء الافق. وحسب افتراضنا هذا أوّل الظلّ. وهو يظهر بوساطة شيء بارز كالجبل أو البناء أو الأشجار وغير ذلك.
ثانياً، أنّه ظِلّ الليل ذلك الذي يصنع حقيقة الليل، وهو عبارة عن الظلّ الحاصل من غروب الشمس وحتى طلوعها. وعلى الرغم من أن هذا الظلّ غير متباين، وذلك من جهة عدم سطوع النور عليه، وأن الليل كلّه متساوٍ بالنسبة لوقوعه تحت ظلمة الظلّ المخروطيّ المحيط بنصف الكرة الأرضيّة، لكنّه يختلف من ناحية الشدّة والضعف.
فكلّما ابتعدنا عن الغروب، فإنّ ظلّ الليل يشتدّ ويثبت أكثر فأكثر، حتى تبلغ ظلمة الليل أقصى حدٍّ لها وذلك عند منتصف الليل حينما تكون الشمس واقعة على سمت القدم في الطرف الآخر من الأرض. أمّا ابتداءً من منتصف الليل وحتى طلوع الشمس فإنّ شدّة الظلّ وظلمته تضعف حتى تصل إلى أضعف درجاتها وذلك قبيل شروق الشمس.
ثالثاً، أن ظلّ النهار يكون من لحظة طلوع الشمس وحتى زوالها. وبمجرّد طلوع الشمس فإنّ ظلّ الليل يتوارى ولا تحمل أيّة ذرّة أو نقطة منه أدنى تحقّق وجوديّ؛ ولكن ما إن تشرق الشمس حتى تتكوّن الظلال على الأرض في إزاء الأشياء البارزة والأبنية والأشجار والجبال وغيرها، وذلك باتّجاه الغرب، وأطول هذه الظلال تتكوّن لحظة الشروق، وكلّما ارتفعت الشمس أخذت بالتقلّص تدريجيّاً حتى تصل إلى أقلّ حدّ لها وذلك عند ما تفصلها عن الزوال لحظة واحدة.
وطِوال فترة الليل والنهار تلك يكون الظلُّ موجوداً؛ ولامتداده (أي امتداد الظلّ) مصداق خارجيّ. ودلالة الشمس عليه متحقّقة أيضاً؛ والله قادر على أيقاف ذلك الظلّ في أيّة لحظة شاء، وذلك بإيقاف حركة الأرض وتباطؤ اختلاف الليل والنهار. وكذلك الحال مع جَذب الله الظلّ نحو الذي دعاه بالقبض، فهو يمتلك مصداقاً خارجيّاً في كلّ لحظة من الليل والنهار. وسهولة جذب الظلّ وقبضه واحدة كذلك لدى الحقّ المتعال.
إن شروق شمس الرسالة وتلألؤ نورها وبسطه للمؤمنين والتابعين موجود على الدوام؛ وكذلك عناد المعاندين وضلالتهم وجهالتهم وعدم إيقانهم وإيمانهم، فهي موجودة بأشكال مختلفة على الدوام؛ فيزداد عنادهم شيئاً فشيئاً منذ الزوال الأوّل الذي عَبّرت عنه الآية في تنظيرها بالظلّ، ويستمرّ بالتزايد تدريجيّاً حتى غروب الشمس حيث تصل الضلالة أقصى حدّ لها دون توقّف، بل وتصل الضلالة الحدّ الأعلى والأكمل لها عند منتصف الليل حين تكون شمس الرسالة في أبعد نقطة عنهم. وعندها يقبض الله سبحانه الضلالة نحوه ويبدأ الظلّ الليليّ بالتضاؤل حتى طلوع الشمس حيث لن يبقى لذلك أيّ أثر.
ومنذ طلوع الشمس حيث يوجد أطول ظلّ ممتدّ إلى جهة المغرب، لا يزال حُكم ضلالتهم الصرفة وتَيْههم البحت قائماً، حتى تتحوّل تلك الضلالة إلى هداية وظُلمة الظلّ إلى نور وذلك بارتفاع شمس الرسالة وشروقها تدريجيّاً؛ وهكذا فلن يبقى أثر لتلك الضلالات البحتة حتى الزوال، لأنّ شمس الرسالة قد جذبت الكلّ نحوها فزالت جميع الظلال وامّحت.
وعلى هذا يكون من الأنسب التمثيل بحالة الشمس والظلّ في جميع أقسام الليل والنهار، وذلك للتعبير عن الضلالة والهداية اللتين ورد ذكرهما في الآيات السابقة وتنظيرها بآية مَدَّ الظِّلَّ.
ومن وقت الزوال حتى منتصف الليل حيث يزداد اتّساع الظلّ تدريجيّاً وتتوسّع رقعة الظلام يكون في حُكم المعاندين الذين لم يتّبعوا ضياء شمس الرسالة فكبرت دائرة ضلالتهم يوماً بعد آخر وغمرتهم الجهالة أكثر فأكثر حتى وصل ذلك أقصى حدّ له. ومن منتصف الليل حتى الزوال له حُكم المعاندين والضالّين والذين يبدأون بالتخلُّص من عنادهم فيتّجهون نحو الإيمان وصفائه، ويستمرّ ذلك حتى الزوال حيث لن تبقى في داخلهم ذرّة واحدة من تلك الظلمة؛ فقد أصبح اولئك موحّدين خُلَّص واناساً كاملين، وصاروا أطهاراً ومن أهل اليقين والعرفان؛ فجذب الله ظلال وجودهم لتصدُقَ عليهم حينئذٍ عبارة قَبْضاً يَسِيراً.
نعم، وقد تفضّل فخر الفلاسفة والحكماء المرحوم الحاجّ الملّا هادي السبزواريّ قدّس الله تربته بنظم بعض الغزليّات اللطيفة لطلّاب صومعته وعشّاق محيّاه في إمكان العبور من مراحلهم النفسيّة ومنازلها والوصول إلى مقام الفعليّة الإنسانيّة التامّة وحرم حضرة المتكبِّر سبحانه.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة