تفسير سماحة العلّامة الطباطبائي لآية (الم تَرَ إلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَ)
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج3/ ص39-41
2025-08-03
702
إننا نرى أن سماحة العلامة قدّس الله تربته قد أبقى على ظاهر معاني الشمس والظلّ في تفسيرها لهذه الآيات، حيث قال في تفسيره: «و أمّا ما ذكروه من أن هذه الآيات نزلت ببعض الأدلّة عن التوحيد على أثر جهل المعرضين عن ذلك وضلالهم، فإنّ سياق الآيات لا يعين على هذه الدعوى. ونتطرّق هنا لإيضاح ذلك بإيجاز، فنقول:
إذاً فإنّ كلام الله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ ولَوْ شاءَ لَجَعَلَهُ ساكِناً، تنظير لشمول جهالة بني آدم وضلالتهم ورفع الله تعالى ذلك برسالة الرسل ودعوتهم الحقّة كما يشاء هو. ويلزم أن يكون المراد من امتداد الظلّ، ذلك الظلّ الحادث الذي يصبح عارضاً بعد زوال الشمس ثمّ يتزايد شيئاً فشيئاً من جهة المغرب باتّجاه المشرق، بحسب اقتراب الشمس من الافق وميزان ذلك؛ بحيث لو غربت كان بلغ مقدار امتداد الظلّ غايته، فيجنّ الليل.
وهذا الظلّ متحرّك في جميع حالاته ولو شاء الله لجعله ساكناً.
وقول الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا؛ دليل على وجود هذا الظلّ والشمس وحدها بنورها هي التي يمكنها أن تدلّ على وجود ظلّ ما؛ وبانبساط ذلك النور واتّساعه بالتدريج، تدلّ على تمدّد وانبساط الظلّ تدريجيّاً.
ولو لم تكن الشمس موجودة ما تنبّه أحد أصلًا لوجود الظلّ. وذلك أن السبب العامّ والعلّة الكلّيّة لتمييز الإنسان بعض المعاني عن بعضها الآخر، هو تحوّل الأحوال المختلفة واختلاف الحالات المتباينة التي تعرض له من فقدانها ووجدانها.
فالإنسان يتفقّد وجود الشيء الذي كان بحوزته إذا فقده؛ ولو عثر على الشيء الذي كان قد فقده عندها يتنبّه إلى غيابه. ولا يمكن تصوّر أمر ثابت لا يعتريه أيّ تغيّر ولا يشوبه أيّ تبدّل على الإطلاق.
وقوله تعالى: ثُمَّ قَبَضْناهُ إِلَيْنا قَبْضاً يَسِيراً معناه أنّنا نزيل ذلك الظلّ بشروق الشمس وارتفاعها تدريجيّاً في الفضاء حتى ننسخه تماماً ونمحوه.
وقد استخدم تعالى لفظة «قبض» للتعبير عن معنى إزالة الظلّ ونسخه، واجتذابه نحوه، ووصف القبض بال- «يسير»؛ وكلّ ذلك يدلّ على كمال القدرة الإلهيّة، وأن لا شيء يعسر عليه، وأن فقدان الأشياء بعد وجودها[1] لا يعني بطلان تلك الأشياء وانعدامها، بل رجوعها إلى الله تعالى ومآلها إليه.
فما ذكرناه في تفسير «مَدَّ الظِّلَّ» بتمديده بعد زوال الشمس مُستنبَط من سياق الآيات- كما أشرنا إلى ذلك- وإن كان يتألّف من معنى لم يذكره المفسّرون، إلّا أنّه غير مخالف لما قالوه.
كقول بعضهم: المراد هو الظلّ الذي يكون ما بين طلوع الفجر الصادق إلى طلوع الشمس. وكقولهم: المراد هو الظّل الذي يكون ما بين غروب الشمس إلى طلوعها. أو كقول البعض الآخر: هو ذلك الظلّ الذي يظهر ويتكوّن مقابل الجبال الشامخة أو الأبنية أو الأشجار في مقابل ضوء الشمس. وكذلك قول بعضهم- وهو أسخف الأقوال- المراد به هو ذلك اليوم الذي خلق الله فيه السماء وجعله على شكل القُبّة، ثمّ بسط الأرض تحت تلك السماء فسقط ظلّ السماء على الأرض».[2]
[1] حسينى طهرانى، سيد محمد حسين، معرفة الله، 3جلد، دار المحجة البيضاء - بيروت - لبنان، چاپ: 1، 1420 ه.ق.
[2] «جامع الأسرار» ص 177 و178.
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة