شمول دعوة الرسل لجميع أقطار الأرض وأدوار التأريخ (عمومية برهان اللطف)
المؤلف:
آية الله السيد محسن الخرّازي
المصدر:
بداية المعارف الإلهية في شرح عقائد الإمامية
الجزء والصفحة:
ج1، ص233-237
2025-08-04
267
[ان] برهان اللطف سواء كان بمعناه الفلسفي أو الكلامي ، يقتضي لزوم اتمام الحجة على الناس وارشادهم وتزكيتهم في جميع الأدوار والأمكنة ، ولذا نعلم بأن ذلك لا يختص بمناطق الحجاز والشامات والعراق وايران ونظائرها ، إذ التكليف أو الغرض ، وهو نيل الإنسان إلى كماله اللائق به والسعادة في الدارين ، لا يختص بقوم دون قوم ، بل كل مكلفون ومنذرون ، كما نص عليه في قوله عزوجل : «إِنَّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً
وَنَذِيراً وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ» (1) ، حيث أفادت الآية الكريمة أن لكل جامعة من الجوامع البشرية نذيرا. نعم ، القدر المتيقن منها ، هي الجامعة التي لا يمكن لهم الارتباط بالجامعة الاخرى ، بحيث لو اكتفى بارسال الرسول في غيرها لا يبلغهم دعوة النبي المرسل ، ولا يمكنهم الاطلاع من دعوته.
وعليه فنعلم بشمول دعوة الرسل لجميع أقطار الأرض وأدوار التأريخ ، وإن لم نعلم تفصيل ذلك فانقدح مما ذكر أن دعوى عدم شمولها لبعض القارات كقارة أمريكا مجازفة.
ولقد أفاد وأجاد الإمام البلاغي ـ قدس سره ـ في الجواب عمن أنكر شمول دعوة الأنبياء لبعض القارات بقوله:
«ما كنت أظن أحدا يقدم على هذه الدعوى النافية بالكلية إلّا أن يستند فيها إلى إخبار نبوي ، أو يدعي النبوة ، أو أنه إله متجسد ، فإن دعوى العلم بمثل هذا النفي ، لا يكفي فيها الجهل ، فما هي الحجة القاطعة على هذه الدعوى الكبيرة؟ ولا يحسن التشبث لها بخلو التوراة الرائجة من ذكر أمريكا ونبواتها ، وذلك لجواز أن لا تكون أمريكا مسكونة في زمان موسى ، بل اتفق العبور إليها من جزائر اليابان أو من بوغاز بيرين أو غير ذلك ، كما ذكر عبور جماعة من «ايسلاند» إلى «كرينلاند» من أمريكا في القرن الثامن أو التاسع للمسيح ، أو لأن ذكر أمريكا ونبواتها لم يدخل في حكمة التوراة الأصلية ـ إلى أن قال ـ : ولا يمكن التشبث بخلو القرآن الكريم من ذلك ، فإن التصريح بذكر أمريكا ونبواتها مما ينافي حكمة القرآن الكريم ومداراته لجهل الناس ، ولكنه بعد أن ذكر الرسل قال في سورة النساء المدنية الآية 162 : (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ) كما قال في سورة المؤمن المكية الآية 78 : «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ» فالقرآن صريح بأنه لم يستوعب ذكر الرسل.
ألا وأن المؤمن الذي يعترف لله بعموم الرحمة وقيام الحجة ، لا بد له من أن يذعن اجمالا بعموم الرحمة وقيام الحجة على أهل أمريكا وإن لم يعرف وجه ذلك تفصيلا ، وأن التاريخ يذكر عن قارة أمريكا بنوعها وأقطارها قبل انكشافها شيئا من التدين بالإلهية والعبادة والصلاة والصوم والمعمودية ، والاعتماد على المخلص والتخليص من الجحيم ، واغواء الشيطان وبقاء النفس بعد الموت ، وغير ذلك من التقاليد كما في المكسيك والبيرو والبرازيل وكندا ومايانوا كاتلن والاير وكويسبين وأديسيوا والاحبوايو ونوع أمريكا ، وهذا يقوي الظن بأن مادة هذه التعاليم والديانات إنما هي من دعوة نبوية رسولية نشأت في قارتهم أو بلغتهم من قارة اخرى ، ولكن الاهواء شوهت صورتها بتلويث التوحيد بالتثليث والعبادة الأصنامية ، وتأليه البشر ، ويلزم من هذه الأهواء تبديل الشريعة كما هي العادة الأهوائية ، وابتلاء الأديان بعواصفها الوبيئة ـ إلى أن قال ـ : ثم إن كان نظر الكلام إلى بلوغ دعوة الإسلام إلى أمريكا ، فلا يعلم تأخره إلى حين اكتشافها ، ومن الممكن بلوغ الدعوة حينما ارتبطت «كرينلاند» بحماية تزوج وكثرة تردد أهل الشمال إليهما كما يقال ، ولا يلزم في بلوغ الدعوة وصول مبشريها ، بل يكفي في بلوغها وقيام الحجة في لزوم النظر في أمرها مجرد وصول خبرها ، وإن كان من جاحديها ، ولو قلنا بتأخر بلوغها إلى أمريكا إلى حين اكتشافها ، لم يلزم من ذلك إلّا كون الفترة عندهم ، أكثر من الفترة في أقطار القارات الاخر حسبما اقتضته حكمة الله في الإرسال ، وسير الدعوة بالمسرى الطبيعي العادي في الأقطار» (2) وهو حسن ، ولكن كلامه الأخير لا يخلو عن التأمل والاشكال ، فإن الفترة بدون حجة الله ممنوعة.
نعم هنا احتمالات اخر : أحدها : أن يكون من سكن فيها من نسل من خرج عن دار الإيمان إلى دار الكفر ، ثم اتفق عبوره إليها وسكن فيها بالاختيار أو الاضطرار ، فإنه عصى بخروجه عن دار الإسلام التي يمكن إقامة شعائر الايمان فيها ، ومن خرج عمدا عنها إلى دار الكفر التي لا يمكن له إقامة شعائر الايمان فيها ، لا يستحق بعصيانه أن يأتيه دعوة الأنبياء ، وهذا الحرمان أمر يتحقق من نفسه في حق نفسه وفي حق نسله ، فهو ظالم لنفسه ولنسله في هذا الحرمان.
وثانيها : أنه كانت هذه القارة متصلة بقارة اخرى التي جاءتهم دعوة النبي ، ثم انفصلت عنها ، كما احتمل ذلك في علم الجغرافية على المحكي ، فتأمل.
وثالثها : أنه جاءهم الأنبياء والحجج ، ولكن قتلوهم ولم يقبلوهم ، وكيف ما كان ، فلا مجال لدعوى نقض البرهان بمثل هذا ، فإن غايته أنه مجمل ولا يرفع اليد عن المعلوم بالمجمل ، بل يحمل المجمل على المبين.
_____________
(1) فاطر : 24.
(2) انوار الهدى : ص 124.
الاكثر قراءة في الانبياء
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة