على السالك أن يعبر التجلّيات الحسّيّة والخياليّة والعقليّة
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص210-212
2025-07-10
565
للسالك عند مشاهدته هذه الصور المثاليّة حالتان: الاولى، هي أنّه أثناء المشاهدة، يدرك أنّها الشمس والقمر والنجم، وهي تحتاج إلى تفسير، اي أن رسمها السابق يتمثّل في خياله، فيدرك المعنى الذي يتمثّل في هذه الصورة.
والحالة الثانية، هي أنّه حين المشاهدة يدرك بأنّ هذا النجم أو الشمس أو القمر هو الحقّ تعالى، وهو في هذه الحالة يكون واقعاً تحت تأثير التجلّيات الآثاريّة.
ولمّا كانت الآيات الكريمة تشير إلى المعنى الأوّل فقد عبّر عنه بالبيت التالى:
بگردان زان همه اي راهرو *** روي هميشه لا احبُّ الآفلين گوى[1]
ومعنى ذلك أنّه يجب غضّ النظر عن كلّ ما نراه من مراتب الحجاب النورانيّ وذلك في السير إلى الله، كما غضضنا النظر عن الحجب المظلمة. ولمتابعة سيّدنا إبراهيم عليه السلام، يجب أن لا نلتفت إلى صور الحواسّ والعقل، وأن نتوجّه إلى الواحد المطلق، ولا يجب علينا التقيّد بأيّة مرتبة من مراتب التعيّنات، لأنّ كلّ ما هو قيد التعيّن هو وجه من وجوه الكفر الذي يواجهه السالك في طريقه، ويجب الإعراض عن كلّ شيء، وذلك طبقا للآية {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ}، لأنّ صورة الظواهر للأسماء الإلهيّة تؤول للأفول والانقراض، وإذا لم تخرج عن نطاق المحسوس والمعقول كما في حالة إبراهيم عليه السلام، فلا يمكن الحصول على مشاهدة نور الأنوار، والتي انمحت فيها كلّ الأنوار المحسوسة والمعقولة وذابت، ولن تخرج عن شرك الأغيار وتتخلّص منه ما لم تصل إلى مرتبة الإطلاق والوحدة الحقيقيّة. ولن تحصل المعرفة التامّة والمطلوبة وستبقى محجوبة عن الحقّ. شعر:
بتپرستى چون بمانى در صور *** بگذر از صورت برو معنى نگر
هر كه او در ره به چيزى ماند باز *** شد بتش آن چيز، گو با بت بساز[2]
ولأنّ مشاهدة الذات المطلقة في مراتب تجلّيات الأسماء والصفات، هي أسهل، فقد قال: ويا چون موسى عمران در اين راه *** برو تا بشنوى إنّي أنا الله[3]
ومعنى ذلك أن عليك السير والسلوك في طريق الله كما فعل إبراهيم الخليل عليه السلام، وعليك اجتياز المظاهر والتوجّه إلى عالم الإطلاق، أو كما قالت الحكمة: الطُّرُقُ إلى اللهِ بِعَدَدِ أنْفَاسِ الخَلائِقِ،[4] وسِرْ كما سار موسى بن عمران عليه السلام في طريق الحقّ حتى ترى وتُشاهد تجلّي الحقّ في الصور الحيّة إذ {نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ}.[5]
وبناءً على المقدّمة التي ذكرت لبيان التجلّي، تبيّن أن هذا التجلّي الذي تأثّر به موسى عليه السلام هو من نوع التجلّيات الآثاريّة. شعر:
بشنود إنّي أنا الله چون كليم از هر درخت *** هر كه او بر طور دل از بهر ميقات آمدست
آيت حسن تو خواند جان ما از هر ورق *** حال عارف برتر از كشف وكرامات آمدست[6]
[1] يقول: «اجتنب أيّها السالك عن كلّ شيء، فليكن «لا احبّ الآفلين» لك قولًا تردّده».
[2] يقول: «إن تُؤمِن بالصور دون المعاني فأنتَ وثنيّ؛ اترك الصور والتماثيل والتَزِم المعنى. ومَن باتَ يتأمّل شيئاً في طريقه ولم يبرحه فإنّ ذلك الشيء بالتأكيد سيئول إلى صنم له ومعبود يُقدّسه؛ فقُل لشخص كهذا: ابقَ أذن مع صنمك واعتنق مذهبه».
[3] يقول: «فكن كموسى واسلك طريقه، وامضِ قُدُماً حتى تسمع إنّي أنا الله».
[4] وعلى أيّة حال فإنّ هذا ليس بحديث، بل حكمة لبعض الحكماء.
[5] مقطع من الآية 30، من السورة 28: القصص.
[6] يقول: «سيسمع كلّ مَن اعتلى طور الفؤاد من أجل الميقات نداء: إنّي أنا الله، كما سمعها موسى كليم الله. إن أرواحنا تقرأ آية حُسنك وجمالك في كلّ ورق، وأن حالَ العارف وحالته هي أكرم من جميع الكرامات».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة