رسالة عبد الرزّاق الكاشيّ إلى علاء الدولة السمنانيّ في وحدة الوجود
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج2/ ص201-206
2025-07-27
765
يقول الفاضل مائل الهرويّ، بعد أن أورد شرحاً عن لسان علاء الدولة يُشيد فيه بابن عربي وآخر تظهر فيه الازدواجيّة عند علاء الدولة حول ابن عربي بوضوح: بينما كانت المناظرات والمكاتبات التي جرت بين كمال الدين عبد الرزّاق الكاشيّ وعلاء الدولة حول هذا الموضوع تتّسم بتهجّم علاء الدولة بشدّة على ابن عربي، حتى أنّه نُقل عن الأسفراينيّ قوله أنّ علاء الدولة اعتبر مطالعة مؤلفات ابن عربي مكروهة ومحرّمة.
ولمّا كانت رسالة عبد الرزّاق الكاشيّ وجواب علاء الدولة عليها ترتبطان مباشرة بكتاب «العروة»؛ وهما في الواقع نقدٌ على «العروة» وعلى نقد «العروة»، فإنّنا سنكتفي بهذا القدر من المقدِّمة وذلك بنقل الرسالتين.
وقد ذكر الهرويّ نصّ كلتا الرسالتين، اي رسالة عبد الرزّاق وجواب علاء الدولة عليها. ولمّا كانت جميع مسائل الرسالة تدور حول مواضيع عرفانيّة وحكميّة وما تحويه من روايات، وأنّه يمكن استنتاج الكثير من المواضيع من خلال نمط واسلوب تفكير علاء الدولة من خلال جوابه على الرسالة، لذا فسيكون بعيداً عن الإنصاف أن لا نذكر النصّ الكامل للرسالة والجواب ونحرم أهل التحقيق والتدقيق والباحثين من أرباب التوحيد والعرفان للواحد الأحد عزّ شأنه وتعالت عظمته من الاستفادة من ذلك:
رسالة عبد الرزّاق إلى علاء الدولة
دامت تأييدات وتوفيقات وأنوار التوحيد والتحقيق من لَدُنِ الواحد الأحد، إلى الظاهر الأبهر والباطن الأنور مولانا الأعظم شيخ الإسلام، حافظ أوضاع الشريعة، وقدوة أرباب الطريقة، مقيم سرادقات الجلال، ومقوّم أستار الجمال، علاء الحقّ والدين، وغوث الإسلام والمسلمين؛ وتعالت درجات ترقّيه في مدارج تَخَلَّقُوا بِأخْلَاقِ اللهِ.
بعد تقديم خالص الدعاء، أقول: أنّ هذا الفقير لم يكن ليذكر استاذه دون تعظيم تامّ؛ لكنّي، وحين مطالعتي لكتاب «العروة» فقد عثرتُ على بعض البحوث التي لم تنسجم مع عقيدتي. وبعد ذلك، فقد كان الأمير إقبال يقول في الطريق: أنّ حضرة الشيخ علاء الدولة لا يتّفق مع محيي الدين بن عربي في طريقة معالجته لموضوع التوحيد.
فقال أحدهم: نعم، أنّ جميع من رأيتهم وسمعتهم من المشايخ كانوا على هذا الرأي. وما وجدته في «العروة» لم يكن على هذه الطريقة. فبالغوا في حثّي على الكتابة في هذا الباب! فقال الداعي: ربّما لا يلقى ذلك استحسانه، بل قد يثيره.
وقد قالوا إنّه بمجرّد وصول هذا الكلام إليه فإنّه سيثير غضبه، وقد يصل الأمر به إلى أن يشنّع بذلك ويخطّئه إلى درجة التكفير. وقد يراني بعين درويش غريب، لم يكن لي كلام معه من قبل! فكونوا على يقين أنّ ما كتبتُه إنّما كان نتيجة تحقيق لا نتيجة هوى نفسيّ؛ وفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ![1]
لا يخفى أنّ كلّ ما لا يستند إلى الكتاب والسنّة النبويّة، لا قيمة له لدى هذه الطائفة؛ لأنّ أفرادها يسلكون طريق المتابعة وتؤيّد هذا المعنى آيتان: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَ ولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ، أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ.[2]
والناس على ثلاث مراتب:
الاولى: مرتبة النفس؛ وهذه الطائفة هم أهل الدنيا وأتباع الحواسّ، وأصحاب الحجاب، ومنكرو الحقّ. لأنّهم يجهلون الحقّ وصفاته، ويقولون إنّما القرآن كلام محمّد، وأنّ الله تعالى أمره قائلًا: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ.[3]
ولو أنّ أحدهم آمن لفاز؛ ونجا من الجحيم.
الثانية: مرتبة القلب؛ وأهل هذا المقام قد تجاوزوا هذه المرتبة وأضحت عقولهم صافية، ووصلوا إلى حيث يمكنهم الاستدلال بآيات الحقّ والتدبّر فيها باعتبارها أفعال وتصرّفات إلهيّة في مظاهر الآفاق والأنفس، وتوصّلوا إلى معرفة صفات الحقّ وأسمائه؛ لأنّ الأفعال، هي آثار الصفات، والصفات والأسماء هي مصادر الأفعال.
فهم يرون علم الحقّ وقدرته وحكمته بعين العقل الصافية من كلّ شائبة من شوائب الهوى، ويعثرون على سمع الحقّ وبصره وكلامه في ذات النفس الإنسانيّة وآفاق هذا العالم ويعترفون بالقرآن وحقيقته؛ حتى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ.
وأهل هذه الطائفة هم أصحاب البرهان، ويستحيل إيجاد خطأ في استدلالهم؛ فقد تنوّرت عقولهم بنور القدس وباتّصالها بالواحد الأحد الذي هو محلّ تكاثر الأسماء حتى صارت بصيرة، وتبصّرت بتجلّيات الأسماء والصفات الإلهيّة، وانمحت صفاتها في صفات الحقّ؛ فما تعرفه الطائفة الاولى تلمسه هذه الثانية. (و كلتاهما تتزكّيان بالنفس الناطقة بنور القلب)؛ لكنّ طائفة ذوي العقول تتخلّق بالأخلاق الإلهيّة، وأمّا طائفة ذوي البصيرة فمتحقّقة بها. وعلى هذا، فمحال أن يصدر عنها سوء خلق، وهي تشمل الجميع بتسامحها كلّ حسب مرتبته. ونَرْجُوا أن نَكونَ مِنْهُمْ.
استدلال متين للملّا عبد الرزّاق على وحدة الحقّ تعالى
الثالثة: مرتبة الروح؛ وأصحاب هذا المقام قد تجاوزوا مرتبة تجلّي الصفات، ووصلوا إلى مرتبة المشاهدة؛ وعثروا على شهود جمع الأحديّة، وجازوا الخفيّ كذلك، وتحرّروا من حجب تجلّيات الأسماء والصفات وكثرة التعيّنات، فكان حالهم في ساحة الواحد الأحد مصداقاً للآية: أَ ولَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ.
وترى هذه الطائفة في الخلق أنّه مرآة الحقّ، أو الحقّ بأنّه مرآة الخلق. وما فوق ذلك فهو استهلاك في عين أحديّة الذات. وقال واصفاً المحجوبين على الإطلاق: أَلا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقاءِ رَبِّهِمْ.
ومع أنّ الباقين في مقام تجلّيات الأسماء والصفات قد تخلّصوا من الشكّ باليقين، إلّا أنّهم قاصرون عن إدراك أنّ معنى. كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ، ويَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ والْإِكْرامِ،[4] باقٍ على الدوام، ويعوزهم تذكير الآية أَلا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ. ولم تفز بشهود هذه الحقيقة ومعنى. كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ،[5] إلّا الطائفة الأخيرة. وأنّه تعالى عيان في هُوَ الْأَوَّلُ والْآخِرُ والظَّاهِرُ والْباطِنُ[6] وهذه الطائفة ترى وجه الحقّ مشهوداً في كلّ التعيّنات، وهم الذين ينزّهونه في وجوه الأسماء والتعيّنات وهم الذين تحقّق لديهم، فَأَيْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ[7].
گر ز خورشيد يوم بى نيروست *** از پى ضعف خود نه از پى اوست[8]
والآن، فقد تبيّن ممّا سبق: أنّ الحقّ تعالى منزّه عن جميع التعيّنات، وأنّ تعيّنه يكمن في عين ذاته، وأنّ أحديّته ليست أحديّة عدديّة، حتى يكون له ثانياً؛ كما قال السنائيّ رحمه الله تعالى:
احد است وشمار از او معزول *** صمد است ونياز از او مخذول
آن احد نى كه عقل داند وفهم *** وآن صمد نى كه حسّ شناسد ووهم[9]
ذلك أنّ الحسّ والعقل والفهم والوهم كلّ اولئك متعيّنات، ولا يُحيط المتعيّن بغير المتعيّن.
وَ اللهُ أكْبَرُ أن يُقَيِّدَهُ الحِجَى *** بِتَعَيُّنٍ فَيَكونَ أوَّلَ آخِرِ
هُوَ وَاحِدٌ لَا غَيْرُ ثَانِيَةٍ ولَا *** مَوْجُودَ ثَمَّةَ فَهوَ غَيْرُ مُكَاثَرِ
هُوَ أوَّلٌ هُوَ آخِرٌ هُوَ ظَاهِرٌ *** هُوَ بَاطِنٌ كُلٌّ ولَمْ يَتَكَاثَرِ
وعليه، فمن كانت هذه مرتبته، فإنّ الحقّ تعالى سيجرّده من مراتب التعيّنات، ويحرّره من قيد العقول، فيصل إلى تلك الإحاطة بالكشف والشهود؛ وإلّا بقي في حُجُب الجلال.
[1] ذيل الآية 76، من السورة 12: يوسف.
[2] الآيتان 53 و54، من السورة 41: فصّلت.
[3] الآية 52، من السورة 41: فصّلت.
[4] الآيتان 26 و27، من السورة 55: الرحمن.
[5] قسم من الآية 88، من السورة 28: القصص.
[6] صدر الآية 3، من السورة 57: الحديد.
[7] صدر الآية 115، من السورة 2: البقرة.
[8] يقول:« لو صادف يوماً أن كانت الشمس ضعيفةً قليلة الحرارة، فليس العيب في الشمس، بل من ذلك اليوم( إذ قد تكون سماؤه غائمة)».
[9] يقول: هوَ الأحدُ لا يَشُوبُهُ عَدَدو هوَ الصَّمَد لا يَحتاج إلى أحَد هوَ الأحدُ لا يُدركه العَقل ولا الفَهْم وهو الصَّمد لا يَعرفه الحِسّ ولا الوَهْم ج
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة