معراج الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص181-186
2025-07-12
663
لأنّ الحصول على مراتب الكمالات في العالَمَينِ، والوصول إلى أعلى مقامات اليقين، لا يتمّ إلّا بالسير على خطى خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، فقد قال:
برو اندر پى خواجه به أسري *** تفرّج كن همه آيات كبري[1]
يقول: اذهب واتبع «الخواجة» وهو سيّد المرسلين صلى الله عليه وآله- فهو السيّد الحقيقيّ، والآخرون عبيده والمتبرّكون بذاته الشريفة- يقول: اذهب إلى الإسراء، والإسراء هو السير في الليل.
و هي إشارة للآية الكريمة التي تتحدّث عن المعراج: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}.[2]
و قصّة معراج المصطفى صلى الله عليه وآله مشهورة، وعروجه من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى ثابتة في هذه الآية، ومن هناك عروجه إلى السماوات كما في الحديث لَمَّا عُرِجَ بِي إلى السَّمَاءِ، ومنها إلى باقي الأفلاك وإلى الجنّة والعرش وما فوق العرش.
فالمعنى هو، أن تتخلّص أنت أيضاً من كلّ القيود الصوريّة والمعنويّة حتى تنال شرف وبركة متابعة سيّد الأنام صلى الله عليه وآله في عروجه إلى الأفلاك والعرش وما فوق العرش، وترى بأمّ عينيك الظهور الإلهيّ والتجلّيات الجماليّة والجلاليّة والفَناء في الله والبقاء فيه، وتحقّق علم اليقين وعين اليقين، لا بل حقّ اليقين.
و من الأبيات السابقة واللاحقة التي ذكرها الشيخ، يتوضّح بأنّ مراتب ولاية الأنبياء عليهم السلام لا ينالها إلّا الأولياء، وذلك بحسن متابعة الأولياء للأنبياء.
اعلم، أن للمعراج أسباباً: بعضها من جانب الحقّ تعالى، وهي عنايته وجذبته؛ وأخرى من جانب الخلق، وهي التوجّه التامّ نحو الحقّ تعالى. وبما أن الإنسان مدنيّ الطبع، ومركّب القوى، له اختلاط بالبشر نهاراً، وليس له أن ينقطع الانقطاع الذي يهيّئ له العروج المطلوب، إلّا أن يعتزل الناس اعتزالًا كلّيّاً.
و في الحديث الشريف: «إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً- وفي روايةٍ أخرى: مِائَةَ مَرَّةٍ»[3] مصداق لقولنا بأنّ الخلاص التامّ لابن آدم من الحجب البشريّة متعذّر. ولأنّ هذه الحجب والموانع الصوريّة، مرفوعة في الليل، فتظهر هذه الحالات والمشاهدات أكثر ما تظهر للكاملين في الليل، كما جاء في الآية الكريمة: {سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلًا}. وفي قصّة إبراهيم عليه السلام {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ} إشارة لهذا المعنى.
شعر:
مىرهند ارواح هر شب زين قفس *** فارغان، نى حاكم ومحكوم كس
رفته در صحراى بى چون جانشان *** روحشان آسوده وابدانشان
فارغان از حرص واز آز وهوس *** مرغوار از دام جسته در قفس[4]
إن المتعلّقات الجسمانيّة، والكدورات الطبيعيّة، تمنع عروج السالك ووصوله. شعر:
برون اي از سراى امّ هاني *** بگو مطلق حديث مَنْ رَآنِي[5]
امّ هانئ هي بنت أبي طالب، وابنة عمّ الحبيب المصطفي عليه الصلاة والسلام، واسمها فأخته وامّ هانئ كنيتها، وهانئ بالهمزة بعد النون، وقد عُرج به صلوات الله عليه وآله ليلة المعراج من بيتها الملاصق للمسجد الحرام، والمشهور أن المعراج كان من بيت عائشة، ولكن المفسّرين يروون معراجين لسيّد المرسلين عليه السلام، الأوّل جسمانيّ، والآخر روحانيّ، فلعلّ المعراج الجسمانيّ كان من بيت عائشة، والروحانيّ، من فِناء بيت امّ هانئ.
إن عروج أولياء الله، مرتبط بالروحانيّة والبدن المثاليّ، فهو متناسب مع المعراج الروحانيّ من فِناء بيت امّ هانئ، وهذا المسرى بالنسبة للسالكين والأولياء هو بيت الطبيعة. فاخرجْ من مسرى الطبع والهوى، وتحرّر من قيود الشهوة والميول، وحلّق فوق المتعلّقات الجسمانيّة والروحانيّة، وذب في مشاهدة الجمال المطلق، واستورث الكمال المعنويّ للنبيّ وتحقّق ببقاء الحقّ المطلق، وأمّا قوله: من راني فقد رأى الحق فمعناه أن من رآنا فقد رأى الله، وهذه إشارة إلى معنى «البقاء في الله» والتي كانت قد ذكرت في المقدّمة التي تمّ فيها بيان التجلّيات والسير والتحليق. شعر:
آنان كه گوى عشق ز ميدان ربودهاند *** بنگر كه وقت كار چه جولان نمودهاند
هر لحظه ديدهاند عيان حسن روى دوست *** آئينه دل از قِبَل آن زدودهاند
آن دم كه گفتهاند أنا الحقّ ز بيخودي *** زيشان مدان كه آن نَفَس ايشان نبودهاند[6]
و لأنّ السالك لطريق الحقّ، لا يمكنه الوصول والعبور إلى عالم الإطلاق، ولا يتيسّر له ذلك، ما دام مقيّداً بالتعيّن الجسمانيّ والروحانيّ، فهو يقول:
گذارى كن ز كاف كُنج كونين *** نشين بر قاف قرب قابَ قَوسَين[7]
أي اجتز عالم الصورة والمعنى، والغيب والشهادة، والمراد بهما الكونين، طبقاً لـ {فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ}،[8] ولا تتوقّف عند أيّة مرتبة من مراتب العالمين، واستقرّ في مقام قاب قوسين، وهو مقام الوحدانيّة والالوهيّة، ومحيط قاب قوسين، هو محيط الوجوب والإمكان، وهو المقام المحمّديّ، وانظر إلى الموجودات في العالَمَينِ مظهرَي الذات والصفات الإلهيّة، كأنّها محكومة بحكمك وتحت أمرك، وارقب توجّه الجميع نحوك. شعر:
آدمى چون نور گيرد از خدا *** هست مسجود ملايك ز اجتبا
نيست مسجود كسى كو چون مَلَك *** رسته باشد جانش از طغيان وشكّ[9]
[1] يقول: «قم واتبع الخواجة (السيّد) في إسرائه وانظر هناك إلى جميع الآيات الكبرى».
[2] الآية 1، من السورة 17: الإسراء.
[3] «منازل السائرين» ص 105، منشورات بيدار: ولِهَذَا قَالَ[ رَسُولُ اللهِ] صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وسَلَّمَ: إنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي؛ وإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً. وجاء في التعليق على ذلك ما يلي:
«روي حسين بن سعيد في كتاب «الزهد» باب التوبة، ص 73 عن الإمام أبي عبد الله جعفر الصادق أنّه قال: ... وكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عَلَيْهِ وآلِهِ يَتُوبُ إلى اللهِ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً مِنْ غَيْرِ ذَنْبٍ. وأخرج الترمذيّ حديثاً عن الرسول الكريم صلى الله عليه وآله في كتاب «التفسير» ج 5، ص 283 الباب 48، أنّه قال: إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً. كما أخرج ابن ماجة في كتاب «الأدب» باب الإستغفار، ج 2، ص 1254، أنّه قال: إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إليه في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً.
و أخرج البخاريّ كذلك في كتاب «الدعوات» ج 8، ص 83، أنّه قال: وإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ[ إلَيْهِ خ] في اليَوْمِ أكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً. وروي ذلك أحمد أيضاً في «المسند» ج 2، ص 282، وأخرجه مسلم في كتاب «الذِّكر» باب الاستغفار، ج 4، ص 2075 بلفظ: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في اليَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ.
و يقول صاحب «مرصاد العباد» ص 257: كما أن الخواجة (و يقصد النبيّ عليه الصلاة) كان لا يزال يستغفر ويتوب وهو في مقام الكمال والعزّ لِيَغْفِرَ لَكَ اللهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ ومَا تَأخَّرَ، قائلًا: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي؛ وإنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ في كُلِّ يَوْمٍ سَبْعِينَ مَرَّةً. وذكر ذلك أيضاً في ص 326 و624 يقول في تعليق له: هذا الحديث موجود في كتاب «كشف المحجوب» للهجويريّ، و«صحيح مسلم» و«صحيح البخاريّ». و ذكر السمعانيّ الحديث أعلاه في «روح الأرواح» ص 412 بلفظ عبارة: إنَّهُ لَيُغَانُ على قَلْبِي، وقال نجيب مائل الهرويّ، ص 679، معلّقاً على ذلك بقوله: «حديث نبويّ. واستشهد ابن الأثير بهذا الحديث في «النهاية» 3/ 403 ذيل مادّة (غين)، حيث قال: الغين: الغيم. أراد ما يَغشاهُ مِن السهو الذي لا يخْلو منه البشر. لأنّ قلبَه أبداً كان مشغولًا بالله تعالى، فإنْ عَرض له وقتاً ما عارضٌ بشريّ يَشغلُه من امور الامّة والملّة ومَصالِحها، عَدَّ ذلك ذنباً وتقصيراً فيَفزَع إلى الاستغفار. وورد ذلك أيضاً في «مختار الصحاح» ذيل مادّة (غين)؛ وفي «الاصول العشرة» ص 88؛ و«اللوائح» المنسوب إلى عين القضاة، ص 126. ونظّم الشاعر مولانا المولويّ في «أحاديث مثنوي» برقم 425 البيت التالى:
همچو پيغمبر ز گفتن وز نثار *** توبه آرم روز من هفتاد بار
يقول: «سأتوب وأستغفر (ربّي) سبعين مرّة في اليوم وأسلك مسلك النبيّ صلى الله عليه وآله قولًا ونثراً». وقال: يشير هذا البيت إلى الحديث: واللهِ إنِّي لأسْتَغْفِرُ اللهَ وأتُوبُ إليه في اليَوْمِ سَبْعِينَ مَرَّةً، وهو مذكور في «البخاريّ» و«مسند أحمد» و«الجامع الصغير» مع اختلاف طفيف».
[4] يقول: «تسرح الأرواح حُرّة كلّ ليلة وتنطلق من هذا القفص، فلا حاكِم فيها ولا محكوم.
تذهب الأنفس وتسيح في الصحراء دون اعتراض، فأرواحها هادئة ومرتاحة وكذا أبدانها.
فهى خالية من (غريزة) الجشع والطمع والأهواء، ومثلها في ذلك كمثل الطيور الهاربة من القفص والشرَك».
[5] يقول: «تعال اخرجْ من قصر امّ هانئ، واسرد حديث منْ رآني».
[6] يقول: «انظرْ إلى اولئك الذين حازوا على العشق وفازوا به، كيف كان فعلهم وعملهم ساعة الجدّ.
فهم في كلّ لحظة يرون جمال وجه الحبيب عياناً، وسلبوا مرآة القلب والفؤاد منه من قَبْلُ.
إن قولهم حينها: أنا الحقّ، لم يكن عبثاً أو اعتباطاً، فهم في تلك الحالة لم يعوا ما يقولون».
[7] يقول: «فارق العالَمَينِ (عالمي الصورة والمعنى)، واستوِ فوق الافق أو قاب قوسينِ».
[8] الآيتان 11 و12، من السورة 20: طه: {فَلَمَّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى ، إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً}.
[9] يقول:
«إن تكن تقتبس النور من ربّ العُلي *** فأنت مسجود الملائك وأنت المجتبي
لا مَلِكَ ولا سلطانَ يُناظره أو يُدانيه *** تعالَتْ ذاته وتنزّهت عن الشكّ وما طغى»
الاكثر قراءة في مقالات قرآنية
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة