إذا زال جبل وجودك فليس بينك وبين الحقّ من فاصلة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص176-180
2025-07-10
539
ذلك لأنّ حجابك من الحقّ هو وجودك هذا، وإلّا فبحكم {وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ}،[1] فإنّ الحقّ أقرب إليك منك، فقد قال الشاعر:
حقيقت كهربا، ذات تو كاه است *** اگر كوه توئى نبود چه راه است؟[2]
أي أن الحقيقة، وهي عين المراد، مثل المغناطيس، وذاتك ووجودك هو المجذوب، والجذب يكون من قبل الحقّ تعالى، أمّا انجذابك إليه فهو أمر في غاية البساطة، ولكن تعيّنك هو المانع والسدّ في طريق وصولك إلى المطلق، وإذا لم يكن للـ (الأنا) وجود، فلا حواجز في الطريق إلى الله.
شعر:
قرب، نى بالا وپستى رفتن است *** قرب حقّ از هستى خود رستن است
خويش را بگذار وبى خود شو درآ *** اندرون بزم وصل جانفزا
نيستى از خويش عين وصل اوست *** بگذر از هستى، دلت گر وصل جوست[3]
ولأنّ اندراس واندثار وجود السالك عياناً وشهوداً، لا يتيسّر إلّا بالتجلّي الإلهيّ، فهو يقول:
تجلّى گر رسد بر كوه هستي *** شود چون خاك ره، هستى ز پستى[4]
أي إذا أشرقتْ شمس التجلّي بنورها على جبل وجود السالك، أضحت ظلمة وجوده بحقارة التراب وصارت المحو المطلق، لأنّه بتجلّي ذات الحقّ فَناء المظاهر والكثرات.
(شعر):
هر كه شد جوياى ديدار خدا *** چون خدا آمد شود جوينده لا
گر چه آن وصلت بقا اندر بقاست *** ليك اوّل آن بقا اندر فناست
سايهاى كُه بود جوياى نور *** نيست گردد چون كند نورش ظهور
هالك آمد پيش وجهش هست ونيست *** هستى اندر نيستى خود طرفه ايست[5]
و يشير معنى هذا البيت إلى تتمّة تلك الآية الكريمة التي تقول: {قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي ولكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وخَرَّ مُوسى صَعِقاً}.
و هذا هو التجلّي الذاتيّ الذي ذكرناه آنفاً في المقدّمة.
و حقيقة الكلام: أن امنية موسى عليه السلام كانت تكمن في مشاهدة الذات الأحديّة، وذلك في عالم المعنى، وأمّا الجبل الذي بدا لموسى عليه السلام وتجلّي الحقّ تعالى له، فقد كان في الحقيقة وجود موسى عليه السلام الذي تمثّل في هيئة ذلك الجبل، وأمّا رؤية موسى عليه السلام للجبل فكان من نتيجة ذلك، أن خرّ صعقاً بعد أن دكّ الجبل، لأنّ التجلّي الذاتيّ، يقتضي فَناء وانعدام المظاهر.
و على هذا، يجب القول إنّه لم يتيسّر لموسى عليه السلام والذين معه رؤية ذات الحقّ، فيكون حكم لَن تَرَانِي مطلقاً، وتتيسّر مشاهدة الحقّ عند تنزّل الذات إلى مراتب الأسماء والصفات، حيث تجلّى لموسى على هيئة شجرة في الوادي الأيمن، وتكلّم معه من وراء ستار الأسماء والصفات: {وَ لَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وكَلَّمَهُ رَبُّهُ}.[6]
تبيّن لنا من هذا الكلام، بأنّ الذين قالوا لا يمكن رؤية الله كانوا مصيبين من جهة، وذلك باعتبار الذات.
و أمّا الذين قالوا بإمكان رؤيته تعالى فهم مصيبون كذلك، وذلك باعتبار الأسماء والصفات.
من چو او را ديده وناديدهام، در ميان اين وآن شوريدهام {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ}.[7]
{فَمَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صالِحاً ولا يُشْرِكْ بِعِبادَةِ رَبِّهِ أَحَداً}.[8]
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ ، إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ}.[9]
[1] صدر الآية 85، من السورة 56: الواقعة.
[2] يقول: «أن الكهرباء هي الحقيقة وما ذاتُكَ إلّا تِبناً، ولو لم يكن جبل الـ (أنتَ) موجوداً، لما كان أمامك من طريق».
[3] يقول: «أن قرب الحقّ هو في تحرّرك من وجودك والقرب ليس في نزولك وصعودك.
و لن ترى الله بجسمك ما حييت، فاهجرْ أذن الجسم وهاجر فذاكم هو وجودك.
إن انسلاخك من الذات هو عين وصالك به، فاجتز الوجود إن كان قلبك يخفق للوصال».
[4] يقول: «لو تجلّى الله لجبل الوجود لصار من ضحالته هباءً منثوراً».
[5] يقول: «مَن أراد البحث عن الله سبحانه، سيكون لا شيء بمجرّد مجيء الله تعالى وظهوره.
فمع أن وصالك ذاك هو البقاء بعينه، إلّا أن ذلك البقاء كان فَناءً أوّل الأمر.
إن الظِّلال تبحث عن النور، وعند ظهور النور، فإنّها ستتلاشى.
لقد هلك أمام وجهه الوجود والعدم، وإنّه لمن الطريف أن يوجد الوجود داخل العدم».
[6] صدر الآية 143، من السورة 7: الأعراف.
[7] يقول: «لقد تُهتُ بين هذا الأمر وذاك لأنّني أراهُ ولا أراه في الوقت نفسه».
[8] ذيل الآية 110، من السورة 18: الكهف.
[9] الآيتان 22 و23، من السورة 75: القيامة.
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة