مَن لا يبحث عن نفسه هو أكثر الخلائق خسراناً
المؤلف:
السيّد محمّد الحسين الحسينيّ الطهرانيّ
المصدر:
معرفة الله
الجزء والصفحة:
ج1/ ص179-193
2025-07-08
684
لأنّ الهدف من إيجاد العالم، هو المعرفة، ولا يقدر على تحصيل المعرفة الحقيقيّة إلّا الإنسان الكامل، فإنّ العالم مخلوق للإنسان. ولهذا قال الشاعر:
جهان آنِ تو وتو مانده عاجز *** ز تو محرومتر كس ديد هرگز؟[1]
فالعالم هو لك، ومن أجلك وجد، والوجود كلّه أداة طيّعة في يدك، وأنت بدورك خلقت من أجل المعرفة، ففي الحديث القدسيّ يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ كُلَّهَا لأجْلِكَ وخَلَقْتُكَ لأجْلِي[2]. أمّا أنت فغارق في ملذّات الطبيعة، مشغول عن تحصيل المعرفة التي من أجلها خُلقت، مُتّبع هوى النفس الأمّارة بالسوء، أ فلا تستطيع أن تترك اللذّات الفانية أيّاماً قلائل وتغنم الكمالات الأزليّة من فيض المعرفة الإلهيّة، وتنجو بنفسك من الحرمان الأبديّ؟
فبسبب دناءة الهمّة، وعدم الانقياد، جعلت من نفسك الأكثر شقاءً، والأتعس حظّاً من بين كلّ الموجودات. أن بقيّة المخلوقات، لا يسمون لأعلى ممّا خلقوا لأجله، فهم لا يرون كمالًا غير الذي هم فيه، وبسبب عدم الأهليّة، فليس عليهم بلوغ الكمال كما هو مطلوب من الإنسان، أمّا أنت، فتعرف كلّ هذا، ولأجل هذا كانت خلقتك، فلا تكن عبداً للذات البهيميّة، والشهوات النفسانيّة، وتتخلّف عن مقصود العالمين.
شعر:
اين چه نادانى است يك دم با خود اي *** سود مىخواهى از اين سودا برآى[3]
گنج عالم دارى وكَدّ مىكنى *** خود كه كرد آنچه تو با خود مىكنى؟
پادشاهى، از چه مىگردى گدا؟ *** گنجها دارى، چرائى بينوا؟[4]
و لأنّه لا راحة من اللذّات الشهوانيّة، والأطماع النفسانيّة، يقول:
چو محبوسان به يك منزل نشسته *** بدست عجز، پاى خويش بسته[5]
فهو كالسجين المكبّل الرِّجلَينِ، جالس، لا يقوى على الخروج، وقد حُصِر في منزل التقليد والطبيعة والأهواء النفسانيّة لا يتجاوزه، وقد قيّد بِيَدِ العجز قَدَمي السير والسلوك عنده، ولا مهرب له للخلاص من هذه القيود، من شدّة الكآبة، وبسبب برودة التقليد وهوى النفس التي تركت أثرها فيه، وأصبح كالميّت، لا يمتلك حرارة الشوق ولا ذوق العشق. شعر:
زنده شو اين مردگى از خود ببر *** گرم شو افسردگى از خود ببر
آتشى از عشق او در دل فروز *** خرمن تقليد را يكسر بسوز[6]
[1] يقول: «لك الدنيا و أنت فيها عاجز فهل رأى الدهر مثلك خسرانا؟»
[2] «الجواهر السنيّة في الأحاديث القدسية» للشيخ الحرّ العامليّ، ص 361، طبعة النجف الأشرف: قال[ أي الحافظ رجب البرسيّ]:
و جاء في الأحاديث القدسيّات: أن اللهَ يَقُولُ: عَبْدِي! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ لأجْلِكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلِي؛ وَهَبْتُكَ الدُّنْيَا بِالإحْسَانِ وَ الآخِرَةَ بِالإيمَانِ. و جاء في تفسير «حدائق الحقائق» تأليف معين الدين الفَراهيّ الهَرويّ المشهور بالمَولى مسكين، ص 378 و 379، الطبعة الثالثة، ما يلي: «لطيفة جليلة: لمّا غَلَّقت زُليخا الأبواب، لاحظ يوسف أنّها قد زيّنت نفسها و تبرّجت على أفضل ما يكون. فسلم عليها ثمّ دار بوجهه نحو الحائط فرأى صورته و صورة زُليخا مُنعكسة على ذلك الحائط. فرفع رأسه و دار ببصره نحو السقف. فرأى صورتيهما منقوشة على السقف كذلك. فنكّس رأسه إلى الأرض فلاحت له الصورة نفسها على الأرض! فتحيّر في الأمر. فكذلك، أيّها الدرويش! فإنّ مجموع أطباق السماوات و الأرضين من سقف فلك الأطلس إلى سطح الأرض المسدّسة الشكل مبنيّة على محبّة جلاله الأقدس جلّ و علا. و كان غرض زليخا من تصميم البناء على تلك الشاكلة و تصوير القصر على تلك الهيئة، أن لا يرى يوسف عند دخوله عليها إلّا صورتها مُنعكسة في أطراف القصر و جوانبه، و لا يشاهد إلّا جمالها هي وحدها فتدخل سلسلة العشق و المحبّة في دائرة و حلقة مسدودة. و كذا الهدف من خَلق كلّ تلك الأجرام العُلويّة و الأجسام السفليّة، و هو توجّه هذه الحفنة من التراب إلى جناب الأقدس تعالى؛ يَا بْنَ آدَمَ! خَلَقْتُ الأشْيَاءَ كُلَّهَا لَكَ وَ خَلَقْتُكَ لأجْلي. و مهما أخفوا وجوده بالحُلل و الخِلَع فإنّهم جميعاً شربوا من كأس شهوده و أصبحوا مرآة جمال مظهر ذاته و صفاته، حتى لا يجد العارف غير حُسن محبوبه و جماله، أنّي نظر و إلى أيّ جانب أبصر؛ كما يقول الفقير إليك: گر گشائى ديدة دل، حسن او بينى همه *** ور ببندى ديدة بدبين، نكو بينى همه (تابع الهامش في الصفحة التالية...)
[3] يقول: «ما هذا الجهل اصحَ و تدبّر *** أ تُريد منفعة؟ خذ من ذا و أدبِرْ»
[4] يقول: «تملك الدنيا و تُجهد نفسك *** من ذا قد فعل الذي عليه تصرْ. أنت سلطان، لما ذا تكتدى؟ *** تملك الكنز، علامَ تسهرْ؟»
[5] يقول: «كما المسجون الذي جلس في منزل من المنازل و قد قيّد بالعجز قدميه».
[6] يقول: «إحيَ و أزِلْ عنكَ هذا الياس و التهالُك، و انشَط و تفاعل، و اهجُر الكآبة و الهَمّ. اشعلْ في قلبك شعلة من نيران حبّه، و احرِق أكداس و رُكام التقليد برمتها».
الاكثر قراءة في مقالات عقائدية عامة
اخر الاخبار
اخبار العتبة العباسية المقدسة