طريق معرفة الله هو أساس كل العقائد الدينية
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص195-200
2025-07-09
575
لأنّ التقليد في طريق معرفة الله، الذي هو أساس جميع العقائد الدينيّة، غير مستحسن، فهو يقول:
چه كردى فهم از اين دين العجايز *** كه بر خود جهل مىدارى تو جايز؟[1]
و يشير إلى الحديث الشريف: عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجَائِزِ،[2] اي ما ذا استنبطت من هذا الحديث حتى تبيح لنفسك الجهل، ولا تسعى وتجتهد وتكدح في طريق المعرفة الإلهيّة؟ إلّا اللهمّ، إذا اعتقدت بأنّ التفكّر في معرفة الله ممنوعة، وأن هدف النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله من هذا الحديث هو كما أن لا قدرة للعجائز على التفكّر والاستدلال، فكونوا أنتم أيضاً كذلك. اي أن لا تسعوا في طلب المعرفة اليقينيّة، واكتفوا بمجرّد التقليد، وبهذا الاستنباط العقيم، قد سرى الخذلان والجهل إلى نفسك، ولم تسع في طريق الطلب؟ واعلم، أن حقيقة مضمون هذا الحديث الشريف، هو أنّه يجب علينا وفي جميع الأحكام الشرعيّة، بدءاً من الأوامر، حتى النواهي التي تشكّل هيكل الدين، أن نتقيّد بتنفيذها، كما تفعل العجائز، وأن لا نشرك العقل أو هوى النفس فيها. وأن لا نفسّر الامور على خلاف ظاهرها، إلّا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، لأنّ تأويل الأحكام الشرعيّة ليس مرجعها العقل وحده، وليس معنى ذلك ترك التفكّر في معرفة الله، والكفّ عن الطلب، والقبوع في بيت التقليد المحض مثلما تفعل العجائز.
شعر:
آن دلى كو هست خالى از طلب *** دائماً بادا پر از رنج وتعب
آن سرى كو را هواى دوست نيست *** زو مجو مغزى كه او جز پوست نيست
جان كه جويايت نباشد كو به كو *** مرده بى جان بود جانش مگو
جان ندارد هر كه جوياى تو نيست *** دل ندارد هر كه شيداى تو نيست[3]
فالمراد من الحديث، هو ليس الاقتصار على التقليد، ويقول هنا:
زنان چون ناقصات عقل ودينند *** چرا مردان ره ايشان گزينند؟[4]
ففي الحديث الشريف للرسول الأكرم صلى الله عليه وآله: هُنَّ نَاقِصَاتُ العَقْلِ والدِّينِ.
كما أن المقصود بـ عَلَيْكُمْ بِدِينِ العَجَائِزِ، ليس أن تكونوا في الدين تابعي العجائز، بسبب أنّهن ناقصات دين، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وآله عنهنّ، فلهذا يكون المراد منه، الانقياد للأوامر، وترك النواهي، وعدم التأويل على حسب الأهواء النفسانيّة، تماماً كما تفعل العجائز.
و كلّ ما لا يدركه عقلك، دع حقيقة تأويله، واعترف بقصورك، فإنّ كمال النبوّة أعلى من أن يبلغ أيّ فرد حقائق أحكامها الشامخة. شعر:
چشم تو ادراك غيب آموخته *** چشمهاى ديگران بر دوخته
آن يكى ماهى همى بيند عيان *** وآن يكى تاريك مىبيند جهان
سالها گر ظنّ دوَد با پاى خويش *** نگذرد ز اشكاف بينىهاى خويش[5]
[1] يقول: «ما الذي استوعبتَ من دين العجائز *** فقبلتَ الجهل حكماً ما بجائز؟»
[2] قال صاحب ديوان «أحاديث مثنوي» ص 225 و226 برقم 742، الطبعة الثانية: هم در اوّل عجز خود را او بديد *** مرده شد دين عجائز برگزيد
يقول: «لقد رأي عَجزه في البداية فمات وسار على دين العجائز». وهو إشارة إلى الحديث المذكور: عليكم بدين العجائز. («إحياء العلوم» ج 3، ص 57؛ واعتبره مؤلّف «اللؤلؤ المرصوع» ص 51 موضوعاً مستقلّا. راجع «اتحاف السادة المتّقين» ج 7، ص 376، ففيه بحث مفيد حول هذا الحديث وشواهد على صحّته). و ذكر آية الله الحاجّ الشيخ محمّد حسين آل كاشف الغطاء رحمه الله في كتاب «الفردوس الأعلى» ص 224، الطبعة الثالثة، ما يلي: ولعلّ هذا المراد من الكلمة المأثورة: «عليكم بدين العجائز». وقال آية الله السيّد محمّد على القاضي الشهيد رحمه الله معلّقاً على ذلك بقوله: «مُراد شيخنا الإمام دام ظلّه من كون تلك الكلمة مأثورة، هو كونها مأثورة عن بعض السلف، لا أنّها مأثورة بهذه العبارة عن أحد المعصومين عليهم السلام؛ لأنّها ليست من المأثورات عن النبيّ أو أهل بيته عليهم الصلاة والسلام، ولم يروها أحد من المحدّثين بطرق أصحابنا الإماميّة أو بطرق أهل السنّة في الجوامع الحديثيّة عنهم صلوات الله عليهم كما حقّقنا ذلك تفصيلًا في بعض مجاميعنا.
و قال الحافظ أبو الفضل محمّد بن طاهر بن أحمد المقدسيّ في كتابه: «تذكرة الموضوعات» ص 40، ط 2، مصر، سنة 1354 هـ: عليكم بدين العجائز. ليس له أصل من رواية صحيحة ولا سقيمة إلّا لمحمّد بن عبد الرحمن البيلمانيّ بغير هذه العبارة له نسخة، كان يُتَّهم».
و ذهب جماعة من العلماء كالشيخ البهائيّ وتلميذه الفاضل الجواد والفاضل المازندرانيّ إلى أن تلك الكلمة من كلام سفيان الثوريّ من متصوّفة العامّة.
و قال القوشجيّ في «شرح التجريد»: أن عمرو بن عبيدة لمّا أثبت منزلة بين الكفر والإيمان، فقالت عجوزة: قال الله تعالى: {هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ ومِنكُم مُؤْمِنٌ}، فلم يجعل الله من عباده إلّا الكافر والمؤمن؛ فقال سفيان: عليكم بدين العجائز!. وقال المحقّق القمّيّ قدّس سرّه صاحب «القوانين»: المذكور في الألسنة والمستفاد من كلام المحقّق البهائيّ قدّس سرّه في حاشية «الزبدة» أن هذا هو حكاية دولابها وكفّ اليد عن تحريكها لإظهار اعتقادها بوجود الصانع المحرِّك للأفلاك، المدبِّر للعالم.
و حكى سيّد الحكماء السيد الداماد قدّس سرّه في «الرواشح السماويّة» ص 202، ط طهران، عن بعض العلماء أن عليكم بدين العجائز من الموضوعات. وعن كتاب «البدر المنير»: أنّه لا أصل له بهذا اللفظ. ولكن روى الديلميّ مرفوعاً: إذا كان في آخر الزمان واختلفت الأهواء، فَعَلَيْكُمْ بِدِينِ أهْلِ البَادِيَةِ والنِّسَاءِ! قِفُوا على ظَوَاهِرِ الشَّرِيعَةِ وإيَّاكُمْ والتَّعَمُّقَ إلى المَعانِي الدَّقِيقَةِ! اي فَإنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ مَنْ يَفْهَمَهَا- انتهى.
[3] يقول: «أن القلب الفارغ من الطلب والبحث مليء دائماً بالمتاعب واللغوب. ولا تبحث عن المخّ في الرأس الذي لا يشغله هوى الصديق والرفيق، فليس ذلك الرأس سوى قشراً وحسب.
إن النفس التي لا تقطع الجبال والوديان بحثاً عنك، ليست نفساً بل مجرّد جسد بلا روح.
إن مَن لا يبحث عنك ولا يطلبك لا يملك روحاً على الإطلاق، ولا قلب لِمَن لا يُتَيَّمُ بك».
[4] يقول: «أن النساء ناقصات العقل والدين، فَلِمَ يختار الرجال طريقهنّ ونهجهنّ؟».
[5] يقول: «اغشيت عين الرجال وأنت وحدك من بينهم باصرٌ وحَصيف.
فعينٌ ترى البدر كلّ حين، وأخرى لا ترى العالَم إلّا ظلاماً وعُتمة.
و لو سعى الظنُّ سنين راكضاً على قدمَيه، لم يُبصر أبعد من أنفه».
الاكثر قراءة في التوحيد
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة