استدلال الملكيّ التبريزيّ على وحدة الوجود ب- «برهان الصدّيقين»
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج2/ ص232-234
2025-07-28
543
قد بيّن آية الله الفقيد الفقيه والعالم العارف: الحاجّ الميرزا جواد آقا الملكيّ التبريزيّ قدّس سرّه هذا الأمر ببعض الجمل الموجزة والمفيدة، وقد أورد دليلًا بالغ الإتقان لإثبات وحدة الوجود بحيث أدهش الجميع وأعجبهم، فقد قال: وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِأدنى تَأمُّلٍ؛ لأنَّ حَقِيقَةَ الوُجُودِ يَمْتَنِعُ عَلَيْهَا العَدَمُ؛ وإلَّا لَاتَّصَفَ الشَّيءُ بِنَقِيضِهِ أوْ بِمَا يُسَاوِقُ نَقِيضَهُ. وهُوَ بَدِيهِيّ البُطْلَانِ ضَرُورِيّ الفَسَادِ. وكُلُّ مَا امْتَنَعَ عَدَمُهُ ثَبَتَ قِدَمُهُ بِالضَّرُورَةِ. فَحَقِيقَةُ الوُجُودِ ثَبَتَ قِدَمُهَا.
فَلَا يُمْكِنُ القَوْلُ بِأنَّ لِلأشْيَاءِ وُجُوداً حَقِيقِيَّاً. فَتَأمَّلْ واغْتَنِمْ! فَإنَّ مَا ذَكَرْنَاهُ بُرْهَانُ الصِّدِّيقِينَ في إثْبَاتِ وُجُودِهِ تعالى.[1]
وما أروع وأبلغ ما شرح الشيخ فخر الدين إبراهيم العراقيّ هذه الحقيقة في كتاب «اللمعات»: اللمعة الحادية عشرة:
اعلم أنّه لا يمكن وجود اي اتّحاد أو حلول بين الصورة والمرآة بأيّ شكل من الأشكال.
گويد آن كس درين مقام فضول *** كه تجلّى نداند او ز حلول[2]
فلا يمكن أن يجتمع الحلول والاتحاد في ذاتين، كما أنّ عين الشهود لا يمكن أن ترى في كلّ الوجود غير ذات واحدة مشهودة.
العَيْنُ وَاحِدَةٌ والحُكْمُ مُخْتَلِفُ *** وذَاكَ سِرٌّ لأهْلِ العِلْمِ يَنْكَشِفُ
ويرى صاحب الكشف أنّ الكثرة إنّما تكون في الأحكام لا في الذات؛ لعلمه أن لا أثر لتغيّر الأحكام في الذات، ذلك أنّ الذات تمتلك كمال لا يقبل التغيّر أو التأثّر.
لَا لَوْنَ في النُّورِ لَكِنْ في الزُّجَاجِ بَدَا *** شُعَاعُهُ فَتَرَاءَى فِيهِ ألْوَانُ
فإذا لم تفهم قولي «در چشم من اي وپس نظر كن تا بيني».[3]
آفتابى در هزاران آبگينه تافته *** پس به رنگ هر يكى تابى عيان انداخته
جمله يك نورست ليكن رنگهاى مختلف *** اختلافى در ميان اين وآن انداخته[4]
[1] «رسالة لقاء الله» ص 177؛ وقد أورد السيّد حيدر الآمليّ هذا البيان بعينه في كتاب« رسالة نقد النقود» ص 646 إلى 648، والذي طبع مع كتابه الآخر« جامع الأسرار» في مجلّد واحد.
فهو يقول: الوُجُودُ مِنْ حَيْثُ هُوَ وُجُودٌ لَيْسَ بِقَابِلٍ لَلْعَدَمِ لِذَاتِهِ. وكُلُّ مَا لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلْعَدَمِ لِذَاتِهِ فَهُوَ وَاجِبُ الوُجُودِ لِذَاتِهِ؛ فَيَجِبُ أن يَكُونَ الوُجُودُ واجِباً لِذَاتِهِ.
ثمّ يقول: أمَّا بَيَانُ الصغرى( عَلَى سَبِيلِ البُرْهَانِ) فَلأنَّهُ لَوْ كَانَ الوُجُودُ قَابِلًا لِلْعَدَمِ، لَلَزِمَ اتِّصَافُ الشَّيءِ بِنَقِيضِهِ. واتِّصَافُ الشَّيءِ بِنَقِيضِهِ مُحَالٌ؛ فَمُحَالٌ أنْ يَكُونَ الوُجُودُ قَابِلًا لِلْعَدَمِ. ثمّ يتابع قائلًا: وأمَّا بَيَانُ الكبرى، فَمُسَلَّمٌ عِنْدَ الخَصْمِ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إلى البَيَانِ والبُرْهَانِ كَمَا تَقَرَّرَ بِأنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ بِقَابِلٍ لِلْعَدَمِ لِذَاتِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ.
و أمّا الحاجّ الحكيم السبزواريّ فقد لخّص هذا البرهان في بيت شعريّ واحد:
إذَا الوُجُودُ كَانَ وَاجِباً فَهُو *** ومَعَ الإمْكَانِ قَدِ اسْتَلْزَمَهُ
(« شرح المنظومة» ص 141).
[2] يقول:« يقول الأجنبيّ في هذا المَقام الفضوليّ: إنّه لا يفرّق بين التجلّي والحلول».
[3] يقول:« فأمعن النظر في عيني وتبيّن».« الديوان الكامل للعراقيّ» ص 389، منشورات السنائيّ.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة